الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشيوخهم الْمدَارِس والجوامع وَلَا يرَوْنَ لشيخ علم الْكتاب وَالسّنة أثرا وَلَا خَبرا، فَإِن درس شيخ من شيوخهم فِي مدرسة أَو جَامع فَهُوَ فِي [زَاوِيَة] من زواياه يقْعد بَين يَدَيْهِ الرجل وَالرجلَانِ وهم فِي سكينَة ووقار لَا يلْتَفت إِلَيْهِم ملتفت، وَلَا يتطلع لأمرهم متطلع. فَمَاذَا [يرى] الْعَاميّ عِنْد هَذَا النّظر مَا ذَاك يخْطر بِبَالِهِ؟ ويغلب على ظَنّه؟ وَإِلَى من يمِيل، وَلمن يحكم بِالْعلمِ؟ وعَلى من يلقى مقاليد مَا ينوبه من أَمر دينه ودنياه؟ فلهذه النُّكْتَة احتجنا إِلَى هَذَا الْكَلَام فِي هَذَا الْمُؤلف وَغَيره من مؤلفاتنا. وَإِلَّا فهم أقل وأحقر من أَن يشْتَغل بشأنهم أَو يعبأ بِمَا يصدر منعم من الْجَهْل المكشوف، وَالَّذِي لَا يكَاد يلتبس على من لَدَيْهِ أدنى علم وَأَقل تَمْيِيز.
جِهَاد الشَّوْكَانِيّ للمقلدين
وَلَقَد كَانَ لي مَعَ هَؤُلَاءِ فِي أَيَّام الِاشْتِغَال بالدرس والتدريس وعنفوان الشَّبَاب، وحدة الحداثة قلاقل وزلازل جمعت فِيهَا رسائل وَقلت فِيهَا قصائد.
فَمن جملَة مَا خاطبتهم بِهِ مَا قلته من قصيدة:
(يَا ناقداً لمقال لَيْسَ يفهمهُ
…
من لَيْسَ يفهم قل لي كَيفَ تنتقد)
(يَا صاعدا فِي وعور ضَاقَ مَسْلَكُها
…
أيصعد الوعر من فِي السهل يرتعد؟)
(يَا مَاشِيا فِي فلاة لَا أنيس بهَا
…
كَيفَ السَّبِيل إِذا مَا اغتالك الْأسد؟)
(يَا خائض الْبَحْر لَا يدْرِي سباحته
…
وبلى عَلَيْك أتنجوا إِن علا الزَّبَدُ؟)
وَمِنْهَا:
(إِنِّي بُليت بِأَهْل الْجَهْل فِي زمن
…
قَامُوا بِهِ وَرِجَال الْعلم قد تعدوا)
(قوم يدق جليل القَوْل عِنْدهم
…
فمالهم طَاقَة فِي حل مَا يرد)
(وَغَايَة الْأَمر عِنْد الْقَوْم أَنهم
…
أعدى العداة لمن فِي علمه سدد)
(إِذا رَأَوْا رجلا قد نَالَ مرتبَة
…
فِي الْعلم دون الَّذِي يدرونه جَحَدُوا)
(أَو مَال عَن زائف الْأَقْوَال مَا تركُوا
…
بَابا من الشَّرّ إِلَّا نَحوه قصدُوا)
(أما الحَدِيث الَّذِي قد صَحَّ مخرجه
…
كالأمهات فَمَا فيهم لَهَا ولد)
(تراهم إِن رَأَوْا من قَالَ حَدثنَا
…
قَالُوا لَهُ ناصِبِيِّ مَاله رشد)
(وَإِن ترْضى على الْأَصْحَاب بَينهم
…
قَالُوا لَهُ باغض للآل مُجْتَهد)
(يَا غارقين بشؤم الْجَهْل فِي بدع
…
ونافرين عَن الْهدى القويم هُدُوا)
(مَا بِاجْتِهَاد فَتى فِي الْعلم منقصة
…
النَّقْص فِي الْجَهْل لَا حياكم الصَّمد)
(لَا تنكروا مورداً عذباُ لشاربه
…
إِن كَانَ لَا بُد من إِنْكَاره فَردُّوا)
(وَإِن أَبَيْتُم فَيوم الْحَشْر موعدنا
…
فِي موقف الْمُصْطَفى وَالْحَاكِم الْأَحَد)
وَمِمَّا قلته فِي ذَلِك:
(على عصر الشبيبة كل حِين
…
سَلام مَا تقهقهت الرعود)
(ويسقيه من السحب السَّوَارِي
…
ملث دَائِم التسكاب جود)
(زمَان خضت فِيهِ بِكُل فن
…
وسدت مَعَ الحداثة من يسود)
(وعدت على الَّذِي حصلت مِنْهُ
…
فجدت بِهِ وغيري لَا يجود)
(وعاداني على هَذَا أُناس
…
وأظلم من يعاديك الحسود)
(رأوني لَا أدين بدين قوم
…
يرَوْنَ الْحق مَا قَالَ الجدود)
(ويطرحون قَول الطُّهْر طه
…
وكل مِنْهُم عَنهُ شرود)
(فَقَالُوا قد أَتَى فِينَا فلَان
…
بمعضلة وفاقرة تؤود)
(يَقُول الْحق قُرْآن وَقَول
…
لخير الرُّسُل لَا قَول ولود)
(فَقلت كَذَا أَقُول وكل قَول
…
عدا هذَيْن تطرقه الردود)
(وَهَذَا مَهْيَعُ الْأَعْلَام قبلي
…
وَكلهمْ لمورده وَرود)
(إِذا جحد امْرُؤ فضلى ونبلى
…
فَقدما كَانَ فِي النَّاس الْجُحُود)
(وكل فَتى إِذا مَا حَاز علما
…
وَكَانَ لَهُ بمدرجة صعُود)
(وراض جوامحاً من كل فن
…
وَصَارَ لكل شاردة يَقُود)
(رَمَاه القاصرون بِكُل عيب
…
وَقَامَ لحربه مِنْهُم جنود)
(وعادوا خائبين وكل كيد
…
لَهُم فعلى نُفُوسهم يعود)
(وراموا وضع رتبته فَكَانُوا
…
على الشّرف الرفيع هم الشُّهُود)
(إِذا مَا الله قدر نشر فضل
…
لإِنْسَان يتاح لَهُ حسود)
(وَمن كثرت فضائله يعادي
…
وَيكثر فِي مناقبه الْجُحُود)
(إِذا مَا غَابَ يلمزه أنَاس
…
وهم عِنْد الْحُضُور لَهُ سُجُود)
(وَلَيْسَ يضر نبح الْكَلْب بَدْرًا
…
وَلَيْسَ تخَاف من حمر أسود)
(وَمَا الشم الشوامخ عِنْد ريح
…
تمر على جوانبها تمود)
(وَلَا الْبَحْر الخضم يعاب يَوْمًا
…
إِذا بَالَتْ بجانبه القرو)
وَمِمَّا قلته من قصيدة طَوِيلَة:
(لَا عيب لي غير أَنِّي فِي دِيَاركُمْ
…
شمس وَلم يعرفوا مِنْهَا سوى الشهب)
(وَأَنْتُم كخفافيش الظلام وَمَا
…
زَالَ الخفاش بِنور الشَّمْس فِي تَعب)
(موتوا إِذا شِئْتُم قد طَار من كلمي
…
فِي نصْرَة الْحق مَا حررت فِي الْكتب)
(وأرتجي أَن يُلَبِّي دَعْوَتِي نفر
…
يسعون للدّين لَا يسعون للنشب)
(لَا يعدلُونَ بقول الله قَول فَتى
…
وَلَا بِسنة خير الرُّسُل رَأْي غبي)
(لَا ينثنون عَن الْهدى القويم وَلَا
…
يصانعون لترغيب وَلَا رهب)
(أبث مَا بَينهم من مذهبي درراً
…
حَجَبتهَا عَن ذَوي التَّقْلِيد والريب)
(يَا فرقة ضيعت أعلامها سفها
…
وصيرت رَأس أهل الْعلم كالذنب)
(مَا قَامَ رب عُلُوم فِي دِيَاركُمْ
…
إِلَّا وجرعته أكؤس الكرب)
(من قَالَ: قَالَ رَسُول الله بَيْنكُم
…
غَدا بذا عنْدكُمْ من جملَة النَّصَب)
وَمِنْهَا:
(عاديتم السّنة الغرا فَكَانَ بذا
…
دَعْوَى خصومكم مَوْصُولَة السَّبَب)
(كم ظن ذُو حمق فِي الضّر مَنْفَعَة
(وظل) يَرْجُو نجاحاً من يَد العطب)
(سودتم جيل جهل بالعلوم وَذَا
…
رَأْي يجر بذيل الويل وَالْحَرب)
(وَالِاجْتِهَاد غَدا فِي كتب فقهكم
…
شَرط الإِمَام فَإِن يعدوه لم يجب)
(وَشرط حمال أعباء الْقَضَاء مَعَ
…
الْإِفْتَاء فَلم تعرفوا مَا خطّ فِي الْكتب)
وَمِنْهَا:
(وإنني حزت أَضْعَاف الَّذِي شرطُوا
…
قبل الثَّلَاثِينَ من عمري بِلَا كذب)
(ألم أضمخ أرجاء الْجَوَامِع بالتدريس
…
فِي كل فن معشر الطّلب)
(ألم أصنف فِي عصر الشبيبة مَا
…
يَغْدُو لَهُ مُحكم الْعرْفَان فِي طرب)
(لَو كَانَ مطلع شمس غير أَرْضكُم
…
مَا حَال دون سناها عَارض السحب)
(وَلَا غَدَتْ لعشا الناظرين لَهَا
…
كَأَنَّهَا طلعت فِي مظلم الْحجب)
وَمِمَّا قلته من قصيدة طَوِيلَة:
(وَمَا سد بَاب الْحق عَن طَالب الْهدى
…
وَلَكِن عين الأرمد الفدم سدت)
(رجال كأمثال الخفافيش ضوءها
…
يلوح لَدَى الظلماء وتعمى بِضَحْوَةٍ)
(وَهل ينقص الْحَسْنَاء فقدان رَغْبَة
…
إِلَى حسنها مِمَّن أُصِيب بعنة)
(وَهل حط قدر الْبَدْر عِنْد طلوعه
…
إِذا مَا كلاب أنكرته فهرت)
(وَمَا إِن يضر الْبَحْر أَن قَامَ أَحمَق
…
على شطه يَرْمِي إِلَيْهِ بصخرة)
(فخفض فِي غمار الِاجْتِهَاد وعد عَن
…
رجال سلت عَن سناء بفرية)
وَمِنْهَا:
(وَإِن كنت شهماً ناقداً متبصراً
…
فدع مَا بِهِ عين من الْعَمى قرت)
(فَمَا جَاءَنَا نقل بقصر وَلَا أَتَى
…
بذلك حكم للعقول الصَّحِيحَة)
(وَمَا فاض من فضل الْإِلَه على الأولى
…
مضوا فَهُوَ فياض عَلَيْك بحكمة)
(وَلَا تَكُ مطواعا ذلولا لرايض
…
تصير بِهَذَا مشبها للبهيمة)
وَمَا قلته من الْأَشْعَار الْجَارِيَة فِي هَذَا الْمِضْمَار فَهُوَ كثير جدا يحْتَاج إِلَى مؤلف مُسْتَقل.
وَقد حكيت بعض مَا وَقع لي مَعَ هَؤُلَاءِ المقلدة فِي الْكتاب الَّذِي سميته (أدب الطّلب ومنتهى الأرب) . وكيدهم العتيد وحسدهم الشَّديد مُسْتَمر إِلَى الْآن وَالله نَاصِر دينه، وَرَافِع أَعْلَام شَرِيعَته، وكابت من رام أَهلهَا، أَو رام الحاملين لَهَا بكيد ومكر. وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله. {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ} . {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين} . {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} . {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل لم يمسسهم سوء} .
وَمَا أصدق هَذِه المواعيد الَّتِي وعد الله بهَا عباده، وَأبين حُصُولهَا وَأظْهر وُقُوعهَا وَهُوَ صَادِق الْوَعْد فَللَّه الْحَمد [فَإِنَّهُ] مَا قَامَ قَائِم فِي مُعَارضَة المحقين إِلَّا وكبه الله على منخره، وحاق بِهِ مكره وَعَاد على نَفسه خداعه وأحاط بِهِ بغيه. وَكم قد رَأينَا من هَذَا وَسَمعنَا فِي عصرنا ومعنا وَفينَا، فَكَانَت الْعَاقِبَة لِلْمُتقين، كَمَا وعد بِهِ رب الْعَالمين وَالْحَمْد لله.