الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفع، وقد تكون دفع ضرر، بحيث يمكن القول، إن الباعث على تشريع الحكم هو الغاية المقصودة من استنانه، وهي حكمة الحكم ذاته، فدفع المشقة عن المريض حكمة مبتغاة من إباحة افطاره، وحفظ أموال الناس حكمة مقصودة من ايجاب قطع يد السارق، ودفع الحرج عن الناس حكمة مقصودة من إباحة المعاوضات، ودفع الضرر عن الجار حكمة مرنو إليها من استحقاقه الشفعة، وبالجملة، فإن حكمة كل حكم شرعي، قد تكون تحقيق مصلحة أو دفع مضرة، فإذا أطلق ذلك على العلة، فإن الأمر يكون أمر اصطلاح ليس إلا، ولا مشاحة في الاصطلاحات.
ثالثا: إدراك الحكمة يقضي على كل خلاف:
ولعدم ادراك بعض أرباب الأقلام في مصر، الآن، الحكمة في التشريع الإسلامي، فقد حدثت تجاوزات فكرية، فأحد أساتذة الفلسفة (1)، متدثرا بدثار الإسلام، يريد باسم المعاصرة، إلباس ثوابت الإسلام عباءة الغرب المادية المدمرة، قولا منه " إن الأمر مرهون بالتجربة خلال الممارسة العملية " وهو قول يتجاهل كلية حكم التشريع الإسلامي، ويؤلب النفوس القلقة على أحكام شرعية، ليس فيها إلا كل خير وهداية للبشر، وكيف لا وشرع الله لا يريد للعباد إلا الرشاد!
إن الأمر يحتاج إلى إحياء هذه النفوس، عن طريق إرشادها إلى حكمة التشريع الإسلامي، وقد تكون وسيلة ذلك، قال بعض العلماء.، الوقوف
(1) د. محمد شتا أبو سعد، 1986 مستقبل التشريع الإسلامي، ج 1: رد على د. زكي نجيب محمود، ص 3 إلى ص 48.
على الحكم التشريعية، وعدم الوقوف بدراسة المشكلات الفقهية الإسلامية عند حد الدراسات التحليلية والتجميعية، بل يجب رد معظم هذه المفاهيم إلى أصول فكرية، ومبادئ أساسية، تسهل انتشار حركة فقهية معاصرة، تتجاوز الأساليب التقليدية التي نعيشها، دون أن تؤثر في السلامة المطلقة والمستمرة لجوهرها، ولجوهر التشريع الإسلامي الذي يشف عنها، وحكمته الجلية فيها.
إن الدراسات التي تقارن فيها حكمة التشريع الإسلامي وفلسفته بفلسفة القوانين أو الأنظمة الوضعية لإظهار محاسن الشريعة جد متواضعة، ومظنة أن الشريعة لا تنطوي على تقسيمات معاصرة كتلك التي توجد في القوانين الوضعية اللاتينية والجرمانية والانجلوسكسونية خطأ؛ فهذه الفكرة المسبقة تنطوي على مصادرة على المطلوب، إن اختلاف الصياغة وارد، واختلاف الحلول وارد أيضا، بل مفروض، لأن حكمة أو فلسفة التشريع الإسلامي الذي يقوم على مبدأ السمو المطلق للتشريع الإسلامي سموا ناشئا عن سمو مصدره، لا يمكن ولا يجب أن تكون صورة أخرى لفلسفة قوانين وضعية قاصرة في مصدرها، وتصورها، ووسائلها، وغاياتها.
ولم يدرك كاتب علماني آخر هذه الحقيقة (1) عندما هاجم التشريع الإسلامي بكلام منمق، لا حكمة فيه، ولا رغبة منه سوى الهدم، إذ يقول " إن الشريعة حق. . . . ولكن من يطبق الشريعة؟. . . إنهم البشر وأهواء البشر. . . "
إن هذا القول يجمع كل سموم المستشرقين في كلمة واحدة، كلها وهم وباطل وضلال، وأبسط ما يقال له، ما دام البشر قد يخطئون في تطبيق شرع الله، وقد يخطئون في تطبيق القانون الوضعي، فلماذا نضيف إلى خطئهم المحتمل، خطأ تشريعهم المؤكد الذي هو من صنعهم، ولا نطبق شرع الله الذي لا
(1) د. محمد شتا أبو سعد مستقبل التشريع الإسلامي، ج 2، رد على د. يوسف إدريس 1986 م من ص 3:62.
يمكن أن ينطوي على حكم واحد خاطئ، بدليل ثمرة استقراء الحكمة في التشريعات الإسلامية، وبدليل ما تنعم به البلاد الإسلامية التي طبقت الشريعة الإسلامية، في شتى مناحي الحياة، تطبيقا هادئا يتفق وحكمة النصوص وغاياتها والمصالح المبتغاة منها.
ولقد نلمح، بسبب عدم ادراك حكمة نصوص التشريع الإسلامي، حملة ظالمة على العالم الإسلامي، وتسخيرا لبعض الأقلام المتشحة بوشاح الإسلام لكي تنهش في جوهر التشريع الإسلامي. ولقد يمكن ضرب مثال لذلك بالمرتد محمود محمد طه في السودان، الذي ذهب به الغلو في الردة، إلى حد إهدار الصلاة والقول بما أسماه صلاة الأصالة، والقول إن الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين، أو قول القانوني السوداني، جلال علي لطفي: إن الربا حلال، ولذلك أمثلة كثيرة في بلدان عربية كثيرة، كمسلك القاضي المصري محمد سعيد العشماوي، الذي كتب عن أصول الإسلام كتابا في بيروت كله هدم لهذه الأصول، ونقل لفكر المستشرق اليهودي جولدتسيهر الذي شكك حتى في العقيدة ذاتها، باسم الدراسة العلمية المحايدة، والحياد منها براء، وإذن ففهم الحكمة من التشريعات الإسلامية سيساعد لا محالة على الرد المفحم والسريع على من باعوا أقلامهم لكل من يعادون القيم الدينية، ويبغون إهدارها، والتحلل منها. " والطيب في الأمر أن هؤلاء. . . . قلة. وهم يتقلصون مع ارتفاع