الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتابعين، والعرض بالعرض، والمرابحة، وعرض هبة الثواب. اهـ من المسائل الملقوطة.
[مسألة]
خمس مسائل لا يفيتها حوالة الأسواق: الهبة للثواب، والرد بالعيب، والشيء المغصوب، والإقالة في الطعام، والبيع الفاسد في الرباع والعقار اهـ منها.
[مسألة]
إذا وجد بهوامش الكتب كتابة الوقف فإنه يختلف باختلاف قرائن الأحوال، فإن كانت تلك الكتب مودعة في خزانة في مدرسة وقد مضى عليها مدة طويلة وقد اشتهرت بذلك فلا يشك في كونها وقفًا، وحكمها حكم المدرسة في الوقفية، فإن فقدت كتبها ثم وجدت وعليها تلك الوقفية، وشهرة كتب تلك المدرسة في الوقفية معلومة فيكفي في ذلك الاستفاضة، وأما إذا رأينا كتبًا لا نعلم مقرها ولا نعلم من كتب عليها الوقفية فهذه يجب التوقف في أمرها حتى يتبين حالها، وهو عيب يثبت للمشتري به الرد، فإذا تقرر هذا فينبغي الاعتماد على ما يوجد على أبواب الربط والمدارس والأحجار المكتوب عليها الوقفية، وتخليص شروطها إذا كانت تلك الأحجار قديمة واشتهر ذلك، ويقبل قول المتولي لذلك الوقف في مصرفه إذا لم يوجد كتاب الوقف كما في التبصرة. اهـ من المسائل.
[مسألة]
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: المقوقس القبطي صاحب مصر وإسكندرية روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: حدثني المقوقس قال: أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير فكان يشرب فيه الماء. اهـ منها.
[مسألة]
قال مالك: وأكره الصلاة على بساط أو حصير مبتذل يمشي عليه الصبي والخادم ومن لا يتحفظ، وليتخذ الرجل في بيته موضعًا للصلاة يصونه عن ذلك، أو حصيرًا نقيًا، فإن لم يفعل وصلى حيث شاء من البيت ولا يوقن فيه النجاسة لم يعد. اهـ من المسائل الملقوطة.
[مسألة]
نقل أبو محمد عبد الله بن فرحون في شرح مختصر الموطأ له أنه وقف على كتاب من كتب المالكية فيه أن مالكًا رضي الله عنه قيل له: هل الصلاة فيما زيد في مسجده عليه الصلاة والسلام كالصلاة في المزيد فيه في الفضل؟ فقال: ما أراه عليه السلام أشار بقوله:» صلاة في مسجدي هذا «إلا لما سيكون من مسجده بعد، وأن الله أطلعه على ذلك حتى أشار إليه انتهى. ومذهب الأئمة الثلاثة أن حكم الزيادة حكم المزيد فيه كمذهب مالك والنووي رجع إلى موافقتهم. انظر المسائل.
(الفصل الثاني) فيما نقل من فتاوى العلامة الأمير. (ما قولكم) في ظالم أخذ من رجل ماشية فذهب ذلك الرجل إلى فقير وقال له: اذهب إلى الظالم وتحايل على إخراجها من يده، وإن أخرجتها فلك نصفها، ففعل ذلك فهل له نصفها أو جعل مثله؟
(الجواب)
الحمد لله، إذا تعين ذلك التخليص على الفقير بأن لم يمكن التخليص من الظالم بغيره فلا شيء له لأن تخليص المستهلك في هذه الحالة فرض عين، فلا يؤخذ عليه أجر وإن لم يتعين، فإن كانت الماشية معلومة القدر والصفة للفقير صحت
المعاقدة، وكان له نصفها، وإن كان فيها جهالة فله جعل مثله والله أعلم، كذا في فتاوى الأمير.
(ما قولكم) في رجل اشترى نخلاً وكتب حجة الشراء بخط رجل عدل، ثم فارقه، فإذا بعدلين أطلعهما على تلك الوثيقة فقرآها، وتحققا ما فيها، وخط كاتبها بمعرفتها له سابقا، ووضع المشتري يده على المبيع، ثم ضاعت وثيقة المبيع، ومات الكاتب والبائع فأنكر البيع ورثته، فهل تصح شهادة العدلين اللذين اطلعا على الوثيقة، وعرفا مضمونها وخط كاتبها، إذا ذكرا ذلك ويكون حكم شهادتهما حكم شهادتهما على الوثيقة؟
(الجواب)
الحمد لله المعتمد في المذهب أن الشهادة لا بد فيها من حضور الخط كما ذكره الزرقاني وغيره؛ لأنه إذا عدم كان نقلاً عن الخط، وهو لا يجوز، كيف والشهادة على الخط مختلف فيها من أصلها مع وجود الخط؟ فتزداد بالغيبة ضعفًا، فلا يكتفي بشهادة العدلين في المسألة المذكورة.
(ما قولكم) في دعوى الملكية، هل لا بد أن تصدر في مدة الحيازة كما قال العلامة البناني على الزرقاني، ويسكت المحاز عنه، أو تكفي دعوة الملكية زمن المنازعة؟
(الجواب)
الحمد لله، ظاهر عبارة الزرقاني أن دعوى الملكية المشترط في الحيازة لا بد أن تصدر في مدة الحيازة ولو مرة، ولكن ذكر شيخنا العدوي فيما كتبه أنها تكفي حين المنازعة والله أعلم.
(ما قولكم) في امرأة ماتت وتركت مالاً فهل يلزم زوجها تكفينها وتجهيزها أم لا؟ وما اعتيد بين الناس في فعل السبح والجمع إذا فعله زوجها بإذن باقي الورثة، هل يكون ما صرفه من أصل التركة لإذنهم له فيه أم يكون على الزوج فقط؟
(الجواب)
الحمد لله وحده، تكفين المرأة وتجهيزها الشرعي ليس على الزوج ولو كان موسرًا، وما اعتيد من السبح والجمع كل ذلك مع الكفن ومؤن التجهيز من رأس التركة، لكن إن زاد على الثلث احتاج لإذن الورثة، وعادة الأمثال تخرج من الثلث، والعادة كالوصية والله أعلم.
(ما قولكم) في طين الزراعة بمصر هل يورث؟ وهل يختص به الذكور أو يرثه الذكور والإناث؟ وهل للملتزم أن يزيد في الخراج؟
(الجواب)
الحمد لله وحده أصل نصوص المذهب تقتضي عدم الإرث، وأنه وقف يوضع خراجه في بيت المال لمصالح المسلمين، والناظر عليه السلطان ونائبه يقوم مقامه، والملتزم مكنه نائب السلطان، فله التصرف بالزيادة والنقص في الخراج على ما تقتضيه المصلحة الشرعية، لكن وقعت الفتوى من المشايخ المصريين بالتوريث كالشيخ عبد الباقي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ يحيى الشاوي، وقد سألت عن ذلك شيخ المشايخ الشيخ عمر الطحلاوي -عليه سحائب الرحمة- ما وجه الإرث في الوقف؟ فقال: إنهم جعلوه ملحقًا بالخلو، قلت: وهذا ظاهر إن حصل من واضع اليد إصلاح للأرض يظهر أثره فيها كإزالة شوكها أو حرثها أو نحو ذلك مما يلحق بالبناء في الأوقاف بإذن الناظر لمصلحة، فيكون خلوًا ينتفع به ويملك، وقد قال بالملك حقيقة والإرث من يقول من العلماء إن مصر فتحت صلحًا لا عنوة وليس
للملتزم الزيادة الفاحشة في الخراج، وأول من رتبه سيدنا عمر رضي الله عنه، والملتزم عليه القيام بما تحتاج إليه الأرض من المصالح، وعليه حماية الناحية من المظالم، ومما يضرها ويدفع الخراج لبيت المال ليصرف في جهاته الشرعية، والملتزم الآن يسلب الأموال ويؤذي الفلاحين، فلو وقع أن نائب السلطان مكنه على هذا الوجه فهو فاسد، والسلطان ونائبه وكلاء عن المسلمين في بيت المال، والوكيل لا يتصرف إلا بالمصلحة، فليفت بالإرث في منفعة الطين، والملتزم ليس له إلا الخراج من باب من اشتدت وطأته وجبت طاعته، وليس له إلا الاختصاص بالطين، ولا يجوز منع البنات من الإرث، ولو جرى عرف بمنعهن فهو فاسد لا يعمل به، بل ربما كن أحوج وأحق بما أصله من جهات بيت المال، وسئل أيضا العلامة الأمير عن معنى واحد لا من قلة؟ فأجاب بأن الذي يحضره في معناه أوجه الأول ليست وحدته من أجل قلة من يتصف بالكمالات وصفات الحمد، فإن هذا إنما يكون في الحوادث، وفي الحقيقة الوحدة بهذا المعنى نقص، وأما وحدة الحق فذاتية بكمال لا سبيل لتطرق الاشتراك إليه، وقريب من هذا أن يقال إن معنى واحد لا من قلة أنه ليس له ماهية كلية يمكن تعداد أفرادها لكنها قلت فلم يوجد منها إلا واحد، بل هو منزه عن الماهية الكلية، وعن الجنس ووحدته، وحدته ذاتية لا يمكن فيها تطرق كثرة ولا قلة. الثاني: أن معنى واحد لا من قلة ليست وحدته ناشئة عن تقليل بأن يكون له أنداد وأشباه وشركاء، فسطا عليهم حتى قللهم وأبادهم على عادة الملوك فصار واحدًا انفرد بالملك، بل وحدته أزلية قديمة ذاتية ليست ناشئة عن قلة بمعنى تعليل. الثالث: أن وحدته ليست من حوادث القلة كما يقع في بعض الحوادث، بل هو واحد إليه ترجع جميع الكثرات، وعلى وحدته تدور،} ألا إلى الله تصير الأمور {فهو واحد ظهرت وحدته في جميع المظاهر و} هو الأول والآخر والظاهر والباطن {} ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا {إلى قوله تعالى:} إنه بكل شيء عليم {وهذا معنى شريف لا يمكن شرحه بالتعبير، إنما يذاق بحسب الفتح والتجلي من الفتاح، الرابع: أنه تعالى لا يوصف بقلة ولا كثرة، فإنها من صفات الحوادث} ليس كمثله شيء {وجميع ما خطر ببالك فالله سبحانه وتعالى بخلاف ذلك، سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته.
(ما قولكم) في رجل له أثر فلاحة فغرس فيها نخيلاً وأثمر، فأراد الملتزم أن ينتزع صاحب الأثر من النخل فهل لا يسوغ له ذلك، وعلى صاحب الأثر خراج المثل؟
(الجواب)
لا يسوغ للملتزم نزع الأثر من الذي غرس النخل فيه؛ لأن الطين وإن كان جنسًا على مشهور المذهب في أرض، لكن الأثر ملحق بالخلو الذي لا يملك في الوقف، كذا أفتى به العلامة الطحلاوي في مذاكرتي له -عليه سحائب الرحمة والرضوان-
موجهًا فتوى من أفتى فيه بالإرث كالشيخ إبراهيم الشبرخيتي، والشيخ إبراهيم الشاوي المغربي، وغيرهم رحمه الله ورحمنا معهم- وعلى صاحب الأثر خراج المثل والله أعلم.
(ما قولكم) فيما قاله أهل السنة من أن الله تعالى يعلم الأعداد والنعم الأخروية الدائمة وعذاب الكفار الدائم في الآخرة وهي لا نهاية لها، فإن قلتم يعلمها تفصيلاً يلزم أنها متناهية، والغرض أنها لا نهاية لها، وإن قلتم يعلمها إجمالاً لا يلزم منه الجهل بتفصيلها، وهو عليه تعالى محال، وإن قلتم إنه يعلم أنها لا نهاية لها يلزم منه الجهل بما سيوجد منها، وهو عليه تعالى محال ممتنع، اكشفوا لنا اللثام عن ثغر هذا المرام، نفع الله بكم الأنام بالنبي المصطفى وآله الكرام؟
(فأجاب) سيدي العلامة الأمير بما صورته لزوم التناهي للعلم التفصيلي، إنما هو بحسب العلم الحادث، وهو تعالى لا يبلغ الواصفون صفته، ولا يعلم قدره غيره، وسع كل شيء علمًا، فلا يلزم جهل ولا تناهي، والبحث عن كيفية علمه سبحانه لا يجوز، ولا تسعه العقول، بل نقول: يعلم علمًا لا نعلم نحن كيف هو كما نقول موجود بلا كيف وبلا زمان ولا مكان وبلا أول ولا آخر، ومن يكون كذلك لا يبعد عنده علم تفصيل بلا تناهي، سبحان من ليس كمثله شيء وهو بكل شيء عليم، وسئل رضي الله عنه عن النور المحمدي، هل هو جسم أم لا؟ وإذا قلتم بأنه جسم فلا بد له من حيز هناك لأنه أول المخلوقات، فلا سماء ولا أرض ولا غيرهما قبله، فيجاب بأن النور المحمدي لا تطلق عليه الجسمانية، نعم هو جوهر قائم بذاته، وأما الحيز فهو مرفوع موهوم عند أهل السنة لا يحقق، وإنما يتم قول السائل لا بد له من حيز ولا حيز هناك لو كان الحيز أمرًا وجوديًا، وهو خلاف مذهب الجماعة، فعلى مذهبهم لا إشكال، والله أعلم بحقيقة الحال.
(ما قولكم) في رجل وقف ما يملكه من دور وحوانيت على أخيه، ثم بعد موت أخيه يكون لأولاد الواقف، والحال أنه استمر حائزًا له متصرفًا فيها مدة حياته، فهل هذا الوقف باطل؟
(الجواب)
حيث استمر الواقف واضعًا يده على ما وقف إلى أن مات، ولم يحز عنه حيازة صحيحة، كان الوقف باطلاً، ويكون تركة للواقف والله أعلم. اهـ ما تلخص من فتاوى الأمير.
(من فتاوى العلامة الأمير أيضًا) رجل اشترى من آخر نصف دابة على أن يقضيه الثمن من أولادها، فهل هذا البيع فاسد، وإذا قلتم بفساده فهل يمضي بمفوت؟
(الجواب)
البيع فاسد وهو من حبل الحبلة، ويرجع المشتري على البائع بالكلفة، وإذا فات بحوالة سوق أو مكث الحيوان شهرًا ببيت المشتري مضى البيع بالقيمة.
(سؤال) ما يقع من مواساة الرجل صاحبه عند الفرح كزواج أو قدوم من حج هل يقضي بالعوض؟
(الجواب)
يقضى له بالعوض لأنها هبة ثواب، فيدفع له ما فيه وفاء بقيمة الموهوب مما يباع به شرعًا، ولا يلزم الموهوب له
التأخير إلى حدوث عرس مثلا عند الموهب، قاله الأجهوري، وظاهره أنه لا يعمل بعرف التأخير، وفي البرزلي أنه يعمل به، وللموهوب له أن يقاصص الواهب بقيمة ما أكله هو، وبما أكله من حضر الوليمة تبعًا له، ذكره الشيخ عبد الباقي الزرقاني على المختصر، وما يدفع للطبال ونحوه ويقصد به صاحب الفرح فإن كان مأذونًا فيه شرعًا كالكبر في النكاح وهو الطبل الكبير، فإن علم به صاحب الفرح وأقره فحكمه حكم المدفوع له، وأما ما نهي عنه شرعًا فمن دفع فيه شيئًا فهو الذي أتلفه على نقسه، ولا عبرة بقصد صاحب الفرح ولا إذنه.
(ما قولكم) في رجل له بعض أولاد يتكسبون معه، وبعض لا يتكسب، فمات عن الجميع، فهل يختص من يتكسب بشيء ويشارك إخوانه فيما بقي أم لا؟
(الجواب)
العادة محكمة في ذلك، فإن كان عرفهم البناء على المسامحة، فهو تبرع للأب، فذلك الذي يتكسب لا يختص بشيء بعد موت أبيه، وإن كان عرفهم عدم البناء على المسامحة فيحاسب بقدر تكسبه بنظر أهل المعرفة.
(ما قولكم) في رجل أعطى لآخر دابة واشترط كلفتها، وأن له في نظير كلفتها نصفها ونصف نتاجها؟
(الجواب)
هذا بيع فاسد للجهل بالثمن قدرًا وأجلاً.
(ما قولكم) في رجل عيره آخر بكونه كثير القرض، أو كونه كثير السفر، أو كونه فقيرًا، فقال لمن عيره: النبي صلى الله عليه وسلم اقترض ومات غريبًا وعاش فقيرًا.
(الجواب)
يشدد في الأدب على قائل هذا بالاجتهاد خصوصًا في مسألة الفقر، وإنما لم يكفر لأنه لم يقصد تنقيص النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قصد دفع العار عن نفسه كما قال سيدي خليل أو تعيرني بالفقر والنبي صلى الله عليه وسلم قد رعى الغنم. اهـ وإنما شدد عليه لأن أحوال الأنبياء ليست كأحوالنا، فإنهم أعرضوا عن أمور الدنيا لخستها عند ربهم، فلا يقاس حالنا بحالهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. اهـ بتوضيح.
(ما قولكم) في رجل أعطى لآخر عرضًا هبة مدعيًا أنه يملكه، ثم جاء رجل آخر وادعى أنه يملك ذلك العرض، فهل إذا حضر الواهب وقال لمن وهب له هبتي لك باطلة لكوني لا أملك ذلك العرض وهو ملك لهذا المدعي؟
(الجواب)
هو كمن أقر بشيء لفلان ثم قال لا بل فلان، والحكم أنه للأول، ويقضي للثاني بقيمة العرض على المقر لأن إقرار الشخص إنما يسري على نفسه فيما يملكه لا فيما تعلق به حق للغير، وقال عيسى بن دينار حيث ادعاه الثاني فله اليمين على الأول، فإن حلف فكما تقدم، وإن نكل حلف الثاني وأخذه، ولا شيء للأول.
(ما قولكم) فيمن له على آخر دين بوثيقة شرعية فقطعت من تلك الوثيقة قطعة لا تتم فائدة تلك الوثيقة إلا بما في تلك القطعة كقدر الدين، فأحضر رب الوثيقة بينة رأت تلك القطعة قبل قطعها، وشهدت أن تلك القطعة بخط ذلك الباقي، وشهدت بما فيها سابقًا، وعينت القدر، فهل يعمل بهذه الشهادة ويجري على القطعة الضائعة من الوثيقة حكم الباقي الموجود؟
(الجواب)
الشهادة على القطعة
الضائعة من الوثيقة يعمل بها، لأنه لا بد من حضور الخط المشهود عليه لضعف الشهادة على الخط، وكثرة الخلاف في العمل به، وحضور البعض الذي لا تتم به الفائدة كالعدم.
(ما قولكم) في أولاد مخالطين لأبيهم في التكسب بعد بلوغهم، ثم بعد مدة من الزمان حصلت منازعة بينهم وبينه، وادعوا الشركة معه في جميع المال، وأصل المال للأب، فهل لا شيء للأولاد أو لهم أجرة المثل؟
(الجواب)
إن لم يتبرع الأولاد بالعمل فلهم أجرة مثلهم، ويحاسبهم بنفقته عليهم.
(ما قولكم) فيمن حلف لا يسكن هذه البلد أو لأنتقلن منها؟
(الجواب)
من حلف لا يسكنها يخرج لأي بلدة غيرها ولا يعود إليها أصلاً حيث أطلق في نيته بخلاف قوله: لأنتقلن فإنه يخرج ويمكث نصف شهر وقد تحقق الانتقال.
(ما قولكم) فيمن حلف لزوجته بالثلاث أنه لا يزني ثم زنى ولزمه الثلاث، ثم جعل له شافعي محللاً فدخل بها ثم طلقها ذلك المحلل، ثم أباحها لزوجها الأول شخص بصيغة المراجعة قبل انقضاء العدة من المحلل، ثم أخبره من راجعها له بعد المحلل أن مراجعته لها لم تصادف الصواب، وأن وطئه لها حرام، وقال له: أنا بريء منك فتساهل في ذلك واستمر عليها حتى ولدت الأولاد، فهل تلحق به الأولاد ويكون وطؤه وطء شبهة أو لا تلحق به حيث تساهل ولم يمتثل ما قيل له؟
(الجواب)
يدين هذا الرجل، فإن قال اعتقدت صحة المراجعة الأولى ووطئت معتمدًا على صحتها ولم أصدق الخبر الثاني، وكل لدينه، وكان وطؤه وطء شبهة، وتلحق به الأولاد لتشوف الشارع للحوق النسب، وإن اعترف بأنه وطئ داخلاً على الزنا لم تلحق به الأولاد، والمرأة تأبد تحريمها لأنه وطئ أولاً بالشبهة في العدة، والله أعلم، كذا في فتاوى الأمير.
الفصل الثالث في فتاوى للمؤلف ولولديه محمد عابد ومحمد علي
(ما قولكم) دام فضلكم فيما إذا رفعت المرأة لعالم بأن زوجها قد غاب عنها إلى نحو السودان وتركها بلا نفقة، ولم يوكل لها وكيلاً لينفق عليها، ولا مال له تنفق منه، وأثبتت دعواها لديه بالبينة حتى ظهر لهذا العالم صدق دعواها فأمرها بالانتظار سنة، وبعد السنة أمرها بتطليق نفسها من زوجها على رجل آخر، فلما حضر الزوج الآخر وجدها متزوجة على الزوج الثاني، فرفع أمره إلى قاضي البلد، فأحضر له القاضي المرأة وزوجها الثاني، والعالم الذي فسخ النكاح وزوجها على الثاني، وحضر مع الجميع عند القاضي رجل مالكي المذهب، فقال ذلك الرجل للعالم المذكور: كيف ساغ لك أن تفرق بين الزوجين بمكة وهي بلدة غاصة بحكام الشرع والسياسة والمفتين، وأطلعه على نصوص المذهب المالكي المعينة عدم جواز رفع المرأة أمرها لجماعة المسلمين إلا عند عدم الحكام أو تعذر الوصول إليه، فأجابه العالم المذكور قائلا: إن بيدي نصوصًا تؤيد أنه يجوز الرفع إلى جماعة المسلمين مع وجود الحكام الشرعيين والسياسيين، فقال الرجل المالكي: لو سلمت هذا القول
لا تقبل منهم إلا التوبة أو القتل، وهل ضرر هؤلاء على الإسلام أشد من الكفار أم لا؟ أفتونا بالجواب الشافي والأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وليكن جوابكم على صفحات القبلة الغراء ليطلع عليه الخاص والعام.
(فأجبت بما نصه) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نعم يجب على كل مسلم وجوبا كفائيا الإنكار عليهم في ذلك، ونهيهم عنه بقدر الاستطاعة إذ هو من أقبح المناكر، حيث إنه من المكفرات شرعا كما سيتضح، وقد أجمع العلماء المقتدى بهم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالشرع، وقال تعالى:} ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير {الآية، وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:» من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان «قال العلامة الشيخ محمد الأمير: ومعنى ضعفه دلالته على غرابة الإسلام وعدم انتظامه، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ويجب الخروج عليهم حيث كانوا حكاما، ففي المشكاة عن عبادة بن الصامت قال:» بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من الله فيه برهان «متفق عليه، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة «متفق عليه، وروي في شرح السنة عن ابن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «ويعاملون معاملة المرتدين، يقتلون كفرًا إن لم يتوبوا لأنهم جحدوا معلوما من الدين بالضرورة، وهو وجوب الصوم والصلاة والزكاة وحج البيت على قوم جديد، وجحد المعلوم مستلزم لتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره عنه أنه من الدين في حق جميع المكلفين، وفي المشكاة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» يكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق «رواه مسلم، ولا شك أن ضرر هؤلاء أشد من الكافر، إذ الكافر لا يميل له المسلم إلا لمصلحة أو طمع في ماله مع اعتقاده حرمة موالاته، وهؤلاء يغرون المسلمين بظواهر إسلامهم ونطقهم بالشهادتين، فيعتقد المسلم بذلك وجوب موالاتهم وهم يخادعون المسلمين بأنواع خدائعهم وتمويهاتهم المميلة لضعفاء عوام المسلمين عن الملة الحنيفية السمحاء، أعاذنا الله والمسلمين من شرورهم، وطهر الله البقاع من أثر غرورهم بمحمد خاتم الإرسال صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الآل.
(ما قولكم دام فضلكم) فيما جرت به عادة الأنام من القيام عند قراءة مولده عليه الصلاة والسلام بنية الإكرام، هل هو مستحب أو لا؟ وما دليل الأول الذي يستند له القائل به، وقد أخرج الترمذي عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك، فكيف يصح إكرامه بما يكرهه؟ وهل فرق بين الإكرام حال حياته والإكرام بعد موته؟ وعلى الثاني كيف يفعله العلماء الكرام؟ وهل يجب على والي الأمر أن يمنع منه بمقتضى قاعدة الإسلام؟ أفتونا.
(الجواب)
الحمد لله نص العلامة ابن حجر في فتاويه الحديثية على أن فعل كثير عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ووضع أمه له من القيام بدعة لم يرد فيه شيء على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم فالعوام معذورون لذلك بخلاف الخواص. اهـ وأقول: قد جرى على استحسان ذلك القيام تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم عمل من يعتد بعمله في أغلب البلاد الإسلامية، وهو مبني على ما للنووي من جعل القيام لأهل الفضل من قبيل المستحبات إن كان للاحترام لا للرياء، وألف في ذلك جزءًا مستقلاً، وأقوى ما استدل به حديث البيهقي في سننه أن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها رحبت به وقامت وأخذت بيده فقبلتها، وتعقبه ابن الحاج في المدخل، وتعقب تعقبه ابن حجر، وألف في ذلك جزءًا سماه رفع الملام عن القائل باستحباب القيام للداخل من أهل الفضل والاحتشام وما قول بعضهم:
فلما بصرنا به مقبلاً
…
حللنا الحبى وابتدرنا القيام
فلا تنكرن قيامي له
…
فإن الكريم يجل الكرام
كما في حاشية ابن حمدون على مختصر الشيخ ميارة على نظم ابن عاشر، وبالجملة فالقيام عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ووضع أمه له تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم بدعة حسنة لا ينبغي لأحد من الخواص والعوام تركه، ولا المنع عنه، بل ربما استلزم تركه والمنع عنه اليوم الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد نص العلامة خليل في مختصره وشراحه على أن المستخف بنبي أو ملك يقتل كفرًا إن لم يتب، وإلا قتل حدًا، فمن هنا أفتى المولى أبو السعود العمادي الحنفي بكفر من يتركه حين يقوم الناس لإشعاره بضد ذلك كما نقله الشيخ عبد الرحيم السيوطي الجرجاوي المالكي في شرحه على مولد البرزنجي عن مولد الإمام الحلواني والطنطاوي، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم فيمن لاحظ في وضوئه المذاهب الأربعة، وأم بجماعة على غير مذهبه، فهل تصح صلاتهم خلفه أو لا أفتونا؟
(الجواب)
في شرح أقرب المسالك مع المتن وتوضيح من الصاوي عليه، وجاز بمعنى خلاف الأولى إمامة مخالف في الفروع كشافعي وحنفي، وإن علم أنه مسح بعض رأسه، أو لم يتدلك، أو مس ذكره، لأن ما كان شرطًا في صحة الصلاة أي خارجًا عن ماهية الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام، ولو كان شرطًا
في صحة الاقتداء، أو ركنًا داخلاً فيها، فالعبرة فيه بمذهب المأموم. اهـ ومنه يعلم صحة صلاة المقتدي بالمخالف في الشروع حيث راعى في نحو الوضوء المذاهب الأربعة بالأولى، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم فيمن اتهم زوجته أنها تشرب الخمر بسبب إلقاء المفسدين له ذلك فقال لها: إما أن تختاريني أو تختاري شرب الخمر، فقالت عند غضبها من كلامه: أختار شرب الخمر ولا أختارك، فقال لها الرجل: إن اخترت شرب الخمر فأنت طالق، وهي لم تشرب الخمر قط، فهل يقع عليه الطلاق أم لا؟
(الجواب)
في شرح أقرب المسالك للعلامة الدردير التخيير جعل إنشاء الطلاق ثلاثًا صريحًا أو حكمًا حقًا لغيره مثال الحكمي اختاريني أو اختاري نفسك أو أمرك، قال: وقال القرافي ما حاصله أن مالكًا -رحمه الله تعالى- بنى ذلك، أي كون التخيير مثلاً عبارة عن جعل نحو اختاريني أو اختاري نفسك إنشاء للطلاق ثلاثًا حكمًا حقا لغيره على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم، فصار صريحًا فيه، أي في الطلاق، هذا هو الذي يتجه ويلزم عليه بطلان هذا الحكم اليوم، ووجوب الرجوع إلى اللغة ويكون كناية محضة كما قاله الأئمة الثلاثة؛ لأن العرف قد تغير حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندرة والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مستندا لحكم عادي، بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة، وتغير إلى حكم آخر اهـ. قال الصاوي: ومعنى قوله: ويكون كناية محضة أنه يكون عند الرجوع إلى اللغة كناية خفية. اهـ أي: فيجري على ما نواه به المخير، وسياق كلام السائل دال على أنه لم يقصد به الطلاق، ولا شك أن لفظ التخيير اليوم لم يستعمله أحد في الجعل المذكور إلا في غاية الندور كما كان في زمن القرافي، فبناء على ذلك لم يلزمه السائل إلا طلقة واحدة رجعية بقوله: إن اخترت شرب الخمر فأنت طالق، والله أعلم.
(ما قولكم دام فضلكم) في الجمع بين الأحاديث المتعارضة في تصوير الحيوانات كالحديث الذي روي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وحديث أبي طلحة وعن المراد بالرقم بالثوب المستثنى في حديث أبي طلحة، وعن المراد بالصورة المجسمة وعن حكم اتخاذ صورة الحيوانات بالفوتوغراف أفتونا؟
(الجواب)
المعتمد عندنا معاشر المالكية أن التمثال إن كان لغير حيوان كالشجر جاز، وإن كان لحيوان فما له ظل ويقيم فهو حرام بإجماع، وكذا إن لم يقم كالعجين خلافًا لأصبغ لما ثبت أن المصورين يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما كنتم تصورون، وما لا ظل له إن كان غير ممتهن فهو مكروه، وإن كان ممتهنًا فتركه أولى، كما في توضيح الشيخ خليل على مختصر ابن الحاجب، وهو المنصوص عليه في غير ما ديوان، لكن محل تحريم تمثال الحيوان الذي له ظل إذا لم يكن ناقص عضو لا يعيش بدونه ولا مخروق
البطن خرقًا لا يعيش مثله به، وإلا جاز، ونقل الشيخ عبد الباقي الزرقاني عن الحطاب أنه يستثنى من التصوير المحرم تصوير لعبة على هيئة بنت صغيرة تلعب بها البنات الصغار، فإنه جائز ويجوز بيعها وشراؤها لتدريب البنات على تربية الأولاد. اهـ. وفي اشتراط كون اللعبة الجائزة للبنات الصغار ناقصة أو مما لا يبقى، وعدم اشتراط ذلك خلاف رجح بعضهم الأول، والجمع بين الأحاديث المتعارضة على ما ذكر يحمل الحديث الذي لعائشة ونحوه على كراهة التنزيه لا على التحريم، وأن الرقم في الثوب مستثنى من الصور المحرمة، والمراد به تمثال الحيوانات، وجمع الشافعية بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوه كما في النووي على مسلم، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي أخرجه أصحاب السنن. اهـ. ولفظه في بعض رواياته "أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان على الباب تماثيل، ولفظ رواية الترمذي كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع، فتجعل منه وسادتين منبوذتين يعنى لطيفتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب لحسن أو حسين رضي الله عنهما كان تحت نضد أي بنون مفتوحة فمعجمة كذلك سرير لهم، فأمر به فأخرج، وفي رواية النسائي: إما إن تقطع رءوسها أو تجعل بسطًا توطأ، ولا يقال للصورة المأخوذة بالفوتوغراف مجسمة، إذ المجسمة ما كان لها ظل كما علمت، وحكم اتخاذها الكراهة التنزيهية إذا كملت والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ ملخصًا من بلوغ القصد والمرام ببيان بعض ما تنفر منه الملائكة الكرام للسيد محمد بن جعفر الكتاني مع زيادة.
(ما قولكم) دام فضلكم في رجل أوقف وقفًا على الفقراء والمساكين عامة بلا قيد وقال: يقدم الأقرب فالأقرب، وتوفي الرجل الواقف إلى رحمة الله تعالى، وجعل ابنه ناظرًا على الوقف المذكور والواقف له أبناء أخر غير الناظر المذكور، وافتقر ابن أخي الناظر وليس معه أحد من الفقراء في درجته في ذاك الزمان، فأعطى الناظر لابن أخي الواقف المذكور غلة الوقف، ثم مات الناظر إلى رحمة الله تعالى، ومات أيضًا إخوته، وافتقر أبناء أبناء الواقف وأبناء إخوته جميعًا غير ابن أخيه الذي أعطاه الناظر المذكور غلة الوقف، فطلب جميع من افتقروا مشاركة ابن الأخ المذكور في غلة الوقف، فامتنع محتجًا عليهم بأنه قد أخذ الغلة بصفة الفقر، ولم تزل عنه الصفة المذكورة، فهل لمن افتقر حق في مشاركة ابن الأخ المذكور في غلة الوقف والحالة هذه؟ أم لا حق لهم في مشاركته؟ أم كيف الحكم؟ أفتونا.
(الجواب)
حيث
إن الواقف أوقف وقفه على الفقراء، وقال: يقدم الأقرب فالأقرب، ظهر أن وقفه مقيد بتحقق أمرين معًا، الفقر والأقربية، وحينئذ فينتفي قيده بانتفاء أحد الأمرين، وبانتفاء قيده عن الذي كان مستقلاً بغلة الوقف بموجب تحقق القيد أولا فيه فقط ينتفي عنه الاستحقاق بغلة الوقف، ويرجح استحقاق الغلة لمن تحقق فيه القيد لقول العلامة الشيخ حجازي والعلامة الشيخ محمد الأمير في حاشيتيهما على المجموع عند قوله: ولا يخرج ساكن استغنى لغيره ما نصه واللفظ للأول إلا أن يكون الوقف مقيدًا بوصف، ففقد فيه كما في الحطاب، أو يمكث نحو عشرة أعوام في طلب العلم، ولم تظهر له نجابة كما في المعيار، أو يشترط الوقف أن من استغنى لا شيء له، أو يرى الناظر ذلك مصلحة. اهـ. ولفظ الأمير: إلا أن يكون الوقف مقيدًا بوصف الحاجة، وشرط الواقف أن من استغنى لا حق له ككل من فقد فيه الوصف الذي قيد به الواقف كما في الحطاب في المعيار إن مكث نحو عشرة أعوام في طلب العلم، ولم تظهر له نجابة لا يستحق فيما قيد بطلبة العلم. اهـ. ولا شك أن ابن أخي الواقف المذكور إنما استحق الاستقلال بغلة الوقف المذكور أولا بموجب تحقق الفقر والأقربية معًا فيه، وبمجرد افتقار أبناء أبناء الواقف قد زالت عنه صفة الأقربية، وبزوالها زال عنه استحقاق غلة الوقف المذكور، وآل استحقاق الغلة المذكورة لأبناء أبناء الواقف بمقتضى تحقق الفقر والأقربية معًا فيهم فقط، واعلم أنا مع قول الواقف يقدم الأقرب فالأقرب، لا نحتاج لقياس الغلة على السكنى في جريان قول الأمير وغيره، ولا يخرج ساكن استغنى لغيره على أن الفرق بينهما باقتضاء الغلة استيلاء الناظر دون المستحق، واقتضاء السكنى العكس كما لا يخفى، وحينئذ فلا يأتي عند عدم قول الواقف يقدم الأقرب فالأقرب، إلا قول العلامة الأمير في مجموعه، وفضل الناظر الأحوج ثم قريب الواقف من غير معينين في غلة وسكنى. اهـ. قال الشيخ حجازي عليه أي ثم إذا استووا في الاحتياج فضل قريب الواقف وأعطي الفضل لمن يليه، فإن لم يكن أقرب ولم يسعهم أكرى عليهم، وقسم كراؤه بينهم بالسواء إلا أن يرضى أحدهم بما يصير لأصحابه من الكراء ويسكن فيها، فله ذلك كما في الحطاب. اهـ. دون قول الأمير المتقدم، ولا يخرج ساكن استغنى لغيره كما لا يخفى، فتأمل بإنصاف، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في طائفة اختلفوا في صلاة التراويح، فبعضهم أقاموا بعشر ركعات سنينا عديدة واعتقدوا أنها أفضل من العشرين بدعوى أن الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة وثمانية وثلاثة عشر ركعة مع الوتر، والاتباع خير من الابتداع، وبعضهم قالوا: إن التراويح لغير من بالمدينة عشرون ركعة مع الوتر بإجماع الصحابة عليه، وهو اختيار إمامنا الشافعي، والعمل عليه عند أهل الحرم المكي، فمن فعلها أقل من ذلك فهو زنديق لإنكاره الإجماع، بدليل أنهم لو لم ينكروا الإجماع لما فعلوا أقل من ذلك
فلا تحل ذبيحتهم وطعامهم ومناكحتهم، ولا تجوز الصلاة على جنائزهم، ثم أفتى قوم منهم بأن القائل بكفر الفاعلين أقل من عشرين هو كافر قطعًا لأنه سمى الإسلام كافرًا، وأن صلاة التراويح صحيحة مطلقًا سواء كانت عشرين أو أقل منه أو أكثر، فمن اقتصر على نحو ركعة أو ركعتين أو ثلاثة فقد حصل أصل السنة، ومن أتمها عشرين فقد حاز كمال الفضيلة، أخذًا من الكتاب المسمى ببشرى الكريم، وعبارته: ولو اقتصر على بعض العشرين صح وأثيب عليه ثواب التراويح خلافًا لبعضهم، فقولهم وهي عشرون أي أكثرها، فما الحكم في ادعاء هؤلاء وأقوالهم واعتقادهم؟ أفيدونا بالجواب الشافي، ولكم من الله جزيل الثواب الوافي.
(الجواب)
أما دعوى الفرقة الأولى أن صلاة التراويح بعشرين ركعة من الابتداع فباطلة لقول العلامة ابن رشد في بداية المجتهد: أجمعوا على أن التراويح التي جمع عليها عمر بن الخطاب الناس مرغب فيها، وإن كانوا اختلفوا أي أفضل أهي أو الصلاة آخر الليل التي كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الجمهور على أن الصلاة آخر الليل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام:» أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة «ولقول عمر بن الخطاب فيها: "والتي تنامون عنها أفضل"، واختلفوا في المختار من عدد الركعات التي يقوم بها الناس في رمضان، فاختار مالك في أحد قوليه وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود القيام بعشرين ركعة سوى الوتر، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستًا وثلاثين ركعة والوتر ثلاث، وسبب اختلافهم اختلاف النقل في ذلك، وذلك أن مالكًا روى عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة، وخرج ابن أبي شيبة عن داود بن قيس قال: أدركت الناس بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه الأمر القديم، يعني القيام بست وثلاثين ركعة. اهـ. وفي شرح عبد الباقي على العزية مع المتن، ومن المستحب متأكدًا قيام رمضان، وهو ثلاث وعشرون ركعة بالشفع والوتر. اهـ. قال الشيخ حسن العدوي عليه: اقتصر على هذا العدد لأنه هو الذي استمر عليه العمل في زمننا شرقًا وغربًا، وإلا ففي أول الأمر كانوا يقيمون بإحدى عشرة ركعة، لكن مع تطويل القراءة، وقد كان صلى الله عليه وسلم صلاها مع بعض أصحابه ذات ليلة، فلما أصبح الناس تحدثوا بذلك، ففي الليلة الثانية كثروا، فلما كان في الليلة الثالثة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم خشية أن تفرض عليهم. اهـ. وفي الزرقاني على الموطأ عند قوله: قال عبد الرحمن بن عبد القاري: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع أي جماعات متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد
لكان أمثل، فجمعهم على أُبي بن كعب، قال: أي عبد الرحمن ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعمت البدعة هذه، ما نصه وصفها بنعمت لأن أصل ما فعله سنة، وإنما البدعة الممنوعة خلاف السنة، وقال ابن عمر في صلاة الضحى:"نعمت البدعة" وقال تعالى:} ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله {وقال الباجي: وهذا تصريح منه بأنه أي عمر أول من جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد؛ لأن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمه غيره، فابتدعه عمر وتابعه الصحابة والناس إلى هلم جرًا، وهذا يبين صحة القول بالرأي والاجتهاد. اهـ. فسماها بدعة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسن الاجتماع لها، ولا كانت في زمان الصديق، وهي لغة: ما أحدث على غير مثال سبق، وتطلق شرعًا على مقابل السنة، وهي ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة، وحديث:» كل بدعة ضلالة «عام مخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: "نعمت البدعة" وهي كلمة تجمع المحاسن كلها، كما أن بئس تجمع المساوئ كلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم:» اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر «، وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنه اسم البدعة. اهـ. وأما دعوى من أفتى من الفرقة الأولى بأن القائل بكفر الفاعلين أقل من عشرين هو كافر قطعًا فباطلة أيضًا لقوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {، وما في الموطأ من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:» من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما «، وفي رواية في مسلم:» فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه «، وغير هذا من الروايات، قال ابن عبد البر: المعنى فيه عند أهل الفقه والأثر والجماعة النهي عن أن يكفر المسلم أخاه بذنب، وقد ورد مثل هذا في قوله عليه السلام:» سباب المسلم فسق وقتاله كفر «وقوله عليه السلام:» لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض «، فهذه الأحاديث وما أشبهها ليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم بالأصول، يدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجمع عليها والآثار الثابتة، وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين، واحتجوا بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى:} ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {، وقوله تعالى:} أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون {، ونحو هذا، والحجة عليهم قوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {ومعلوم أن هذا قبل الموت لمن لم يتب لأن الشرك من تاب منه. وانتهى عنه غفر له، قال الله تعالى:} قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {، وأجمعوا على أن المذنب وإن مات مصرًا يرثه ورثته، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، فهذا كله يشهد أن من قال لأخيه يا كافر ليس على ظاهره وقوله:» فقد باء بها أحدهما «أي فقد احتمل الذنب في ذلك القول، والمعنى أن المقول له يا كافر إن كان كذلك
فقد احتمل ذنبه ولا شيء على القائل قوله ذلك لصدقه في قوله، وإن لم يكن كذلك فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم احتمله بقوله ذلك. اهـ. كلام ابن عبد البر في التمهيد من شرح الموطأ، أفاده الوالد في فتاويه عن المسائل الملقوطة، وبالجملة فكل من صلاة التراويح بإحدى عشرة ركعة مع الوتر أو بثلاث وعشرين ركعة مع الوتر، أو بأقل أو بأكثر محصل لسنة التراويح بلا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في كون الإحدى عشرة أفضل من الثلاثة والعشرين أو بالعكس، والجمهور على الأول بشرطين: أحدهما: كونها بتطويل القراءة، وثانيهما: كونها آخر الليل لا أوله، ولكن قد جرى العمل بترجيح الثاني لأمرين: أحدهما: أن الناس الآن لم يصلوا التراويح إلا أول الليل؛ لكونه أسهل في حقهم، وثانيهما: أنهم قد جروا على التخفيف في القراءة خوفًا من أن يتركها الأغلب لو طولت، فصار كثرة الركعات عوضًا عن التطويل في القراءة، وقد وقع الخلاف بين العلماء في كون الأفضل كثرة الركعات أو قلتها مع التطويل، وكل من الفرقة الأولى والثانية قد ارتكبت ذنبًا عظيمًا في قولها بما لم يقل به الشرع، أما الثانية: فلدعواها أن من فعل التراويح أقل من عشرين ركعة زنديق لا تحل ذبيحته
…
إلخ، وأما الأولى: فلقولها بأن من كفر مسلمًا فقد كفر كما لا يخفى، فيجب على ولي الأمر تعزيرهم بما يراه والله أعلم.
(ثم سئلت بعين السؤال المذكور فأجبت بما نصه): الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قد تقدم نظير هذا، وأجبت بما حاصله أن كلا من صلاة التراويح بإحدى عشرة ركعة مع الوتر أو بثلاث وعشرين ركعة مع الوتر أو بأقل أو بأكثر محصل لسنة التراويح التي هي عبارة عن قيام الليل بلا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في كون الإحدى عشرة أفضل من الثلاثة والعشرين أو بالعكس؟ والجمهور على الأول بشرطين: أحدهما: كونها بتطويل القراءة، وثانيهما: كونها آخر الليل لا أوله، ولكن قد جرى العمل بترجيح الثاني لأمرين: أحدهما: أن الناس الآن لم يصلوا التراويح إلا أول الليل لكونه أسهل في حقهم، وثانيهما: أنهم قد جروا على التخفيف في القراءة خوفًا من أن يتركها الأغلب لو طولت، فصارت كثرة الركعات عوضًا عن التطويل في القراءة، وقد وقع الخلاف بين العلماء في كون الأفضل كثرة الركعات مع التخفيف أو قلتها مع التطويل، وكون صلاة التراويح بالعدد الأول هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتضي كون صلاتها بالعدد الثاني بدعة ضرورة أن ذلك هو ما أجمع الصحابة عليه مع سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وقد قال صلى الله عليه وسلم:» اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر «فدعوى الفرقة الثانية كفر من صلى التراويح أقل من عشرين لإنكاره الإجماع، فلا تحل ذبيحتهم ولا مناكحتهم باطلة قد ارتكب قائلها ذنبًا عظيمًا في قوله بما لم يقل به الشرع بتكفير المسلم بمجرد وهم الذنب، وكذا دعوى من أفتى من الفرقة
الأولى بأن القائل بكفر الفاعلين أقل من عشرين هو كافر قطعًا باطلة لقوله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {، قال ابن عبد البر: ومعلوم أن هذا قبل الموت لمن لم يتب؛ لأن الشرك من تاب منه وانتهى عنه غفر له، قال الله تعالى:} قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {وأجمعوا على أن المذنب وإن مات مصرًا يرثه ورثته، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، فهذا كله يشهد أن من قال لأخيه: يا كافر ليس على إطلاقه، وقوله صلى الله عليه وسلم:» من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما «أي فقد احتمل الذنب في ذلك القول، والمعنى أن المقول له يا كافر إن كان كذلك فقد احتمل ذنبه، ولا شيء على القائل له ذلك لصدقه في قوله، وإن لم يكن كذلك فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم احتمله بقوله ذلك. اهـ المراد من كلام ابن عبد البر في التمهيد من شرح الموطأ والله أعلم.
(ما قولكم دام فضلكم) في امرأة توفيت ولا وارث لها سوى أنها تركت من ذوي رحمها أولاد أختها الشقيقة وأولاد ابن أختها لأب فمن يرثها؟ أفتونا
(الجواب)
أولاد أخت الشقيقة يستحقون النصف، وأولاد ابن الأخت للأب يستحقون السدس، ويرد الباقي عليهم بنسبة ما استحقه كل على ما اعتمده المتأخرون من توريث ذوي الأرحام، وعلى ما هو الأصح في طريقة توريثهم من مذهب أهل التنزيل، ففي شرح أقرب المسالك أن الذي اعتمده المتأخرون توريث ذوي الأرحام، حيث لم يكن ذو سهام، وذكر الشيخ الصاوي في حاشيته: أن ولد الأخوات من جميع الجهات كلها من ذوي الأرحام، وأن أصح المذاهب في توريثهم مذهب أهل التنزيل، وحاصله أننا ننزلهم منزلة من أدلوا به للميت درجة، فيقدم السابق للميت، فإن استووا فاجعل المسألة لمن أدلوا به. اهـ والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم فيمن اتهم بتهمة قتل أو سرقة أو ضرب ولم يثبت عليه شيء من ذلك على المنهج الشرعي، بل وجد قرائن وأحوال ظنية توجب الشبهة عليه، فهل والحال ما ذكر للحاكم الشرعي تعزيره بما يراه من حبس أو ضرب بالسوط زاجرًا له أم لا؟ أفتونا مأجورين حال كون ذلك معزيًا إلى مأخذه من كتب المذهب، ولكم الثواب من الملك الوهاب.
(الجواب)
نعم له ذلك اعتمادًا على القرائن والأحوال الموجبة للتهمة، ففي كتاب التبصرة للعلامة ابن فرحون في فصل بيان عمل فقهاء الطوائف الأربعة بالحكم بالقرائن والأمارات، قال ابن العربي: على الناظر أن يلحظ الأمارات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضي بجانب الترجيح وهو قوة التهمة، ولا خلاف في الحكم بها، وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة، وبعضها قال بها المالكية خاصة، ثم أخذ يعدد شواهد ذلك من المسائل إلى أن قال السابعة والعشرون اعتبار اللوث والاعتماد عليه في الأقدام على القسامة، والأخذ بالقود، وقال: والخامس والثلاثون
وجوب إقامة الحد على المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يكن لها زوج، وكذلك الأمة إذا لم يكن لها زوج ولا سيد معترف أنه وطئها، والسادسة والثلاثون: وجوب الحد على من وجدت منه رائحة الخمر أو قاءها، وقال: والتاسعة والثلاثون: أن مالكًا وأصحابه -رحمهم الله تعالى- منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق، غير أن قابل العرف يدل على كذبها كدعوى رجل لدار بيد حائز يتصرف بالهدم والعمارة مدة طويلة نحو عشر سنين، والمدعي ساكت، ولا ثَم مانع من خوف ولا قرابة ولا صهر، فإن ذلك قرينة دالة على كذب الدعوى، وكذلك لو ادعى رجل على رجل أنه سرق متاعه، والمدعى عليه مما لا يتهم، فإن المدعي لا تسمع دعواه لقيام شاهد الحال على كذبه وقصده الأذى، ويؤدب المدعي على خلاف في ذلك، الأربعون: قال أصحابنا: إذا رأينا رجلاً مذبوحًا في دار والدم يجري وليس في الدار أحد ورأينا رجلاً قد خرج من عنده في حالة منكرة علمنا أنه الذي قتله، وكان لوثًا يوجب القسامة والقود للقرينة الظاهرة. اهـ المراد، وفي شرح العلامة الدردير على سيدي خليل: ومن قام له لوث من أولياء المقتول على شخص فادعى به عليه فطلب من المدعي أيمان القسامة أي الخمسون بأن يقول بالله الذي لا إله إلا هو لمن ضربه أو جرحه مات، أو لقد قتله، أو لقد جرحه، أو ضربه ولقد مات منه على تفصيله المذكور في محله، فنكل أي عن أيمان القسامة، وردها على المدعى عليه فحلفها، وأولى إن لم يحلفها، فإن المدعى عليه يجلد مائة ويحبس سنة نظرًا للوث، قال: واللوث بفتح اللام وسكون الواو وهو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الظن بوقوع المدعي به ويسمي اللطخ. اهـ المراد، والله أعلم.
(ما قولكم) فيما إذا وكلت المرأة البكر البالغة بالحيض أو السن رجلاً بالولاية العامة، وليس لها ولي مجبر على أن يزوجها بفلان بمهر كذا، هل يصح نكاحها أم لا؟ أفتونا.
(الجواب)
إذا كانت المرأة غير متصفة بواحد من صفات أربع: الجمال، أو المال، أو الحسب، أو النسب صح نكاحها بالولاية العامة مع وليها الغير المجبر كعمها أو كافلها أو الحاكم؛ فلذا نص في المدونة وابن عرفة وابن فتوح وغيرهم على جواز تولي عقد نكاح الدنيئة التي لم تتصف بواحد من الصفات المذكورة لمطلق مسلم مع وجود كعمها أو كافلها أو الحاكم، وإذا اتصفت بصفتين من الصفات المذكورة، بل وبصفة فقط على ما قاله بعضهم، فشريفة لا يصح نكاحها بالولاية العامة مع وجود كعمها أو الحاكم إلا إذا دخل الزوج بها ومضى بعد الدخول زمن تلد فيه الأولاد كثلاث سنين، فلذا لم يجز لمن له الولاية العامة أن يتولى عقد نكاح امرأة شريفة مع وجود كعمها أو الحاكم، كذا في أقرب المسالك وشرحه، والله أعلم.
(ما قولكم دام فضلكم) في بكر بالغة زوجها أبوها على رجل بمهر مسمى قبض بعضه وأجل بعضه، فادعت بعد الدخول أنها لم تقبض شيئًا من المسمى، فهل تسمع دعواها أم لا؟ وهل للأب قبض الصداق أم لا؟
(الجواب)
لا تسمع دعواها، وللأب قبض الصداق، ففي مجموع العلامة الأمير مع شرحه، وضوء الشموع: وقبضه أي الصداق مجبر ووصي على المال، وهو مقدم، وصدق في التلف بيمين، ولا يحتاج لبينة، أي على التلف الذي حلف عليه، أو على القبض من حيث براءة الزوج، ولا يغرمه الزوج ثانية. اهـ والله أعلم.
(ما قولكم دام فضلكم) في قول المؤذنين بين يدي الخطيب في يوم الجمعة: روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: "أن يوم الجمعة سيد الأيام وحج الفقراء وعيد المساكين والخطبة فيها مكان الركعتين، فإذا صعد الخطيب المنبر فلا يتكلمن أحدكم، ومن يتكلم فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له" هل هذا الحديث ورد كله في حديث واحد أم لا؟ وهل قوله مكان بالرفع على أنه خبر قوله والخطبة؟ أم بالنصب على أنه ظرف لأن علماء الجاوي اختلفوا فيه فقال بعضهم: بنصبه ولا يجوز رفعه لأن الرفع يقتضي أن الخطبة موضع للركعتين، وليس كذلك بل إنما منزلة منزلة الركعتين، وأيضًا أن الخطبة مؤنثة، والمكان مذكر فكيف يخبر عن المؤنث بالمذكر، وقال بعضهم برفعه لأنه ظرف متصرف وهو الظاهر، وإن كان يجوز نصبه ليعلم المبتدون أنه خبر مرفوع بينوا لنا ذلك بأوضح البيان، ولكم الأجر والثواب من الرحيم الوهاب؟
(الجواب)
لم يرد هذا كله في حديث واحد، وإنما قولهم روي عن أبي هريرة رضي الله عنه إلى الأيام فهو بمعنى ما في الموطأ من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» خير يوم طلعت الشمس يوم الجمعة «، وفي الزرقاني "عليه" ولمسلم من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:» خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة «الحديث. اهـ. وقولهم: "وحج الفقراء وعيد المساكن" ففي الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للعلامة السيوطي حديث الجمعة حج المساكين ابن أبي أسامة في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما. اهـ. وقولهم: فإذا صعد
…
إلخ ففي الجامع الصغير للعلامة السيوطي بلفظ:» إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت «. اهـ. وفي الزرقاني على الموطأ عند شرحه لهذا الحديث، ولأحمد من حديث علي مرفوعًا:» ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له «، ثم قال: وقال الباجي: معناه المنع من الكلام وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالصمت حينئذ فهو لاغ؛ لأنه قد أتى من الكلام بما ينهى عنه، كما أن من نهى في الصلاة مصليًا عن الكلام فقد أفسد على نفسه صلاته، وإنما نص على أن الآمر بالصمت لاغ تنبيهًا على أن كل مكلم غيره لاغ، واللغو رديء الكلام، وما لا خير فيه. اهـ. ثم قال: واستدل بالحديث على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور في حق من يسمعها، وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر، قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة، قال: وللشافعي في المسألة
قولان مشهوران، وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ فعلى الأول يحرم لا على الثاني، وهو الأصح عندهم، فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليه من شنع من المخالفين. اهـ المراد، ومنه يعلم أن قولهم: والخطبة فيها مكان الركعتين ليس بحديث، وإنما هو توجيه لقوله في الحديث:» فقد لغوت «عند من استدل به على منع جميع أنواع الكلام، وفي العزيزي» فقد لغوت «أي تكلمت بما لا ينبغي؛ لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين، فلا ينبغي الكلام فيها، فيكره حينئذ تنزيهًا عند الشافعية وتحريمًا عند الثلاثة. اهـ. ومكان إن جعل بمعنى بدل الذي في كلام الزرقاني صح رفعه، ولا وجه لمنعه ضرورة إن بدل لا يؤنث للمؤنث على أن مكان اكتسب التأنيث من المضاف إليه، فيصح رفعه مع بقائه على معناه، ثم اعلم أن قول المؤذنين بين يدي الخطيب يوم الجمعة ما ذكر من الأحاديث بدعة سيئة لوجهين:
(الأول) أنه استظهار على الشارع بزيادة على خطبة على الخطبتين التي طلبها وجعلها بمنزلة الركعتين.
(والثاني) أنه بمنزلة زيادة ركعة في صلاة الجمعة خامسة على الأربع الذي جعلها الشارع، وزيادة ركعة في الصلاة لا شك في منعه، فيكون ما شابهه لا أقل من أن يكون مكروهًا كراهة شديدة، ولم تدع الضرورة له فيتجه، بل من الممكن إدراج الخطيب واحد من هذه الأحاديث في افتتاح خطبته كما لا يخفي على ذي لب، ويشهد لذلك قول تاج الدين السبكي في جمع الجوامع: قال الشيخ أبو محمد الجويني: والمتوضئ يشك أيغسل غسلة ثالثة فيكون مأمورًا بها أم رابعة فيكون منهيًا عنها؟ لا يغسل خوف الوقوع في المنهي عنه. اهـ فافهم، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في قول صاحب الرسالة ابن أبي زيد: ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل، وقال شارحه أبو الحسن: ويشترط في شاهدي النكاح العدالة لما رواه ابن حبان في صحيحه من قوله عليه الصلاة والسلام:» لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل «، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل لحديث:» فإن لم يوجد العدول استكثروا من الشهود كالثلاثين والأربعين «. اهـ فما تعريف هذه العدالة المشروطة في شروط النكاح؟ وما تعريف الذين يستكثر منهم؟ ثم هل يوجد قول بالاكتفاء بأقل من ثلاثين كالعشرة ولو على الضعيف أو خارج المذهب؟
(الجواب)
قال العلامة خليل في باب الشهادة: العدل حر مسلم عاقل بالغ بلا فسق وبلا حجر وبدعة، وإن تأول كخارجي وقدري. اهـ. قال العلامة العدوي على الخرشي: ما لم يتب الفاسق وتعرف توبته، ثم قال: العدالة تطلق بمعنى عدالة الشهادة، وهي ما نظر لها المصنف بقوله العدل
…
إلخ، وتطلق بمعنى المحافظة الدينية على اجتناب الكبائر والكذب وتوقي الصغائر، وهو ما نظر له عياض وابن شاس، ويوصف بها العبد، فلذلك جعلوا هذه الشروط في الشاهد، وجعلوا من جملة الشروط أن يكون عدلاً. اهـ. والعدالة بالمعنى الأول عرف الفقهاء وبالمعنى
الثاني عرف المحدثين كما يؤخذ من الخرشي، فظهر أن العدالة المشروطة في شهود النكاح هي عدالة الشهادة التي نظرها العلامة خليل بقوله العدل
…
إلخ، وقال العلامة العدوي عند قول شارح الرسالة: ويشترط في شاهدي النكاح العدالة ما نصه أي عند تحمل الشهادة، وإن كانت العدالة لا تشترط في غير النكاح إلا وقت أداء الشهادة. اهـ. والذين يستكثر منهم عند عدم العدلين هم غير العدول من المستورين والفاسقين، وفي الدسوقي عند قول الدردير على سيدي خليل: فغير العدول من مستور وفاسق عدم ما نصه هذا عند وجود العدول، وأما عند عدمهم فيكفي اثنان مستور حالهما، وقيل: يستكثر من الشهود. اهـ. وقد نصوا على أن شهادة التواتر لا تحد بعدد، بل المدار على من يؤمن تواطؤهم على الكذب، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في أكل بقرة ضربت بندقة على قلبها وكبدها ورئتها، فطرحت على الأرض، وبقيت تدب على الأرض أقل من عشر ساعات، فلحقها ربها وهي حية، فذبحها فوجد أثر الضرب في المواضع المذكورة، هل يحل أكلها أم يحرم؟ أفتونا.
(الجواب)
نعم يحل أكلها إن صحب تذكيتها شخب دم أو قوة حركة، ففي شرح أقرب المسالك مع المتن للعلامة الدردير ما حاصله: أن ما أيس قبل تذكيته من حياته بسبب خنق أو وقذ أي ضرب بحجر أو غيره أو ترد من ذي علو، أو نطح لها من غيرها أو غير ذلك من كل ما ينفذ مقتلاً لها إنما يؤكل إذا ذكى بشرطين:
(أحدها) أن لا ينفذ بشيء مما ذكر قبل الذبح مقتلها بواحد من خمسة أمور:
الأول: قطع النخاع. الثاني: قطع الودج، الثالث: نثر الدماغ، الرابع: نثر الحشو وهو ما حوته البطن من قلب، وكبد، وطحال، وكلوة، وأمعاء أي إزالة ما ذكر عن موضعه بحيث لا يمكن عادة رده لموضعه، الخامس: ثقب أي خرق مصران وأولى قطعه.
(وثانيهما) أن يصحب تذكيتها إما قوة حركة كمد رجل وضمها لا مجرد مد أو ضم أو ارتعاش أو فتح عين أو ضمها، وإما شخب دم منها أي خروجه بقوة، وإن لم يتحرك. اهـ والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في رجل من المسلمين حضر بالمحكمة الشرعية مع خصمه، وعند الحكم عليه بالحكم الشرعي نفر وقال: أنا رعية أرفع أمري إلى قنصلي، فخرج ورفع أمره بالفعل، فماذا يحكم عليه بذلك؟ وماذا يستحقه شرعًا؟ أفتونا.
(الجواب)
قال القاضي أبو الوليد ابن رشد -رحمه الله تعالى- في أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب من مقدماته: واجب بإجماع المسلمين أي وبالكتاب والسنة على من أسلم بدار الحرب أن لا يقيم بها حيث تجري عليه أحكامهم. اهـ. قال الشيخ عليش: وسوى المتأخرون بين هذه الصورة -أعني طرو الإسلام على الإقامة بدار الحرب وصورة طرو الإقامة على أصالة الإسلام- في وجوب عدم الإقامة بها، حيث تجري عليه أحكام المشركين. اهـ. قال ابن رشد: فإذا وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على من أسلم بدار الحرب
أي وكذا لو طرأت الإقامة بها على أصالة الإسلام أن يهجره ويلحق بدار المسلمين، ولا يثوى بين المشركين ويقيم بين ظهرانيهم؛ لئلا تجري عليه أحكامهم، فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة أو غيرها. اهـ. وعليه فنفور هذا الرجل المسلم عن الحكم الشرعي وميله لرفع أمره إلى قنصله الكافر ليجري عليه حكم أولى بالتحريم مما ذكره ابن رشد والشيخ عليش ضرورة أن الذي صرح بتحريمه ليس فيه رغبة عن الحكم الشرعي، وميل لحكم الكافر صراحة، بل التزامًا بخلاف هذا الرجل المسئول عنه كما لا يخفى، قال العلامة ابن فرحون في تبصرته: العقوبة تكون على فعل محرم أو ترك واجب أو ترك سنة أو فعل مكروه، ومنها ما هو مقدر، ومنها ما هو غير مقدر، وتختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلاف الجرائم وكبرها وصغرها، وبحسب حال المجرم في نفسه، وبحسب حال القائل والمقول فيه والقول، قال ابن قيم الجوزية: اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد بحسب الجناية في العظم والصغر، وبحسب الجاني في الشر وعدمه. اهـ. ولا شك أن هذه الرجل قد ارتكب محرمًا إن لم يكن كفرًا فهو قريب منه، فيجب على الحاكم المبالغة في عقوبته بما يكون رادعًا له ولأمثاله والله أعلم.
(ما قولكم دام فضلكم) في عقار أوقفه من يملكه على نفسه، ثم على أولاده، ثم على أولاد أولاده طبقة بعد طبقة، ثم على المعاتيق، ثم على جهة لا تنقطع، وقد انحصر الوقف الآن في أولاد أولاد الواقف، فيتعدى أحدهم على قطعة أرض مسقوية من الوقف وبدلها بأرض عثرية، والحال أنه ليس هو بناظر، ولا بالوقف خراب يجوز استبداله، فرفع المستحقون المستبدل للقاضي فادعى أن الأرض العثرية ملكه بوضع يده عليها، وأنكر كونه أخذها عن قطعة الأرض المسقوية التي هي ضمن الوقف، فطلب القاضي من المستحقين المدعين على المستبدل المذكور بينة تشهد بأن الأرض العثرية بدل عن المسقوية التي من ضمن الوقف المذكور، فأحضروا شاهدين فشهدا بذلك، فطعن في الشاهدين المستبدل بأنهم عصبة، وعنده البينة على ذلك، فأجاب المستحقون المذكورون بأنهم عصبة لا يستحقون في الوقف شيئًا، فهل يكون الطعن المذكور في بينة الوقفية موجبًا لعدم قبولهم أم لا؟ أفتونا.
(الجواب)
إن الطعن في بينة الوقفية بأنهم عصبة لم تبطل شهادتهم بالوقفية إذا انحصر الوقف فيهم، أو كان معهم مشارك في الوقف، أو كان الوقف يرجع إليهم بعد حين، قال العلامة الدردير في شرحه على أقرب المسالك مع المتن: ولا شهادة لشاهد إن جر بها نفعًا كشهادته بعتق عبديتهم الشاهد في ولائه، كأن يشهد أن أباه مثلاً قد أعتق عبده فلانًا، وفي الورثة من لا حق له في الولاء كالبنات والزوجات، ويشترط أن تكون التهمة حاصلة في الحال بأن يكون العبد لو مات الآن ورثه الشاهد، وأما إذا كان قد يرجع إليه الولاء بعد حين كما لو شهد أن أخاه قد أعتق عبده، وللأخ ابن فتقبل شهادته كما تقبل إذا كان لا وارث معه،
أو معه وارث يشاركه في الولاء لعدم التهمة. اهـ. والله أعلم.
(ما قولكم دام فضلكم) في الرجل إذا جعل للمرأة عبده صداقًا، وعقد عليها بعد أن طلقها رجل قبله وانقضت عدتها بالأطهار، ودخل فأتت بولد لخمسة أشهر من وطء الثاني، فاستفتى الرجل بعض علماء التكارنة عن الحمل هل يكون له؟ فأفتاه بأن الحمل للأول وأمره بطلاقها فطلقها، وأخذ العبد الذي جعله صداقًا، فهل العبد له أم لها؟ وهل الفتوى المذكورة صحيحة أم لا؟ أفتونا.
(الجواب)
إن نكاح الرجل الثاني فاسد لوقوعه في عدة طلاق الأول لقول العلامة خليل في حق غير الحامل والمرتابة وهي التي تعتد بالأقراء كما صرح به شمس الدين التتائي وغيره، وإن أتت بعدها أي العدة بولد لم يزد على أقصى الحمل من وطء الأول، ولم يبلغ أقله من الثاني لحق بالأول إلا أن ينفيه بلعان. اهـ. مع قول الشيخ عليش في فتاويه: الحامل تحيض عندنا، ودلالة الحيض على عدم الحمل ظنية أغلبية اكتفى بها الشارع حيث لم يتحقق ولم يرتب فيه رفقًا بالنساء، فالثاني نكحها وهي في عدة الأول وحامل منه. اهـ. ففتوى بعض علماء التكارنة صحيحة، وقد تأبد تحريم المرأة على الثاني، والعبد المجعول صداقًا للمرأة لا للثاني، قال العلامة خليل: وما فسخ بعده أي بعد البناء فالمسمى واجب للمرأة كان أي المسمي حلالاً. اهـ بتوضيح من شرح الدردير، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في امرأة زوجت مرارًا وطلقت، ثم بعد خروجها من عدة الثالث ظهر لها عبد رقيق خطبها ورغبت فيه، وأبوها غير راض، فهل لها أن تتزوج عليه بتوكيل غير أبيها، أو يجبر أبوها على تزويجها عليه؟ أم كيف الحكم؟ أفتونا.
(الجواب)
حيث كانت المرأة المذكورة متصفة بصفتين من صفات أربع أعني الجمال والمال والنسب والحسب أي الأخلاق الكريمة كالعلم والحلم والتدبير والكرم ونحوها من محاسن الأخلاق لم يجز لمن له الولاية العامة أن يتولى عقد نكاحها مع وجود أبيها ولو على كفؤ، ولا يصح العقد إلا إذا دخل الزوج بها وطال بنحو ثلاث سنين، بل قال بعضهم: الحكم المذكور يجري أيضًا إذا كانت متصفة بصفة واحدة من الصفات الأربع، ولا شك أن المرأة المذكورة ذات نسب، ولا يجبر الأب المذكور على الإجابة لتزويج بنته المذكورة على ذلك الرقيق الذي رغبت فيه لأنه غير كفؤ لها، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في رجل قال لزوجته عند المشاجرة: إن لم تقولي يا سيدي طول الدوام فأنت طالق ثلاثًا تحرمي على وتحلي لغيري، فقالت له: لا أقول لك يا سيدي ونادته باسمه، فهل وقع عليه الطلاق أم لا يقع إلا في آخر جزء من حياتها عند تحقيق اليأس من قولها يا سيدي؛ لأن إن لم شرط لما يستقبل من الزمان، وتفيد التراخي، ولا عبرة بقولها لا أقول لك يا سيدي وندائها له باسمه فلا يقع به الطلاق المعلق، ولا بدلالة الحال المقتضية تعظيم الرجل حسب قصده مع تحقيرها له بندائها له باسمه، خصوصًا والعرف يقتضي ذلك
ولا بقوله طول الدوام، أفتونا تفصيلاً مع بيان ما يفيد ذلك من العبائر النحوية والفقهية.
(الجواب)
يقع عليه الطلاق ثلاثًا في الحال، ولا يتوقف وقوعه على تحقيق اليأس من قولها له يا سيدي لأمرين:
الأمر الأول: أن الصيغة التي وقع بها الطلاق صيغة حنث وقع فيها الحلف على فعل شيء ذي أجزاء، والذي يتوقف فيها على تحقيق ذلك الفعل بتمامه الحاصل بآخر جزء من حياتها هو البر لا الحنث، قال الشيخ الدسوقي على شرح الدردير على خليل: إذا كانت الصيغة صيغة حنث وحلف على فعل شيء ذي أجزاء فلا يعبر بفعل البعض، وذكر شيخنا وغيره أن من حلف عليه بالأكل فإن كان أي الحلف عليه في آخر الأكل فلا يبر الحالف إلا بأكل المحلوف عليه ثلاث لقم فأكثر، وإن لم يكن الحلف عليه آخر الأكل فلا يبر الحالف إلا بشبع مثله. اهـ.
والأمر الثاني: أن الصيغة التي وقع بها الطلاق صيغة حنث مطلق، وصيغة الحنث المطلق يقع بها الحنث إذا كان المحلوف به طلاقًا بمجرد العزم على الضد وتحنيث نفسه، قال العلامة الدسوقي: إن الحالف بصيغة الحنث المطلق يلزمه الحنث إذا كان المحلوف به طلاقًا نحو: إن لم أفعل فأنت طالق بمجرد العزم على الضد وتحنيث نفسه، ولا يتأتى له الرجوع. اهـ فمن باب أولى يقع الحنث بفعل المحلوف على تركه حيث نادته هنا عقب وقوع الحلف منه باسمه، ألا ترى أنهم قالوا: إن صيغة الحنث المؤجل لا حنث فيها بالعزم على الضد، وإنما الحنث فيها بعدم فعل المحلوف عليه إذا فات الأجل، وبفعل المحلوف على تركه كما في الدسوقي، ومن هنا تعلم أن من يزعم أنه لا يقع عليه إلا في آخر جزء من حياتها عند تحقق اليأس من قولها له يا سيدي قد اشتبه عليه البر بالحنث، هذا ولا فرق في هذا بين كون التعليق بإذا أو إن كما يشهد له قول الشيخ الخرشي عند قول الشيخ خليل في باب الخلع، وإن علق بالإقباض أو الأداء لم يختص بالمجلس إلا لقرينة، يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: إذا أقبضتني كذا فأنت طالق، أو قال لها إن أديتيني كذا فأنت طالق، أو إذا أو متى أديتيني فقد طلقتك، لم يختص إقباضها أو أداؤها بالمجلس الذي قال لها فيه ذلك القول، بل إذا أقبضته أو أتت إليه بما طلبه منها فإنها تطلق منه ولو بعد المجلس ما لم يطل، بحيث يرى أن الزوج لا يجعل التمليك إليه
…
إلخ اهـ المراد، وكذا يشهد له قول علماء المعاني: إن كلمة إن للشرط مع الشك، أي لشك المتكلم في حصول الشرط في المستقبل، وإذا للشرط مع القطع، أي قطع المتكلم بحصوله بالوضع له قرائن تصرف معناه إلى الاستقبال دون لفظه، وهي أدوات الشرط كلها إلا لو ولما. اهـ والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(ما قولكم) دام فضلكم في قول الرجل لزوجته إذا تنازلت لي عن جميع ما تستحقه النساء عند الرجال من مصرف وعدة ونحوه، وكتبت لي ورقة بذلك بمهر أبيك تكوني طالقًا ثلاثًا، فأجابته بقولها: نعم، أتنازل عن ذلك كله وأكتب لك
ورقة بذلك بمهر أبي، فهل يتوقف وقوع الطلاق المذكور على إتيانها بالورقة المذكورة أم لا؟
(الجواب)
نعم يتوقف وقوع الطلاق المذكور على الإتيان بالورقة المذكورة؛ لأن المعلق عليه الطلاق المذكور هو تنازلها عن ذلك مقيدًا برضا أبيها به، فمتى لم تأت بالورقة المذكورة الدالة على رضا أبيها بالتنازل عما ذكر لم يحصل المعلق عليه الطلاق، وقد قال العلامة الدردير في أقرب المسالك ما معناه: إن قال الرجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق فهو على بر حتى يقع المحلوف عليه. اهـ والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم فيمن أوقف في صحته عقارًا على نفسه، ثم على أولاده، وأجاز لهم بيعه على شرط الحاجة والرشد لهم وتصديقهم في دعوى الاحتياج بلا يمين، فهل يصح الوقف المذكور مع انقطاعه بما ذكر؟ وهل يصح لهم البيع بالشرط المذكور أم لا؟
(الجواب)
الوقف صحيح مع الانقطاع بما ذكر، ويصح البيع ويجوز بالشرط المذكور، قال الأمير في شرح مجموعه: واتبع شرطه إن لم يحرم كبيع الموقوف عليه كالواقف إن احتاج. اهـ. قال الشيخ حجازي عليه: والاحتياج شرط في جواز البيع لا صحته إذ يصح شرط البيع بدون قيد الاحتياج، ولا بد من إثبات الحاجة والحلف عليها، وأنه لا مال له ظاهرًا ولا باطنًا، إلا أن يشترط الواقف أنه يصدق فيها بلا يمين، فيعمل بذلك، أفاده عبد الباقي الزرقاني وغيره. اهـ. والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم فيمن يدعي العلم، ويقول إن حقيقة المحمدية قديمة في مرتبة الإله، هل هو فاسق أو كافر أو كيف الحكم؟ أفتونا.
(الجواب)
من حيث إن القدم يطلق على الحادث بمعنى طول المدة لم يلزم على قول من يدعي العلم أن حقيقة المحمدية قديمة كفر إلا إذا اعتقد أنها قديمة بمعنى أنه لا أول لوجودها كما يوهمه قوله في مرتبة الإله، نعم يمكن حمل هذا على أنها في مرتبة الإله في الجملة، من حيث إن وجودها لم يسبقه وجود مخلوق بشهادة حديث:» أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر «وعلى ذلك فلا سبيل إلى تكفيره بل إلى تفسيقه، فيجب على ولي الأمر تأديبه بما يراه رادعًا له ولأمثاله، والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في امرأة حربية أعطت بنتها لرجل مسلم في بلاد الحرب في مقابلة دين أخذته منه، فأسلمت البنت وعقد عليها الرجل في بلاد الحرب صورة ليتمكن من السفر بها لبلاد الإسلام، ثم سافر بها وعقد لها في بلاد الإسلام على رجل آخر عقدًا صحيحًا، وأخذ من مهرها في مقابلة دينه الذي له عند أمها الحربية، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ أفتونا مأجورين.
(الجواب)
من حيث إن المسلم المأسور في بلاد الحرب يجوز له إن لم يؤمنه الحربي طائعًا خيانة الحربي إن أمن على نفسه، ويحل له كل ما أخذه من ذلك حتى النساء، ويجوز له وطؤها إذا خرج بها من بلادهم كما في شرح أقرب المسالك للعلامة الدردير، تكون البنت الحربية التي أخذها المسلم في مقابلة ما أعطاه لأمها الحربية في بلاد الحربية ملكًا له، ويكون تزويجه
لها في بلاد الإسلام من قبيل تزويج السيد أمته، وللسيد أخذ صداق أمته لنفسه ولو قبل الدخول كما في أقرب المسالك وشرحه للعلامة الدردير أيضًا والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في أخذ الربا من الكافر الحربي، هل يجوز أم لا؟
(الجواب)
إن مقتضى قول العلامة الصاوي على أقرب المسالك في باب الجهاد: مال الحربي يجوز لنا تناوله بأي وجه. اهـ أنه يجوز أخذ الربا منه والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم في قراءة القرآن والأحاديث كصحيح البخاري ومسلم والصلوات كدلائل الخيرات والأدعية المأثورة، إذا كان ذلك مضبوطًا بالقلم من غير سند من أحد ولا إذن ولا نقل، وأن يعمل بما فهم ويفهم غيره، ويعمل بظهور المعنى، أو بتفهيم الشارح له، ويترك ما لم يفهمه، فهل يجوز ذلك أو لا إلا في كتب الفقه، أو لا يجوز ذلك كله إلا بسند وإذن ونقل من شيخ؟ أفتونا.
(الجواب)
أما القرآن فلا تجوز تلاوته بغير تلق من عارف متلق لأمرين: أحدهما: حرمة اللحن فيه لقوله تعالى:} قرآنًا عربيًا غير ذي عوج {، والثاني: فرضية تجويده الثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى:} ورتل القرآن ترتيلاً {قال البيضاوي: أي جوده تجويدًا، وقد جاء عن علي -كرم الله وجهه- أنه قال: الترتيل أي في الآية المذكورة هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف، وبالسنة، أعني قوله صلى الله عليه وسلم:» رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه «أي إذا أخل مبانيه أو معانيه أو بالعمل بما فيه، ومن جملة العمل بما فيه ترتيله وتلاوته حق تلاوته؛ لأن الله تعالى أنزله مجودًا مرتلاً ونحو ذلك وبالإجماع، وذلك أنه قد وصل إلينا كذلك من المشايخ العارفين بتحقيقه وتدقيقه المتصل سندهم بالنبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن اللوح المحفوظ عن الله عز وجل وأما الأحاديث والصلوات كدلائل الخيرات والأدعية المأثورة، فمن أن اللحن فيها يقتضي الكذب في نسبتها معه للنبي صلى الله عليه وسلم أو لمن أثرت عنه، والكذب من الكبائر سيما على النبي صلى الله عليه وسلم يتوقف جواز قراءتها بلا تلق على أحد أمرين أحدهما كون النسخة صحيحة مضبوطة بضبط عارف بالعربية أو متلق لها من عارف، وثانيهما: كون القارئ ذكيًا فطنًا متقنًا للعربية، ومع هذا فقراءتها بالتلقي ممن ثبت تلقيه بالسند أدعى لحصول بركة المشايخ ونفحاتهم، وأسلم من أن يحوم حول حمى الكذب عليه صلى الله عليه وسلم أو على من أثر عنه ذلك فيوشك أن يواقعه فيدخل تحت وعيده، وأما العمل بما فهم وتفهيمه للغير فمحل جوازه في القرآن وخلافه إذا كان اللفظ ظاهر الدلالة عليه، وهو معلوم الصحة لكل أحد لم يخالف أصلاً من أصول الشريعة المطهرة، ومع هذا فالفهم والتفهيم من المتلقي والواقف على أصول الشريعة المطهرة أسلم لكونهما حينئذ رمية من رام، وأما كتب الفقه فمدار جواز قراءتها، والعمل بما يفهم منها وتفهميه للغير على فطنة القارئ والعامل أو وضوح العبارة
ومع هذا فكون القارئ والعامل متلقيًا أولى وأسلم والله أعلم.
(ما قولكم) دام فضلكم فيما اعتاده بعض أهلنا الجاويين الآن إذا أريد أن يدفن ميت ينزل في القبر واحد من طلبة العلم الذي يعتقد الناس أنه من الصالحين، فيضطجع في اللحد قبل أن يوضع الميت فيه، ويقرأ ما شاء من الدعاء وغيره ليرفع الله عن ذلك الميت فتنة القبر وعذابه، ويوسع له القبر ببركة جسم المضطجع ودعائه، فبعد أن يقوم من الاضطجاع يوضع الميت في ذلك اللحد، واستدل الفاعل لذلك بما ذكر في بعض كتب الجاوية من أن الحافظ أبا نعيم روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في قبر فاطمة بنت أسد والدة سيدنا علي -رضي الله تعالى عنه- ونزع ثيابه واضطجع في لحدها قبل دفنها، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم:» أريد أن لا تمسها النار أبدًا إن شاء الله وأن يوسع لها قبرها «، فيا علماء الشريعة وحكمائها هل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح أم لا؟ وهل لنا أن نفعل لأمواتنا مثل ذلك؟ وإذا فعلناه فهل يرفع الله عنهم فتنة القبر وعذابه ويوسع لهم قبورهم أم لا؟ فنرجو من فضلكم وإحسانكم أن تزيلوا عنا معاشر الأمة الملايوية الجهل والحماقة والعمى بحسن بيانكم الشافي، ولكم جزيل الأجر والثواب من الملك الوهاب.
(الجواب)
أقول أما ثبوت ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم فنعم؛ لأن أبا نعيم والديلمي وأبا عمر بن عبد البر رووا الحديث مرسلا، قالوا: أخبر أبو الفرج بن أبي الرجاء إجازة بإسناده عن أبي بكر بن أبي عاصم حدثنا عبد الله بن شبيب بن خالد القيسي، حدثنا يحيى بن إبراهيم بن هانئ، أخبرنا حسين بن زيد بن علي بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه:» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن فاطمة بنت أسد في قميصه واضطجع في قبرها وجزاها خيرًا «وقد قال ابن حجر في شرح النخبة ما خلاصته: إن المشهور من قولي أحمد وهو قول المالكيين والكوفيين أن المرسل يقبل مطلقًا، أي سواء اعتضد بمجيئه من وجه آخر أو لم يعتضد بمجيئه، وقال الشافعي: يقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسندًا كان أو مرسلا ليترجح احتمال كون المحذوف ثقة في نفس الأمر، ونقل أبو بكر الرازي من الحنفية وأبو الوليد الباجي من المالكية أن الراوي إذا كان يرسل عن الثقات وغيرهم لا يقبل مرسله اتفاقًا. اهـ. أي إذا عرف من حاله أنه غير ملتزم بأن يرسله عن ثقة فلا يقبل مرسله، وأما إذا لم يعلم حاله فمرسله مقبول اتفاقًا عند الحنفية والمالكية، كما إذا علم بالاستقراء أنه لا يرسل إلا عن ثقة كسعيد بن المسيب كما في حاشية الشيخ حسين العدوي عليه، وهذا الحديث قد رواه أبو عمر بن عبد البر أيضًا من طريق آخر تباين الطريق الأولى مسندًا، فقال: وروى سعد بن أبي الوليد الساتري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس -رضي الله تعالى
عنهما- نحو هذا، أو زاد فقال: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه، قال:» إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل أهل الجنة، واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر «فعلم أن هذا الحديث مقبول في المذاهب الأربعة، أما أولاً فلأنه قد اعتضد بمجيئه من طريق آخر مسند تباين الطريق الأولى، وأما ثانيًا: فلأنه لم يعلم حال راويه فافهم، وأما إنه هل يجوز أن يفعل الآن بميت مثل ذلك فلا؛ لأنه من خصوصيات فاطمة بنت أسد، كما يشهد له وجوه الوجه الأول ما رواه ابن عبد البر في حديث ابن عباس من قوله مخاطبًا للنبي صلى الله عليه وسلم ما رأيناك صنعت بأحد
…
الخ، الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ حسين العدوي الحمزاوي مما خلاصته أنه إذا تؤمل ما أخرجه ابن سعد عن أبي سعيد الخدري قال: كنت ممن حفر لسعد قبره، فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا، مع ما أخرجه ابن سعد وأبو نعيم من طريق محمد بن المنكدر عن محمد بن شرحبيل قال: قبض إنسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» سبحان الله سبحان الله «حتى عرف ذلك في وجهه فقال» الحمد لله، لو كان أحد ناجيًا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضم ضمة ثم فرج الله عنه «قال سيدي محمد الزرقاني: وقوله في الحديث سبحان الله سبحان الله مرتين تعجبًا من كون تراب قبره صار مسكا مع كونه ضم قال: وقوله "حتى عرف ذلك في وجهه" أي التعجب الدال عليه التسبيح، فقال الحمد لله أي شكرًا له على تفريجه عن سعد. اهـ. وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم» ما عفي لأحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد فقيل: يا رسول الله ولا ابنك القاسم قال: ولا إبراهيم الذي هو أصغرهما «وقول العارف بالله الشعراني في مختصر التذكرة فائدة: لا ينجو من ضمة القبر أحد إلا أربعة: فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت أسد، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن قرأ قل هو الله أحد في مرضه ولو مرة واحدة مع قوله أيضًا، وروى الحافظ أبو نعيم» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبع جنازة فاطمة بنت أسد وكان مرة يحمل ومرة يتقدم ثم نزل قبرها ونزع قميصه صلى الله عليه وسلم وتمسك في لحدها ثم خرج فسألوه عن نزع قميصه وتمسكه في لحدها فقال: أردت أن لا تمسها النار أبدًا إن شاء الله وأن يوسع عليها قبرها «، أخذ من مجموع ذلك أن تلك الضمة لا تستدعي سبق ذنب، وإلا لما حصلت للأصفياء ولولديه صلى الله عليه وسلم إبراهيم والقاسم، لا سيما ومثل سعد لا يظن فيه تقصير في البول يؤدي إلى فساد في عبادته، أو مكروه كما قيل، وأن المستثنيات خصوصيات لا تنقض الأمور الكلية، ويؤيد هذا أنه قد ورد أن ضمها للمؤمن الكامل ضم شفقة ورحمة اهـ.
(الوجه الثالث) أن ما صنعه صلى الله عليه وسلم مع فاطمة بنت أسد لم يجر به عمل أحد لا من السلف ولا من الخلف، وإنما الذي جرى به عمل هو ما رواه البخاري