الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان أبوه تاجرا، فأخرج جميع ما ورثه من أبيه، وسافر مرارا ماشيا يحمل كتبه على ظهره، ويبيت في المساجد، ويأكل خبز الدخن، وكان زاهدا متمسكا بالأثر.
توفي سنة تسع وستين وخمس مائة.
2515 - [عمارة الحكمي]
(1)
عمارة بن علي بن زيدان بن أحمد الجدني الحكمي، نسبة إلى حكم بن سعد العشيرة، من مذحج.
قال الجندي: (ولد لبضع عشرة وخمس مائة تقريبا)(2).
قال ابن خلكان: (بمدينة مرطان من وادي وساع)(3).
قال أبو الحسن الخزرجي: (وذكر عمارة في «مفيده»: أنه ولد بقرية الزرائب شرقي المخلاف السليماني، وأن أهل تلك الناحية باقون على اللغة العربية من الجاهلية إلى عصره لم تتغير لغتهم؛ لكونهم لم يخالطهم أحد من أهل الحاضرة في مناكحة ولا مساكنة، وهم أهل قرار لا يظعنون عنه، ولا يخرجون منه، فخرج من بلده لطلب العلم في سنة إحدى وثلاثين، فاشتغل بزبيد على الفقيه عبد الله بن الأبار خاصة، وأخذ عن غيره)(4).
وكان فقيها نبيها فرضيا، نحويا لغويا، أديبا بليغا، شاعرا فصيحا.
دخل عدن للتجارة، فألزمه الأديب أبو بكر بن أحمد العيدي أن يمدح الداعي محمد بن سبأ بن أبي السعود، وكانت بضاعته يومئذ في الأدب ضعيفة، فعمل شيئا لم يرتضه الأديب، فأعرض الأديب عن ذلك، وعمل على لسانه شعرا حسنا ذكر فيه المنازل من زبيد إلى عدن، وهنأ بها الداعي بإعراسه على ابنة وزيره الشيخ بلال، قال: وتولى عني إنشادها بالمناظر، وأنا حاضر كالصنم لا أنطق، وأخذ لي جائزة من الداعي بلال، ثم قال لي: قد
(1)«وفيات الأعيان» (3/ 431)، و «السلوك» (1/ 360)، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 592)، و «العبر» (4/ 208)، و «الوافي بالوفيات» (22/ 384)، و «مرآة الجنان» (3/ 390)، و «طراز أعلام الزمن» (2/ 376)، و «شذرات الذهب» (6/ 387).
(2)
«السلوك» (1/ 360).
(3)
«وفيات الأعيان» (3/ 432).
(4)
«طراز أعلام الزمن» (2/ 376).
اتسمت اليوم عند القوم بسمة شاعر، فطالع كتب الأدب، ولا تجمد على الفقه، فكان ذلك سبب اشتغالي بالشعر وصحبة الملوك.
فلما صار عين أهل زمانه في الأدب .. لم يزل مصاحبا للملوك آل زريع خاصة، ثم صار يترسل بين الشريف بن فليتة صاحب مكة وبين صاحب مصر من العبيديين، ثم تديّر مصر، وصحب ملوك العبيديين، وله فيهم وفي وزرائهم الأشعار الفائقة.
وألزمه القاضي الفاضل أن يضع مجموعا يتضمن أخبار جزيرة اليمن، فصنف كتابه «المفيد» المعروف «بمفيد عمارة» ؛ احترازا عن «مفيد جياش» ، ومن مصنفاته:
«النكت العصرية في أخبار وزراء الدولة المصرية» وله ديوان جيد، وشعره رائق مؤنق، وله القصائد المختارات في العبيديين ملوك مصر الفائز والعاضد وأعيان دولتهم كشاور وبني رزّيك، وفي الزريعيين ملوك اليمن وخواص دولتهم كابن العيدي وبلال المحمدي وابنه ياسر وغيرهم، حدثناها اختصارا.
ومن ذلك مدحه في شاور بعد عوده من حصار بلبيس: [من الكامل]
أسمع بذا الفتح المبين وأبصر
…
واقصر عليه يد الهناء وأقصر
فتح أضاء به الزمان كأنه
…
وجه البشير وغرة المستبشر
فتح يذكّرنا وإن لم ننسه
…
ما كان من فتح الوصيّ لخيبر
فتح تولد يسرة من عسرة
…
طالت وأي ولادة لم تعسر
حملت به الأيام إلا أنها
…
وضعته تمّا عن ثلاثة أشهر
تلقاه أول فارس إن أقبلت
…
خيل وأول راجل في العسكر
هانت عليه النفس حتى أنه
…
باع الحياة فلم يجد من مشتر
ضجر الحديد من الحديد وشاور
…
من نصر دين محمد لم يضجر
حلف الزمان ليأتين بمثله
…
حنثت يمينك يا زمان فكفر
ولما انقرضت دولة العبيديين على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب .. جعل عمارة يكثر ذكرهم، والتأسف عليهم، والدعاء على من كان سببا لهلاكهم، وكلما هم السلطان صلاح الدين بأذيته .. دافع عنه القاضي الفاضل، حتى كان من قوله فيهم:[من البسيط]
لما رأيت عراص الدهر خالية
…
عن الأنيس وما في الربع سادات
أيقنت أنهم عن ربعهم رحلوا
…
وخلفوني وفي قلبي حزازات
سألت أبله قلبي في السّلوّ وقد
…
يقال للبله في الدنيا إصابات
فقال رأيي ضعيف لا يطاوعني
…
كيف السلو وأهل الفضل قد ماتوا
يا رب إن كان لي في قربهم طمع
…
عجل بذاك فللتسويف آفات
فلما سمع صلاح الدين هذه الأبيات .. كبر عليه، فأمر بشنقه بعد أن قالها بيسير، فشنق هو وجماعة ممن كان على رأيهم، فيقال: إنه تفاءل على نفسه باللحاق بهم، فلما خرجوا به ليشنقوه .. سألهم أن يمروا به على باب القاضي الفاضل، فلما علم القاضي بذلك .. أمر بإغلاق باب داره، فلما رآه عمارة مغلقا .. أنشد ارتجالا:[من مجزوء الكامل]
عبد الرحيم قد احتجب
…
إن الخلاص من العجب
فشنق في درب يعرف بخرابة السود بالقاهرة ثاني عشر رمضان من سنة تسع وستين وخمس مائة.
قال الجندي: (واختلف المصريون في عمارة، فمنهم من يرى أنه مات على السنة ولم يدخل في مذهب العبيديين، وأثنى عليه ابن خلكان ثناء حسنا، وذكر أنه بذل له مال على الانتقال إلى مذهبهم فكره، وكان متعصبا للسنة)(1)، وأشار بذلك إلى ما في ديوان عمارة أن الصالح بن رزّيك أرسل إليه بثلاثة أكياس ذهبا ورقعة مكتوب فيها بخط الصالح:[من الكامل]
قل للفقيه عمارة يا خير من
…
أضحى يؤلف خطبة وخطابا
اقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى
…
قل حطة وادخل إلينا البابا
تلقى الأئمة شافعين ولا تجد
…
إلا لدينا سنة وكتابا
وعلي أن يعلو محلك في الورى
…
وإذا شفعت إلي كنت مجابا
وتعجل الآلاف فهي ثلاثة
…
صلة وحقك لا يعدّ ثوابا
فأجابه عمارة مع رسوله فقال: [من الكامل]
حاشاك من هذا الخطاب خطابا
…
يا خير من ملك الرقاب نصابا
لكن إذا ما أفسدت علماؤكم
…
معمور معتقدي وصار خرابا
ودعوتم فكري إلى أقوالكم
…
من بعد ذاك أطاعكم وأجابا
فاشدد يديك على صفاء محبتي
…
وامنن علي وسد هذا البابا
(1)«السلوك» (1/ 362).