الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسلم فِي الحَدِيث السَّابِق بِالْمَعْنَى الأول. [و] لَيْسَ لأحد أَن يخرج عَنهُ، وَمن خرج عَنهُ فَهُوَ كَافِر:
وَمن ظن أَن لأحد من أَوْلِيَاء الله سبحاه طَرِيقا إِلَى الله تَعَالَى غير الْكتاب وَالسّنة، وَاتِّبَاع رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم فَهُوَ كَاذِب.
وَقد غلط كثير من النَّاس فَجعلُوا الشَّرِيعَة شَامِلَة للقسمين، وَمَا أقبح هَذَا الْغَلَط، وَأَشد عاقبته، وَأعظم خطره.
السكونيات، والدينيات فِي الْقُرْآن الْكَرِيم:
وكما وَقع الِاشْتِبَاه بَين هذَيْن الْقسمَيْنِ، وَقع الِاشْتِبَاه أَيْضا بَين شَيْئَيْنِ آخَرين، وَإِن كَانَا خَارِجين عَمَّا نَحن بصدده وَهُوَ الْفرق بَين الْإِرَادَة الكونية، والإرادة الدِّينِيَّة، وَبَين الْأَمر الكوني، وَالْأَمر الديني، وَبَين الْإِذْن الكوني وَالْإِذْن الديني، وَبَين الْقَضَاء الكوني وَالْقَضَاء الديني، والبعث الكوني، والبعث الديني، والإرسال الكوني، والإرسال الديني، والجعل الكوني، والجعل الديني، وَالتَّحْرِيم الكوني، وَالتَّحْرِيم الديني، وَبَين الْحَقِيقَة الكونية، والحقيقة الدِّينِيَّة.
وَالْفرق بَين هَذِه الْأُمُور وَاضح، وَإِن اشْتبهَ على طَائِفَة من أهل الْعلم فخبطوا، وخلطوا.
وَبَيَان ذَلِك أَن الله سُبْحَانَهُ لَهُ الْخلق وَالْأَمر، كَمَا قَالَ:{إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يغشي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين} .
فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالق كل شَيْء وربه ومليكه لَا خَالق غَيره وَلَا رب سواهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لم يَشَأْ لم يكن. وكل مَا فِي الْوُجُود من حَرَكَة وَسُكُون بِقَضَائِهِ وَقدره ومشيئته وَقدرته وإرادته وخلقه، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَمر بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رَسُوله، وَنهى عَن الشّرك بِاللَّه سُبْحَانَهُ.
فأعظم الطَّاعَات التَّوْحِيد لَهُ وَالْإِخْلَاص، وَأعظم الْمعاصِي الشّرك {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: " قلت يَا رَسُول الله
أَي الذَّنب أعظم؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك خشيَة أَن تطعمه مَعَك. قلت ثمَّ أَي! . قَالَ: أَن تَزني بحليلة جَارك ". فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَه آخر، وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً، يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مُهانا. إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا، فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات، وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} .
وَأمر الله سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، وإيتاء ذِي الْقُرْبَى، وَنهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي، وَأخْبر أَنه يحب الْمُتَّقِينَ، [و] الْمُحْسِنِينَ، وَيُحب التوابين وَيُحب المتطهرين، وَيُحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص، وَهُوَ يكره مَا نهى عَنهُ، كَمَا قَالَ:{كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها} . وَقد نهى عَن الشّرك وعقوق الْوَالِدين، وَأمر بإيتاء ذِي الْحُقُوق، وَنهى عَن التبذير والتقتير، وَأَن يَجْعَل يَده مغلولة إِلَى عُنُقه، وَأَن لَا يبسطها كل الْبسط. وَنهى عَن قتل النَّفس بِغَيْر حق وَعَن قرْبَان مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَى أَن قَالَ:{كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها} .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يحب الْفساد وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر.
وَالْعَبْد مَأْمُور أَن يَتُوب إِلَى الله سُبْحَانَهُ، وَقَالَ:{فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} . وَقَالَ: {سارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين، الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء، والكاظمين الغيظ، وَالْعَافِينَ عَن النَّاس وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة، أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم، وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله، وَلم يصروا على مَا فعلوا وهم يعلمُونَ} .
فَمَا خلقه الله سُبْحَانَهُ وَقدره وقضاه فَهُوَ يُريدهُ، وَإِن كَانَ لَا يَأْمر بِهِ وَلَا يُحِبهُ وَلَا يرضاه، وَلَا يثيب أَصْحَابه، وَلَا يجعلهم من أوليائه.
وَمَا أَمر بِهِ وشرعه وأحبه ورضيه وَأحب فَاعله وأثابهم وَأكْرمهمْ عَلَيْهِ، فَهُوَ الَّذِي يُحِبهُ ويرضاه، ويثيب فَاعله عَلَيْهِ.
فالإرادة الكونية، وَالْأَمر الكوني، وَهِي مَشِيئَته لما خلقه من جَمِيع مخلوقاته إنسهم وجنهم، مسلمهم وكافرهم، حيوانهم وجمادهم، ضارهم ونافعهم. والإرادة الدِّينِيَّة وَالْأَمر الديني: هِيَ محبته المتناولة لجَمِيع مَا أَمر بِهِ وَجعله شرعا وديناً، فَهَذِهِ مُخْتَصَّة بِالْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح.
أَمْثِلَة:
فَمن الْإِرَادَة الأولى أَعنِي الكونية قَول الله سُبْحَانَهُ: (فَمن يُرِيد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ، وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجاً،
كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} . وَقَول نوح: {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ وَمَا لَهُم من دونه من وَال} .
وَمن الْإِرَادَة الدِّينِيَّة: قَوْله: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر، يُرِيد الله بكم الْيُسْر، وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَقَوله تَعَالَى: {مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج، وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون} . وَقَوله سُبْحَانَهُ: {يُرِيد الله ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ سنَن الَّذين من قبلكُمْ، وَيَتُوب عَلَيْكُم، وَالله عليم حَكِيم، وَالله يُرِيد أَن يَتُوب عَلَيْكُم، وَيُرِيد الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات أَن تميلوا ميلًا عَظِيما، يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم، وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} . وَقَوله سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت، وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} .
وَمن الْأَمر الكوني: قَوْله سُبْحَانَهُ (إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه
أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} وَقَوله: {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة كلمح بالبصر} وَقَوله: {أَتَاهَا أمرنَا بياتاً أَو نَهَارا فجعلناها حصيدا كَأَن لم تغن بالْأَمْس} .
وَمن الْأَمر الديني: قَوْله سُبْحَانَهُ: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ، وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى، وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر، وَالْبَغي} وَقَوله سُبْحَانَهُ: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تؤدووا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا، وَإِذا حكمتم بَين النَّاس أَن تحكموا بِالْعَدْلِ إِن الله نعما يعظكم بِهِ إِن الله كَانَ سميعاً بَصيرًا} .
وَمن الْإِذْن الكوني: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله} أَي بمشيئته وَقدرته، وَإِلَّا فالسحر لَا يبيحه الله. وَقَالَ تَعَالَى: فِي الْإِذْن الديني: {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجاً منيراً} وَقَالَ: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله} وَقَالَ: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} .
وَمن الْقَضَاء الكوني: قَوْله تَعَالَى: {فقضاهن سبع سموات} وَقَوله:
{فَإِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} .
وَمن الْقَضَاء الديني: قَوْله سُبْحَانَهُ {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} أَي أَمر وَلَيْسَ المُرَاد قدر فَإِنَّهُم قد عبدُوا غَيره كَقَوْلِه: {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شفعاؤنا عِنْد الله} . وَقَول الْخَلِيل عليه السلام {أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب الْعَالمين} وَقَوله سُبْحَانَهُ: {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا بُرَآء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} وَقَوله سُبْحَانَهُ: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ} إِلَى آخر السُّورَة.
وَمن الْبَعْث الكوني قَوْله سُبْحَانَهُ: {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما بعثنَا عَلَيْكُم عبادا لنا أولي بَأْس شَدِيد فجاسوا خلال الديار وَكَانَ وَعدا مَفْعُولا} .
وَمن الْبَعْث الديني: قَوْله سُبْحَانَهُ: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} .
وَقَوله عز وجل: {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت} .
وَمن الْإِرْسَال الكوني: قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا} وَقَوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته} .
وَمن الْإِرْسَال الديني: قَوْله سُبْحَانَهُ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} .
وقلوه تَعَالَى: {إِنَّا أرسلنَا إِلَيْكُم رَسُولا شَاهدا عَلَيْكُم كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا} .
وَمن الْجعل الكوني: قَوْله سُبْحَانَهُ: {وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار} .
وَمن الْجعل الديني: قَوْله سُبْحَانَهُ: {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا}
وَقَوله تَعَالَى: {مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حام} .