الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي سنة ست عشرة وخمس مائة.
2202 - [الحافظ الدّقاق]
(1)
أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني الدقاق، قيل: عرف بذلك؛ لصداقته لأبي علي الدقاق المشهور، وقيل: لقوله: أنا أدق رءوس المبتدعة.
سمع شيخ الإسلام الأنصاري، وعبد الرحمن ابن منده.
وعنه الحافظ السلفي، ومحمد بن عبد الواحد الصّائغ وغيرهما.
وكان حافظا مفيدا، كثير الرحلة، كثير السماع، صالحا فقيرا، متعففا، صاحب سنة واتباع.
توفي سنة ست عشرة وخمس مائة.
2203 - [الحريري صاحب المقامات]
(2)
أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري البصري، مؤلف «المقامات» المشهورة التي اشتملت على كثير من كلام العرب لغاتها وأمثالها ورموز أسرارها، حتى قال بعض الفضلاء: من عرفها حق معرفتها .. استدل بها على فضل مصنفها، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته، وكان سبب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال: كان أبي جالسا في مسجده ببني حرام، فدخل شيخ ذو طمرين، عليه أهبة السفر، رثّ الحال، فصيح الكلام، حسن العبارة، فسأله الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج، فاستخبروه عن كنيته، فقال: أبو زيد، فعمل أبي «المقامة الحرامية» وهي الثامنة والأربعون، وعزاها إلى أبي زيد المذكور، واشتهرت، فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أبا نصر القاشاني -بالقاف والشين المعجمة-وزير الإمام المسترشد بالله، فلما وقف عليها .. أعجبته، وأشار
(1)«سير أعلام النبلاء» (19/ 474)، و «تاريخ الإسلام» (35/ 405)، و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1255)، و «شذرات الذهب» (6/ 86).
(2)
«معجم الأدباء» (6/ 195)، و «وفيات الأعيان» (4/ 63)، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 460)، و «مرآة الجنان» (3/ 213)، و «البداية والنهاية» (12/ 687)، و «النجوم الزاهرة» (5/ 225)، و «بغية الوعاة» (2/ 257)، و «خزانة الأدب» للبغدادي (6/ 462).
على والدي أن يضم إليها غيرها، فأتمها خمسين مقامة، وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة «المقامات» بقوله:(فأشار-من إشارته حكم، وطاعته غنم-إلي أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع) هكذا وجد في عدة تواريخ.
وفي نسخة من «المقامات» عليها خط مصنفها، وقد كتب بخطه أيضا على ظهرها: أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي علي الحسين بن أبي العز علي بن صدقة، وزير المسترشد.
قيل: وهذا أصح من الرواية الأولى؛ لكونه بخط المصنف، والله أعلم.
وذكر القاضي أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني وزير حلب في كتابه المسمى: «إنباه الرواة على أنباه النحاة» أن أبا زيد المذكور اسمه: المطهر بن سلار، وكان بصيرا، نحويا لغويا، صحب الحريري المذكور، واشتغل عليه بالبصرة وتخرج، وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندائي الواسطي «ملحة الإعراب» للحريري، وذكر أنه سمعها منه عن الحريري وقال: قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، فسمعنا منه، وتوجه منها مصعدا إلى بغداد، فوصلها، وأقام بها مدة يسيرة، وتوفي بها رحمه الله.
وأما تسميته الراوي لها بالحارث بن همام .. فإنما عنى به نفسه.
قال ابن خلكان: (هكذا وقفت عليه في بعض شروح «المقامات»، وهو مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم حارث، وكلكم همام» (1) فالحارث الكاسب، والهمام كثير الاهتمام، وما من شخص .. إلا وهو حارث وهمام؛ لأن كل أحد كاسب ومهتم بأموره) (2).
ويقال: إن الحريري كان عملها أربعين مقامة، وحملها من البصرة إلى بغداد، فلم يصدقه في ذلك جماعة من أدباء بغداد وقالوا: إنها ليست من تصنيفه، وقالوا: هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة، ووقعت أوراقه إليه، فادعاها، فاستدعاه الوزير إلى الديوان، وسأله عن صناعته فقال: أنا رجل منشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة
(1) انظر «المقاصد الحسنة» (ص 319)، و «كشف الخفاء» (2/ 115).
(2)
«وفيات الأعيان» (4/ 65).
عيّنها، فانفرد في ناحية من الديوان، وأخذ الدواة والقرطاس، ومكث زمانا لم يفتح الله عليه بشيء من ذلك، فقام وهو خجلان، فأنشد ابن أفلح الشاعر وكان في جملة من أنكر دعواه في عملها هذين البيتين-وقيل: إنهما لأبي محمد الحريمي البغدادي الشاعر المشهور-: [من المنسرح]
شيخ لنا من ربيعة الفرس
…
ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما
…
رماه وسط الديوان بالخرس
وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس، وكان مولعا بنتف لحيته عند الفكرة، وكان يسكن في مشان البصرة-بفتح الميم والشين المعجمة، ثم ألف ونون-بليدة فوق البصرة، كثيرة النخل، شديدة الوخم، وأصله منها، يقال: كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة، فلما رجع إلى بلده .. عمل عشر مقامات أخر، وسيّرهنّ، واعتذر من عيّه وحصره بالديوان بما لحقه من المهابة.
ومن مؤلفاته: «درة الغواص في أوهام الخواص» و «ملحة الإعراب» وشرحها، وله رسائل، وله تاريخ لطيف سماه:«صدور زمان القبور وقبور زمان الصدور» .
وشعره كثير غير شعره الذي في «المقامات» ، وجميع الشعر الذي في «المقامات» له سوى البيتين اللذين نسبهما إلى ديوان أبي عبادة، والبيتين المنسوبين لابن سكرة، ومن شعره:[من البسيط]
قال العواذل ما هذا الغرام به
…
أما ترى الشّعر في خديه قد نبتا
فقلت والله لو أن المفنّد لي
…
تأمّل الرّشد في عينيه ما ثبتا
ومن أقام بأرض وهي مجدبة
…
فكيف يرحل عنها والربيع أتى
وله قصائد استعمل فيها التجنيس، ومن شعره:[من الخفيف]
لا تزر من تحبّ في كلّ شهر
…
غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوم
…
ثم لا تنظر العيون إليه
وعارضه غيره فقال: [من الوافر]
إذا حقّقت من خلّ ودادا
…
فزره ولا تخف منه ملالا
وكن كالشّمس تطلع كلّ يوم
…
ولا تك في زيارته هلالا
وتوسط شيخنا القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد رحمه الله فقال (1):
وللحريري قصيدة في تفضيل الغنى على الفقر يقول فيها: [من البسيط]
وانظر بعينك هل أرض معطّلة
…
من النّبات كأرض حفّها الشّجر
فعدّ عمّا تشير الأغبياء به
…
فأيّ فضل لعود ما له ثمر
وارحل ركابك عن ربع ظمئت به
…
إلى الجناب الذي يهمي به المطر
وقد عارضه الشيخ اليافعي بقصيدة طويلة فضل فيها الفقر على الغنى، وكذا عارضه في بيتي الزيارة بأبيات فصل فيها تفصيلا طويلا) (2).
يقال: إن الحريري كان دميما، قبيح المنظر، فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئا من شعره، فلما رآه .. استزرى شكله، ففهم الحريري ذلك منه، فلما التمس أن يملي عليه .. قال: اكتب: [من البسيط]
ما أنت أوّل سار غرّه قمر
…
ورائد أعجبته خضرة الدّمن
فاختر لنفسك غيري إنّني رجل
…
مثل المعيديّ فاسمع بي ولا ترني
فخجل الرجل منه وانصرف، والمعيدي-بضم الميم، وفتح العين، وسكون المثناة من تحت، ثم دال مهملة مكسورة-رجل منسوب إلى معد بن عدنان، وقد نسبوه بعد أن صغروه وخففوا منه الدال، وفيه جاء المثل المشهور:(لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) وهذا المثل يضرب لمن له صيت وذكر، ولا منظر له، قال المفضل الضبي: أول من تكلم به المنذر بن ماء السماء، قاله لشقّة بن ضمرة التميمي الدارمي، وكان قد سمع بذكره، فلما رآه .. اقتحمه، فقال المنذر: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال له شقة: أبيت اللعن؛ إن الرجال ليسوا بجزر يراد منها الأجسام، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فأعجب المنذر ما رأى من عقله وبيانه.
ولد الحريري سنة ست وأربعين وأربع مائة، وكان يسكن في سكة بني حرام بالبصرة،
(1) لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى أبيات شيخه شهاب الدين أحمد بن عمر المزجد المتوفى سنة (930 هـ)، وترك مكانها بياضا، ولعلها هذه:[من الخفيف] أنا في سلوة على كل حال إن أتاني الحبيب أو إن أباني إغنم الوصل إذ دنا في أمان وإذا ما نأى أعش بالأماني وانظر ترجمة شهاب الدين المزجد في «تاريخ الشحر» (ص 160)، ومنه نقلنا هذه الأبيات.
(2)
انظر «مرآة الجنان» (3/ 218).