المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كراهة الموت ومقام الولاية: - قطر الولي على حديث الولي = ولاية الله والطريق إليها

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌تَقْدِيم

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌من هُوَ الْوَلِيّ

- ‌أفضل الْأَوْلِيَاء:

- ‌طَبَقَات الْأَوْلِيَاء:

- ‌الْأَوْلِيَاء غير الْأَنْبِيَاء لَيْسُوا بمعصومين:

- ‌المقياس فِي قبُول الْوَاقِعَات والمكاشفات:

- ‌إِمْكَان وُقُوع المكاشفات

- ‌الْوَاجِب على الْوَلِيّ فِيمَا يصدر من أَعمال:

- ‌خوارق غير الْأَوْلِيَاء:

- ‌المكاشفات الصَّحِيحَة وأولياء الْمُؤمنِينَ:

- ‌شخصية الْوَلِيّ

- ‌جَوَاز الكرامات:

- ‌مَتى يكون الخارق كَرَامَة:

- ‌المعاداة من الْوَلِيّ كَمَا يُمكن أَن تتَصَوَّر:

- ‌عود إِلَى مقياس الْولَايَة:

- ‌السكونيات، والدينيات فِي الْقُرْآن الْكَرِيم:

- ‌الْقدر وَنفي احتجاج العصاة بِهِ:

- ‌مبدأ الباطنية، وَكَيف قَامُوا:

- ‌كَرَاهَة الرافضة للصحابة أُرِيد بِهِ هدم السّنة:

- ‌نصيب الْعلمَاء العاملين من الْولَايَة:

- ‌أَسبَاب رسوخ الْعلمَاء العاملين فِي الْولَايَة:

- ‌الرُّجُوع إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله فِي مسَائِل الدّين هُوَ الطَّرِيقَة العلمية:

- ‌حَقِيقَة الْمُقَلّد والتقليد وحكمهما:

- ‌التَّقْلِيد فِي نظر الْعلم والمعرفة:

- ‌موقف أَئِمَّة الْمُسلمين من المقلدين:

- ‌تناقص الْمُقَلّد مَعَ نَفسه:

- ‌مَنْهَج الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ:

- ‌معنى الِاقْتِدَاء بالصحابة، وموقف الْمُقَلّد من ذَلِك:

- ‌رأى الْعَالم عِنْد فقد الدَّلِيل رخصَة لَهُ فَقَط:

- ‌وَإِذا عرفت هَذَا فقد قدمنَا من الْآيَات القرآنية، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَا هُوَ مَنْهَج الْحق، ومهيع الشَّرْع، وَهُوَ الْأَمر الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم، وخلفاؤه الراشدون، وَبِه تقوم الْحجَّة على كل مُسلم، وَمن سنته [صلى الله عليه وسلم]

- ‌الْمَطْلُوب من مقلد وَمن عوام الْمُسلمين:

- ‌الِاجْتِهَاد ووحدة الْأَحْكَام:

- ‌منطق المقلدين هُوَ منطق السوفسطائيين:وَمَا أشبه الْقَائِل بِهَذِهِ الْمقَالة بالفرقة الَّتِي يُقَال لَهَا الْفرْقَة بالسوفسطائية فَإِنَّهُم جَاءُوا بِمَا يُخَالف الْعقل فَلم يعْتد بأقوالهم أحد من عُلَمَاء الْمَعْقُول لِأَنَّهَا بالجنون أشبه مِنْهَا بِالْعقلِ.وهم ثَلَاثَة فرق: عِنْدِيَّة

- ‌سد بَاب الِاجْتِهَاد وَنسخ للشريعة

- ‌جِهَاد الشَّوْكَانِيّ للمقلدين

- ‌من أخطار التَّقْلِيد والمقلدين:

- ‌وجود الِاجْتِهَاد فِي الْمذَاهب حجَّة على المقلدين:

- ‌أهل الْيمن وَالِاجْتِهَاد:

- ‌تعصب المقلدين أساسه الْجَهْل:

- ‌وَاجِب الْعلمَاء وأولي الْأَمر نَحْو المقلدين:

- ‌مدى تكريم الله سُبْحَانَهُ للأولياء:

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌الطَّرِيق إِلَى ولَايَة الله

- ‌ أَدَاء الْفَرَائِض:

- ‌ من أَدَاء الْفَرَائِض ترك الْمعاصِي:

- ‌ من الْمعاصِي إبِْطَال الْفَرَائِض بالحيل:

- ‌(ب) الْحِيلَة والشريعة:

- ‌(م) الْحِيلَة من الإضافات للشريعة المبطلة لفرائضها:

- ‌(د) المعاريض من الشَّرِيعَة:

- ‌(هـ) من الْحِيَل المكفرة والمنافية للدّين:

- ‌(ب) " التَّقَرُّب بالنوافل

- ‌ من نوافل الصَّلَاة:

- ‌تذييل - محبَّة الله والاستكثار من تِلْكَ النَّوَافِل:

- ‌ من نوافل الْحَج:

- ‌ من نوافل الصَّدَقَة:

- ‌(ج) التَّقَرُّب بالأذكار:

- ‌ترغيب الْكتاب، وَالسّنة فِيهَا:

- ‌أعظم الْأَذْكَار أجرا:

- ‌أذكار الْأَوْقَات وفوائدها:

- ‌أذكار التَّوْحِيد:

- ‌الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وفضلها:

- ‌التَّسْبِيح وفوائده:

- ‌الْأَدْعِيَة النَّبَوِيَّة:

- ‌الْأَدْعِيَة عقب الْوضُوء وَالصَّلَاة:

- ‌الْأَدْعِيَة عِنْد الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَدخُول الْمَسْجِد:

- ‌الْأَدْعِيَة دَاخل الصَّلَاة:

- ‌الْأَدْعِيَة فِي الصّيام وَالْحج وَالْجهَاد وَالسّفر وَغَيرهَا:

- ‌د - الْإِيمَان وَطَرِيق الْولَايَة:

- ‌ الْإِيمَان بِالْقدرِ، وخاصة الْمُؤمنِينَ:

- ‌ فَوَائِد الْإِيمَان بِالْقدرِ:

- ‌ الْإِيمَان بِالْقضَاءِ والاستعاذة من سوءه:

- ‌ الْإِيمَان وَالْإِحْسَان وَلمن يَجْتَمِعَانِ:

- ‌الدُّعَاء أعظم مظَاهر الْولَايَة:

- ‌الْولَايَة وَالْعُزْلَة:

- ‌اللطف والنصر وَعَامة الْمُؤمنِينَ:

- ‌محبَّة الله بَين أَدَاء الْفَرْض وَالنَّفْل:

- ‌دَاء الْفَرَائِض شَرط فِي اعْتِبَار النَّوَافِل:

- ‌لَيست المداومة شرطا فِي الْقرب:

- ‌محبَّة الله شَامِلَة للمتقرب بِالْفَرْضِ والمتقرب بالنفل:

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌أثر محبَّة الله فِي حَيَاة الْوَلِيّ

- ‌هدايته وتوفيقه

- ‌المُرَاد من أَن الله صَار سمع العَبْد وبصره إِلَخ:

- ‌تَحْقِيق آراء الاتحادية والصوفية:

- ‌منشأ الْخَطَأ عِنْد الاتحاديين:

- ‌فضل السّمع على الْبَصَر فِي التأثر وَالِاعْتِبَار:

- ‌إِجَابَة الدُّعَاء، من مظَاهر محبَّة الله للْعَبد (أَولا) :

- ‌أثر نوافل الصَّلَاة وَغَيرهَا فِي محبَّة الله لعَبْدِهِ:

- ‌الْعِصْمَة والقرب الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث:

- ‌مَتى نسلم بآراء أهل الْولَايَة وخواطرهم:

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌قيمَة هَذَا الحَدِيث فِي بَاب السلوك والأخلاق

- ‌الْإِحْسَان والمفروضات الباطنية:

- ‌طَهَارَة الْبَاطِن وأثرها فِي مَرْكَز الْإِنْسَان من الْولَايَة:

- ‌الطَّرِيق إِلَى طَهَارَة الْبَاطِن:

- ‌مقَام الْإِحْسَان وَلمن يكون:

- ‌مقَام الْوَلِيّ وَإجَابَة الدُّعَاء:

- ‌مقَام الْمحبَّة وَإجَابَة الدُّعَاء:

- ‌مقَام الْمحبَّة ومداومة الدُّعَاء:

- ‌ضلال المدعين لرفع التَّكْلِيف:

- ‌المُرَاد بتررد الله سُبْحَانَهُ عَن نفس الْمُؤمن:

- ‌لَا تلازم بَين علم الله ونفاذ قَضَائِهِ:

- ‌الدُّعَاء كسبب لرد الْقَضَاء:

- ‌مبدأ السَّبَبِيَّة فِي الشَّرِيعَة الإسلامية:

- ‌كَرَاهَة الْمَوْت ومقام الْولَايَة:

- ‌الْوَلِيّ وَمَعْرِفَة الغيبيات:

- ‌تواضع الْوَلِيّ وَحَقِيقَته:

- ‌خَاتِمَة الشَّرْح

الفصل: ‌كراهة الموت ومقام الولاية:

بِمَا [يَشَاء] ، وتقتضيه حكمته. وَإِن لم يفعل حَتَّى جَاءَ أَجله، وحضره الْمَوْت مَاتَ بأجله الَّذِي قد قضى عَلَيْهِ إِذا لم يتسبب بِسَبَب يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الفسحة لَهُ فِي عمره، مَعَ أَنه وَإِن فعل مَا يُوجب التَّأْخِير، والخلوص من الْأَجَل الأول، فَهُوَ لَا بُد لَهُ من الْمَوْت بعد انْقِضَاء تِلْكَ الْمدَّة الَّتِي وَهبهَا الله سُبْحَانَهُ لَهُ.

فَكَانَ هَذَا التَّرَدُّد مَعْنَاهُ: انْتِظَار مَا يَأْتِي بِهِ العَبْد مِمَّا يَقْتَضِي تَأْخِير الْأَجَل أَو لَا يَأْتِي، فَيَمُوت بالأجل الأول، وَهَذَا معنى صَحِيح لَا يرد عَلَيْهِ إِشْكَال، وَلَا يمْتَنع فِي حَقه سُبْحَانَهُ بِحَال، مَعَ أَنه سُبْحَانَهُ يعلم أَن العَبْد سيفعل ذَلِك السَّبَب، أَو لَا يَفْعَله، لكنه لَا يَقع التَّنْجِيز لذَلِك الْمُسَبّب إِلَّا بِحُصُول السَّبَب الَّذِي ربطه عز وجل بِهِ.

‌كَرَاهَة الْمَوْت ومقام الْولَايَة:

قَوْله: " يكره الْمَوْت وأكره إساءته " قَالَ ابْن حجر: " وَفِي حَدِيث عَائِشَة: أَنه يكره الْمَوْت وَأَنا أكره مساءته. زَاد ابْن مخلد عَن ابْن كَرَامَة فِي آخِره: " وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ " وَوَقعت هَذِه الزِّيَادَة أَيْضا فِي حَدِيث وهب " انْتهى.

ص: 499

فِيهِ فَائِدَة جليلة هِيَ أَن الْمُؤمن قد يكره الْمَوْت وَلَا يخرج بذلك عَن رُتْبَة الْإِيمَان الجليلة، وَلَا يُنَافِي ذَلِك أَن شَأْن الْمُؤمن أَن يحب لِقَاء الله سُبْحَانَهُ، كَمَا ورد فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة لوُقُوع الْبَيَان فِيهَا بِأَن محبَّة لِقَاء الله لَا نستلزم أَن لَا يكره صَاحب هَذِه الْمحبَّة الْمَوْت، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(من أحب لِقَاء الله، أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه فَقلت يَا نَبِي الله أكراهية الْمَوْت فكلنا نكره الْمَوْت؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِك، وَلَكِن الْمُؤمن إِذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لِقَاء الله فَأحب الله لقاءه، وَأَن الْكَافِر إِذا بشر بِعَذَاب الله وَسخطه كره لِقَاء الله، وَكره الله لقاءه ".

وَأخرج أَحْمد بِرِجَال الصَّحِيح وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم:

(من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه، قُلْنَا يَا رَسُول الله: كلنا نكره الْمَوْت. قَالَ: لَيْسَ ذَاك كَرَاهِيَة الْمَوْت، وَلَكِن الْمُؤمن إِذا حضر جَاءَهُ البشير من الله فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهِ من أَن يكون قد لَقِي الله فَأحب الله لقاءه، وَإِن الْفَاجِر وَالْكَافِر إِذا حضر جَاءَهُ مَا هُوَ صائر إِلَيْهِ من الشَّرّ، أَو مَا يلقى من الشَّرّ، فكره لِقَاء الله فكره الله لقاءه ".

ص: 500

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم: قَالَ الله: إِذا أحب عَبدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه، وَإِذا كره لقائي كرهت لقاءه " وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم قَالَ: " تحفة الْمُؤمن الْمَوْت ". وَأخرج أَحْمد من رِوَايَة عبد الله ابْن [زَجْر] من حَدِيث معَاذ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَآله وَسلم: " إِن شِئْتُم أنبأتكم مَا أول مَا يَقُول الله عز وجل للْمُؤْمِنين يَوْم الْقِيَامَة، وَمَا أول مَا يَقُولُونَ لَهُ قُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله قَالَ: إِن الله عز وجل يَقُول للْمُؤْمِنين: هَل أَحْبَبْتُم لقائي، فَيَقُولُونَ نعم يَا رَبنَا، فَيَقُول لَهُم: لم؟ فَيَقُولُونَ: رجونا عفوك ومغفرتك فَيَقُول: قد وَجَبت لكم مغفرتي ".

قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح: " وَأسْندَ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن الْجُنَيْد سيد الطَّائِفَة قَالَ: الْكَرَاهَة هُنَا لما يقلى الْمُؤمن من الْمَوْت، وصعوبته وكربه وَلَيْسَ الْمَعْنى أنس أكره لَهُ الْمَوْت لِأَن الْمَوْت يُورِدهُ إِلَى رَحْمَة الله ومغفرته " انْتهى.

أَقُول: ظَاهر الْأَحَادِيث الَّتِي قدمناها: أَن الْكَرَاهَة لنَفس الْمَوْت الَّذِي هُوَ انْتِقَال من الدَّار الأولى إِلَى الدَّار الْآخِرَة من غير حَاجَة إِلَى تَأْوِيل. وَلَا شكّ أَن الْكَرَاهَة للْمَوْت قد تكون لاستصعاب مقدماته، وَقد تكون لما فِي الْمَوْت من مُفَارقَة الْأَهْل وَالْولد وَالْأَصْحَاب والأتراب، وَقد تكون للخوف من أَن يُفَارق الدُّنْيَا وَهُوَ غير رَاض من نَفسه بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة، أَو لذنوب اقترفها لم

ص: 501

يخلص التَّوْبَة عَنْهَا، أَو لحقوق لله سُبْحَانَهُ، أَو لِعِبَادِهِ لم يتَخَلَّص عَنْهَا، فَلَيْسَتْ كَرَاهَة الْمَوْت مُخْتَصَّة بذلك الْوَجْه الَّذِي ذكره الْجُنَيْد رحمه الله.

قَالَ فِي الْفَتْح: " وَعبر بَعضهم عَن هَذَا بِأَن الْمَوْت حتم مقضي، وَهُوَ مُفَارقَة الرّوح الْجَسَد، وَلَا يحصل غَالِبا إِلَّا بألم [شَدِيد] جدا كَمَا جَاءَ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سُئِلَ وَهُوَ يَمُوت فَقَالَ: كَأَنِّي أتنفس من خرم إبرة، وَكَأن غُصْن شوك يجر بِهِ من قامتي إِلَى هامتي " انْتهى.

قلت: هَذَا هُوَ مثل كَلَام الْجُنَيْد. وَالْجَوَاب عَنهُ جَوَاب عَن هَذَا، وقصة عَمْرو هَذِه مَشْهُورَة فِي كتب التَّارِيخ، قَالَ لَهُ رجل وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ: إِنَّك كنت تَقول لنا: وددت أَن يُخْبِرنِي رجل عَاقل [و] هُوَ فِي سِيَاق الْمَوْت كَيفَ يجد الْمَوْت فَقَالَ لَهُ رجل: أَنْت ذَلِك الرجل الْعَاقِل فَأخْبرنَا فَقَالَ: " كَأَنِّي أتنفس الخ "، قَالَ فِي الْفَتْح:" وَعَن كَعْب أَن عمر سَأَلَهُ عَن الْمَوْت فوصفه بِنَحْوِ هَذَا، فَلَمَّا كَانَ الْمَوْت بِهَذَا الْوَصْف وَالله سُبْحَانَهُ يكره [أَذَى] الْمُؤمن أطلق على ذَلِك الْكَرَاهَة. وَيحْتَمل أَن تكون المساءة بِالنِّسْبَةِ إِلَى طول الْحَيَاة لِأَنَّهَا تُؤدِّي إِلَى أرذل الْعُمر وتنكس الْخلق وَالرَّدّ إِلَى أَسْفَل سافلين " انْتهى.

أَقُول: معنى قَوْله وأكره إساءته كَرَاهَة إساءته بِنَفس الْمَوْت كَمَا يفِيدهُ قَوْله يكره الْمَوْت، فَإِن قَوْله وأكره إساءته هُوَ مَعْطُوف عَلَيْهِ، فَالْمُرَاد أكره إساءته بِمَا

ص: 502

كرهه. وَتَخْصِيص التَّفْسِير بِوَجْه مَعَ وضوح الْمَعْنى لَا حَاجَة إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يلْزم من ذَلِك شَيْء حَتَّى يُصَار إِلَى التَّأْوِيل، وعَلى فرض وجود مُقْتَض للتأويل، فَهُوَ ذُو وُجُوه كَمَا بَينا، وَغير مَا تطابق عَلَيْهِ قَول الْجُنَيْد وَكَعب وَالْمُصَنّف [وَهُوَ] أولى مِنْهُ.

قَالَ فِي الْفَتْح: " وَجوز الْكرْمَانِي أَن يكون المُرَاد أَنه يكره الْمَوْت فَلَا أسْرع بِقَبض روحه فَأَكُون كالمتردد " انْتهى.

أَقُول: هَذَا صَوَاب إِذْ لَا مُقْتَضى للتأويل كَمَا عرفناك.

قَالَ فِي الْفَتْح: " وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفضل: فِي هَذَا الحَدِيث، عظم قدر الْوَلِيّ، لكَونه خرج عَن تَدْبِير نَفسه إِلَى تَدْبِير ربه تَعَالَى، وَمن انتصاره لنَفسِهِ إِلَى انتصار الله لَهُ، وَعَن حوله وقوته بِصدق توكله.

قَالَ: وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن لَا يحكم لإِنْسَان آذَى وليا ثمَّ لم يعاجل بمصيبة فِي نَفسه أَو مَاله أَو وَلَده، بِأَنَّهُ يسلم من انتقام الله تَعَالَى لَهُ: فقد يكون مصيبته فِي غير ذَلِك مِمَّا هُوَ أشبه عَلَيْهِ كالمصيبة فِي الدّين مثلا.

ص: 503