الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما قصد جمع من أبطال الفرنج الحرم النبوي في البحر من الكرك والشوبك وعدتهم ثلاث مائة كلّهم أبطال مع طائفة من العرب المرتدة .. سير إليهم طائفة من المجاهدين مقدمهم لؤلؤ المذكور، فلما كانوا بالقرب من المدينة بينهم وبينها يوم .. لقيهم لؤلؤ في جمعه، فبذل الأموال للعرب، فخامروا معه، وذلت الفرنج، واعتصموا بجبل، فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس في تسعة أنفس، فهابوا وسلموا أنفسهم، فقيدهم كلهم وكان قد استعد قيودا بعددهم كأنه موقن بالنصر، وقدم بهم مصر، وكان يوما مشهورا.
ثم كبر لؤلؤ وترك الخدمة، وكان يتصدق كل يوم باثني عشر ألف رغيف وعدة قدور، ويضعف ذلك في رمضان.
توفي سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
2687 - [أبو العباس ابن سالم]
(1)
أحمد بن محمد بن سالم أبو العباس.
كان فقيها ظريفا، خيرا، شاعرا فصيحا، وكان فيه خفة، فسمي لأجلها المخف، وكان يمدح أقيال اليمن ويأخذ جوائزهم.
يروى أنه قدم المخادر على الشيخ عبد الله بن سعد بن ناجي، فلما استأذن .. قال له الرسول: إن الشيخ في حافة الحريم، فكتب في رقعة:[من مخلع البسيط]
يقبح بالسيد الكريم
…
يقعد في حافة الحريم
والوفد في الباب في انتظار
…
نظامه غير مستقيم
ثم ختم الورقة وقال للخادم: إذا خرج الشيخ .. فأعطه الورقة، وسار من فوره إلى مقصده، فلما وقف الشيخ على الورقة .. عرف خطه، وشق عليه ذلك، فركب في أثره حتى أدركه بعد جهد جهيد، فأعاده، واعتذر إليه وأحسن إليه.
ويحكى أنه ترك شيئا من كتبه عند مشايخ بني عمران في قلعة سير، فلما استعادها ..
وجد الفأر قد عبث بها عبثا شديدا فقال: [من الوافر]
مديح الفأر خير من هجاه
…
رجا شيئا فأدرك ما رجاه
(1)«طبقات فقهاء اليمن» (ص 212)، و «السلوك» (1/ 435)، و «العطايا السنية» (ص 228)، و «طراز أعلام الزمن» (1/ 152)، و «تحفة الزمن» (1/ 357).
وأعطي ما أراد وما تمنى
…
وأحظى الخلق من يعطى مناه
بدار الشيخ أسعد حيث كانت
…
أكيتبتي وقد عظموا وتاهوا
وقالوا قط ليس لنا مراح
…
من المحراب فهو لنا بناه
إذا ما الهر وافى فرد يوم
…
أغاروا كلهم وجروا وراه
فولى وهو في وجل شديد
…
ولم يلفت وأعطاهم قفاه
جيوش لو أقام لهم قليلا
…
لطاح وأطعموه إذا خراه
ولما قويت شوكة الإسماعيلية بانتقال المعز إسماعيل بن العزيز طغتكين بن أيوب إلى مذهبهم .. ألزموه بأن يلزم الخطباء يقعوا في الشيخين رضي الله عنهما في قطر اليمن، فقال: لا طاقة لي بالسواد الأعظم، قالوا: فليكن في جامع جبلة، فقال: لا أستطيع، ولا آمن هجوم العامة، فقالوا: فمر الخطيب يسقط ذكرهما من الخطبة، فساعدهم على ذلك، وألزم الخطيب إسقاط ذكرهما رضي الله عنهما، وكان القضاء يومئذ في أهل عرشان، فشق ذلك عليهم، وتحيروا بين الإقدام والإحجام، فقدم عليهم الفقيه أحمد المذكور وقال: لا تتعبوا أنفسكم، إذا التزمتم لي بقضاء ديني وسداد فاقتي .. كفيتكم أمر هذا الخطب المهم، فالتزموا له ذلك، فلما حضر وقت يوم الجمعة وقد بكر الإسماعيلية واجتمعوا من كل ناحية ليسمعوا إسقاط الشيخين من الخطبة .. فصعد الفقيه أحمد المنبر، وخطب خطبة بليغة، فلما صلّى على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية .. قال:
واعلموا رحمكم الله أن ذكر الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولعن باغضهما ليس شرطا في صحة الخطبة، وقد حصل لي ببركتهما كذا وكذا من المال، وكذا وكذا من الطعام، فعلى مبغضهما لعنة الله ولعنة اللاعنين، فشق ذلك على الإسماعيلية وقالوا:
ذكرهما بأحسن ما يذكران به، ثم لم يرض إلا سبنا، فألزموا بأمر الخطيب أن يبقى على حاله الأول، وعادته المتقدمة، فقال: قد كنت خاشيا عليكم وعلى الخطيب أن تقع العامة بكم وبه، وأمر الخطيب أن يبقى على حالته الأولى.
قال الجندي: (وقد سمعت أن الخطيب الذي خطب رجل من صهبان يقال له: الصبح) اهـ (1)
ولم أقف على تاريخ وفاة الفقيه أحمد المذكور، وإنما ذكرته هنا؛ لأنه كان موجودا في أيام المعز، وتوفي المعز سنة ثمان وتسعين وخمس مائة.
(1)«السلوك» (1/ 437).