الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفوسهم وتستقر أفئدتهم، كما أن الدين هو التجسيد الحي لقيمة العقل البشري، وهو الملاذ الأخير للإنسان عندما تعصف به مشكلات الحياة، وذلك على تفصيل ليس هذا مجاله الآن، فحسبنا من الفكرة أسسها العامة التي تبين مدى الحكمة الإلهية من إنزال الشرائع الدينية.
2 -
حكمة التشريع الإسلامي والدعوة الإسلامية:
والحق أن الدعوة الإسلامية في حاجة إلى دراسات محايدة من منظور المخاطبين بها أي من توجه إليهم هذه الدعوة، ويكون الحياد العلمي أكثر ضرورة، عندما تتحول لغة الدعوة من لغة عربية إلى لغة أخرى تترجم عنها، لأنها عندئذ لن تعتمد على الإطار والمؤثر المحلي المحسوس، بل تتشح بوشاح المنطق الذي يواكب الفكر العالمي المعاصر. ووضوح حكمة التشريع الإسلامي يقتضي قيام الدعاة بتقنين استعمال الإطار اللغوي، ليكون منطبق الدلالة على المفهوم الفكري، دون مجازات لفظية، أو محسنات بديعية لغوية، مع استعراض الأفكار على أساس ترابط السياق في المعنى، حتى تتأكد الفكرة المحورية التي يريد الداعية بثها لمن سواه.، من خلال جوهر الإسلام كدين للبحث عن الحياة الأرقى والأخلد، ووفق منهج يتسم بالبساطة، وفي ضوء كتاب موثق توثيقا يقينيا، ويتفق في كل ما ورد فيه مع حقائق الكون المادية دون أن يتعارض مع العقول، بل يتفق معها ويستوعب كل قضايا الحياة دائما (1).؛ لأنه دين منهج الوسطية الذي يوازن بين واقع المادية وجوهر الطاقة الروحية.
وحكمة التشريع الإسلامي، إذا تجلت في دعوة الداعية، فإنها ستكون
(1) الشيخ محمد متولي الشعراوي، هذا هو الإسلام، ط 1، ج 1، ص 25 وما بعدها.
مصداقا لحقيقة أن الدعوة الإسلامية منزهة عن الغرض، ومبرأة من الهوى، تسمو على المصالح الخاصة، وتستغرق الغايات المؤقتة، لأن بدايتها تسليم لله، وإذعان للخالق، وخضوع لمدبر الكون وحده، وإفراده بالعبادة المشروعة نزولا على مقتضى الفطرة، وبذا يتحقق من خلال الدعوة أحد مفاهيمها بحسبانها، نداء الأفراد والجماعات، إلى عبادة الله الواحد الأحد، والتخلق بالفضائل، ونبذ الرذائل وتطبيق ما شرعه الله للناس من تعاليم وشرائع وأحكام (1).، وبذا يتحقق التجديد الحقيقي للدين برفع ما علق به من بدع على نحو ما جاهد من أجله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.، كما يتحقق معنى النشر ومعنى الدين في الدعوة، فكل منهما يقتضي بيان حكمة التشريع، فالثابت أن الدعوة قد تكون بمعنى النشر وعندئذ ينصرف مفهومها إلى العلم الذي تعرف به كافة المحاولات المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى ليس من أخلاق وعقيدة فقط، بل بما انطوى عليه من شريعة أيضا (2).، كما أن الثابت أن الدعوة كدين، هي الخضوع لله والانقياد لتعاليمه، بلا قيد ولا شرط، ولما كان الانقياد لله دليلا على الخضوع له، لذا لزم الاختيار الحر في هذا الانقياد ليتحقق الخضوع التام (3). .
والدعوة إلى الله، بهذه المثابة، هي جزء من التكاليف في منهاج الله، ولذا يجب أن يصدر الداعية عن منهاج الله في الدعوة والعمل. وبيان الحكمة في التشريعات يثبت العقيدة، وعلى ذلك فلا يجوز أن يقف الداعية عند حد تصوراته البشرية، ومناهجها في ميدان الحركة (4)؛ ذلك أن الدعوة الإسلامية
(1) آدم عبد الله الألوري، تاريخ الدعوة الإسلامية، من الأمس إلى اليوم، بيروت، دار مكتبة الحياة، ص 19.
(2)
د. أحمد أحمد غلوش، الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، ص10.
(3)
المرجع السابق، ص 12.
(4)
عدنان النحوي، دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية، ط 1 (1399هـ)، ص 55.
هي سبيل المسلمين الذي لا سبيل سواه لعمارة هذه الأرض، بواسطة جهود الإنسان المؤمن الذي يسلم وجهه لله وهو محسن، ولقد أخذت حركة البناء والعمل هذه شوطا بعيدا في الدراسة والتوصيف والتخطيط والإعداد (1).، ولا شك أن الدعوة الإسلامية ستبقى مدى الدهر أساسا للهداية، وجوهرا لمقتضى التدين، ولذا فإن بقاءها يستند إلى أمرين هما: أنها تنبع من عند الله رب العالمين- وكونها تبعا لذلك تواكب التطور في كل زمان ومكان (2)، ولا شك أن إدراك الحكمة في التشريعات الإسلامية يؤكد ذلك. ويجعل المستقبل لنا لا علينا، وأن حكمنا الذي انهار في بعض الدول سيقوم مرة أخرى عزيزا شامخا، بإذن الله وأن المد الشيوعي والصليبي والصهيوني ستتبدد قواه، ويعقبه جزر عميق، نعم فللإسلام جولة أخرى، بدأت تتضح معالمها في ظل أعنف الهجمات ضد المسلمين. ولا جرم أن الاقتداء بصاحب الدعوة يمكن أن يبين أن انتصار الشريعة حتمي، وأن حكمة التشريع الإسلامي، ستساعد لا محالة على جعل الدعوة الإسلامية ذات جوهر مرتبط بجوهر الإنسان ذاته كمتطلع للحق الذي لا وجود له بمنأى عنه.
(1) د. رءوف شلبي، الدعوة الإسلامية في عهدها المكي، مناهجها وغاياتها 1394هـ، ص 169.
(2)
محمد الراوي، الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، الدار القومية
…
ص 11.