الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنقش حرفا واحدا منه أية حضارة لا أخلاقية، ولقد اتسمت حضارة الإسلام، بأنها، رغم صبغتها الدينية، تستجيب لنداء العقل، بدليل أنها كانت دائما حضارة متفتحة، تقبل كافة الثمرات الروحية والعقلية والمادية كعناصر جوهرية، تفضي إلى انتشارها بصورة تلقائية، طالما لم تخالف الحكم التشريعية الإلهية، ومن هنا كرم الله الإنسان بالعقل، وكان أسلافنا على مستوى تكريم الله لهم؛ ذلك أنهم حيث وجدوا أنه لا يفيد إلا العقل. . . بمفهومه الدال على القدرة الإيمانية على التجريد والجمع والتفريق والتصنيف والحكم، فقد استعملوا هذا العقل في حدود معطياته وفي إطار قدراته، بيد أنهم استنفروا طاقة أخرى من متعلقاته وهي البصيرة أو الحدس، فتزاوج العقل مع العاطفة، والتقى الوجدان مع المعرفة (1) التقاء حق انعكس أثره خيرا وبركة على فهم حكم التشريع الإسلامي.
(1) محمد كمال جعفر، فكر بلا نزعات ولا نزغات، المسلم المعاصر، س 7، ع 26، ص 9.
3 -
لماذا يجب بيان الحكمة في التشريعات الإسلامية:
وعلى ما تقدم فإنه يجب أن يعتبر بيان الحكمة في التشريعات الإسلامية، واحدا من أهم موضوعات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، لأنه من الناحية الوصفية، يمكن أن يعدد الحكم التي تدور في فلكها تشريعات الإسلام، وهو دور يعين على بث اليقين في نفس المسلم فيثق أنه في جانب الله، الحكيم المتعال، ويضع بالحياد العلمي أقدام غير المسلمين على دروب الإسلام الحقة، من أول منطلقاتها المحايدة. ولأنه من الناحية التأصيلية يجمع شتات الأفكار حول فكرة محورية تدور في فلكها كافة الأصول الإسلامية، على نحو ييسر تجاوز فكرة الوقوف عند العلل الجزئية، من أجل الاهتمام " بالمقاصد العامة، والمصالح الكلية التي جاءت الشريعة لرعايتها والمحافظة عليها والتي تصرف الشارع على وفقها،
وفرع الفروع بناء عليها. . " (1). كما أنه من الناحية العملية والغائية يساعد على حسن سير العدالة عن طريق تبصير القاضي بالأسلوب الأمثل لتطبيق القاعدة الشرعية من خلال مسلمة عالمية علمية، قوامها إدراك الغاية التي ينبغي تحقيقها من وراء التشريع، وهي غاية مستقرة في التشريعات الإسلامية. وقلقة في القوانين الوضعية (2)، وسبب استقرار هذه الغاية في التشريعات الإسلامية، على ما يبين من الاستقراء الشامل والكلي لها، أن غاية التشريع الإسلامي- في ضوء الحكمة التي تواكبه- هي غاية محايدة ومثالية، وذلك الحياد وهذه المثالية، يقودان فكر القاضي وهو ينظر في كل قواعد التشريع، فيلتقي سكون القاعدة التشريعية مع حركتها، على نحو لا يمكن أن يقوم في ظل القانون الوضعي، الذي يفصل فصلا جامدا بين النتيجة النهائية للنشاط العلمي القانوني وغير القانوني، ويسبغ عليها وصف الفكرة الساكنة للعلم La notion statique de la science وبين العلم وهو في حالة نشاط محدد، ويسبغ عليه وصف الفكرة المتحركة أو الديناميكية للعلم la notion dynamique de la science، وهذا خطأ جسيم، لأن العلم الحقيقي وهو العلم الإلهي، واحد في مصدره، واحد في غايته، واحد في سكونه، واحد في حركته، على نحو لا وجود له في ظل القانون الوضعي.
(1) الدكتور حسين حامد حسان، الحكم الشرعي عند الأصوليين، ط 1 (1972م) دار النهضة العربية ص 21.
(2)
Georges Repert، le declin du droit، Paris 1949 p 221