الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أولى ما هنا من أخذهم من المسجد شيئا وجعله حوانيت؛ إذ هو أحرى بعدم الجواز، والله أعلم
.
(ما قولكم) في رجل بنى مسجدا صغيرا بلبن وسقفه من قصب فوهى واندرست أكثر جدرانه، فضاق على المصلين، فأراد أهل البلد توسعته وتعميره بالآجر والجص بغاية الاستحكام بحيث يسع المصلين، فمنعهم ورثه باني المسجد عن تعميره وتوسعته عن حالته الأولى، فهل لهم ذلك أم لا؟
(الجواب) ورثة الباني كأحد المسلمين في أمر المسجد ليس لهم منع أحد من فعل الخير العائد لجميع المسلمين، فلهم التعمير والتوسيع وغيره من المصالح والحال ما ذكر، والله أعلم.
(ما قولكم) في أرض منى من جهة وقفها وبيعها، فهل يصح لأحد أن يقتطع له قطعة منها ويستولي عليها ويتملكها، ويتصرف فيها بالبيع والوقف وغيرهما، ويمنع المسلمين من النزول فيها؟ وإذا وقفها هل ينفذ وقفه لها؟ وإذا وقفها على جماعة هل يطالبون الناظر عليها ويجبرونه على أخذ الأجرة منه بعد موت الواقف؟ وهل يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك البناء حيث كانت تلك الأرض لا تملك كالبناء في المقبرة المسبلة؟ وإذا منع الناظر إعطاء الأجرة للموقوف عليهم يكون آثما عند الله؟ وهل لكل أحد أن يزيل هذا البناء؛ لأنه من المنكر؟ وهل لكل أحد أن يدخل في هذه الأماكن المحكرة بالبناء كالحيشان؟ أفتونا.
(الجواب) لا يجوز بيعها ولا وقفها، ولا الاستيلاء عليها بنية تملكها والتصرف فيها بالبناء فيها وغيره، وإذا كان كذلك فليس له منع أحد من النزول بها، قال سند: وجملة ذلك أن منى لا ملك لأحد فيها، وليس لأحد أن يحجر فيها موضعا، إلا أن ينزل منها منزلا فيختص به حتى يفرغ من نسكه ويخرج منه، والأصل فيه ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:"قلنا: يا رسول الله، ألا نبني لك موضعا يظلك بمنى؟ قال: لا، منى مباح لمن سبق"، خرجه الترمذي والنسائي، وهذا يمنع أن يحجر أحد فيها بنيانا إلا أن يكون نازلا بها ثم وإن كان بها كره له أيضا، قال مالك عند محمد: لأنه تضييق على الناس، وكره إجارة البنيان الذي بها قال في الموازية، وقد سمعت أنه يكره كراء البيوت التي بها، لكن هذا إن قصد كراء البقعة مع ما فيها، أما إن قصد الأخشاب والأحجار والآلات التي بها فقط فلا كراهة، وكذا إن قصد وقفها وعليه فيطالبون الناظر بأجرة الآلات والأخشاب التي بالبقعة، وإذا امتنع الناظر
من الإعطاء يكون آثما، وعلى ولي الأمر أن يمنع من أراد البناء بها، وأن يزيل بناءه لما علمت أنه لا ملك لأحد فيها إلا الانتفاع، وكل من له قدرة على إزالة البناء يجب عليه أن يزيله؛ إذ هو من المنكرات، والله أعلم.
(ما قولكم) في دور مكة المشرفة، هل يجوز بيعها ووقفها وكراؤها أم لا؟ وهل الحسنة فيها بمائة ألف أم لا؟ أفتونا.
(الجواب) في الفروق للقرافي بعد أن حقق عن الإمام أن مكة فتحت عنوة ما حاصله: أراضي العنوة اختلف العلماء فيها؛ هل تصير وقفا بمجرد الاستيلاء، وهو الذي حكاه الطرطوشي في تعليقه عن مالك؟ وللإمام قسمتها كسائر الغنائم وهو مخير في ذلك، والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعض أقوالها قضاء حاكم تعين القول به وارتفع الخلاف، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك في أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف ويتعين ما حكم به الحاكم، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما، والقول بأن الدور وقف إنما يتناول الدور التي صادفها الفتح، أما إذا انهدمت تلك الأبنية، وبنى أهل الإسلام دورا غير دور الكفار فهذه الأبنية لا تكون وقفا إجماعا، وحيث قال مالك: لا تكرى دور مكة يريد، ما كان في زمانه باقيا من دور الكفار التي صادفها الفتح، واليوم قد ذهبت تلك الأبنية، وعليه فتملك وتوهب وتوقف.
وقال القاضي تقي الدين الفاسي: والقول بمنع كراء بيوت مكة فيه نظر؛ لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلافهم عملوا بخلافه في أوقات مختلفة، ثم ذكر وقائع من ذلك عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية رضي الله عنهم وعلى القول بجواز البيع والكراء اقتصر ابن الحاج؛ فإنه قال بعد ذكر الخلاف: وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكراء منازلها، منهم طاووس وابن دينار، وهو قول مالك والشافعي، قال: والدليل على صحة قول مالك ومن يقول بقوله قول الله عز وجل:} الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم {، وقوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، فأثبت لأبي سفيان ملك داره، وأثبت لهم أملاكهم على دورهم، وإن عمر ابتاع دارا بأربعة آلاف درهم، وأن دور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدي أعقابهم، منهم أبو بكر الصديق والزبير بن العوام وعمرو بن العاص وغيرهم، وقد بيع بعضها وتصدق ببعضها، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا