الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هي التي تقتضي الترجيح بين المصالح عند تعارضها عندما تكون الواقعة مناطا لمصلحتين، حيث تقدم المصلحة الضرورية على المصلحة الحاجية، وتقدم المصلحة الحاجية على المصلحة التحسينية، كما ترتب المصالح الضرورية باعتبار الأولى في التقديم، فتقدم مصلحة الدين على النفس، وتقدم مصلحة النفس على العقل، وتقدم مصلحة العقل على النسل، وتقدم مصلحة النسل على المال. كما يراعى أن المصلحة الحاجية تكمل المصلحة الضرورية، والتحسينية تكمل الحاجية " فإذا أدى اعتبار المكمل إلى فوات المكمل سقط اعتباره "(1). وهكذا فإن إدراك الحكمة في التشريعات يساعد على ضبط فكرة المصلحة، على نحو يحول دون الشطط في التخريج، أو الافتيات على الأصول الشرعية، بقالة مواكبة الحياة العصرية أو ما إلى ذلك من واهي التعلات، مما ينم عن جهل وحماقة أعداء الإسلام عندما يحاربونه من داخله ويستشهدون لمسالكهم بالنصوص التي تشهد عليهم لا لهم، عند الوقوف على الحكمة منها، والمصالح المبتغاة من ورائها.
(1) نظرية المصلحة، الرسالة السابقة، ص 33.
خامسا: معرفة الحكمة تقتضي الأخذ بأسباب العلم:
وتجدر الإشارة إلى أن العلم بالحكمة في التشريعات الإسلامية، لا يتأتى للكافة، بل هو وقف على مجتهدي علماء الشريعة الغراء (1).، ومن درسوا العلوم من منطلقات الإسلام، ولذا فإن الحكمة هي روح نصوص الشريعة، لا يقف على سرها إلا من هداه الله إليها، ولا يهتدي بها إلا من هيأه الله لفهم هديها.
(1) د. محمد بن أحمد الصالح، البحث السابق، ص 59 وص 66.
يقول أبو حامد الغزالي ". . . . العلوم ما عددناها وما لم نعدها، ليست أوائلها خارجة عن القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له، وأن البحر لو كان مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد، فمن أفعال الله تعالى وهو بحر الأفعال مثلا الشفاء والمرض كما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (1) (الشعراء: 80) وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا من عرف الطب بكماله. . . . ومن أفعاله تقدير معرفة الشمس والقمر ومنازلهما بحسبان، وقد قال الله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (2) (الرحمن: الآية 5) وقال: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (3) (يونس من الآية 5) وقال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (4) (يس: الآية 38) ولا يعرف حقيقة سير الشمس والقمر بحسبان، وخسوفهما، وولوج الليل في النهار، وكيفية تكور أحدهما على الآخر، إلا من عرف هيئات تركيب السماوات والأرض، وهو علم برأسه، ولا يعرف كمال معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (5) {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} (6) {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (7) (الانفطار 6 - 8) إلا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرا وباطنا وعددها وأنواعها وحكمتها ومنافعها. . . . وفي القرآن مجامع علم الأولين والآخرين، وكذلك لا يعرف كمال معنى قوله: {سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} (8) (ص: من الآية 72) ما لم يعلم التسوية والنفخ والروح، ووراءها علوم غامضة يغفل عن طلبها أكثر الخلق وربما لا يفهمونها إن سمعوها من العالم بها ".
معنى ذلك أن الإسلام يدعونا لا إلى العلم فحسب، بل إلى التبصر والوقوف على أسرار العلم، ودقائقها، وبالجملة فهم حكمتها، وأهم حكمة يتعين الوقوف أمامها هي حكمة التشريعات الإسلامية، بحسبانها مجامع العلوم
(1) سورة الشعراء الآية 80
(2)
سورة الرحمن الآية 5
(3)
سورة يونس الآية 5
(4)
سورة يس الآية 38
(5)
سورة الانفطار الآية 6
(6)
سورة الانفطار الآية 7
(7)
سورة الانفطار الآية 8
(8)
سورة ص الآية 72