الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذا كَانَ مقَام النُّبُوَّة الَّذِي هُوَ أَعلَى مقَام وَأَرْفَع رُتْبَة، وَلَيْسَ مقَام الْولَايَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ إِلَّا كمقام التَّابِع من الْمَتْبُوع وَالْخَادِم من المخدوم، فَكيف يحْتَاج أَن يُقَال إِنَّه لَا يَنْقَطِع عَن الطّلب من الله عز وجل مَعَ انْتِفَاء الْعِصْمَة عَنهُ، وثبوتها لمن لم يَنْقَطِع عَن الطّلب من الله سُبْحَانَهُ. بلَى كَانَ نَبينَا " [صلى الله عليه وسلم] " وَآله وَسلم مديما لدعاء ربه فِي جَمِيع أَحْوَاله مستمراً على طلب حَوَائِجه الدُّنْيَوِيَّة والأخروية من خالقه لَا يَعْتَرِيه ملل وَلَا يتَعَلَّق بِهِ كلل، وَله من الْعِبَادَة على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا مَا لَا يلْحقهُ بِهِ غَيره، وَلَا يطيقه سواهُ.
فَكيف يَنْقَطِع الْوَلِيّ عَن الطّلب. فَإِنَّهُ إِن فعل ذَلِك كَانَ ممكوراً بِهِ، وَرجع عدوا لله بعد أَن كَانَ وليا لَهُ. وبغيضاً لَهُ بعد أَن كَانَ حبيباً لَهُ. اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا فِي الْأُمُور كلهَا، وأجرنا من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة.
وشأن كل عبد من عباد الله إِذا ازْدَادَ قرباً إِلَى الله وَصَارَ من المحبوبين لَهُ أَن يزْدَاد خضوعاً لَهُ وتضرعاً إِلَيْهِ، وتذللا وتمسكا وَعبادَة. وَكلما ارْتَفع عِنْد ربه دَرَجَة زَاد فِيمَا يُحِبهُ الله مِنْهُ دَرَجَات. هَذَا شَأْن الْعُبُودِيَّة.
وَإِذا كَانَ هَذَا هُوَ الْكَائِن فِيمَا بَين العَبْد وسيده فِي بني آدم فَكيف لَا يكون فِيمَا بَين العَبْد وخالقه ورازقه ومحييه ومميته.
ضلال المدعين لرفع التَّكْلِيف:
وَمَا أقبح مَا يحْكى عَن بعض المتلاعبين بِالدّينِ المدعين للتصوف أَنهم يَزْعمُونَ أَنهم وصلوا إِلَى رَبهم فَانْقَطَعت عَنْهُم التكاليف الشَّرْعِيَّة، وَخَرجُوا من جبل
الْمُسلمين الْمُؤمنِينَ، وَسقط عَنْهُم مَا كلف الله بِهِ الْعباد فِي هَذِه الدَّار. فَإِذا صَحَّ هَذَا. فَمَا يَقُوله أحد من أَوْلِيَاء الرَّحْمَن، بل يَقُوله أَوْلِيَاء الشَّيْطَان لأَنهم خَرجُوا إِلَى حزبه وصاروا من جملَة أَتْبَاعه.
فالعجب لهَؤُلَاء المغرورين، فَإِنَّهُم رفعوا أنفسهم عَن طبقَة الْأَنْبِيَاء وطبقة الْمَلَائِكَة. فَإِن الْأَنْبِيَاء حَالهم كَمَا عرفناك من إدامة الْعِبَادَة لله فِي كل حَال، والازدياد من التقربات المقربة إِلَى الله حَتَّى تَوَفَّاهُم الله تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة فَإِنَّهُم كَمَا وَردت بذلك الْأَدِلَّة لَا ينفكون عَن الْعِبَادَة لله وَصَارَت أذكاره سُبْحَانَهُ من التَّسْبِيح والتهليل هِيَ زادهم الَّذِي يعيشون بِهِ وغذاؤهم الَّذِي يتغذون بِهِ.
فحاشا لأولياء الله سُبْحَانَهُ أَن يَقع من أحقرهم فِي هَذِه الْمرتبَة الْعَظِيمَة وأدناهم فِي هَذَا المنصب الْجَلِيل هَذَا الزَّعْم الْبَاطِل، وَالدَّعْوَى الشيطانية، وَإِنَّمَا ذَلِك الشَّيْطَان سوَّل لجَماعَة من أَتْبَاعه ومُطِيعِيه واستزلهم، وأخرجهم من حزب الله إِلَى حزبه وَمن طَاعَة الله إِلَى طَاعَته، وَمن ولَايَة الله سُبْحَانَهُ إِلَى ولَايَته. وَقد رَأينَا فِي تَرْجَمَة جمَاعَة من أهل الله وأوليائه أَنهم سمعُوا خطابا من فَوْقهم، وَرَأَوا صُورَة تكلمهم، وَتقول يَا عَبدِي قد وصلت إِلَيّ، وَقد أسقطت عَنْك التكاليف الشَّرْعِيَّة بأسرها. فَعِنْدَ أَن يسمع مِنْهُم السَّامع ذَلِك يَقُول: