الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
في آثار الإيمان بالقدر في حياة المسلم
الإيمان بالقدر أحد أصول العقيدة الإسلامية التي يجب على كل مسلم الإيمان بها، وله آثار محسوسة في حياة المسلم نشير إلى بعض منها:
1 -
الإيمان بالقدر من أكبر الدواعي التي تدعو المؤمن إلى العمل كما أنه يبعث في القلوب الشجاعة والإقدام على عظائم الأمور بثبات وعزم.
ويدل على ذلك واقع السلف الذين كانوا خير هذه الأمة بعد نبيها وأفهم هذه الأمة لهذه العقيدة وأكملهم تطبيقا لها نرى واقعهم قبل الإسلام وبعد الإسلام، وما قاموا به من نشاط في تأسيس هذه الدولة المترامية الأطراف، كل ذلك بالله ثم بإيمانهم بهذه العقيدة التي تتضمن أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأن لهم آجالا مكتوبة لن يتجاوزوها.
يقول عز وجل: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (1).
وحكى الله عن المنافقين قولهم {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} (2).
فرد عليهم سبحانه بقوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (3).
2 -
ومن آثار الإيمان بالقدر أن يعرف الإنسان قدر نفسه فلا يتعالى لأنه عاجز عن معرفة المقدور ومستقبل ما هو حادث، ومن ثم يقر الإنسان بعجزه وحاجته إلى ربه سبحانه وتعالى (4).
(1) سورة التوبة الآية 51
(2)
سورة آل عمران الآية 154
(3)
سورة آل عمران الآية 154
(4)
انظر: لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها، د. محمد أمين المصري ص 186.
3 -
الإنسان خلق محبا الخير لنفسه، كارها الشر لنفسه، يجزع منه كما قال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} (1){إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} (2){وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (3).
فإذا أصابه الخير بطر واغتر به، وإذا أصابه الشر جزع وحزن، ولا يعصم الإنسان من البطر إذا أصابه الخير والحزن إذا أصابه الشر إلا الإيمان بالقدر وأن ما وقع فقد جرت به المقادير وسبق به علم الله.
4 -
الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تفتك بالمجتمعات وتزرع الأحقاد بينها وذلك مثل رذيلة الحسد. فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله لإيمانه بأن الله هو الذي رزقهم، وقدر لهم ذلك فأعطى من شاء ومنع من شاء ابتلاء وامتحانا منه سبحانه لخلقه، وأنه حين يحسد غيره إنما يعترض على المقدور.
5 -
الإيمان بالقدر من أكبر العوامل التي تكون سببا في استقامة المسلم وخاصة في معاملته مع الآخرين فحين يتنقصه أحد أو يسيء إليه أو يرد إحسانه بالإساءة، أو ينال من عرضه بغير حق تجده يعفو؛ لأنه يعلم أن ذلك مقدور وهذا يحسن في حق نفسه، أما في حق الله فلا يجوز العفو والتعلل بالمقدور، لأن القدر يحتج به في المصائب لا في المعايب.
6 -
الإيمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن حقائق الإيمان المتعددة، فهو دائم الاستعانة بالله يعتمد على الله ويتوكل عليه مع فعل الأسباب، وهو أيضا دائم الافتقار إلى ربه تعالى يستمد منه العون على الثبات ويطلب منه المزيد، وهو
(1) سورة المعارج الآية 19
(2)
سورة المعارج الآية 20
(3)
سورة المعارج الآية 21
أيضا كريم يحب الإحسان إلى الآخرين فتجده يعطف عليهم، والإيمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن الانكسار والاعتراف لله تعالى حين يقع منه الذنب ومن ثم يطلب من الله العفو والمغفرة، ولا يحتج بالقدر على ذنوبه - وإن كانت مقدرة عليه - لأنه يعلم أن الاحتجاج بالقدر على فعل الذنب باطل ومخالف للشرع.
7 -
ومن آثار الإيمان بالقدر أن الداعي إلى الله يصدع بدعوته ويجهر بها أمام الكافرين والظالمين، لا يخاف في الله لومة لائم، ويفضح ما هم فيه من كفر وظلم وما يقومون به من إفساد وتضليل، يفعل المؤمن كل ذلك بعد اتخاذ الأسباب الواقية بإذن الله، وهو راسخ الإيمان واثق بالله متوكل عليه صابر على كل ما يحصل له في سبيله، لأنه مؤمن أن الآجال بيد الله وحده، والأرزاق عنده وحده، وما قدر الله سيكون وما لم يقدره لن يكون، وأن العباد لا يملكون من ذلك شيئا مهما وجد لهم من قوة وعون (1).
هذه بعض آثار الإيمان بالقدر في حياة المسلم، ذكرتها باختصار ليسهل الاطلاع عليها. وهناك من الآثار ما لا يمكن حصره، وقد اكتفيت بما ذكرته إيثارا للإيجاز.
(1) انظر: الإيمان وأثره في حياة الإنسان، د. حسن الترابي، ص 48، والإيمان، محمد نعيم ياسين ص 192.
صفحة فارغة
بعض ما يلاحظ على كتاب مفتاح كنوز السنة
بقلم: د. محمد عبد الله حياني.
أستاذ مساعد جامعة
الملك فيصل
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. . وبعد:
فإن صنع الفهارس الحديثية لا يتوقف على أطراف متن الحديث أو على مضمونه ومعناه أو على ألفاظه المشهورة فحسب، بل هناك فهارس لرجال الإسناد كفهارس الأسماء والكنى والألقاب والأبناء، وللرجال والنساء وللأسماء الصريحة والمبهمة والمشتبه منها.
ولم يكن صنع الفهارس بأنواعها وليد هذا العصر وإنما قام به المسلمون منذ القديم عبر قرون متلاحقة، والأدلة على ذلك كثيرة جدا، بل إن هذا الموضوع جدير بأن يفرد بالتأليف.
فكتب الرجال بأنواعها المختلفة برع المسلمون في فهرستها منذ عهد الإمام البخاري رحمه الله تعالى ت 256 هـ حتى عصرنا الحاضر.
فقد ألف الإمام البخاري كتابه التاريخ الكبير والأوسط والصغير - وهي كتب في تاريخ الرجال وجرحهم وتعديلهم - مرتبا تراجمها حسب حروف الهجاء مما ييسر على الباحث الحصول على المراد منها.
ثم نسج على منواله كل من ألف في تاريخ الرجال سواء على مستوى رجال الأمصار دون تحديد مثل كتاب الجرح والتعديل للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ت 327 هـ، أو بخصوص بلد معين أمثال تاريخ بغداد للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ت 463 هـ، وكتاب تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر ت 571 هـ، وسواء كان مقتصرا على قرن معين ككتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن حجر العسقلاني ت 852 هـ، وكتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي ت 902 هـ، وغير هذه الكتب كثير جدا مما صنف في تاريخ الرجال بشتى أنواع التصنيف فيهم، سواء كانت فهرسة تلك الكتب حسب تسلسل حروف الهجاء أو سني الوفيات أو الطبقات.
أما متون الأحاديث ففي استخراجها من مظانها فهرس على طريقة الأطراف وفهرس على طريقة المضمون والمعاني وفهرس على طريقة ألفاظها المشهورة.
أما فهرسة الأطراف وهو أن يقتصر على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته مرتبا حسب حروف الهجاء مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب أو على جهة التقيد بكتب مخصوصة (1).
هذا النوع من الفهارس صنفه المحدثون في أواخر القرن الأول وذلك قبل سنة 96 للهجرة، فقد أخرج الإمام الدارمي بإسناده عن ابن عون قوله:
(1) انظر الرسالة المستطرفة: 125.
رأيت حمادا - يعني ابن أبي سليمان الكوفي ت 120 هـ - يكتب عن إبراهيم النخعي - ت 96 هـ - فقال له إبراهيم: ألم أنهك - يعني عن الكتابة -؟ قال: إنما هي أطراف (1). أهـ.
وقد تلاحق صنع هذا النوع من الفهارس حتى صار في القرن الرابع وما بعده عملا مستقلا كأطراف الصحيحين لأبي مسعود الدمشقي: إبراهيم بن محمد بن عبيد ت 401 هـ، وأطراف الكتب الخمسة - البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي - لأبي العباس أحمد بن ثابت بن محمد الطرقي الأصبهاني ت بعد 520 هـ.
وكتاب تحفة الأشراف بمعرفة الطراف للحافظ أبي الحجاج المزي ت 742 هـ وهو بأطراف الكتب الستة، وكتاب ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث للشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي ت 1141هـ، وهو بأطراف الكتب الستة وموطأ الإمام مالك (2).
وهكذا تلاحقت هذه النوعية من الفهارس حتى زمننا الحاضر، فقل كتاب من كتب الستة ليس له فهرسة لأطراف أحاديثه.
أما فهرس المعنى والمضمون وهو: أن يستخلص معاني الأحاديث ومضمونها وتجعل كعنوان للباب ثم ترتب تلك المعاني ترتيبا هجائيا، ثم تذكر الأحاديث التي تنطوي تحت ذلك الباب مع العزو إلى أماكن وجودها في كتب السنة، وهو أصل منهج كتاب مفتاح كنوز السنة، وقد قام بهذا النوع من الفهرس الإمام مجد الدين أبو السعادات مبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ت 606 هـ في كتابه جامع الأصول (3).
أما فهرس الألفاظ المشهورة وهو: انتقاء الكلمة المشهورة من الحديث
(1) 1/ 99.
(2)
انظر الرسالة المستطرفة: 125 - 127 ففيها مزيد من الأمثلة على ذلك.
(3)
انظر تفصيل الإمام ابن الأثير لذلك قي مقدمة الكتاب 1/ 5 / 6 - 61.
بحيث يسهل على من حفظ الحديث أو قرأه معرفة تلك الكلمة، فتؤخذ تلك الكلمات المشهورة وترتب ترتيبا هجائيا، ثم يعزى الحديث الذي انتقيت منه تلك الكلمة إلى مواطنه من كتب السنة، وهو منهج المعجم المفهرس لألفاظ الحديث.
وقد قام بهذا النوع من الفهارس الإمام ابن الأثير الجزري أيضا في كتابه جامع الأصول، وقد جعل ذلك في الأحاديث المجهولة الموضع التي يمكن أن تنطوي تحت أبواب متعددة، فاستخلص منها الكلمات المشهورة ورسمها في آخر الكتاب الفقهي - ككتاب الطهارة مثلا - مرتبة حسب حروف الهجاء، ثم عزا بإزاء كل كلمة منها الحديث إلى أماكنه (1).
وإذا علمنا قيام الإمام ابن الأثير بهذا النوع من الفهرسة فإن ذلك لا يمنع أن يكون هناك أحد من المحدثين قد تقدم عليه في صنع ذلك مما لم يصل إلينا خبره، لأنه قد عرف عن المحدثين صنع فهرس أطراف الحديث منذ القرن الأول الهجري فلا يبعد أن يكونوا قد طوروا عمل الفهارس إلى مستوى المعاني والألفاظ المشهورة قبل عهد الإمام ابن الأثير، وخاصة عندما كثرت دواوين السنة كمسند الإمام أحمد والكتب الستة في القرن الثالث وما بعده.
بعد هذا نخلص إلى أن الفهارس الحديثية صنعها المسلمون منذ القرن الأول الهجري وطوروها إلى أنواع مختلفة فيما بعد ذلك على صعيد الإسناد والمتن.
أما كتاب مفتاح كنوز السنة الذي طبع لأول مرة باللغة الإنجليزية سنة 1927م وترجمه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي إلى اللغة العربية سنة 1934م،
(1) انظر تفصيل الإمام ابن الأثير لذلك في مقدمة الكتاب 1/ 67.
وكتاب المعجم المفهرس الذي ظهر بمجلده السابع سنة 1969م، فيعتبران جهدا كبيرا نادرا قام به المستشرقون في هذا القرن.
هذا ولما ظهر كتاب مفتاح كنوز السنة باللغة العربية سنة 1934هـ لقي ترحيبا حارا من كل طالب علم في العالم الإسلامي منذ ذلك الحين وحتى اليوم لأنه يسر عليهم استخراج الحديث من أربعة عشر كتابا من كتب السنة بعد أن كان يعوزهم الجهد المتواصل والزمن الطويل لاستخراج الحديث الواحد أحيانا، بينما أصبح يسيرا لديهم بعد أن أصبح - كتاب - المفتاح بين أيديهم.
وهذا الأمر له أثره الكبير في تعميق جذور الثقة بالكتاب ولربما إلى حد كبير عند بعض طلاب العلم بحيث إنه إذا لم يجد الحديث في كتاب المفتاح آيس من وجوده في كتب السنة المعتمدة في التخريج لدى الكتاب، وهذا يعني أنه لم يفت كتاب المفتاح أي حديث من أحاديث كتب السنة المعتمدة لديه.
وهذا الموقف له خطره على السنة لو استمر الحال دون تنبيه وكشف النقاب عن النقص في الكتاب، فكشف النقاب عن ثغرات هذا الكتاب يضع الثقة به في الحدود المناسبة له دون زيادة.
ولما كنت أقوم بموازنة - في بحث الدكتوراه - بين رواية الإمام يحيى الليثي لموطأ الإمام مالك رحمه الله وبين رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني له، وكانت رواية الإمام يحيى الليثي بتحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي هي المعتمدة في التخريج لدى كتاب المفتاح أولا ثم لدى كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث بعد ذلك، تبين لي آنذاك خلل في ترقيم أحاديث الكتاب لم أعرف مسوغا له، وكان مفاد هذا الخلل:
الإهمال لبعض الآثار من الترقيم من جهة، ثم الترقيم لبعض فقه الإمام مالك من جهة أخرى، مما يدل على أن كتاب المفتاح قد أهمل بعض أحاديث الموطأ من التخريج، كما خرج مما ليس من موضوع التخريج وهو فقه الإمام مالك رحمه الله، فنبهت إلى هذا الخلل في مقدمة الرسالة، دون أن أعرف جذور الموضوع.
وفي هذه الأيام أحببت أن أتعرف حقيقة الأمر، فهل ترقيم الموطأ وكتب السنة المعتمدة في التخريج لدى كتاب المفتاح هي من ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، أم من ترقيم صاحب المفتاح؟
وما هو مدى تأثر عملية العزو في كتاب المفتاح بذلك الخلل في الترقيم؟
وهل هناك خلل آخر في ترقيم أحاديث الموطأ؟
وهل هناك سلبيات في منهج العزو في كتاب المفتاح لا علاقة لها بالخلل في ترقيم كتب السنة؟
فقمت بالكشف عن ذلك والحمد لله في هذا البحث مما جعلني أعتقد بعد الكشف عن حقيقة الأمر بضرورة عدم منح الثقة الكاملة بالكتاب كما وقع في ذلك كثير من طلاب العلم.
بل قد تتبعت جذور ذلك أيضا في كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث فخلصت إلى نفس النتيجة، وسوف أنشر ما يتعلق بالمعجم المفهرس في بحث مستقل بعد هذا البحث إن شاء الله تعالى.
وإني عندما أقوم بمثل هذا العمل فلا أعني بذلك الطعن والتجريح في واضعي الكتابين، وإنما المراد هو تنبيه طالب الحديث إلى عدم الاقتصار في التخريج على الكتابين وعدم التسليم الكامل لما فيهما لأن العصمة عن الخطأ والزلل ليست إلا للأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.
وهذا مع كامل التقدير والاعتراف بفضل هذا العمل الجليل والجهد المشكور لأهله.
والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.