الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيكون بَصيرًا باللغة، بَصيرًا بالشعر، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ للْعلم، وَالْقُرْآن، وَيسْتَعْمل هَذَا مَعَ الْإِنْصَاف.
وَيكون مشرفاً على اخْتِلَاف أهل الْأَمْصَار، وَيكون لَهُ قريحة بعد هَذَا، فَإذْ كَانَ هَكَذَا فَلهُ أَن يتَكَلَّم فِي الْحَلَال، وَالْحرَام، وَإِذا لم يكن هَكَذَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يُفتى ". انْتهى.
الرُّجُوع إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله فِي مسَائِل الدّين هُوَ الطَّرِيقَة العلمية:
وَالْحَاصِل أَن كل مَا لم يَأْتِ بِهِ الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ من هُوَ هوى الْأَنْفس كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ: {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لَك فَاعْلَم أَنما يتبعُون أهواءهم وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} .
فقسَّم سُبْحَانَهُ الْأَمر إِلَى قسمَيْنِ لَا ثَالِث لَهما: إِمَّا الاستجابة لله وَلِلرَّسُولِ بِاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة، أَو اتِّبَاع الْهوى.
فَكل مَا لم يكن فِي الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ من الْهوى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ياداود إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله، إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب ".
فقسم سُبْحَانَهُ الحكم بَين النَّاس إِلَى أَمريْن: إِمَّا الحكم بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة، أَو الْهوى، وَهُوَ مَا خالفهما.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ لنَبيه [صلى الله عليه وسلم] : {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر فاتبعها وَلَا تتبع أهواء الَّذين لَا يعلمُونَ إِنَّهُم لن يغنوا عَنْك من الله شَيْئا وَإِن الظَّالِمين بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَالله ولي الْمُتَّقِينَ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء قَلِيلا مَا تذكرُونَ} .
وَقد أجمع النَّاس سابقهم ولاحقهم أَن الرَّد إِلَى كتاب الله سُبْحَانَهُ وَإِلَى سنة رَسُوله، هُوَ الْوَاجِب على جَمِيع الْمُسلمين. وَمن رد إِلَى غَيرهمَا فَهُوَ عَاص لله وَرَسُوله مُخَالف للْكتاب الْعَزِيز، وَالسّنة المطهرة.
وَلَا فرق بَين التَّنَازُع فِي الحقير وَالْكثير. فَإِن قَوْله: فَإِن تنازعتم فِي شَيْء. نكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط، وَهِي من صِيغ الْعُمُوم، فتشمل كل مَا يصدق [عَلَيْهِ] الشَّيْء من الْأَشْيَاء الشَّرْعِيَّة.
فَالْوَاجِب عِنْد التَّنَازُع فِيهِ رده إِلَى مَا أَمر الله بِالرَّدِّ إِلَيْهِ بقوله فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول، ثمَّ قَالَ:{إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} .
فَجعل هَذَا الرَّد من مُوجبَات الْإِيمَان، وَعَدَمه من مُوجبَات عَدمه. فَإِذا انْتَفَى الرَّد انْتَفَى الْإِيمَان.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} ، فَأخْبر سُبْحَانَهُ، أَنه مَا صَحَّ وَلَا استقام لأحد من الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات أَن يخْتَار غير مَا قضى بِهِ الله وَرَسُوله. وَقَالَ سُبْحَانَهُ:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} : أَي لَا تقدمُوا بأقوالكم بَين يَدي قَول الله وَرَسُوله، بل قُولُوا كَمَا يَقُول الله وَرَسُوله. وَمَعْلُوم أَن فتيا الْمُفْتِي بِغَيْر الْكتاب وَالسّنة وَمَا يرجع إِلَيْهِمَا [هِيَ] فتيا، بِالْجَهْلِ الَّذِي حذر مِنْهُ [صلى الله عليه وسلم] ، وأنذر بِهِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من قَوْله:" إِن الله لَا ينْزع الْعلم بعد إِذْ أعطا كموه انتزاعا، وَلَكِن يَنْزعهُ مَعَ قبض الْعلمَاء بعلمهم، فَيبقى نَاس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ".
وَفِي حَدِيث عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] :
(تفترق أمتِي على بضع وَسبعين فرقة أعظمها فتْنَة قوم يقيسون لدين برأيهم يحرمُونَ مَا أحل الله، وَيحلونَ مَا حرم الله) . قَالَ أَبُو عَمْرو
ابْن عبد الْبر: " هَذَا هُوَ الْقيَاس على غير أصل، وَالْكَلَام فِي الدّين بالخرص والظنة ".
وَقد ثَبت عَن أكَابِر الصَّحَابَة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَغَيرهم ذمّ الرَّأْي ومقت الْعَامِل بِهِ، وَأَنه لَيْسَ من الدّين فِي شَيْء.
وَقد استوفى ذَلِك الْحَافِظ ابْن عبد الْبر فِي كتاب (الْعلم) ، وَجمع مَا لم يجمعه غَيره.
والرأي إِذا كَانَ فِي مُعَارضَة أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة أَو كَانَ بالخرص وَالظَّن مَعَ التَّقْصِير عَن معرفَة النُّصُوص، أَو كَانَ متضمناً تَعْطِيل أَسمَاء الله تَعَالَى، وَصِفَاته، أَو كَانَ مِمَّا أحدثت بِهِ الْبدع وغيرت بِهِ السّنَن، فَلَا خلاف بَين الْمُسلمين فِي أَنه بَاطِل وَأَنه لَيْسَ من الدّين فِي شَيْء.
وَإِذا كَانَ مَبْنِيا على قِيَاس على دَلِيل فِي الْكتاب وَالسّنة، فَإِن كَانَ بِتِلْكَ المسالك الَّتِي لَا ترجع إِلَى شَيْء، إِنَّمَا هِيَ مُجَرّد تَظنن وتخمين فَهُوَ أَيْضا بَاطِل. وَإِن كَانَ مَعَ الْقطع بِنَفْي الْفَارِق، أَو كَانَ ثُبُوت الْفَرْع بفحوى الْخطاب أَو كَانَت الْعلَّة منصوصة، فَهَذَا وَإِن أطلق عَلَيْهِ اسْم الْقيَاس فَهُوَ دَاخل تَحت دلَالَة الأَصْل مشمول بِمَا دلّ عَلَيْهِ مَأْخُوذ مِنْهُ.
وتسميته قِيَاسا إِنَّمَا هُوَ مُجَرّد اصْطِلَاح. وَقد أوضحت الْكَلَام على هَذَا فِي كتابي الَّذِي سميته (إرشاد الفحول إِلَى تَحْقِيق الْحق من علم الْأُصُول) .