الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2184 - [زيد اليفاعي]
(1)
زيد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم أبو أسامة اليفاعي، نسبة إلى قرية من معشار تعز بين الجند وتعز، على ثلاثة أميال من الجند، في واد يقال له: وادي القصيبة، كذا ذكره الفاسي في «تاريخه» نقلا عن اليافعي (2).
كان زيد المذكور إماما فاضلا، عالما عاملا.
تفقه في بدايته بصهره إسحاق بن يعقوب الصردفي، قرأ عليه في علم المواريث والحساب، ثم بالإمام أبي بكر بن جعفر المحائي، ثم ارتحل إلى مكة، فأخذ عن الإمامين الحسين بن علي الطبري وأبي نصر محمد بن هبة الله البندنيجي مصنفات الشيخ أبي إسحاق الشيرازي-وكانا من أكبر أصحاب الشيخ-ثم مصنفاتهما.
ثم رجع إلى اليمن في حياة شيخه أبي بكر بن جعفر، وكان هو وشيخه يدرسان في جامع الجند، فاجتمع أكثر الناس من نواح شتى للقراءة عليه، وكان أصحابه فوق ثلاث مائة متفقه في غالب الأحوال؛ لأنه كان يقرئ كل من طلب منه القراءة، ولا يسأله عن حسبه ولا نسبه، وكان شيخه الإمام أبو بكر بن جعفر لا يقرئ إلا من تحقق نسبه وحسبه وصلاحه وينظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم» وإلى قول الحكماء: (لا تعلموا أولاد السفلة العلوم؛ فإنهم متى علموها .. طلبوا معالي الأمور، فإن نالوها .. ولعوا بمذلة الأحرار) ولذلك قل أصحابه، وكانوا في غالب الأحوال نحو خمسين طالبا.
ثم إنه اتفق خروج زيد اليفاعي وشيخه أبي بكر وطلبتهما لقبران ميت من الفقهاء، فرآهما المفضل من قصره، فذكر قتل ابن المصوع لأخيه فقال: هؤلاء يكثرونا، ولا نأمن خروجهم علينا مع القلة فكيف مع الكثرة؟ ! فاحتال في التفريق بينهم، فكان يولي القضاء والإمامة ونظر الأوقاف لجماعة من أصحاب الفقيه زيد مدة، ثم يعز لهم بجماعة من أصحاب الفقيه أبي بكر، ثم يعز لهم بجماعة من أصحاب الفقيه زيد، وهكذا حتى حصل التنافس بين
(1)«طبقات فقهاء اليمن» (ص 119)، و «السلوك» (1/ 262)، و «مرآة الجنان» (3/ 205)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 86)، و «العطايا السنية» (ص 323)، و «طراز أعلام الزمن» (1/ 437)، و «العقد الثمين» (4/ 480)، و «تحفة الزمن» (1/ 191)، و «طبقات الخواص» (ص 138)، و «هجر العلم» (4/ 2377).
(2)
انظر «العقد الثمين» (4/ 481)، و «مرآة الجنان» (3/ 205).
الحزبين، وانشقت العصا، وثارت الفتنة بين الحزبين حتى كاد أن يكون بين الإمامين، فضاق الفقيه زيد من ذلك، وهاجر إلى مكة المشرفة؛ خوف الفتنة، فأقام بها اثنتي عشرة سنة.
وفي مدة إقامته بمكة توفي شيخاه الطبري والبندنيجي، فتعين التدريس والفتوى بمكة المشرفة على زيد اليفاعي؛ إذ لم يكن بعدهما أكبر قدرا منه في علمه وعمله.
وكان في مدة إقامته بمكة يأتيه مغل أرضه من اليمن مستوفرا، فيقتات بعضه، ويعامل ببعضه حتى تحصل له مال جزيل، ولم يزل مجللا معظما عند المكيين.
ثم عاد إلى اليمن بعد موت المفضل بن أبي البركات وشيخه الفقيه أبي بكر، فأقام بالجند، فقصده الطلبة من عدن ولحج وأبين وحضر موت وتهامة والجبال.
وممن اشتهر بالأخذ عنه الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني، وأبو بكر بن محمد اليافعي، وعبد الله بن أحمد الزبراني وغيرهم من الفضلاء.
ولزم الفقيه طريق الخمول، وكان متورعا، متنزها عن صحبة الملوك ومخالطة الأمراء وأخذ جوائزهم، وأجمع أهل زمانه على نزاهة عرضه، وجودة علمه، وشدة ورعه، وكان ذا عبادة، يخرج كل ليلة من منزله بعد هوي من الليل، فذكر بعض من يبيت في المسجد أنه رأى الفقيه ليلة وقد دخل المسجد وجعل يتأله، وصلّى ما شاء الله، ثم خرج من المسجد، فتبعه الرجل، فلما صار على باب المدينة .. انفتح له الباب، وتبعه الرجل مسرعا، فلما وصل الفقيه موضع قبره الآن .. أحرم بالصلاة، فلم يزل يركع حتى صعد المؤذن المنارة، فأخف صلاته، وعاد المدينة كما خرج، فانفتح له بابها، ثم باب المسجد، فلما صلّى الصبح .. قعد يذكر الله والرجل في ذلك يراقبه من حيث لا يشعر، فدنا منه، فقبل يده، وأخبره بما رأى في جميع حالاته، فقال له الفقيه: إن أحببت الصحبة .. فلا تخبر أحدا ما دمنا في الحياة.
وكرامات الفقيه كثيرة، ولم يزل على الحال المرضي إلى أن توفي في أحد الربيعين من سنة أربع عشرة-وقيل: خمس عشرة-وخمس مائة، وقبر غربي الجند، وقبره هناك مشهور يزار ويتبرك به، وقلّما قصده ذو حاجة .. إلا قضى الله حاجته، نفع الله به آمين.