الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى جَعْفَر الْفرْيَابِيّ عَن مَالك أَنه قَالَ: من ترك قَول عمر بن الْخطاب لقَوْل إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه يُسْتَتَاب فَقيل لَهُ: إِنَّمَا هِيَ رِوَايَة عَن عمر قَالَ مَالك يُسْتَتَاب.
وَإِذا كَانَ هَذَا قَوْله فِي ترك قَول عمر فَمَا ترَاهُ يَقُول فِي ترك الْكتاب وَالسّنة؟ وَتَقْدِيم قَول عَالم من الْعلمَاء عَلَيْهِمَا؟ .
وَالْحَاصِل أَن النَّقْل عَن السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ فِي الْمَنْع من الْعَمَل بِالرَّأْيِ وَمن تَقْلِيد الرِّجَال فِي دين الله كثير جدا لَا يَتَّسِع لَهُ هَذَا الْمُؤلف. وَيَكْفِي من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر بعض مَا قدمْنَاهُ من آيَات الْكتاب الْعَزِيز.
تناقص الْمُقَلّد مَعَ نَفسه:
فَإِن قَالَ الْمُقَلّد: قد دلّ على ذَلِك دَلِيل قُلْنَا لَهُ: " أَنْت تشهد على نَفسك وَيشْهد عَلَيْك غَيْرك بأنك لَا تعقل الْحجَّة، وَأَنَّك إِنَّمَا تَأْخُذ بِرَأْي غَيْرك دون رِوَايَته فمالك وَالِاسْتِدْلَال، وَإِقَامَة نَفسك مقَاما تقر عَلَيْهَا بأنك لست من أَهله، فَأَنت كالمتشبع بِمَا لم يُعْط، وكلابس ثوبَيْ زور ".
فَإِن كنت تفهم حجج الله وتعقل براهينه، فَمَا بالك إِذا أوردنا عَلَيْك الْحجَّة من الْكتاب أَو السّنة فِي إبِْطَال مَا أَنْت عَلَيْهِ رجعت إِلَى الالتجاء بأذيال التَّقْلِيد وَقلت: إِنَّك لست مِمَّن يفهم الْحجَّة، وَلَا مِمَّن يُخَاطب بهَا. فَمَا بالك تقدم فِي دين الله رجلا، وتؤخر أُخْرَى؟ {} .
اعْتمد على أَيهمَا شِئْت حَتَّى تخاطبك خطاب من أَقمت نَفسك فِي مقَامه. وَعند ذَلِك يسفر الصُّبْح لعينيك، وَتعلم أَنَّك متمسك بحبلٍ غرور. ومصابٌ بخدعٍ زور.
وَمَعَ هَذَا فَمن صرت تقلده دون غَيره يَقُول لَك لَا يجوز لَك أَن تقلده، فَأَنت قلدته شَاءَ أم أَبى، ثمَّ أخبرنَا مَا هُوَ الْحَامِل لَك على تَقْلِيد هَذَا الشَّخْص الْمعِين من جملَة عُلَمَاء الدّين، وَمِنْهُم عُلَمَاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ؟ ! فَإِن قلت: لكَونه أعلم النَّاس فَمَا يدْريك أصلحك الله بِالْعلمِ وبالأعلم وَأَنت تقر على نَفسك أَنه لَا علم لَك؟ . والمسلمون أَجْمَعُونَ يَقُولُونَ: إِنَّك لَا تعد من أهل الْعلم، وَلَا تدخل فِي عداد أَهله.
وَأَيْضًا عُلَمَاء الصَّحَابَة أعلم من صَاحبك وَكَذَلِكَ عُلَمَاء التَّابِعين، فَكيف اخْتَرْت صَاحبك عَلَيْهِم؟ .
ثمَّ أخبرنَا هَل وجد فِي أَيَّام الصَّحَابَة. وَالتَّابِعِينَ مقلد لأَحَدهم أَو لجَماعَة مِنْهُم، بل لم تحدث بِدعَة التَّقْلِيد إِلَّا فِي الْقرن الرَّابِع، وَلم يبْق إِذْ ذَاك صَحَابِيّ وَلَا تَابِعِيّ.
ثمَّ هَذَا الَّذِي قلدته قد خَالفه غَيره من أهل الْعلم، وَقَالَ بِخِلَاف مَا يَقُول، فَأخْبرنَا بِمَ عرفت أَن صَاحبك المحق دون الْمُخَالف لَهُ؟ فَإنَّك تقر على نَفسك بأنك لَا تعرف مَا هُوَ الْحق، وَلَا من المحق من أهل الْعلم، وَغَيْرك من المقلدين يعْتَقد مثل اعتقادك فِيمَن قَلّدهُ فَمن المحق مِنْكُمَا؟ . وَمن الْمُصِيب للحق من إماميكما؟ .
إِن قلتما: لَا نَدْرِي فَمَا بالكما تقيمان أنفسكما مقَام المستدلين بحجج الله وأنتما لَا تعرفانها وَلَا تعقلانها بإقراركما على أنفسكما؟ .
وَإِن قلتما قد عقلتما الْحجَّة على جَوَاز التَّقْلِيد فقد فتح الله لَكمَا خوخة من هَذِه العماية، وَيسر لَكمَا طَرِيقا إِلَى الرشاد فَأَقْبَلَا إِلَيْنَا نعرفكما مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ من التَّمَسُّك بالتقليد فِي الدّين دين الله وَالْعَمَل بِالرَّأْيِ الفايل الْمُخَالف للأدلة الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ إِن صَحَّ لَكمَا مَا زعمتماه لَا تخالفان فِي أَن الْكتاب وَالسّنة مؤثران على ذَلِك الرَّأْي الَّذِي قلدتما غيركما فِيهِ. وَحِينَئِذٍ قد نجح الدَّوَاء وَقرب الْبُرْء من ذَلِك الْمَرَض الَّذِي أصابكما، وَأَيْضًا نقُول لهَذَا الْمُقَلّد الْمِسْكِين نَحن نعلم، وَتعلم أَنْت إِن بَقِي لَك شَيْء من الْعقل وَنصِيب من الْفَهم أَن عُلَمَاء الْمُسلمين من الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَمن المعاصرين لمن قلدته وَمن بعدهمْ من أَئِمَّة الْعلم أَن التجويز فيهم من التَّرَدُّد فِيمَا جَاءُوا بِهِ، واختاروه لأَنْفُسِهِمْ مثل التجويز مِنْك فِي إمامك. وَهَذَا شَيْء يعرفهُ عقلاء الْمُسلمين.
فَمَا بالك عَمَدت إِلَى وَاحِد مِنْهُم فقلدته دينك فِي جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ من الصَّوَاب وَالْخَطَأ؟ .
إِن قلت، لَا أَدْرِي فَنَقُول: لَا دَريت. نَحن نعرفك بِالْحَقِيقَةِ.
أَنْت ولدت فِي قطر قد قلد فِيهِ أَهله عَالما من عُلَمَاء الْإِسْلَام فدنت بِمَا دانوا وَقلت بِمَا قَالُوا، فَأَنت من الَّذين يَقُولُونَ عِنْد سُؤال الْملكَيْنِ سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته فَيُقَال لَك: لَا دَريت وَلَا تليت وَكَانَ الْأَحْسَن بك إِن كنت ذَا عقل وَفهم وَقد أخذت بأقوال الإِمَام الَّذِي قلدته أَن تضم إِلَى ذَلِك قَوْله: " إِنَّه لَا يحل لأحد أَن يقلده " فَمَا بالك تركت هَذَا من أَقْوَاله؟ ! .
ثمَّ اعْلَم أَنَّك مسئول يَوْم الْقِيَامَة عَن دين الله هَذَا الَّذِي أنزل بِهِ كِتَابه الْعَزِيز وَبعث بِهِ نبيه الْكَرِيم فَانْظُر مَا أَنْت قَائِل، وبماذا تجيب؟ إِن قلت: أخذت بقول الْعَالم فلَان فَهَذَا الْعَالم فلَان مَعَك فِي عرصات الْقِيَامَة مسئول كَمَا سُئِلت متعبد بِمَا تعبدك الله بِهِ.
فَإِذا قلت: قلدت فلَانا وَأخذت بقوله فعبدت الله سُبْحَانَهُ بِمَا أَمرنِي بِهِ، وأفتيت بِمَا قَالَه وقضيت بِمَا قَرَّرَهُ فأبحت الْفروج وسفكت الدِّمَاء وَقطعت الْأَمْوَال. فَإِن قيل لَك: فعلت هَذَا بِحَق أَو بباطل، فَمَا أَنْت قَائِل؟ .
وَإِن قلت: فعلت ذَلِك بقول فلَان فَلَا بُد أَن يُقَال لَك: علمت أَن قَوْله صَوَاب مُوَافق لما شَرعه الله لِعِبَادِهِ فِي كِتَابه وَسنة رَسُوله فَلَا بُد أَن تَقول: لَا أَدْرِي. فَلَا دَريت، وَلَا تليت، ثمَّ إِذا قيل لَك فِي عرصات الْقِيَامَة أَي دَلِيل لَك على تَخْصِيص هَذَا الْعَالم بِالْعَمَلِ بِجَمِيعِ مَا قَالَه، وتأثيره على قَول غَيره بل