الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في المحظورات
(ما قولكم) في حكم قول العامة: الذي يخون الفاتحة يخونه الله؟
(الجواب) في النفراوي على رسالة ابن أبي زيد في باب ما تنطق به الألسنة: يمتنع قول العامة: الذي يخون الفاتحة يخونه الله، إلا أن يشتهر في العرف استعمال هذا اللفظ في معنى يجازيه الله أو يعاقبه فلا إثم على قائل هذا، هذا ملخص ما قاله الأجهوري.
(سؤال من الجاوة محصله)(ما قولكم دام فضلكم) فيمن ادعى الوصول إلى الله -تعالى- والوصول إلى مقام شهود الوحدة ومقام الشكر، وهو منهمك في لذائذ الدنيا وشهواتها، ويقول بأن له من الله حالا أسقط عنه التكاليف كالصلوات الخمس وصيام رمضان وغير ذلك من الواجبات، وأباح له جميع المحرمات كلبس الحرير واستعمال الحلي الذهب والفضة، وغير ذلك في حالة الاختيار، واستدل بقوله -تعالى-:} قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده {، الآية، ويجوز فعل كل ما خطر بالبال، ويقول: الأوامر متعلقة بأهل الظاهر؛ لأن القلب إذا صفي بكثرة الرياضات لا يقبل الوساوس الشيطانية، ويقول: خطابات القرآن كلها لعوام المؤمنين لا لخواصهم، ويفسر اليقين في قوله -تعالى-:} واعبد ربك حتى يأتيك اليقين {بالموت الاختياري الحاصل عند كثرة مجاهدة النفس لا الموت الاضطراري، وتابعه على هذا أكثر العوام فأمرهم بالرياضات وترك الصلوات وغيرهما، ولهم صفات قبيحة تطول، فماذا الحكم؟ أفتونا مأجورين خيرا.
(الجواب) بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين،} رب زدني علما {، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له: صاحب هذا الاعتقاد قد انغمس في أبحر الخواطر الشيطانية والهواجس النفسانية، حيث ادعى الوصول إلى مقام شهود وحدة الإله، فهل من هذا حاله يحل ما حرم الله،} سبحانك هذا بهتان عظيم {، ودعواه أن له حالا أسقط عنه التكاليف في كل وقت وحين باطلة؛ لقوله -تعالى-:} واعبد ربك حتى يأتيك اليقين {؛ أي دم على العبادة ما دمت حيا، فلا تخلو لحظة عين من لحظات الحياة من هذه العبادات، هكذا فسر الآية الأئمة الثقات، فما أكذب هذا وما أشقاه! وما أجرأه على كلام الله! فقد ورد من حديث سيد المرسلين الأبرار:"ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار".
ولا شك أنه لم يصل أحد إلى الحالة التي وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا كان أشق الناس طاعة لله، وقد تورمت قدماه من طول القيام -عليه أفضل الصلاة والسلام- وكيف يستدل بالقرآن من لا يعرف معناه ولا يهتدي لمبناه؟} ويحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون {، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"؛ أي من عمل عملا أحدثه هو -أو أحدثه غيره فعمل به- ليس عليه أمرنا؛ أي حكمنا وإذننا فهو رد؛ أي مردود عليه"، رواه مسلم، وفي رواية له وللبخاري: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وقيل:
"إماتة بدعة خير من إحياء سنة"، وكان الإمام -رضي الله تعالى عنه- كثيرا ما يستشهد بهذا البيت:
وخير أمور الناس ما كان سنة
…
وشر الأمور المحدثات البدائع
فهذا الرجل لا شك في كفره، وقد حصل الإجماع على أن من أحل ما حرم الله كفر -والعياذ بالله- فيقتل إن لم يتب، بل قال بعضهم: قتل مثله أفضل من قتل مائة كافر؛ لأن ضرره أشد، اللهم لا تجعلنا ممن اتبع هواه وسلك طريق الشيطان فأغواه، وأحسن لنا الخاتمة برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(ما قولكم) في رجل يدعي أنه صاحب طريقة، يأمر الناس بالدعاء إليه، ويزهدهم في العلم وأهله، ويعتقد عصيان أبي البشر عصيانا حقيقيا، وأن الرضاع يحرم ولو بلغ الرجل خمسين سنة، وأرضع هو مع نسائه من الرجال فوق الثلاثين، ويكفر صاحب المعصية ويستدل بحديث البخاري:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، ويأمرهم بمخالفة الأئمة الأربعة؟
(أجاب) مولانا السيد محمد الكتبي مفتي السادة الأحناف بقوله: الحمد لله وحده،} رب زدني علما {، اللهم طهر ألسنتنا أن تنطق إلا بما جاء به الكتاب، ونزه قلوبنا عن التقلب إلا في الصواب، وخصنا بنفيس معادن المعاني، واهدنا لفصل الخطاب، وحققنا بكريمة} إنما يتذكر أولو الألباب {؛ إن ثبت ما ذكر ودام الرجل عليه ولم ينزجر عما نسب من شنيع هذه الفعال إليه فعلى ولاة الأنام -أقام بهم مولاهم شعائر الإسلام، وأنار بهم منار الشرع- مقابلته بالزجر والردع، بل ويحجرون عليه ويمنعونه عن مخالطة العوام وعن إقبالهم وميلهم إليه، بل ويعزرونه لينزجر عن حاله وليمتنع الناس عن تقليده وموافقته في أفعاله، وكيف يزهد الناس في العلماء والحال أنهم أمان أهل الأرض، وضوء كنجوم السماء، وقد ورد في فضلهم من الآيات والأحاديث ما علمه المؤمنون، قال -تعالى-:} إنما يخشى الله من عباده العلماء {، وقال -عز من قائل-:} هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون {، وكيف يحكم على أبينا آدم -صلوات الله على نبينا وعليه- بالعصيان الحقيقي والحال أن الأنبياء معصومون من الصغائر والكبائر، وقد قامت الأدلة عليه.
وما ذكره من الرضاع فهو من أقبح الأوضاع، لا يقبله من له طبع سليم، وما بني عليه أمر وخيم، ودعواه معرفة الشقي والسعيد وغير ذلك فهذه من تهكمه على المغيبات التي سدت طرقها على السالك، وتكفيره صاحب المعصية مستدلا بظاهر الحديث فهو ينافي كونه من عامة أهل السنة والجماعة؛ لأنه اعتقاد فرقة زائفة في القديم والحديث، وأمره بمخالفة الأئمة لمن اقتدى به في الضلال وتبعه مردود عليه وراجع إليه؛ إذ الواجب تقليد حبر منهم -رضي الله تعالى عنهم- وقد قال الله -تعالى- في كتابه العظيم:} ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم {والله سبحانه وتعالى أعلم.
(ما قولكم) في رجل يعتقد أن الله -تعالى- بوجود ذاته فوق سبع سماواته صاعد ومستقر على عرشه، مستدلا بظواهر بعض الأحاديث وآية:} الرحمن على العرش استوى {، باستقر وصعد، ويقول: إن هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وإنكار فوقيته -تعالى- على عرشه مذهب الجهمية وهو كفر، فهل هذا الاعتقاد ضلال وكفر؟ بينوا لنا اعتقاد أهل الحق.
(الجواب) اعلم أن العلماء المتقدمين والمتأخرين من أهل السنة والجماعة اتفقت كلمتهم على تنزيه الباري -سبحانه- عن الجهة والتحيز، وليس في جهة فوق؛ لأنه يلزم من اختصاصه بجهة أن يكون في مكان أو حيز، ويلزم من المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز والتغير والحدوث -تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا- ذكره القرطبي، وقال فخر الدين الرازي -رحمه الله تعالى-: اعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد من الآية كونه مستقرا على العرش، ويدل على فساده وجوه عقلية ونقلية:
أما العقلية: فأمور أحدها أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا، وإلا لزم كون العرش داخلا في ذاته وهو محال، وكلما كان متناهيا فإن العقل يقضي أنه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص فلو كان -تعالى- متناهيا من بعض الجوانب لكانت ذاته قابلة للزيادة والنقصان، وكلما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر، وكلما كان كذلك فهو محدث، فثبت أنه -تعالى- لو كان على العرش لكان محدثا، وهذا محال، وكونه على العرش محال.
وأما الدلائل السمعية فمنها قوله -تعالى-:} قل هو الله أحد {، والأحد مبالغة في كونه واحدا، والذي يمتلئ منه العرش يكون مركبا من أجزاء كثيرة جدا فوق أجزاء العرش، وذلك ينافي كونه أحدا، ومنها قوله -تعالى-:} ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية {؛ فلو كان له العالم فوق العرش لكان حامل العرش حاملا للإله، فيكون الإله محفوظا وحافظا، وذلك لا يقوله عاقل، ومنها قوله -تعالى-:} والله هو الغني {؛ أي على الإطلاق، وذلك يوجب كونه -تعالى- غنيا عن المكان والجهة.
فإذا تقرر ذلك فالآيات الدالة على ثبوت الاستبداء من المتشابه وللعلماء في المتشابه مذهبان؛ فمذهب السلف أن يقطع بكونه -تعالى- متعاليا عن المكان والجهة، ولا يؤولون بل يفوضون علم ذلك إلى الله -تعالى- ويقولون: الاستواء على العرش صفة الله -تعالى- بلا كيف، ويجب علينا الإيمان به، ويكلون علمه لله -تعالى- وسئل مالك بن أنس عن قوله -تعالى-:} الرحمن على العرش استوى {، فأطرق رأسه مليا ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير المعقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالا، ثم أمر به فأخرج.
وأما الخلف فيؤولون الاستواء بنفاذ قدرته وجريان مشيئته؛ فاستوى بمعنى قدر