المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدعاء كسبب لرد القضاء: - قطر الولي على حديث الولي = ولاية الله والطريق إليها

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌تَقْدِيم

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌من هُوَ الْوَلِيّ

- ‌أفضل الْأَوْلِيَاء:

- ‌طَبَقَات الْأَوْلِيَاء:

- ‌الْأَوْلِيَاء غير الْأَنْبِيَاء لَيْسُوا بمعصومين:

- ‌المقياس فِي قبُول الْوَاقِعَات والمكاشفات:

- ‌إِمْكَان وُقُوع المكاشفات

- ‌الْوَاجِب على الْوَلِيّ فِيمَا يصدر من أَعمال:

- ‌خوارق غير الْأَوْلِيَاء:

- ‌المكاشفات الصَّحِيحَة وأولياء الْمُؤمنِينَ:

- ‌شخصية الْوَلِيّ

- ‌جَوَاز الكرامات:

- ‌مَتى يكون الخارق كَرَامَة:

- ‌المعاداة من الْوَلِيّ كَمَا يُمكن أَن تتَصَوَّر:

- ‌عود إِلَى مقياس الْولَايَة:

- ‌السكونيات، والدينيات فِي الْقُرْآن الْكَرِيم:

- ‌الْقدر وَنفي احتجاج العصاة بِهِ:

- ‌مبدأ الباطنية، وَكَيف قَامُوا:

- ‌كَرَاهَة الرافضة للصحابة أُرِيد بِهِ هدم السّنة:

- ‌نصيب الْعلمَاء العاملين من الْولَايَة:

- ‌أَسبَاب رسوخ الْعلمَاء العاملين فِي الْولَايَة:

- ‌الرُّجُوع إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله فِي مسَائِل الدّين هُوَ الطَّرِيقَة العلمية:

- ‌حَقِيقَة الْمُقَلّد والتقليد وحكمهما:

- ‌التَّقْلِيد فِي نظر الْعلم والمعرفة:

- ‌موقف أَئِمَّة الْمُسلمين من المقلدين:

- ‌تناقص الْمُقَلّد مَعَ نَفسه:

- ‌مَنْهَج الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ:

- ‌معنى الِاقْتِدَاء بالصحابة، وموقف الْمُقَلّد من ذَلِك:

- ‌رأى الْعَالم عِنْد فقد الدَّلِيل رخصَة لَهُ فَقَط:

- ‌وَإِذا عرفت هَذَا فقد قدمنَا من الْآيَات القرآنية، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَا هُوَ مَنْهَج الْحق، ومهيع الشَّرْع، وَهُوَ الْأَمر الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم، وخلفاؤه الراشدون، وَبِه تقوم الْحجَّة على كل مُسلم، وَمن سنته [صلى الله عليه وسلم]

- ‌الْمَطْلُوب من مقلد وَمن عوام الْمُسلمين:

- ‌الِاجْتِهَاد ووحدة الْأَحْكَام:

- ‌منطق المقلدين هُوَ منطق السوفسطائيين:وَمَا أشبه الْقَائِل بِهَذِهِ الْمقَالة بالفرقة الَّتِي يُقَال لَهَا الْفرْقَة بالسوفسطائية فَإِنَّهُم جَاءُوا بِمَا يُخَالف الْعقل فَلم يعْتد بأقوالهم أحد من عُلَمَاء الْمَعْقُول لِأَنَّهَا بالجنون أشبه مِنْهَا بِالْعقلِ.وهم ثَلَاثَة فرق: عِنْدِيَّة

- ‌سد بَاب الِاجْتِهَاد وَنسخ للشريعة

- ‌جِهَاد الشَّوْكَانِيّ للمقلدين

- ‌من أخطار التَّقْلِيد والمقلدين:

- ‌وجود الِاجْتِهَاد فِي الْمذَاهب حجَّة على المقلدين:

- ‌أهل الْيمن وَالِاجْتِهَاد:

- ‌تعصب المقلدين أساسه الْجَهْل:

- ‌وَاجِب الْعلمَاء وأولي الْأَمر نَحْو المقلدين:

- ‌مدى تكريم الله سُبْحَانَهُ للأولياء:

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌الطَّرِيق إِلَى ولَايَة الله

- ‌ أَدَاء الْفَرَائِض:

- ‌ من أَدَاء الْفَرَائِض ترك الْمعاصِي:

- ‌ من الْمعاصِي إبِْطَال الْفَرَائِض بالحيل:

- ‌(ب) الْحِيلَة والشريعة:

- ‌(م) الْحِيلَة من الإضافات للشريعة المبطلة لفرائضها:

- ‌(د) المعاريض من الشَّرِيعَة:

- ‌(هـ) من الْحِيَل المكفرة والمنافية للدّين:

- ‌(ب) " التَّقَرُّب بالنوافل

- ‌ من نوافل الصَّلَاة:

- ‌تذييل - محبَّة الله والاستكثار من تِلْكَ النَّوَافِل:

- ‌ من نوافل الْحَج:

- ‌ من نوافل الصَّدَقَة:

- ‌(ج) التَّقَرُّب بالأذكار:

- ‌ترغيب الْكتاب، وَالسّنة فِيهَا:

- ‌أعظم الْأَذْكَار أجرا:

- ‌أذكار الْأَوْقَات وفوائدها:

- ‌أذكار التَّوْحِيد:

- ‌الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وفضلها:

- ‌التَّسْبِيح وفوائده:

- ‌الْأَدْعِيَة النَّبَوِيَّة:

- ‌الْأَدْعِيَة عقب الْوضُوء وَالصَّلَاة:

- ‌الْأَدْعِيَة عِنْد الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَدخُول الْمَسْجِد:

- ‌الْأَدْعِيَة دَاخل الصَّلَاة:

- ‌الْأَدْعِيَة فِي الصّيام وَالْحج وَالْجهَاد وَالسّفر وَغَيرهَا:

- ‌د - الْإِيمَان وَطَرِيق الْولَايَة:

- ‌ الْإِيمَان بِالْقدرِ، وخاصة الْمُؤمنِينَ:

- ‌ فَوَائِد الْإِيمَان بِالْقدرِ:

- ‌ الْإِيمَان بِالْقضَاءِ والاستعاذة من سوءه:

- ‌ الْإِيمَان وَالْإِحْسَان وَلمن يَجْتَمِعَانِ:

- ‌الدُّعَاء أعظم مظَاهر الْولَايَة:

- ‌الْولَايَة وَالْعُزْلَة:

- ‌اللطف والنصر وَعَامة الْمُؤمنِينَ:

- ‌محبَّة الله بَين أَدَاء الْفَرْض وَالنَّفْل:

- ‌دَاء الْفَرَائِض شَرط فِي اعْتِبَار النَّوَافِل:

- ‌لَيست المداومة شرطا فِي الْقرب:

- ‌محبَّة الله شَامِلَة للمتقرب بِالْفَرْضِ والمتقرب بالنفل:

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌أثر محبَّة الله فِي حَيَاة الْوَلِيّ

- ‌هدايته وتوفيقه

- ‌المُرَاد من أَن الله صَار سمع العَبْد وبصره إِلَخ:

- ‌تَحْقِيق آراء الاتحادية والصوفية:

- ‌منشأ الْخَطَأ عِنْد الاتحاديين:

- ‌فضل السّمع على الْبَصَر فِي التأثر وَالِاعْتِبَار:

- ‌إِجَابَة الدُّعَاء، من مظَاهر محبَّة الله للْعَبد (أَولا) :

- ‌أثر نوافل الصَّلَاة وَغَيرهَا فِي محبَّة الله لعَبْدِهِ:

- ‌الْعِصْمَة والقرب الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث:

- ‌مَتى نسلم بآراء أهل الْولَايَة وخواطرهم:

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌قيمَة هَذَا الحَدِيث فِي بَاب السلوك والأخلاق

- ‌الْإِحْسَان والمفروضات الباطنية:

- ‌طَهَارَة الْبَاطِن وأثرها فِي مَرْكَز الْإِنْسَان من الْولَايَة:

- ‌الطَّرِيق إِلَى طَهَارَة الْبَاطِن:

- ‌مقَام الْإِحْسَان وَلمن يكون:

- ‌مقَام الْوَلِيّ وَإجَابَة الدُّعَاء:

- ‌مقَام الْمحبَّة وَإجَابَة الدُّعَاء:

- ‌مقَام الْمحبَّة ومداومة الدُّعَاء:

- ‌ضلال المدعين لرفع التَّكْلِيف:

- ‌المُرَاد بتررد الله سُبْحَانَهُ عَن نفس الْمُؤمن:

- ‌لَا تلازم بَين علم الله ونفاذ قَضَائِهِ:

- ‌الدُّعَاء كسبب لرد الْقَضَاء:

- ‌مبدأ السَّبَبِيَّة فِي الشَّرِيعَة الإسلامية:

- ‌كَرَاهَة الْمَوْت ومقام الْولَايَة:

- ‌الْوَلِيّ وَمَعْرِفَة الغيبيات:

- ‌تواضع الْوَلِيّ وَحَقِيقَته:

- ‌خَاتِمَة الشَّرْح

الفصل: ‌الدعاء كسبب لرد القضاء:

وَجعل ترك دُعَائِهِ من الاستكبار عَلَيْهِ، وتوعد عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ:{إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي الْآيَة} وَقَالَ: {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ} وَقَالَ: {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِي إِذا دعان} .

‌الدُّعَاء كسبب لرد الْقَضَاء:

فَأخْبرنَا سُبْحَانَهُ أَنه يُجيب دَعْوَة من دَعَاهُ بعد أَن أمرنَا بِالدُّعَاءِ فِي آيَات كَثِيرَة، وَمِنْهَا هَذَا الحَدِيث الْقُدسِي الَّذِي نَحن بصدد شَرحه، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ. " لَئِن سَأَلَني لأعطينه، وَلَئِن استعاذني لأعيذنه ". وَهُوَ صَادِق وَلَا يخلف الميعاد كَمَا أخبرنَا بذلك فِي كِتَابه الْعَزِيز.

وَقد أكد الْإِجَابَة مِنْهُ للْعَبد فِي هَذَا الحَدِيث الْقُدسِي بالقسم على نَفسه عز وجل. فَكيف تخلف ذَلِك.

وَقد ورد، من التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء مَا لَو جمع لَكَانَ مؤلفا مُسْتقِلّا، فَمن ذَلِك. مَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَمِنْهَا مَا هُوَ صَحِيح كَمَا ستقف عَلَيْهِ.

فَمن مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ الله عز وجل:

(أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي، وَأَنا مَعَه إِذا دَعَاني) . وَفِي الحَدِيث الْقُدسِي، الَّذِي أخرجه مُسلم وَغَيره عَن أبي ذَر. " يَا عبَادي لَو أَن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قَامُوا فِي صَعِيد فسألوني فَأعْطيت كل إِنْسَان مِنْهُم مَسْأَلته مَا نقص ذَلِك مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا ينقص الْمخيط إِذا دخل

ص: 480

الْبَحْر ". وَأخرج أهل السّنَن وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم أَنه قَالَ:

(الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين} :

وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ:

(من سره أَن يستجيب الله لَهُ عِنْد الشدائد فليكثر من الدُّعَاء فِي الرخَاء) وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم من حَدِيث سلمَان وَصَححهُ. وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه من حَدِيث أنس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم يَقُول قَالَ الله:

(يَا ابْن آدم، إِنَّك مَا دعوتني ورجوتني غفرت لَك على مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي ".

وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت " أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ: مَا على الأَرْض مُسلم يَدْعُو الله بدعوة إِلَّا آتَاهُ الله إِيَّاهَا، أَو صرف عَنهُ من السوء مثلهَا مَا لم يدع بإثم أَو قطيعة رحم، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِذا نكثر قَالَ: الله أَكثر ".

وَأخرج أَحْمد بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(مَا من مُسلم ينصب وَجهه لله عز وجل فِي مَسْأَلَة إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاه: إِمَّا أَن يَجْعَلهَا لَهُ، وَإِمَّا أَن يدخرها ". وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى بأسانيد جَيِّدَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ: " مَا من مُسلم يَدْعُو بدعوة لَيْسَ فِيهَا إِثْم وَلَا قطيعة رحم إِلَّا أعطَاهُ الله بهَا إِحْدَى ثَلَاث: إِمَّا أَن يعجل لَهُ دَعوته، وَإِمَّا

ص: 481

أَن يدخرها لَهُ فِي الْآخِرَة، وَإِمَّا أَن يصرف عَنهُ من السوء مثلهَا. قَالُوا: إِذن فَكثر. قَالَ: الله أَكثر ".

وَأخرج ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصَححهُ والضياء فِي المختارة من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(لَا تعجزوا فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ لن يهْلك مَعَ الدُّعَاء أحد) . وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(الدُّعَاء سلَاح الْمُؤمن وعماد الدّين وَنور السَّمَوَات وَالْأَرْض) وَأخرجه أَبُو يعلى من حَدِيث عَليّ. وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(من فتح لَهُ مِنْكُم بَاب الدُّعَاء فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة، وَمَا سُئِلَ الله شَيْئا أحب إِلَيْهِ من أَن يسْأَل الْعَافِيَة وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل، وَمِمَّا لم ينزل فَعَلَيْكُم عباد الله بِالدُّعَاءِ ". وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْمليكِي وَفِيه مقَال. وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(إِن الله حيى كريم يستحي إِذا رفع الرجل إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَن يردهما صفراً خائبتين) .

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(إِن الله رَحِيم كريم يستحي من عَبده أَن يرفع إِلَيْهِ يَدَيْهِ ثمَّ لَا يضع فيهمَا خيرا) . وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم

ص: 482

(من نزلت بِهِ فاقة، فأنزلها بِالنَّاسِ لم تسد فاقته، وَمن نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِاللَّه فيوشك الله لَهُ برزق عَاجل وآجل) .

وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(سلوا الله من فَضله فَإِن الله يحب أَن يُسأل) . وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ:

(الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة) . وَأخرج أَبُو يعلى من حَدِيث جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(أَلا أدلكم على مَا ينجيكم من عَدوكُمْ ويدر لكم أرزاقكم تدعون الله فِي ليلكم ونهاركم، فَإِن الدُّعَاء سلَاح الْمُؤمن) . وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(سمع رجلا يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِأَنِّي أشهد أَنَّك أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد، وَلم يكن لَهُ كُفؤًا أحد. فَقَالَ: لقد سَأَلت الله بِالِاسْمِ الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى، وَإِذا دعى بِهِ أجَاب) .

وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن من حَدِيث معَاذ " قَالَ سمع رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم رجلا وَهُوَ يَقُول: يَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام فَقَالَ: قد اسْتُجِيبَ لَك فسل ". وَأخرج الْحَاكِم من حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ: " قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم أَن لله ملكا موكلا بقول: يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَمن قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات قَالَ الْملك: إِن أرْحم الرَّاحِمِينَ قد أقبل عَلَيْك فسل ".

وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث أنس قَالَ: " مر النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم بِأبي عَيَّاش زيد بن الصَّامِت الزرقي وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك

ص: 483

بِأَن لَك الْحَمد لَا إِلَه إِلَّا أَنْت المنان بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض يَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام يَا حَيّ يَا قيوم: فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم: لقد دَعَا الله باسمه الْأَعْظَم، الَّذِي إِذا دعى بِهِ أجَاب ".

وَمن ذَلِك مَا ورد فِي إِجَابَة دَعْوَة الْمَظْلُوم على ظالمه، وَالْأَب على وَلَده وَورد أَيْضا أَن جمَاعَة لَا يرد دعاؤهم، وَالْأَحَادِيث بذلك صَحِيحَة ثَابِتَة ". وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وفيهَا التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء ومحبة الله لَهُ، حَتَّى أخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ " وَأخرج ابْن أبي شيبَة من حَدِيثه " من لم يدْعُ الله غضب عَلَيْهِ ".

فَلَو لم يكن الدُّعَاء نَافِعًا لصَاحبه، وَأَن لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا قد كتب لَهُ دَعَا أَو لم يدع لم يَقع الْوَعْد بالإجابة وَإِعْطَاء الْمَسْأَلَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث وَنَحْوهَا، بل قد ثَبت أَن الدُّعَاء يرد الْقَضَاء كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه من حَدِيث سلمَان أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ:

(لَا يرد الْقَضَاء إِلَى الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر) وَأخرجه أَيْضا ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم وَصَححهُ، وَأخرجه أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير، والضياء فِي المختارة.

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث ثَوْبَان " لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر وَإِن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ ".

وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَزَّار من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(لَا يُغني حذر من قدر، وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل، وَأَن الْبلَاء لينزل، فيتلقاه الدُّعَاء فيعتلجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".

ص: 484

فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا ورد موردها قد دلّت على أَن الدُّعَاء يرد الْقَضَاء فَمَا بَقِي بعد هَذَا؟

وَمن الْأَدِلَّة الَّتِي تدفع مَا قدمْنَاهُ من قَول أُولَئِكَ الْقَائِلين مَا ورد من الِاسْتِعَاذَة من سوء الْقَضَاء، كَمَا ثَبت الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، أَنه كَانَ [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم يَقُول:

(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من سوء الْقَضَاء، ودرك الشَّقَاء، وَجهد الْبلَاء، وشماتة الْأَعْدَاء) . وَقد قدمنَا هَذَا الحَدِيث.

فَلَو لم يكن للْعَبد إِلَّا مَا قد سبق بِهِ الْقَضَاء لم يستعذ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم من سوء الْقَضَاء.

وَمن ذَلِك حَدِيث الدُّعَاء فِي الْوتر وَفِيه: " وقني شَرّ مَا قضيت ". وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، وَإِن لم يكن فِي الصَّحِيحَيْنِ حَسْبَمَا قدمنَا الْإِشَارَة إِلَيْهِ.

وَمن الْأَدِلَّة الَّتِي ترد قَول أُولَئِكَ الْقَائِلين مَا ورد فِي صلَة الرَّحِم، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث أنس أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ:

(من أحب أَن يبسط لَهُ فِي رزقه، وينسأ لَهُ فِي أَثَره فَليصل رَحمَه) . قَوْله ينسأ: بِضَم الْيَاء وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة مَهْمُوز أَي يُؤَخر لَهُ فِي أَجله. وَأخرجه البُخَارِيّ وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.

وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم أَنه قَالَ:

(مَكْتُوب فِي التوارة: من أحب أَن يُزَاد فِي عمره وَيُزَاد فِي رزقه فَليصل رَحمَه) .

وَأخرج أَحْمد بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات عَن عَائِشَة أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم

ص: 485

قَالَ:

(صلَة الرَّحِم وَحسن الْجوَار يعمرَانِ الديار وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَار) وَهُوَ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَلم يسمع من عَائِشَة. وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة.

فَلَو لم يكن للْعَبد إِلَّا مَا قد سبق لَهُ لم تحصل لَهُ الزِّيَادَة بصلَة رَحمَه، بل لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا قد سبق بِهِ الْقَضَاء وصل رَحمَه أَو لم يصل، فَيكون مَا ورد فِي ذَلِك لَغوا لَا عمل عَلَيْهِ وَلَا صِحَة لَهُ.

وَمن الْأَدِلَّة الَّتِي ترد قَول أُولَئِكَ مَا ورد من الْأَمر بالتداوي، وَهِي أَحَادِيث ثَابِتَة فِي الصَّحِيح. فلولا أَن لذَلِك فَائِدَة كَانَ الْأَمر بِهِ لَغوا.

إِذا عرفت مَا قدمْنَاهُ فَاعْلَم أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فِي كِتَابه الْعَزِيز: {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب} . وَظَاهر هَذِه الْآيَة الْعُمُوم الْمُسْتَفَاد من قَوْله مَا يَشَاء، فَمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ مِمَّا قد وَقع فِي الْقَضَاء وَفِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ محاه، وَمَا شَاءَ أثْبته. وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ مثل معنى هَذِه الْآيَة قَوْله عز وجل:{وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره إِلَّا فِي كتاب} ، وَقَوله عز وجل:{ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مُسَمّى عِنْده} .

ص: 486

وَقد أجَاب أُولَئِكَ الْقَوْم الَّذين قدمنَا ذكرهم عَن الْآيَة الأولى بجوابات: مِنْهَا أَن المُرَاد: يمحو مَا يَشَاء من الشَّرَائِع والفرائض فينسخه ويبدله، وَيثبت مَا يَشَاء فَلَا ينسخه وَلَا يُبدلهُ. وَجُمْلَة النَّاسِخ والمنسوخ عِنْده فِي أم الْكتاب.

وَيُجَاب عَن ذَلِك بِأَنَّهُ تَخْصِيص لعُمُوم الْآيَة بِغَيْر مُخَصص. وَأَيْضًا يُقَال لَهُم: إِن الْقَلَم قد جرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. وَمن جملَة ذَلِك الشَّرَائِع والفرائض، فَهِيَ مثل الْعُمر إِذا جَازَ فِيهَا المحو وَالْإِثْبَات جَازَ فِي الْعُمر المحو وَالْإِثْبَات.

وكل مَا هُوَ جَوَاب لَهُم عَن هَذَا فَهُوَ جَوَابنَا عَلَيْهِم.

وَمِنْهَا أَن المُرَاد بِالْآيَةِ محو مَا فِي ديوَان الْحفظَة مِمَّا لَيْسَ بحسنة وَلَا سَيِّئَة لأَنهم مأمورون بكتب مَا ينْطق بِهِ الْإِنْسَان.

وَيُجَاب عَنهُ الْجَواب الأول، وَيلْزم فِيهِ مثل اللَّازِم الأول، وَجَمِيع مَا ينْطق بِهِ بَنو آدم من غير فرق بَين أَن يكون حَسَنَة أَو سَيِّئَة أَو لَا حَسَنَة وَلَا سَيِّئَة هُوَ فِي أم الْكتاب، و {مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد} {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} ، {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} وَمِنْهَا

ص: 487

أَن المُرَاد أَن الله يغْفر مَا يَشَاء من ذنُوب عباده، وَيتْرك مَا يَشَاء فَلَا يغفره. وَيُجَاب عَنهُ بِمثل الْجَواب السَّابِق.

وَمِنْهَا أَن المُرَاد يمحو مَا يَشَاء من الْقُرُون فَيَمْحُو قرنا وَيثبت قرنا كَقَوْلِه: {ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون} وَقَوله: {ثمَّ أنشأنا من بعدهمْ قرنا آخَرين} وَيُجَاب عَنهُ بِمثل مَا تقدم.

وَمِنْهَا أَن المُرَاد الَّذِي يعْمل بِطَاعَة الله ثمَّ بمعصيته فَيَمُوت [فَيَمُوت] على ضلاله فَهَذَا الَّذِي يمحوه الله وَالَّذِي يُثبتهُ: الرجل يعْمل بِمَعْصِيَة الله ثمَّ يَتُوب فيمحوه من ديوَان السَّيِّئَات ويثبته فِي ديوَان الْحَسَنَات. وَيُجَاب عَنهُ بِمَا تقدم وَيلْزم فِيهِ مَا يلْزم فِي الأول وَمَا بعده بِلَا شكّ وَلَا شُبْهَة.

وَأي فرق بَين محو السَّيئَة وَإِثْبَات الْحَسَنَة، وَبَين محو أحد العمرين وَإِثْبَات الآخر.

وَمِنْهَا أَن المُرَاد يمحو مَا يَشَاء يَعْنِي الدُّنْيَا وَيثبت الْآخِرَة، وَيُجَاب عَنهُ بِمَا تقدم. وَإِذا تقرر لَك هَذَا عرفت أَن الْآيَة عَامَّة، وَأَن الْعُمر فَرد من أفرادها. وَيدل على هَذَا التَّعْمِيم مَا ثَبت عَن كثير من أكَابِر الصَّحَابَة [أَنهم] كَانُوا يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ:" اللَّهُمَّ إِن كنت قد أثبتني فِي ديوَان الأشقياء، فانقلني إِلَى ديوَان [السُّعَدَاء] " وَنَحْو هَذِه الْعبارَة من عباراتهم وهم جُمْهُور قد جمع بعض

ص: 488

الْحَنَابِلَة فِيمَا ورد عَنْهُم من ذَلِك مجلداً بسيطاً.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل بالتخصيص بِغَيْر مُخَصص هُوَ من التقول على الله بِمَا لم يقل لِأَن الَّذِي قَالَه هُوَ ذَلِك اللَّفْظ الْعَام، وَتلك الْآيَة الشاملة فقصرها على بعض مدلولاتها بِغَيْر حجَّة نيرة لَا شكّ أَنه من التقول على الله بِمَا لم يقل. وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ:{قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} .

وَأَجَابُوا عَن قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره إِلَّا فِي كتاب} ، بِأَن المُرَاد بالمعمَّر الطَّوِيل الْعُمر، وَالْمرَاد بالمنقوص قصير الْعُمر.

وَيُجَاب عَن ذَلِك بِأَن الضَّمِير فِي قَوْله: " وَلَا ينقص من عمره " يعود إِلَى قَوْله من معمر لَا شكّ فِي ذَلِك. وَالْمعْنَى على هَذَا " وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمر ذَلِك المعمر ".

هَذَا معنى النّظم القرآني الَّذِي لَا يحْتَمل غَيره، وَمَا عداهُ فَهُوَ إرجاع للضمير إِلَى غير مَا هُوَ الْمرجع، وَذَلِكَ لَا وجود لَهُ فِي النّظم.

وَأَجَابُوا أَيْضا بِأَن معنى مَا يعمر من معمر مَا يستقبله من عمره. وَمعنى وَلَا ينقص من عمره مَا قد مضى. وَهَذَا تعسف وتكلف وتلاعب بِكِتَاب الله وَتصرف فِيهِ بِمَا يُوَافق الْمَذْهَب ويطابق الْهوى.

وَأَجَابُوا أَيْضا بِأَن المُرَاد بالمعمر من بلغ سنّ الْهَرم، وبالمنقوص من عمره

ص: 489

هُوَ معمر آخر غير هَذَا الَّذِي بلغ سني الْهَرم أَي ينقص من عمره عَن عمر الَّذِي بلغ سنّ الْهَرم، وَيُجَاب عَنهُ بِمثل مَا تقدم.

وَقيل المعمر: من بلغ عمره سِتِّينَ، والمنقوص من عمره من يَمُوت قبل السِّتين، وَيُجَاب عَنهُ بِمَا تقدم.

وَالْحَاصِل أَن مَا جَاءُوا بِهِ من الْأَجْوِبَة يردهَا اللَّفْظ القرآني، ويدفعها النّظم الرباني، والصيغة عَامَّة بِمَا فِيهَا من النَّفْي الدَّال على الْعُمُوم المتوجه إِلَى النكرَة المنفية الْمُؤَكّد نَفيهَا بِمن. وَكَذَلِكَ النَّفْي الآخر بِلَفْظ لَا، المتوجه إِلَى نفي النَّقْص من عمر ذَلِك المعمر. وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى، ومحاولة تَخْصِيصه، أَو ارجاع ضَمِيره إِلَى غير من هوله تعسف، وتلاعب بِكِتَاب الله، ورده بِلَا حجَّة نيرة إِلَى مَا يُطَابق هوى الْأَنْفس.

وَأَجَابُوا عَن قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مُسَمّى عِنْده} بِأَن المُرَاد بالأجل الأول، النّوم، وَالْأَجَل الثَّانِي الْمَوْت. وَهَذَا من بدع التفاسير وغرائب التَّأْوِيل. وَمعنى الْآيَة أوضح من أَن يخفى.

وَأَجَابُوا أَيْضا بِأَن الْأَجَل الأول مَا قد انْقَضى من عمر كل أحد. وَالثَّانِي مَا بَقِي من عمر كل أحد.

وَهَذَا كَالْأولِ. وَقيل الأول أجل الْمَوْت، وَالثَّانِي أجل الْحَيَاة فِي الْآخِرَة، وَهَذَا أَشد تعسفا مِمَّا قبله.

وَقيل الأول مَا بَين خلق الْإِنْسَان إِلَى مَوته: وَالثَّانِي مَا بَين مَوته إِلَى بَعثه وَهُوَ كَالَّذي قبله. وَالْكل مُخَالف لما يدل عَلَيْهِ النّظم القرآني.

ص: 490

وَإِذا عرفت بطلَان مَا أجابوا بِهِ. تقرر لَك أَن الثَّلَاث الْآيَات دَالَّة على مَا أردناه. فَإِن المحو وَالْإِثْبَات عامان يدْخل تَحت عمومها الْعُمر والرزق والسعادة والشقاوة وَغير ذَلِك.

وَمعنى الْآيَة الثَّانِيَة أَنه لَا يطول عمر إِنْسَان وَلَا يقصر، إِلَّا وَهُوَ فِي كتاب أَي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَمعنى الْآيَة الثَّالِثَة: أَن للْإنْسَان أجلين يقْضِي الله سُبْحَانَهُ لَهُ بِمَا يَشَاء مِنْهُمَا من زِيَادَة أَو نقض.

فَإِن قلت: فعلام تحمل مثل قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَقَوله سُبْحَانَهُ: {لن يُؤَخر الله نفسا إِذا جَاءَ أجلهَا} وَقَوله سُبْحَانَهُ {إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر} . قلت: أفسرها بِمَا هِيَ مُشْتَمِلَة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي الْآيَة الأولى: " فَإِذا جَاءَ أَجلهم " وَقَالَ فِي الثَّانِيَة " إِذا جَاءَ أجلهَا "، وَقَالَ فِي الثَّالِثَة:" إِن أجل الله إِذا جَاءَ ".

فَأَقُول: إِذا حضر الْأَجَل، فَإِنَّهُ لَا يتَقَدَّم، وَلَا يتَأَخَّر. وَقبل حُضُوره يجوز أَن يُؤَخِّرهُ الله بِالدُّعَاءِ أَو بصلَة الرَّحِم، أَو بِفعل الْخَيْر، وَيجوز أَن يقدمهُ لمن عمل شرا، [أَو] قطع مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل، وانتهك محارم الله سُبْحَانَهُ.

ص: 491