المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رفع اليدين في الدعاء - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ التعريف الاصطلاحي لأهل السنة والجماعة

- ‌ صفات الفرقة الناجية

- ‌ هل يجب على كل مسلم أن يكون له فرقة إسلامية ويكون لها أمير جماعة

- ‌ الطريق الصحيح الذي فيه سعادتنا وسلامة الإسلام

- ‌ الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ما هي السلفية

- ‌ ما هي الوهابية

- ‌ من خير الكتب علما واستدلالا وحسن بيان وقوة في رد الباطل ونصرة الحق وسلامة في العقيدة

- ‌ الكتب المفيدة التي تجب علينا مطالعتها حتى نفهم ديننا

- ‌ أفضل كتاب يبحث في التوحيد والعقائد الإسلامية

- ‌من هم المتنطعون؟وهل يعتبر التمسك بالسنة تشددا

- ‌ حكم الإسلام في الطرق الصوفية اليوم

- ‌ رأي الدين في التصوف الموجود الآن

- ‌ هل ما يفعله الصوفية من رقص وغناء وتمايل ذات اليمين والشمال ذكر كما يسمونه حلال أم حرام

- ‌ ما يقوله الناس: إن الولي إذا مات ودفن في قبره يأتون الملائكة ويخرجونه من قبره ويصعد به إلى السماء

- ‌هل ذكر الله أفضل من الصلاة

- ‌ هل طريقة الذكر الموجودة بين أهل الطرق الصوفية الآن صحيحة أم خاطئة

- ‌ كيف رؤية أرباب الأحوال النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة

- ‌ هل يجوز لعن حاكم العراق

- ‌ هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط. . . أم لا

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌بيان الحكمة في التشريع الإسلامي

- ‌المطلب الأول: مقدمات:

- ‌أولا: ضرورة بيان الحكمة في التشريع الإسلامي:

- ‌ بين العلة والحكمة:

- ‌ الحكمة قد لا يدركها العقل:

- ‌ لماذا يجب بيان الحكمة في التشريعات الإسلامية:

- ‌ثانيا: بين الحكمة والمصلحة:

- ‌ثالثا: إدراك الحكمة يقضي على كل خلاف:

- ‌رابعا: إدراك الحكمة في التشريعات وسيلة لضبط المصالح:

- ‌خامسا: معرفة الحكمة تقتضي الأخذ بأسباب العلم:

- ‌ حكمة التشريع الإسلامي وحاجة الناس إلى الدين:

- ‌ حكمة التشريع الإسلامي والدعوة الإسلامية:

- ‌المطلب الثاني:حكمة التشريع الإسلامي في تشريع أصول العبادات وأركان الإسلام:

- ‌ حكم الصلاة:

- ‌ حكمة تشريع الزكاة:

- ‌ حكم الصيام:

- ‌ حكم الحج:

- ‌ تعريف القدر

- ‌مراتب القدر:

- ‌المرتبة الثانية: الكتابة:

- ‌المرتبة الثالثة: المشيئة:

- ‌المرتبة الرابعة: مرتبة خلق الله سبحانه وتعالى الأعمال وتكوينه وإيجاده لها:

- ‌الفصل الثاني: انقسام الناس في القدر

- ‌المبحث الأول: الذين غلوا في إثبات القدر وهم الجبرية

- ‌أولا: في التعريف بالجبر والجبرية وأول من قال بهذه البدعة ونشرها:

- ‌ثانيا: رأي الجبرية في القدر

- ‌ثالثا: موقف أهل السنة والجماعة من القول بالجبر

- ‌المبحث الثاني: الذين غلوا في نفي القدر وهم القدرية

- ‌ أول من قال بهذه البدعة ونشرها

- ‌ثانيا: رأي القدرية في القدر

- ‌ثالثا: موقف أهل السنة والجماعة من هذه البدعة

- ‌المبحث الثالث: المتوسطون في القدروهم أهل السنة والجماعة

- ‌أولا: في‌‌ بيان معنى التوسط، والمراد بأهل السنة والجماعة، ولم سموا بذلك

- ‌ بيان معنى التوسط

- ‌ المراد بأهل السنة والجماعة، ولم سموا بذلك

- ‌ثانيا: مذهب أهل السنة والجماعة

- ‌الخاتمةفي آثار الإيمان بالقدر في حياة المسلم

- ‌ضرورة ترقيم كتب السنة ودور صاحب مفتاح كنوز السنة ومحمد فؤاد عبد الباقي في ذلك:

- ‌تعريف عام بكتاب الموطأ:

- ‌منهج كتاب مفتاح كنوز السنة:

- ‌الدليل على أن كتاب مفتاح كنوز السنة لم يستوعب جميع أحاديث الكتب التي اعتمدها في التخريج:

- ‌الآثار التي أهملها صاحب المفتاح من الترقيم من كتاب الموطأ:

- ‌الأحاديث التي تنتظم أبوابا مستقلة من كتاب الموطأ وأهملت من الترقيم:

- ‌بعض الخلل في ترقيم أحاديث الموطأ

- ‌الأبواب التي تمحضت لفقه مالك ورقمه فيها:

- ‌الأبواب التي تمحضت لفقه مالك وأهمل ترقيم الفقه فيها

- ‌ذكر بعض ما رقمه مالك مما عقب به مالك على الآثار ضمن الأبواب

- ‌بعض ما أهمله صاحب المفتاح من الترقيم مما حكاه مالك عن أهل العلم:

- ‌بعض الأخطاء التي حدثت في منهجية العزو في كتاب المفتاح

- ‌الكشف عن الاضطراب في ترقيم بعض أحاديث صحيح مسلم:

- ‌الخاتمة

- ‌نصيحة للدعاة وطلبة العلم

- ‌نصيحة في فضل صلاة الاستسقاء

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ رفع اليدين في الدعاء

بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (1)» رواه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(1) صحيح مسلم الإيمان (50)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 458).

ص: 141

س 8: يسأل بعض الأطباء والعاملين في النفط، هل إذا أخلصوا النية، وأنهم يقومون بعملهم من أجل الله تعالى، وحدث أن قتلوا بالصواريخ التي يطلقها حاكم العراق، هل يعتبرون من الشهداء؟

جـ 8: إذا كانوا مسلمين فهم شهداء إذا ضربوا بالصواريخ أو غيرها مما يقتلهم حكمهم حكم الشهداء. وهكذا كل مسلم يقتل مظلوما في أي مكان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون دينه فهو شهيد. ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد (1)» . ولما ثبت في صحيح مسلم «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال: "يا رسول الله: يأتيني الرجل يريد مالي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تعطه مالك فقال الرجل: يا رسول فإن قاتلني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قاتله. فقال الرجل: يا رسول الله فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال الرجل: فإن قتلته؟ قال صلى الله عليه وسلم: هو في النار (2)» .

وهذا حديث عظيم يدل على أن من قتل من المسلمين مظلوما فهو شهيد. . فلله الحمد والمنة على ذلك.

(1) سنن الترمذي الديات (1421).

(2)

صحيح مسلم الإيمان (140).

ص: 141

س 9: هل‌

‌ رفع اليدين في الدعاء

مشروع، وخاصة في السفر بالطائرة أو السيارة أو القطار وغيرها؟

جـ 9: رفع الأيدي في الدعاء من أسباب الإجابة في أي مكان. يقول صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي ستير، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (1)» .

(1) سنن الترمذي الدعوات (3556)، سنن أبو داود الصلاة (1488)، سنن ابن ماجه الدعاء (3865)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 438).

ص: 141

وويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: وقال سبحانه: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له "؟! (3)» رواه مسلم في صحيحه.

فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين. . ومن أسباب المنع وعدم الإجابة أكل الحرام والتغذي بالحرام. فدل ذلك على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية، أو في غير ذلك، إذا دعا ورفع يديه. فهذا من أسباب الإجابة إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نرفع فيها مثل خطبة الجمعة، فلم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها.

كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم لأن فعله حجة وتركه حجة. . وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس كان صلى الله عليه وسلم يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه فلا نرفع في ذلك أيدينا اقتداء به صلى الله عليه وسلم. أما المواضع التي رفع صلى الله عليه وسلم فيها يديه فالسنة فيها رفع اليدين تأسيا به صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك من أسباب الإجابة. وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع ولا ترك فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة كما تقدم.

(1) صحيح مسلم الزكاة (1015)، سنن الترمذي تفسير القرآن (2989)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 328)، سنن الدارمي الرقاق (2717).

(2)

سورة البقرة الآية 172 (1){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}

(3)

سورة المؤمنون الآية 51 (2){يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}

ص: 142

س10: آخر ساعة من عصر الجمعة هل هي ساعة الإجابة، وهل يلزم المسلم أن يكون في المسجد في هذه الساعة، وكذلك النساء في المنازل؟

ص: 142

جـ10: أرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة قولان:

أحدهما: أنها بعد العصر إلى غروب الشمس في حق من جلس ينتظر صلاة المغرب، سواء كان في المسجد أو في بيته يدعو ربه، وسواء كان رجلا أو امرأة. فهو حري بالإجابة، لكن ليس للرجل أن يصلي في البيت صلاة المغرب، ولا غيرها إلا بعذر شرعي كما هو معلوم من الأدلة الشرعية.

والثاني: أنها من حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة. فالدعاء في هذين الوقتين حري بالإجابة.

وهذان الوقتان هما أحرى ساعات الإجابة يوم الجمعة، لما ورد فيهما من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك. وترجى هذه الساعة في بقية ساعات اليوم، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى.

ومن أوقات الإجابة في جميع الصلوات فرضها ونفلها: حال السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (1)» خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم:«"أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (2)» . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فقمن أن يستجاب لكم: أي حري.

(1) صحيح مسلم الصلاة (482)، سنن النسائي التطبيق (1137)، سنن أبو داود الصلاة (875)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 421).

(2)

صحيح مسلم الصلاة (479)، سنن النسائي التطبيق (1045)، سنن أبو داود الصلاة (876)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 219)، سنن الدارمي الصلاة (1326).

ص: 143

س 11: ورد في حديث: «إن لله ملائكة سيارة تسير في الأرض، تحف الجماعة الذين يذكرون الله (1)» ويقال: إن بعض الصوفية يستدلون بهذا الحديث على بعض أعمالهم، فكيف نرد عليهم؟

جـ11: هذا الحديث صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين يلتمسون مجالس الذكر، فإذا وجدوها تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحيطون بهم إلى عنان السماء، ويسمعون منهم أذكارهم وأعمالهم الطيبة ثم إذا عرجوا يسألهم الله عما وجدوا، وهو أعلم سبحانه وتعالى، فيخبرونه بما شاهدوا (2)» . ولا حجة في هذا للصوفية؛ فالصوفية مبتدعة، عليهم أن يلتزموا بالشريعة،

(1) صحيح البخاري الدعوات (6408)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2689)، سنن الترمذي الدعوات (3600)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252).

(2)

صحيح البخاري الدعوات (6408)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2689)، سنن الترمذي الدعوات (3600)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252).

ص: 143

ويستقيموا عليها، ويذكروا الله بما شرع، وإذا ذكروا الله بما شرع فهذا طيب، ولهم أجر ذلك عند الله سبحانه، إذا استقاموا على التوحيد، ومن ذكر الله تعليم القرآن الكريم، والسنة المطهرة وأنواع العلم النافع الذي ينفع العباد في دينهم ودنياهم، مع الإخلاص لله في ذلك، وطلب الثواب منه سبحانه، وبذلك يعلم أن وجود الملائكة في مجالس الذكر لا حجة للصوفية فيه، ولا في اختراعهم البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان. وعبادات ما شرعها الله لعباده: كعبادة بعضهم لأهل القبور بالاستغاثة بهم والنذر لهم والطواف بقبورهم، وغير ذلك من أنواع العبادات. وكإحداثهم أذكارا وعبادات ما أنزل الله بها من سلطان. وغير ذلك مما اخترعوه من الطرق الباطلة. نسأل الله لنا ولهم الهداية.

ص: 144

س 12: إذا أمرني والداي بأن أترك أصحابا طيبين، وزملاء أخيارا، وألا أسافر معهم لأقضي عمرة مع العلم بأني في طريقي إلى الالتزام، فهل تجب علي طاعتهم في هذه الحالة؟

جـ 12: ليس عليك طاعتهم في معصية الله، ولا فيما يضرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الطاعة في المعروف (1)» وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2)» . فالذي ينهاك عن صحبة الأخيار لا تطعه، لا الوالدان ولا غيرهما. ولا تطع أحدا في مصاحبة الأشرار أيضا، لكن تخاطب والديك بالكلام الطيب، وبالتي هي أحسن، كأن تقول يا والدي كذا، ويا أمي كذا. . هؤلاء طيبون، وهؤلاء أستفيد منهم، وأنتفع بهم، ويلين قلبي معهم، وأتعلم العلم وأستفيد، فترد عليهم بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، لا بالعنف والشدة. وإذا منعوك فلا تخبرهم بأنك تتبع الأخيار، وتتصل بهم، ولا تخبرهم أنك ذهبت مع أولئك إذا كانوا لا يرضون بذلك، ولكن عليك ألا تطيعهم إلا في الطاعة والمعروف. . وإذا أمروك بمصاحبة الأشرار، أو أمروك بالتدخين أو شرب الخمر أو بالزنا أو بغير ذلك من المعاصي فلا تطعهم، ولا غيرهم في ذلك، للحديثين المذكورين آنفا. وبالله التوفيق.

(1) صحيح البخاري الأحكام (7145)، صحيح مسلم الإمارة (1840)، سنن النسائي البيعة (4205)، سنن أبو داود الجهاد (2625)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 82).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 131).

ص: 144

س 13: إن في المسجد عندنا جهازا للإنذار والعاملون عليه من الدفاع المدني يرابطون أربعا وعشرين ساعة، ويدخنون في غرفة تابعة للمسجد، ويريد السائل توجيه النصيحة إليهم أثابكم الله؟

جـ 13: لا يجوز التدخين في المسجد ولا في الغرف التابعة له، لأن التدخين محرم، وهو في المسجد أشد تحريما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم:«من أكل ثوما أو بصلا عن دخول المسجد (1)» . فكيف بالتدخين فيه. ومعلوم أن البصل والثوم طعامان مباحان، لكن لهما رائحة كريهة. فلذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم آكلهما عن دخول المسجد حتى تذهب الرائحة.

فإذا كان الذي يأكل البصل والثوم لا يدخل المسجد، فكيف بالدخان الذي هو محرم وخبيث وضار بأهله وغيرهم ممن يشم رائحته.

فيجب عليهم أن يحذروا ذلك وألا يدخنوا في الحجرة التابعة للمسجد، وأن يحذروا الدخان ويبتعدوا عنه، في كل مكان وزمان لتحريمه وخبثه. ولأنه ضرر عليهم في دينهم ودنياهم، وصحتهم واقتصادهم، وشر محض. نسأل الله للجميع الهداية.

(1) صحيح البخاري الأطعمة (5452)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (564)، سنن الترمذي الأطعمة (1806)، سنن النسائي المساجد (707)، سنن أبو داود الأطعمة (3822)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 400).

ص: 145

س 14: أفادكم الله نرجو إخبارنا عن غزوة الخندق، وهل هي مشابهة لما نحن فيه الآن؟

جـ 14: غزوة الخندق محنة عظيمة امتحن الله بها المسلمين، وأقام بها الحجة على الكافرين، ونصر بها رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين، فقد اجتمع فيها أحزاب الكفار وغزوا المدينة، ولذلك تسمى غزوة الأحزاب. والرسول صلى الله عليه وسلم حفر خندقا حول المدينة. وأشار عليه بهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه، وصار هذا الخندق بينه وبين الأعداء، ونفع الله به كثيرا، وبقي الكفار محاصرين المدينة نحو شهر. وفي هذه الغزوة أنزل الله تعالى قوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (1){إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (2){هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (3){وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (4).

(1) سورة الأحزاب الآية 9

(2)

سورة الأحزاب الآية 10

(3)

سورة الأحزاب الآية 11

(4)

سورة الأحزاب الآية 12

ص: 145

هكذا ظهر النفاق والعياذ بالله فالمشركون تجمعوا لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال لها غزوة الأحزاب لأن قريشا جمعت أحزابا كثيرة من غطفان وغير غطفان، ومن الأحابيش وغيرهم حتى قال أصحاب السير إنهم عشرة آلاف قصدوا المدينة للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن الله خيب ظنهم وردهم خائبين خاسئين. . والحمد لله وأنزل الله عليهم جنودا لم يروهم من الملائكة، وأرسل عليهم ريحا زلزلهم الله جل وعلا بها، وشتت شملهم، وردهم خائبين سبحانه وتعالى.

وقد بلغت الشدة مع المسلمين أمرا عظيما، وظهر النفاق، وقال المنافقون ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، يعني ما وعدنا الله من النصر إلا غرورا. .

هذا ظن الكافرين والمنافقين أعاذنا الله من شرهم.

وليست غزوة الخندق مشابهة لحوادث الساعة من كل الوجوه، بل هي أعظم وأشد بالنسبة إلى غير أهل الكويت، أما مصيبة الكويت فهي أشد لكونهم أخرجوا من بلادهم ونهبت أموالهم وسفكت دماء الكثير منهم عامل الله من ظلمهم بما يستحق وأدار عليه دائرة السوء إنه سميع قريب.

ص: 146

س 15: إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي، ولا أستطيع أن أصبر عنه، وقد استأذنت والدتي فلم توافق ولذا تأثرت كثيرا ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد. . سماحة الشيخ إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله، وأمي لا توافق. دلني جزاك الله خيرا على الطريق المناسب؟

جـ15: جهادك في أمك جهاد عظيم، إلزم أمك وأحسن إليها، إلا إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وإذا استنفرتم فانفروا (1)» .

(1) صحيح البخاري الحج (1834)، صحيح مسلم الحج (1353)، سنن الترمذي السير (1590)، سنن النسائي البيعة (4170)، سنن أبو داود الجهاد (2480)، سنن ابن ماجه الجهاد (2773)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 316)، سنن الدارمي السير (2512).

ص: 146

وما دام ولي الأمر لم يأمرك فاحسن إلى أمك وارحمها، وأعلم أن برها من الجهاد العظيم، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في وسبيل الله، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قيل له:«يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قيل: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله (1)» متفق على صحته. فقدم برهما على الجهاد. وجاءه رجل يستأذنه، قال:«يا رسول الله: أحب أن أجاهد معك؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: "أحي والداك "؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد (2)» متفق على صحته. وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم «"ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك وإلا فبرهما (3)» .

فهذه الوالدة، ارحمها وأحسن إليها حتى تسمح لك، وهذا كله في جهاد الطلب، وفيم إذا لم يأمرك ولي الأمر بالنفير.

أما إذا نزل البلاء بك فدافع عن نفسك وعن إخوانك في الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهكذا إذا أمرك ولي الأمر بالنفير فانفر ولو بغير رضاها لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (4){إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (5).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «"وإذا استنفرتم فانفروا (6)» . متفق على صحته. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

(1) صحيح البخاري الإيمان (26)، صحيح مسلم الإيمان (83)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1658)، سنن النسائي مناسك الحج (2624)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 308)، سنن الدارمي الجهاد (2393).

(2)

صحيح البخاري الجهاد والسير (3004)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2549)، سنن الترمذي الجهاد (1671)، سنن النسائي الجهاد (3103)، سنن أبو داود الجهاد (2529)، سنن ابن ماجه الجهاد (2782)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 193).

(3)

سنن أبو داود الجهاد (2530)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 76).

(4)

سورة التوبة الآية 38

(5)

سورة التوبة الآية 39

(6)

صحيح البخاري الحج (1834)، صحيح مسلم الحج (1353)، سنن الترمذي السير (1590)، سنن النسائي البيعة (4170)، سنن أبو داود الجهاد (2480)، سنن ابن ماجه الجهاد (2773)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 316)، سنن الدارمي السير (2512).

ص: 147

صفحة فارغة

ص: 148

وجوب الرفق بالحيوان وتحريم ظلمه وتعذيبه

بقلم

الشيخ عبد الله بن حمد العبودي (1)

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد. . .

فهذا بحث مختصر في بيان وجوب الرفق بالحيوان وتحريم ظلمه وتعذيبه.

جمعت فيه ما يسر الله لي الاطلاع عليه في هذا الموضوع إسهاما مني في النصح والتذكير بهذا الجانب المهم- أعني الإحسان إلى الحيوانات وحسن معاملتها والرفق بها حسب توجيهات الله تعالى وتوجيهات رسوله صلى الله عليه وسلم التي جاء بها الشرع المطهر راجيا من الله للجميع التوفيق لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

عبد الله بن حمد العبودي

جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى آيات كثيرة، وفي سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام أحاديث صحيحة كلها تحث على الرفق عامة وبالحيوان والدابة خاصة.

(1) وردت للباحث ترجمة في العدد 11 من مجلة البحوث الإسلامية ص 261.

ص: 149

قال الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (1) وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه (2)» ، وفي رواية: قال: «ركبت عائشة بعيرا وكانت فيه صعوبة فجعلت تردده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليك بالرفق " ثم ذكر مثله، (3)» وفي أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه (4)» . أخرجه مسلم.

وفي رواية أبي داود عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: «سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وأنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي " يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه (5)» .

وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف (6)» أخرجه أبو داود وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله (7)» أخرجه مسلم وأبو داود. ولم يذكر مسلم كله، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من

(1) سورة النساء الآية 36

(2)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2594)، سنن أبو داود الأدب (4808)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 125).

(3)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2594)، سنن أبو داود الأدب (4808)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 171).

(4)

صحيح البخاري استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6927)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 135)، سنن الدارمي الرقاق (2794).

(5)

رواه مسلم في البر والصلة باب فضل الرفق- وأبو داود في الجهاد باب ما جاء في الهجرة وفي الأدب باب في الرفق.

(6)

أبو داود رقم 4807 في الأدب باب في الرفق وهو حديث حسن، وهو بمعنى حديث مسلم الذي قبله.

(7)

رواه مسلم رقم 3592 في البر باب فضل الرفق، وأبو داود في الأدب رقم 4809 باب في الرفق.

ص: 150

الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير (1)» أخرجه الترمذي (2).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا (3)» . أخرجه أبو داود.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة (4)» رواه مسلم (5).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يتسع المقام لذكرها والتي تحث على الرفق وتبين فضله وعواقبه الحسنة.

ومما جاء في الحث على الرفق بالحيوان والوصية بالعناية به، وعقوبة من ظلمه أو عذبه ما جاء في البخاري ومسلم «بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به، فسقته إياه فغفر لها به (6)» . هذه رواية البخاري ومسلم وللبخاري «أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة (7)» ، وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«دخلت النار امرأة في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض (8)» وفي رواية «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (9)» أخرجه البخاري ومسلم وللحديث روايات متعددة كلها بمعنى واحد.

(1) سنن الترمذي البر والصلة (2013)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 451).

(2)

رقم 2014 في البر باب ما جاء في الرفق.

(3)

صحيح البخاري المغازي (4345)، صحيح مسلم الجهاد والسير (1732)، سنن النسائي الأشربة (5603)، سنن أبو داود الأدب (4835)، سنن ابن ماجه الأشربة (3391)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 412)، سنن الدارمي الأشربة (2098).

(4)

صحيح البخاري كتاب الإيمان (53)، صحيح مسلم كتاب الإيمان (17)، سنن الترمذي الإيمان (2611)، سنن النسائي كتاب الأشربة (5692)، سنن أبو داود الأشربة (3692)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 361).

(5)

في باب الرفق.

(6)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3467)، صحيح مسلم السلام (2245)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 510).

(7)

رواه البخاري 5/ 31 في المزارعة باب فضل سقي الماء وفي مواضع كثيرة منها الأدب رحمة الناس والبهائم، ومسلم رقم 2244 في السلام باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها.

(8)

صحيح مسلم السلام (2242)، سنن الدارمي الرقاق (2814).

(9)

رواه البخاري في عدة مواضع منها في بدء الخلق 6/ 254 ومسلم رقم 2242 في البر، باب تحريم تعذيب الهرة.

ص: 151

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: «أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حائش نخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن، وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت: فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه (1)» أخرجه أبو داود وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة: فاركبوها صالحة وكلوها صالحة (2)» أخرجه أبو داود (3).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم أن تتخذوا دوابكم منابر، فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم (4)» . أخرجه أبو داود (5).

وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن أبيه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد أحرقناها، فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن، قال إنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب النار إلا رب النار (6)» أخرجه أبو داود (7).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا

(1) أخرجه أبو داود رقم 2549 في الجهاد باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم ورواه مسلم وابن ماجه وليس عندهما قصة الجمل.

(2)

سنن أبو داود الجهاد (2548)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 181).

(3)

رقم 2548 في الجهاد باب في الوقوف على الدابة.

(4)

سنن أبو داود الجهاد (2567).

(5)

رقم 2675 في الجهاد وباب كراهية حرق العدو بالنار ورقم 2568 في الأدب باب في قتل الذر.

(6)

سنن أبو داود الجهاد (2675)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 404).

(7)

رقم 2675 في الجهاد وباب كراهية حرق العدو بالنار ورقم 2568 في الأدب باب في قتل الذر.

ص: 152

وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر:" من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (1)» متفق عليه، وعن أنس رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم" أن تصبر البهائم (2)» متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه فأنكر ذلك فقال: والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه، وأمر بحماره فكوي في جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين (4)» رواه مسلم. .

وعنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه (5)» رواه مسلم.

وفي رواية لمسلم أيضا: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه والوسم في الوجه (6)» .

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة (7)» قال عمران فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد رواه مسلم وغيره (8).

وعن أنس رضي الله عنه قال: «سار رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعن بعيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون (9)» رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر يسير فلعن رجل ناقة، فقال: أين صاحب الناقة؟ فقال الرجل: أنا، فقال: أخرها، فقد أجيب فيها (10)» اهـ أقول ويستفاد من هذه

(1) البخاري جـ 9/ 554 ومسلم رقم 1958.

(2)

البخاري جـ 9/ 553، 554 ومسلم رقم 1956.

(3)

مسلم رقم 2118.

(4)

الجاعرتان: هما حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر. (3)

(5)

مسلم 2117.

(6)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2116)، سنن الترمذي الجهاد (1710)، سنن أبو داود الجهاد (2564)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 323).

(7)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2595)، سنن أبو داود الجهاد (2561)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 431)، سنن الدارمي الاستئذان (2677).

(8)

انظر في هذه الأحاديث الترغيب والترهيب جـ 3 ص: 287 - 288.

(9)

انظر في هذه الأحاديث الترغيب والترهيب جـ 3 ص: 287 - 288.

(10)

انظر في هذه الأحاديث الترغيب والترهيب جـ 3 ص: 287 - 288.

ص: 153

الأحاديث التي مرت وما يماثلها:

وجوب الرفق بالحيوان، والإحسان إليه وعدم ظلمه أو تعذيبه أو حبسه أو منعه الطعام أو الشراب. سواء كان الظلم بالضرب الشديد أو التجويع، أو بثقل الحمل أو تكليفه ما لا يستطيع من السير بسرعة فوق طاقته وغير ذلك لأنه من تعذيب خلق الله سبحانه وتعالى وقد نهى عنه الشارع الحكيم.

يقول الحافظ ابن حجر: رحمه الله تعالى في كلامه على حديث «من لا يرحم لا يرحم (1)» قال ابن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب (2).

ومن كلام النووي: رحمه الله تعالى على حديث المرأة التي عذبت في هرة، فيه دليل لتحريم قتل الهرة وتحريم حبسها بغير طعام أو شراب. . وفيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه (3).

وقال: أيضا على "حديث الرجل الذي سقى الكلب ":

ففي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله فأما المأمور بقتله فيتمثل أمر الشرع في قتله والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن، وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره سواء كان مملوكا أو مباحا، وسواء كان مملوكا له أو لغيره، والله أعلم (4).

وفي باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء (5)» . الحديث: قال النووي: وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام.

(1) صحيح البخاري الأدب (5997)، صحيح مسلم الفضائل (2318)، سنن الترمذي البر والصلة (1911)، سنن أبو داود الأدب (5218)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 269).

(2)

فتح الباري 10/ 440.

(3)

النووي على مسلم 14/ 240.

(4)

النووي على مسلم 14/ 241، النووي على مسلم 13/ 107.

(5)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4414)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

ص: 154

وقال: على أحاديث النهي عن صبر البهائم واتخاذ ما فيه الروح غرضا، صبر البهائم: حبسها لتقتل برمي ونحوه، وهو معنى «لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا (1)» أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود ونحوها: وهذا النهي للتحريم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التي بعد هذه «لعن الله من فعل هذا، (2)» ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته، وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى " (3).

أقول: وهذا من أعظم ما ينافي الإحسان والرحمة والشفقة بالحيوان ومن أكبر الظلم والتعذيب الذي حرمه الدين الإسلامي.

وجاء في تحفة الأحوذي: على حديث نهيه عليه الصلاة والسلام عن التحريش بين البهائم والضرب في الوجه.

قوله: " التحريش بين البهائم " هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها، ووجه النهي عن ذلك أنه إيلام للحيوانات وإتعاب لها بدون فائدة بل مجرد عبث.

وعن الوسم في الوجه: أي يحرم الوسم في الوجه وكذا " الضرب في الوجه " من كل حيوان محترم فيحرم ولو غير آدمي لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب، وربما شانه وربما آذى بعض الحواس.

قال النووي: وأما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها. لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب وربما شانه وربما آذى بعض الحواس. اهـ

وفي تحفة الأحوذي قال: أيضا في موضع آخر عند قوله " باب ما جاء في كراهية التحريش " إذا أطلقت الكراهة فالمراد بها التحريم. أهـ (4).

(1) صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1957)، سنن الترمذي الأطعمة (1475)، سنن النسائي الضحايا (4443)، سنن ابن ماجه الذبائح (3187)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 297).

(2)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 141).

(3)

النووي على مسلم 13/ 107 - 108.

(4)

انظر جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي جـ 3 ص: 35 ببعض التصرف.

ص: 155

فالضرب في الوجه محرم لما فيه من الآثار السابق ذكرها ولما فيه من التعذيب والإيلام الشديد والظلم العظيم وعدم الشفقة والرحمة والإحسان للبهائم وغيرها.

وقال في عون المعبود على سنن أبي داود: "عن التحريش بين البهائم " هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الكباش والديوك وغيرها، ووجه النهي أنه إيلام للحيوانات وإعنات لها بدون فائدة بل مجرد عبث (1).

وعن الوسم والضرب في الوجه قال:

فيه دليل على تحريم الوسم في الوجه، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يلعن إلا من فعل محرما. وكذلك ضرب الوجه قال النووي: ثم ذكر كلام النووي المتقدم ذكره.

وقد عد الذهبي: رحمه الله تعالى الاستطالة على الدابة من الكبائر فقال: الكبيرة الحادية والخمسون: الاستطالة على الضعيف والمملوك والجارية والزوجة والدابة؛ لأن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (2).

وأخذ رحمه الله تعالى يتكلم عن الحديث ويشرح جزئياته إلى أن قال:

ومن ذلك أي من عظم الإساءة أن يجوع المملوك أو الجارية أو الدابة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته (3)» .

ومن ذلك أن يضرب الدابة ضربا وجيعا، أو يحبسها ولا يقوم

(1) انظر سنن أبي داود مع حاشية عون المعبود جـ 2 ص: 331.

(2)

سورة النساء الآية 36

(3)

صحيح مسلم الزكاة (996).

ص: 156

بكفايتها أو يحملها فوق طاقتها فقد روي في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (1) الآية قيل: يؤتى بهم. الناس وقوف يوم القيامة فيقضى بينهم حتى أنه ليؤخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حتى يقاد للذرة من الذرة ثم يقال لهم كونوا ترابا فهنالك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وهذا من الدليل على القضاء بين البهائم، بينها وبين بني آدم حتى أن الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوعها أو عطشها أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بقدر ما ظلمها أو جوعها والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عذبت امرأة في هرة ربطتها حتى ماتت جوعا لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (2)» أي من حشراتها.

وفي الصحيح «أنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة معلقة في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها وهي تعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس والجوع» . وهذا عام في سائر الحيوان وكذلك إذا حملها فوق طاقتها تقتص منه يوم القيامة لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث (3)» فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى ولا تستعمل في غير ما خلقت له، فمن كلفها غير طاقتها أو ضربها بغير حق فيوم القيامة تقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه.

قال أبو سليمان الداراني: ركبت مرة حمارا فضربته مرتين أو ثلاثا فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أبا سليمان هو القصاص يوم القيامة فإن شئت فأقلل وإن شئت فأكثر قال: فقلت: لا أضرب شيئا بعده أبدا، «ومر ابن عمر بصبيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (4)»، والغرض كالهدف وما يرمى إليه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم يعني

(1) سورة الأنعام الآية 38

(2)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3482)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2242)، سنن الدارمي الرقاق (2814).

(3)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3471)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2388)، سنن الترمذي المناقب (3695)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 246).

(4)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5514)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958)، سنن النسائي الضحايا (4442)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 141)، سنن الدارمي الأضاحي (1973).

ص: 157

(أن تحبس للقتل) وإن كان مما أذن الشرع بقتله كالحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور قتله بأول دفع ولا يعذبه لقوله عليه الصلاة والسلام:«إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (1)» ثم ذكر عدم جواز تحريق الحيوان بالنار وذكر حديث ابن مسعود في قصة الحمرة وفرخيها. . إلخ (2).

ويقول ابن حجر الهيتمي: رحمه الله تعالى- الكبيرة الثامنة، والتاسعة، والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة بعد الثلاثمائة، امتناع القن مما يلزمه من خدمة سيده وامتناع السيد مما يلزمه من مؤونة قنه، وتكليفه إياه عملا لا يطيقه، وضربه على الدوام، وتعذيب القن بالخصاء ولو صغيرا أو بغيره أو الدابة وغيرها بغير سبب شرعي، والتحريش بين البهائم.

ثم أخذ رحمه الله تعالى يتكلم عن القن وما يجب له أو عليه وما يجب نحوه. . إلى أن قال: (3).

والشيخان: «من لا يرحم لا يرحم (4)» ". والبخاري وغيره «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض (5)» وفي رواية «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (6)» زاد أحمد " فوجبت لها النار بذلك، وابن حبان في صحيحه «دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، ورأيت فيها ثلاثة يعذبون امرأة من حمير طوالة ربطت هرة لم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض فهي تنهش قبلها ودبرها (7)» . . وذكر هذا الحديث بطرق وروايات أخرى. . إلى أن قال: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم (8)» .

(1) صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4413)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

(2)

كتاب الكبائر للذهبي من ص: 218 إلى ص: 226 مقتصر على المطلوب وموضع الشاهد فقط.

(3)

اقتصرت على المطلوب فقط وبدايته من- " والشيخان " وهو الكلام عن الرحمة وما يتعلق بها.

(4)

صحيح البخاري الأدب (5997)، صحيح مسلم الفضائل (2318)، سنن الترمذي البر والصلة (1911)، سنن أبو داود الأدب (5218)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 269).

(5)

صحيح البخاري بدء الخلق (3318)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2242)، سنن الدارمي الرقاق (2814).

(6)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3482)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2242)، سنن الدارمي الرقاق (2814).

(7)

صحيح البخاري بدء الخلق (3241)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2738)، سنن الترمذي صفة جهنم (2603)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 437).

(8)

سنن الترمذي الجهاد (1708)، سنن أبو داود الجهاد (2562).

ص: 158

وقد قال الأذرعي: ويشبه أن يكون قتل الهر الذي ليس بمؤذ عمدا من الكبائر لأن امرأة دخلت النار في هرة الحديث ويلحق بها ما في معناها. . انتهى.

والقتل ليس بشرط بل الإيذاء الشديد كالضرب المؤلم كذلك، ثم رأيت بعضهم صرح بأن تعذيب الحيوان من غير موجب، وخصاء العبد وتعذيبه ظلما أو بغيا من الكبائر، ويقاس بالعبد غيره.

ص: 159

ولما فرغت من هذا البحث رأيت بعضهم أطال فيه فأحببت تلخيص ما زاد به على ما قدمته وإن كان في خلاله شيء مما قدمته قال: الكبيرة الحادية والخمسون الاستطالة على الضعيف والمملوك والجارية والزوجة والدابة، لأن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم بقوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (1)

فالإحسان للوالدين والأقارب بالبر. . . إلى أن قال: ومن أعظم الإساءة على الجارية أو العبد أو الدابة أن تجوعه لقوله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته (2)» ومن ذلك أن يضرب الدابة ضربا وجيعا أو يحبسها أو لا يقوم بكفايتها أو يحملها فوق طاقتها فقد روي في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (3) قيل ورد في السنة: «يؤتى بهم والناس وقوف يوم القيام فيقضى بينهم حتى أنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حتى يقاد للذرة من الذرة، ثم يقال كونوا ترابا فهناك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا (4)» فهذا من الدليل على القصاص بين البهائم وبينها وبين بني آدم، (5) حتى الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوعها أو عطشها أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بنظير ما

(1) سورة النساء الآية 36

(2)

صحيح مسلم الزكاة (996).

(3)

سورة الأنعام الآية 38

(4)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2582)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2420)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 235).

(5)

الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي جـ 2 ص: 84 و 85. نقلته على عهدة مؤلفه.

ص: 159

ظلمها أو جوعها، ويدل على ذلك حديث الهرة السابق بطرقه، وفي الصحيح «أنه رأى المرأة معلقة في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها وتعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس والجوع» وهذا عام في سائر الحيوانات، وكذلك إذا حملها فوق طاقتها تقتص منه يوم القيامة" لحديث الصحيحين «بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث (1)» فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى ولا تستعمل في غير ما خلقت له فمن كلفها فوق طاقتها أو ضربها بغير حق، فيوم القيامة يقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه قال أبو سليمان الداراني: ركبت مرة حمارا فضربته مرتين أو ثلاثا فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أبا سليمان هو القصاص يوم القيامة، فإن شئت فأقلل وإن شئت فأكثر، قال: فقلت: لا أضرب شيئا بعده أبدا، «ومر ابن عمر رضي الله عنهما بصبيان من قريش قد نصبوا طائرا وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (2)» أي هدفا يرمي إليه «ونهى صلى الله عليه وسلم "أن تصبر البهائم (3)» أي تحبس للقتل، ثم ساق حديث ابن مسعود في قصة الحمرة وفرخيها «وأنه رأى قرية نمل قد حرقت فقال: "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار (4)» وأنه فيه النهي عن التعذيب بالنار.

وذكر ابن رجب: رحمه الله تعالى حديث أبي يعلى " شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (5)» . . رواه مسلم. ثم أخذ في الكلام عنه وشرحه إلى أن قال: وظاهره يقتضي أنه كتب على كل مخلوق الإحسان، فيكون كل شيء أو كل مخلوق هو المكتوب عليه، والمكتوب هو الإحسان، وقيل: إن المعنى أن الله كتب الإحسان إلى كل شيء أو في كل شيء

(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3471)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2388)، سنن الترمذي المناقب (3695)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 246).

(2)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5514)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958)، سنن النسائي الضحايا (4442)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 86)، سنن الدارمي الأضاحي (1973).

(3)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5513)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1956)، سنن النسائي الضحايا (4439)، سنن أبو داود الضحايا (2816)، سنن ابن ماجه الذبائح (3186)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 171).

(4)

سنن أبو داود الجهاد (2675)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 404).

(5)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4413)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

ص: 160

أو كتب الإحسان في الولاية على كل شيء فيكون المكتوب عليه غير مذكور وإنما المذكور المحسن إليه، ولفظ الكتابة يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين خلافا لبعضهم، وإنما استعمال لفظة الكتابة في القرآن فيما هو واجب حتم. . وأخذ رحمه الله في التفصيلات الأصولية إلى أن قال: وحينئذ فهذا الحديث نص في وجوب الإحسان، وقد أمر الله تعالى به فقال:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (1) وقال: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2) ثم قال: وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال لكن إحسان كل شيء بحسبه. . إلى أن قال:

والإحسان الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم، القيام بما أوجب الله من حقوق ذلك الواجب في ولاية الخلق وسياستهم القيام بواجبات الولاية كلها. . والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب - إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها من غير زيادة في التعذيب فإنه إيلام لا حاجة إليه.

أقول: - القائل كاتب هذا البحث- والرفق بالحيوان والدواب وعدم ظلمه أو تعذيبه أو تحميله فوق طاقته أو تجويعه هو عين الإحسان الذي أوجبه الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك فقد أمر عليه الصلاة والسلام بإحسان هيئة الذبح وهيئة القتل، وهذا يدل على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يباح إزهاقها على أسهل الوجوه: يقول ابن رجب أيضا: وقد حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة- أقول: وفي هذا دلالة أيضا على وجوب الرفق بالحيوان حتى في حالة إزهاق روحه، وقال ابن رجب أيضا: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن صبر البهائم (3)» وهو أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت، ففي الصحيحين عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم (4)» وفيهما أيضا «عن ابن عمر أنه مر بقوم نصبوا دجاجة يرمونها فقال ابن عمر من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن من فعل هذا (5)» " وخرج مسلم من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا، (6)» والغرض هو الذي يرمى بالسهام، فيه،

(1) سورة النحل الآية 90

(2)

سورة البقرة الآية 195

(3)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5513)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1956)، سنن النسائي الضحايا (4439)، سنن أبو داود الضحايا (2816)، سنن ابن ماجه الذبائح (3186)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 171).

(4)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5513)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1956)، سنن النسائي الضحايا (4439)، سنن أبو داود الضحايا (2816)، سنن ابن ماجه الذبائح (3186)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 171).

(5)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5515)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958)، سنن النسائي الضحايا (4442)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 103)، سنن الدارمي الأضاحي (1973).

(6)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1957)، سنن الترمذي الأطعمة (1475)، سنن النسائي الضحايا (4443)، سنن ابن ماجه الذبائح (3187)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 297).

ص: 161

وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الرمية أن ترمى الدابة ثم تؤكل، ولكن تذبح ثم يرموا إن شاءوا (1)» وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحسان القتل والذبح وأمر أن تحد الشفرة، وأن تراح الذبيحة يشير إلى أن الذبح بآلة حادة تريح الذبيحة بتعجيل زهوق نفسها، وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ابن عمر قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفار وأن توارى عن البهائم وقال: إذا ذبح أحدكم فليجهز يعني فليسرع الذبح (2)» وقد ورد الأمر بالرفق بالذبيحة عند ذبحها، وخرج ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري قال:«مر رسول الله برجل وهو يجر شاة بأذنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دع أذنها وخذ بسالفتها والسالفة مقدمة العنق (3)» . . . ثم أخذ رحمه الله يسوق أحاديث وآثارا كلها تحث على الرفق بالبهيمة والإحسان إليها عند الذبح (4).

أقول: ومن باب أولى الرفق بالبهائم والدواب في غير هذه الحالة وتكلم محمد بن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية عن وسم الحيوان فقال: فصل في النهي عن الوسم ولا سيما الوجه. لا يسم في الوجه ولا بأس به في غيره وقال جابر رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه وعن وسم الوجه (5)»

وفي لفظ «مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه، (6)» وعن ابن عباس قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوما في الوجه فأنكر ذلك فقال: فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه (7)» وأمر بحماره فكوي على جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين، روى ذلك مسلم، ولأحمد وأبي داود من حديث جابر «أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها وضربها في وجهها. فنهى عن ذلك (8)». ثم أخذ يتكلم ويسوق الأحاديث والآثار في ذلك إلى أن قال: وقال النووي: الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان لكنه في الآدمي أشد قال: والوسم في الوجه منهي عنه إجماعا (9) اهـ.

هذا والله أعلم لما فيه من إيلام الحيوان وتشويهه.

(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 402).

(2)

سنن ابن ماجه الذبائح (3172)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 108).

(3)

سنن ابن ماجه الذبائح (3171).

(4)

من جامع العلوم والحكم لابن رجب من ص: 141 - 147 ببعض التصرف وباختصار.

(5)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2116)، سنن الترمذي الجهاد (1710)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 323).

(6)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2117)، سنن الترمذي الجهاد (1710)، سنن أبو داود الجهاد (2564)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 323).

(7)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2118).

(8)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2117)، سنن الترمذي الجهاد (1710)، سنن أبو داود الجهاد (2564)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 323).

(9)

من الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ص: 142 و 143 باختصار.

ص: 162

وفي موضوع آخر؟ قال: ويكره التحريش بين الناس وكل حيوان بهيم ككباش وديكة وغيرهما ذكره في الرعاية الكبرى، وذكر في المستوعب أنه لا يجوز التحريش بين البهائم، انتهى كلامه فهذان وجهان في التحريش بين البهائم انتهى كلامه، وكلام الإمام أحمد يحتملهما قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره التحريش بين البهائم؟ قال: سبحان الله إي لعمري. . وعن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم (1)» رواه أبو داود والترمذي " (2).

وذكر البيحاني: رحمه الله تعالى في كتابه إصلاح المجتمع هذين الحديثين وهما:

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها وشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثلما ما بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء فأمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر (3)» . رواه البخاري ومسلم.

2 -

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (4)» . . رواه البخاري ومسلم، ثم تكلم عن هذين الحديثين وبين فضل المعروف والصدقة والإحسان لمن فعل ذلك لوجه الله فقد يدفع الله بذلك البلاء ويجبر بها من سوء القضاء، ويجعلها حجابا وسترا من النار، وبين كيف شكر الله لهذا الرجل الذي رحم

(1) سنن الترمذي الجهاد (1708)، سنن أبو داود الجهاد (2562).

(2)

من الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ص: 357.

(3)

صحيح البخاري المظالم والغصب (2466)، صحيح مسلم السلام (2244)، سنن أبو داود الجهاد (2550)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 375)، موطأ مالك الجامع (1729).

(4)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3482)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2242)، سنن الدارمي الرقاق (2814).

ص: 163

الكلب ورق له حينما رآه يلهث عطشا فنزل البئر وملأ خفه ثم سقى الكلب العاجز عن النزول إلى البئر والوصول إلى مائها حيث غفر الله ذنبه وأجاره من النار.

وقد عجب الصحابة رضي الله عنهم من هذا؟ وسألوه عن الإحسان إلى البهائم وهل يكون فيه أجر؟ فأخبرهم نبي الرحمة، وصاحب الشفقة بخلق الله. أن لهم في كل كبد رطبة أجرا، كما أنه عليهم إذا أساءوا إلى البهائم ومنعوها حقها الإثم والوزر العظيم. وذكر في الحديث الآخر أن الله قد عذب امرأة بالنار جزاء لها على إساءتها إلى هرة حبستها ولم تؤد لها ما يجب لها عليها، ولا هي خلت سبيلها فتأكل من حشرات الأرض وتطلب رزقها حيث كان. . إلى أن قال:

وفي الحديثين: وما جاء على مثالهما من التعاليم المحمدية ما لو عمل الناس بها لأغنى عن جمعية الرفق بالحيوان، ولسد أفواه الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا أنه دين القسوة، واحتقار الضعيف، وما علموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان أرحم الناس بالضعفاء وأكثرهم رفقا بالبهائم وكل ذي روح، يفتح للهرة الباب وهو يصلي حين سمعها تحكه بأظفارها، «وينظر إلى حمار قد وسيم في وجهه فيقول: لعن الله من فعل به هذا (1)». . وروي «أنه عالج كلبا أجرب، وديكا مريضا،» وأنه أمر قوما من الأنصار بالتخفيف عن بعيرهم الذي كبر في خدمتهم وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته (2)» وقال ابن مسعود «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجة، فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار (3)» . . إلى أن قال: «ومر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبالهم، فلما رأوا ابن عمر

(1) صحيح مسلم اللباس والزينة (2117)، سنن الترمذي الجهاد (1710)، سنن أبو داود الجهاد (2564)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 297).

(2)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4413)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

(3)

سنن أبو داود الجهاد (2675)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 404).

ص: 164

تفرقوا، فقال ابن عمر؟ من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (1)».

ويحرم تكليف الدواب فوق طاقتها من شدة السير، وثقل الحمول، وضربها بالسياط الموجعة، والأخشاب الغليظة، والتقصير في علفها وسقيها، واستخدامها إذا كبرت أو مرضت فيما لا تطيق، كما يفعل كثير من أصحابها الذين لا يخافون الله، ولا يرحمون ضعيفا، ومن لا تفيده الموعظة، ولا تنفعه النصيحة فواجب أن يخاطب باللغة التي يفهمها لغة الوعيد والتهديد، والعقوبة العاجلة الصارمة فيخسر أو يسجن، أو تخلص دابته من تعذيبه وسوء معاملته، وحرام على أحد أن يسيب البهائم التي ينتفع بها، ومن عجز عن حقها فليبعها أو يذبحها أو يهبها لإنسان آخر. . إلى أن قال:

وإذا رجعنا إلى الحديثين: وجدناهما يدلان على وجوب الرفق بالحيوان الذي لا ينتفع به إلا قليلا، ولا يرغب في اقتنائه واتخاذه إلا قوم دون آخرين وفي بلاد دون أخرى أما البهائم التي تحلب وتركب وتتخذ للسقي والحرث والنسل، وتربى لصوفها وشعرها ووبرها وريشها وجلدها، ولحمها وعظمها ولبنها فإن الوازع الطبيعي يغني عن الأمر بالإحسان إليها، والعناية بشأنها، وبما أنها تعد من النعم العظيمة لله على خلقه، فشكره عليها الاهتمام بها وتشغيلها فيما هو من شأنها. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (2){وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} (3){وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} (4)(5).

وذكر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: رحمه الله تعالى في كتابه " بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار " حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (6)» . رواه مسلم.

(1) صحيح البخاري الذبائح والصيد (5514)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958)، سنن النسائي الضحايا (4441)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 141)، سنن الدارمي الأضاحي (1973).

(2)

سورة يس الآية 71

(3)

سورة يس الآية 72

(4)

سورة يس الآية 73

(5)

من كتاب إصلاح المجتمع لمحمد بن سالم البيحاني من ص: 390 إلى 394 ببعض التصرف اليسير والاختصار.

(6)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4413)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

ص: 165

وقال: إن الإحسان نوعان: إحسان في عبادة الخالق، وإحسان في حقوق الخلق ثم تكلم عن هذا بكلام جيد. . إلى أن قال:

ويدخل في ذلك الإحسان إلى جميع نوع الإنسان، والإحسان إلى البهائم في جميع الحالات حتى في الحالة التي تزهق فيها نفوسها - ولهذا قال صلى الله عليه وسلم «فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة (1)» فمن استحق القتل لموجب قتل بضرب عنقه بالسيف من دون تعزير ولا تمثيل، وقوله صلى الله عليه وسلم «وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة (2)» أي هيئة الذبح وصفته. . ولهذا قال:«وليحد أحدكم شفرته -أي سكينه. - وليرح ذبيحته (3)» فإذا كان العبد مأمورا بالإحسان إلى من استحق القتل من الآدميين، وبإحسان ذبحة ما يراد ذبحه من الحيوان فكيف بغير هذه الحالة؟. . . إلى أن قال: واعلم أن الإحسان المأمور به نوعان: أحدهما: واجب وهو الإنصاف والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجبه عليك من الحقوق. اهـ.

يقول كاتب هذا البحث: ومن الإحسان الواجب والإنصاف: الرفق بالحيوان وعدم تعذيبه أو ظلمه بأي شكل من الأشكال.

الثاني: إحسان مستحب: وهو ما زاد على ذلك من بذل نفع بدني أو مالي أو علمي، أو توجيه لخير ديني، أو مصلحة دنيوية، فكل معروف صدقة، وكل ما أدخل السرور على الخلق صدقة وإحسان، وكل ما أزال عنهم ما يكرهون ودفع عنهم ما لا يرتضون من قليل أو كثير فهو صدقة وإحسان (4).

وقال الدكتور أحمد الشرباصي: ولا ريب أن الإنسان سيحاسبه ربه على معاملته للحيوان، لأن الإسلام يأمر بالرفق بهذه الحيوانات، وحسن معاملتها وينهى عن تعذيبها أو تضييعها أو إرهاقها، وحسبنا أن نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخلت النار امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (5)» (6)

(1) صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4413)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

(2)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4414)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

(3)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955)، سنن الترمذي الديات (1409)، سنن النسائي الضحايا (4413)، سنن أبو داود الضحايا (2815)، سنن ابن ماجه الذبائح (3170)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 125)، سنن الدارمي الأضاحي (1970).

(4)

من كتاب بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي من ص 168 - 171 باختصار.

(5)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3482)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2242)، سنن الدارمي الرقاق (2814).

(6)

انظر: كتاب يسألونك في الدين والحياة للدكتور أحمد الشرباصي جـ 3 ص: 454.

ص: 166

أقول: ومن مجموع ما تقدم من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومن كلام العلماء رحمهم الله تعالى نستفيد ما خلاصته:

1 -

وجوب الإحسان إلى البهائم والدواب والشفقة بها ورحمتها.

2 -

وجوب الرفق بالحيوان وتحريم ظلمه أو تعذيبه، أو حبسه بدون طعام أو شراب، سواء كان الظلم بالضرب الشديد، أو التجويع، أو بثقل الحمل، أو تكليفه ما لا يستطيع من السير بسرعة فوق طاقته وغير ذلك مما يفعله بعض الجزارين من الصعق أو الضرب الشديد.

3 -

أن ذلك من تعذيب خلق الله سبحانه وتعالى وقد نهى عنه الشارع الحكيم.

4 -

الوعيد الشديد لمن ظلم الحيوان أو عذبه وأنه سيحاسب عن ذلك، ويقتص منه يوم القيامة.

هذا ما يسر الله لي الإطلاع عليه وجمعه في هذا البحث القصير راجيا أن يكون فيه الكفاية المطلوبة. . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ص: 167

مصادر البحث

1 -

القرآن الكريم.

2 -

صحيح البخاري.

3 -

صحيح مسلم.

4 -

سنن أبي داود.

5 -

سنن ابن ماجه.

6 -

الترغيب والترهيب- للمنذري.

7 -

فتح الباري للحافظ ابن حجر.

8 -

النووي على مسلم.

9 -

تحفة الأحوذي على جامع الترمذي.

10 -

عون المعبود على سنن أبي داود.

11 -

الكبائر للذهبي.

12 -

الزواجر عن اقتراف الكبائر.

13 -

جامع العلوم والحكم لابن رجب.

14 -

الآداب الشرعية لمحمد بن مفلح الحنبلي.

15 -

إصلاح المجتمع لمحمد بن سالم البيحاني.

16 -

بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن السعدي.

17 -

يسألونك في الدين والحياة للدكتور أحمد الشرباصي.

ص: 168