الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبطش بِهِ الَّذِي يمشي [بِهِ] وَلكنه أنث وَذكر بالاعتبارين وَالله أعلم.
قَوْله يبطش قَالَ فِي الصِّحَاح: البطشة السطوة وَالْأَخْذ بالعنف وَقد بَطش بِهِ يَبطِشُ ويَبْطُشُ بطشا، وباطَشَهُ مباطشة.
المُرَاد من أَن الله صَار سمع العَبْد وبصره إِلَخ:
قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح: " وَقد اسْتشْكل كَيفَ يكون الْبَارِي جلّ وَعلا سمع العَبْد وبصره إِلَى آخِره. وَالْجَوَاب من أوجه:
أَحدهَا أَنه ورد على سَبِيل التَّمْثِيل، وَالْمعْنَى كنت كسمعه وبصره فِي إيثاره أَمْرِي فَهُوَ يحب طَاعَتي ويؤثر خدمتي كَمَا يحب هَذِه الْجَوَارِح " انْتهى الْوَجْه الأول. وَأَقُول:
هَذَا مَعَ كَونه إخراجاً للْكَلَام عَن الظَّاهِر الْبَين الْوَاضِح فَهُوَ مَدْفُوع بالرواية الْمُتَقَدّمَة من رِوَايَات الصَّحِيح وَهِي قَوْله: " فَبِي يسمع وَبِي يبصر الخ ".
ومدفوع أَيْضا بالرواية الْمُتَقَدّمَة وَهِي قَوْله: " كنت لَهُ سمعا وبصراً ويداً ومؤيداً " فَإِن ذَلِك التَّأْوِيل لَا يَتَيَسَّر فِي مثل هَذِه الرِّوَايَة لَا سِيمَا مَعَ قَوْله ومؤيدا.
قَالَ ابْن حجر: وَثَانِيها " أَن الْمَعْنى أَن كليته مَشْغُولَة بِي فَلَا يصغي بسمعه إِلَّا إِلَى مَا يرضيني وَلَا يرى ببصره إِلَّا إِلَى مَا أَمرته بِهِ " انْتهى.
وَأَقُول: هَذَا أقرب من الْوَجْه الأول وَأَقل تكلفاً وَحَاصِله: أَن هَذَا الْكَلَام خَارج مخرج التَّوْفِيق للْعَبد إِلَى طاعات الله وتسديده عَن الْوُقُوع فِي شَيْء من مَعَاصيه.
قَالَ ابْن حجر: ثَالِثهَا، الْمَعْنى " أجعَل لَهُ مقاصده كَأنه ينالها بسمعه وبصره الخ " انْتهى.
وَأَقُول: هَذَا الْوَجْه مغسول عَن الْفَائِدَة غذ لَا معنى لنيل مقاصده بسمعه وبصره وَإِن أمكن تَأْوِيله بِمَا كَانَ من الْمَقَاصِد الَّتِي لَا يقْصد بهَا إِلَّا السماع لَهَا أَو النّظر إِلَيْهَا، وَمَا أقل ذَلِك. وَهُوَ إِن استقام فِي الْيَد وَالرجل لِأَن الْيَد هِيَ آلَة الْأَخْذ للشَّيْء وَالرجل هِيَ آلَة الْمَشْي إِلَيْهِ لَكِن كَانَ يُغني عَن هَذَا كُله كنت معينا لَهُ على تَحْصِيل مطالبه وتقريباً مِنْهُ. قَالَ: وَرَابِعهَا: " كنت لَهُ فِي النُّصْرَة كسمعه وبصره وَيَده وَرجله على عدوه " انْتهى.
وَأَقُول: الله أَعلَى وَأجل من أَن يكون فِي معاونة عَبده الضَّعِيف كهذه الْجَوَارِح الضعيفة، فمعونته أكبر من كل كَبِير، وَأجل من كل جليل، وَإِنَّمَا يصلح ذَلِك لَو كَانَ المُرَاد المساعدة والانقياد، فَإِنَّهُ يُقَال مثل هَذَا على من كَانَ مساعداً منقاداً كانقياد هَذِه الْجَوَارِح لصَاحِبهَا. وَمثل ذَلِك لَا يصلح فِي جَانب رب الْعَالم وخالق الْكل تَعَالَى وتقدس.
وَأَيْضًا لَا يصلح ذَلِك فِي بني آدم إِلَّا إِذا كَانَ من قَالَ فلَان: هُوَ كسمعي وبصري عَزِيزًا عَلَيْهِ، وَكَانَ من قَالَ: هُوَ كيدي ورجلي قَاضِيا فِي حَوَائِجه، كَمَا يَفْعَله الْخَادِم الناصح.
قَالَ:
خَامِسهَا: قَالَ الْفَاكِهَانِيّ وَسَبقه إِلَى مَعْنَاهُ ابْن هُبَيْرَة: " هُوَ فِيمَا ظهر لي أَنه على حذف مُضَاف وَالتَّقْدِير كنت حَافظ سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ فَلَا يسمع إِلَّا مَا يحل سَمعه وحافظ بَصَره إِلَى آخِره ".
وَأَقُول: مَا أبرد هَذَا التَّقْدِير وَأَقل جدواه وعَلى كل حَال فَهُوَ يؤول إِلَى معنى الْوَجْه الثَّانِي. قَالَ:
سادسها: " قَالَ الْفَاكِهَانِيّ تحْتَمل معنى آخر أدق من الَّذِي قبله وَهُوَ أَن يكون معنى سَمعه مسموعه لِأَن الْمصدر قد جَاءَ بِمَعْنى الْمَفْعُول مثل فلَان أملي أَي مأمولي. وَالْمعْنَى أَنه لَا يسمع إِلَّا ذكري وَلَا يلتذ إِلَّا بِتِلَاوَة كتابي، وَلَا يأنس إِلَّا بمناجاتي، وَلَا ينظر إِلَّا فِي عجائب ملكوتي وَلَا يمد يَده إِلَّا فِيمَا فِيهِ رضائي وَرجله كَذَلِك. وَبِمَعْنَاهُ قَالَ ابْن هُبَيْرَة أَيْضا " انْتهى.
وَأَقُول هَذَا الَّذِي زَعمه أدق معنى هُوَ أبعد مَسَافَة مِمَّا قبله وَكَون الله عز وجل مسموع العَبْد ومبصره على مَا فِيهِ من عوج كَيفَ يَصح مثل هَذَا التَّأْوِيل فِي الْيَد وَالرجل مَعَ أَن تِلْكَ الرِّوَايَة الثَّابِتَة فِي الصَّحِيح وَهِي " فَبِي يسمع وَبِي يبصر الخ " تدفع هَذَا التَّأْوِيل وترده على عقبه.
قَالَ الطوفي: اتّفق الْعلمَاء مِمَّن يعْتد بقوله على أَن هَذَا مجَاز وكناية عَنْ
نصْرَة العَبْد وتأييده، وإعانته حَتَّى كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ نزل نَفسه من عَبده منزلَة الْآلَات الَّتِي يَسْتَعِين بهَا، وَلِهَذَا وَقع فِي رِوَايَة " فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي يبطش وَبِي يمشي) .
والاتحادية زَعَمُوا أَنه على حَقِيقَته، وَأَن الْحق تَعَالَى عين العَبْد. وَاحْتَجُّوا بمجيء جِبْرِيل فِي صُورَة دحْيَة. قَالُوا: فَهُوَ روحاني خلع صورته وَظهر بمظهر الْبشر. قَالُوا: وَالله سُبْحَانَهُ أقدر على أَن يظْهر فِي صُورَة الْوُجُود الْكُلِّي أَو بعضه. تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا " انْتهى.
أَقُول: هَذَا الَّذِي ذكره من التَّنْزِيل لَا يَلِيق بجنابه سُبْحَانَهُ كَمَا قدمنَا فِي الْمصير إِلَى هَذَا الْمجَاز بِهَذَا الْوَجْه كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(فَكنت كالساعي إِلَى مثعب
…
موائلا من سبل الراعد)
وَأما مَا حَكَاهُ عَن الاتحادية فَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يسْتَحق التَّعَرُّض لرده.
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا مِثَال. وَالْمعْنَى توفيق الله تَعَالَى لبعده فِي الْأَعْمَال
الَّتِي يُبَاشِرهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاء وتيسر الْمحبَّة لَهُ فِيهَا بِأَن يحفظ جوارحه عَلَيْهِ ويعصمه عَن مواقعة مَا يكرههُ الله تَعَالَى من الإصغاء إِلَى اللَّهْو بسمعه وَمن النّظر إِلَى مَا نهى عَنهُ تَعَالَى ببصره، وَمن الْبَطْش فِيمَا لَا يحل لَهُ بِيَدِهِ، وَمن السَّعْي إِلَى الْبَاطِل بِرجلِهِ.
وَإِلَى هَذَا نحا الدَّاودِيّ وَمثله الكلاباذي وَعبر بقوله " أحفظه فَلَا يتَصَرَّف إِلَّا فِي محابي، لِأَنَّهُ إِذا أحبه كره لَهُ أَن يتَصَرَّف فِيمَا كرهه مِنْهُ " انْتهى.
وَأَقُول: هَذَا يرجع إِلَى الْوَجْه الثَّانِي.
قَالَ ابْن حجر:
وسابعها: قَالَ الْخطابِيّ أَيْضا: وَقد يكون عبر بذلك عَن سرعَة إِجَابَة الدُّعَاء والنجح فِي الطّلب. وَذَلِكَ أَن مساعي الْإِنْسَان كلهَا إِنَّمَا تكون بِهَذِهِ الْجَوَارِح الْمَذْكُورَة.
وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ منتزع مِمَّا تقدم: " لَا تتحرك لَهُ جارحة إِلَّا فِي الله
وَللَّه فَهِيَ كلهَا تعْمل بِالْحَقِّ للحق " انْتهى.
وَأَقُول: هَذَا الْوَجْه السَّابِع يرجع إِلَى الْوَجْه الثَّانِي، كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ قَول الْبَعْض.
هَذَا وَلَا يخفاك أَن جعل كنت سَمعه بِمَعْنى سامع دُعَائِهِ مجيبه إِلَى مَطْلُوبه فِيهِ من الْبعد مَا لَا يخفى على من يفهم تصاريف الْكَلَام ووجوه إفاداته.
إِذا عرفت مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هَذِه الْوُجُوه الَّتِي ذكرهَا ابْن حجر فِي الْفَتْح، وَعرفت مَا قُلْنَاهُ فِي كل وَجه مِنْهَا.
فَاعْلَم أَن الَّذِي يظْهر لي فِي معنى هَذَا الحَدِيث الْقُدسِي، أَنه إمداد الرب سُبْحَانَهُ لهَذِهِ الْأَعْضَاء بنوره الَّذِي تلوح بِهِ طرائق الْهِدَايَة وتنقشع عِنْده سحب الغواية. وَقد نطق الْقُرْآن الْعَظِيم بِأَن الله سُبْحَانَهُ هُوَ نور السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم لما سُئِلَ هَل رأى ربه قَالَ:" نُورٌ أنِّي أرَاهُ " وَهُوَ فِي الصَّحِيح.
وَثَبت أَنه سُبْحَانَهُ محتجب بالأنوار وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من دُعَائِهِ [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم إِذا خرج إِلَى الصَّلَاة " اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا وَفِي بَصرِي نورا وَفِي سَمْعِي نورا وَعَن يَمِيني نورا وَخَلْفِي نورا وَفِي عصبي نورا، وَفِي لحمي نورا وَفِي دمي نوراُ وَفِي شعري نورا وَفِي بشري نورا " وَزَاد مُسلم: " وَفِي لساني نورا وَاجعَل فِي نَفسِي نورا وَأعظم لي نورا ".
وَأي مَانع من أَي يمد الله سُبْحَانَهُ عَبده من نوره فَيصير صافياً من كدورات الحيوانية الإنسانية لاحقا بالعالم الْعلوِي سَامِعًا بِنور الله مبصراً بِنور الله باطشا
بِنور الله مَاشِيا بِنور الله. وَمَا فِي هَذَا من منع أَو من أَمر لَا يجوز على الرب سُبْحَانَهُ وَقد سَأَلَهُ رَسُوله، [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم وَطَلَبه من ربه.
وَوصف الله عباده بقوله: {نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم - الْآيَة} .
وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُخَالف موارد الشَّرِيعَة، وَلَا مَا يُنَافِي إِدْرَاك عقول المتشرعين العارفين بِالْكتاب وَالسّنة.
وَقد جعل الله سُبْحَانَهُ الْخُرُوج من ظلمات الْمعاصِي إِلَى أنوار الطَّاعَات خُرُوجًا من الظُّلُمَات إِلَى النُّور. وَورد فِي الْكتاب وَالسّنة من هَذَا الْجِنْس الْكثير الطّيب.
فَمَعْنَى الحَدِيث كنت سَمعه بنوري الَّذِي أقدف فِيهِ فَيسمع سَمَاعا لَا كَمَا يسمعهُ أَمْثَاله من بني آدم، وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْجَوَارِح.
وَانْظُر فِي هَذَا الدُّعَاء الَّذِي طلبه رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم أَن يكون نور الله فِي سَمعه وبصره وَقَلبه وعصبه ولحمه وَدَمه وشعره وبشره وَلسَانه وَنَفسه، بل سَأَلَ رَبَّه أَن يمده بنوره خَلفه وأمامه. فلوا أَن لنُور الله سُبْحَانَهُ قُوَّة لجَمِيع الْأَعْضَاء مَا طلبه سيد ولد آدم وَخير الخليقة.
وَالْحَال أَن الله قد جعله نورا لِعِبَادِهِ فَكيف لَا يكون ذَلِك مَطْلُوبا لسَائِر الْعباد لما ينشأ عَنهُ من النَّفْع الْعَظِيم؟ .
فَمن أمده الله سُبْحَانَهُ بنوره فِي جَمِيع بدنه صَار لاحقاً بالعالم الْعلوِي وَمن أمد عضوا مِنْهُ بنوره صَار ذَلِك الْعُضْو نورانياً.
فَإِن كَانَ من الْحَواس كَانَ لَهَا من الْإِدْرَاك مَا لم يكن لغَيْرهَا من الْحَواس الَّتِي لم تمد بِنور الله عز وجل. وَإِن كَانَ الْإِمْدَاد لعضو من الْأَعْضَاء غير الْحَواس صَار ذَلِك الْعُضْو قَوِيا فِي عمله الَّذِي يعْمل بِهِ مستنيرا إِذا عمل بِهِ الْإِنْسَان كَانَ عمله صَالحا مُوَافقا لما هُوَ الصَّوَاب.
فاتضح لَك بِهَذَا معنى مَا فِي هَذَا الحَدِيث الْقُدسِي أَي كنت بِمَا ألقيت على سَمعه وبصره وَيَده وَرجله من نوري، سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا. ثمَّ أوضح هَذَا الْمَعْنى بقوله:" فَبِي يسمع وَبِي يبصر، وَبِي يبطش وَبِي يمشي ".
قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح: " وَأسْندَ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن أبي عُثْمَان [الْحِيرِي]
أحد أَئِمَّة الطَّرِيق قَالَ: مَعْنَاهُ: كنت أسْرع إِلَى قَضَاء حَوَائِجه من سَمعه فِي الإسماع وعينه فِي النّظر وَيَده فِي اللَّمْس وَرجله فِي الْمَشْي.
وَحمله بعض متأخري الصُّوفِيَّة على مَا يذكرُونَهُ من مقَام الفناء والمحو وَأَنه الْغَايَة الَّتِي لَا شَيْء وَرَاءَهَا. وَهُوَ أَن يكون قَائِما بِإِقَامَة الله تَعَالَى محبا بمحبته لَهُ نَاظرا بنظره لَهُ من غير أَن تبقى مَعَه بَقِيَّة تناط باسم أَو تقف على رسم، أَو تتَعَلَّق بِأَمْر أَو تُوصَف بِوَصْف.
وَمعنى هَذَا الْكَلَام أَنه [شهد] إِقَامَة الله تَعَالَى لَهُ حَتَّى قَامَ ومحبته حَتَّى أحبه وَنظر إِلَى عَبده حَتَّى أقبل نَاظرا إِلَيْهِ بِقَلْبِه.
وَحمله بعض أهل الزيغ على مَا يَدعُونَهُ من أَن العَبْد إِذا لَازم الْعِبَادَة الظَّاهِرَة والباطنة حَتَّى تصفى من الكدورات أَنه يصير فِي معنى الْحق، - تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا - وَأَنه يفنى عَن نَفسه جملَة حَتَّى يشْهد أَن الله تَعَالَى هُوَ الذاكر لنَفسِهِ الموجد لنَفسِهِ، وَأَن هَذِه الْأَسْبَاب والرسوم تصير عدماً صرفا فِي شُهُوده [وَأَنه] يعْدم فِي الْخَارِج. وعَلى الْأَوْجه كلهَا فَلَا تمسك فِيهِ للاتحاد،