الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسبة الوعي الثقافي والفكري بين العرب والمسلمين ". . ولكن هذا لا ينفي أن أصحاب هذه الأقلام يريدون إطفاء نور الله وطمس حكمه التشريعية وقسر الأمور الإسلامية حتى توافق أهواء من يستهينون بشرع الله ومن يشككون في الشريعة الغراء ويحاولون ضرب الحكمة التشريعية من قوامة الرجل ومن التعدد الشرعي للزوجات ومحاولة نفث سموم الرذيلة في آذان النساء وحضهن على الاختلاط البغيض. كما أن هؤلاء المارقين يحاربون اللغة العربية ويرغبون الشباب في الملذات المردية ويوجدون هوة سحيقة بين الأبناء وآبائهم وبين المسلمين ودينهم من خلال تيارات فكرية هدامة، لا نجاة منها إلا بالوقوف على حكم التشريع الإسلامي.
رابعا: إدراك الحكمة في التشريعات وسيلة لضبط المصالح:
ولعل الجديد المفيد من إدراك الحكمة في التشريعات الإسلامية، يتمثل في جعل الحكمة وسيلة لضبط فكرة المصلحة، يستوي في ذلك أن تكون الحكمة جلية في نصوص الكتاب والسنة، أو تكون غير ظاهرة، وتحتاج إلى يقين إيماني في الوقوف عليها والالتزام بها. ولا خلاف حول جلاء الحكمة في المصالح التي شهد الشرع لاعتبارها كتضمين السارق قيمة المسروق وإن أقيم عليه الحد زجرا له عن العدوان. كما أنه لا خلاف حول جلاء الحكمة في حالة المصالح التي شهد الشرع لبطلانها، فمثلا لا يجوز القول بمساواة البنت بالولد في الميراث قولا من القائل أن المصلحة تستلزم ذلك للتساوي في القرابة والمشاركة في أعباء الحياة فتلك مصلحة شهد الشرع لبطلانها (1)؛ إعمالا لقوله سبحانه {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2) (النساء: من الآية 11) فللنص حكمة تكمن في أن الرجل قوام على المرأة، وهو المسئول عن الإنفاق
(1) د. حسين حامد حسان، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، الرسالة السابقة، ص 16.
(2)
سورة النساء الآية 11
عليها، دون أن تكون المرأة مسئولة عن ذلك مطلقا، فهي مستقلة في ذمتها المالية، ولا تلزم كما في الغرب بدفع الدوطة أو البائنة، وهذا دليل على تقدم التشريع الإسلامي الذي احتفظ للمرأة بذمتها المالية المستقلة بعد الزواج.
كذلك فإن إدراك الحكمة في التشريعات يفيد في الترجيح بين المصالح؛ ذلك أن المصلحة من حيث قوتها تنقسم إلى مصلحة ضرورية، وأخرى تحسينية، وثالثة حاجية. فأما المصلحة الضرورية فهي " ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين "(1).، وتكمن هذه المصالح أو المقاصد الضرورية في أمور خمسة هي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل. وأما المصالح الحاجية فهي " ما افتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع، دخل على المكلفين. . . الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة ". ومثالها الرخص في العبادات، والإباحات في المعاملات، والقسامة وضرب الدية على العاقلة في الجنايات. وأما المصالح التحسينية فهي " الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق "(2) ومثالها الطهارات في العبادات، ورعاية الآداب في العادات، ومنع بيع النجاسات في المعاملات، ومنع قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد بالنسبة للجنايات. فلا شك أن حكمة التشريعات الإسلامية
(1) الموافقات، للشاطبي، المطبعة التجارية الكبرى، مصر، ط 1، ج 2، ص 8.
(2)
الموافقات، المصدر السابق، ج 2، ص 11.