الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانطلاقا من تلك الحكم يكون الخشوع في الصلاة علامة الفلاح {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2)، وتكون المحافظة عليها من عوامل الاستقامة والصلاح {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (3)، وإقامتها من أسباب الرحمة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4). وزيادة الفضل للمصلين {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} (5) باعتبار أنها يسيرة بالنسبة للخاشعين دون سواهم {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (6) ومكفرة للسيئات ومدخلة الجنات {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (7).
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2)
سورة المؤمنون الآية 2
(3)
سورة العنكبوت الآية 45
(4)
سورة النور الآية 56
(5)
سورة فاطر الآية 30
(6)
سورة البقرة الآية 45
(7)
سورة المائدة الآية 12
ثالثا:
حكمة تشريع الزكاة:
شرعت الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركان الدين؛ لتحقيق حكم كثيرة نفسية وخلقية واجتماعية (1)، ففيما يتعلق بالحكم النفسية للزكاة، فإنها تتجلى من كون الزكاة بذلا وجودا، ولذا فهي تريح المعطي، وتسر المتلقي وقد «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: إدخال السرور على المؤمن. قيل: وما إدخال السرور على المؤمن؟ قال: سد جوعته، وفك كربته، وقضاء دينه». وفيما يتعلق بأثر الزكاة في الأخلاق، فإنها تخلص الإنسان من البخل، وتنقذه من الشح، وتجعله يغالب النفس فيتطهر ويتزكى. وقد قال سبحانه:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2). وبالزكاة تنقاد
(1) الشيخ: السيد سابق: إسلامنا، دار الكتاب العربي، بيروت، ص 120 - 122.
(2)
سورة التوبة الآية 103
النفس لحكم العقل وتخضع لأوامر الله تعالى. ومن أسرار الزكاة الاجتماعية، أنها وسيلة المحافظة على العجزة والضعفاء، واجتثاث شأفة العداوة والبغضاء من نفوسهم، عن طريق البذل من الأمانة التي في يد الأغنياء، فتقوى الصلات الاجتماعية، وينمو التعاون، ويحدث التوازن بين المسلمين في المجتمع؛ امتثالا لأمره تعالى في قوله جل شأنه:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (1).
ففيما يتعلق بزكاة الفطر، فقد روى الجماعة «عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين (2)» ، وهي فريضة إسلامية، فتجب على كل مسلم. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها فرض ".
وزكاة الفطر تجد حكمتها، فيما قاله ابن عباس:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. . . (3)» ، فالصائم قد يشوب صيامه لغو قول غير مقصود، أو رفث كلام يسيء إلى أي كائن حي أو ميت في هذا الوجود. فلا يكتمل صيامه، لأن الصيام الكامل
(1) سورة الحديد الآية 7
(2)
انظر نيل الأوطار للشوكاني، ج 4 (ط 1 العثمانية)، ص 179.
(3)
رواه كل من أبي داود وابن ماجه في باب زكاة الفطر، ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، ج 1، ط 1، حيدر أباد، ص 409. وقال: صحيح على شرط البخاري.
هو الذي يصوم فيه اللسان مثلما تصوم كافة الجوارح عن السيئات والفرج والبطن عن الشهوات، فتكون صدقة الفطر، التي هي امتثال في الأصل لأمر شرع الله، قد أدت غرضا إسلاميا وقصدا دينيا، هو تأكيد الامتثال بأداء ما يجبر هذا النقص ويطهر الصائم من لغوه ورفثه، ودفعه بعد ذلك إلى أن يكبح جماح لسانه فلا يتكلم إلا في خير ومعروف، ويسيطر على أذنيه فلا يدعهما تستمرئان سماع المنكر أيا كان مصدره وأيا كانت طبيعته، ويتحكم في عينيه فلا ينظر بهما إلى ما حرم الله، ويجعل فؤاده محكوما بإرادته. {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (1) ولا يكون ممن {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2).
والصائم عند ما يزكي فإنه يشيع المحبة والمسرة في نفوس أهل الحاجة، الذين تكفل الله تعالى برزقهم، ومن رزقهم عطاء الموسرين في أحد عيدي المسلمين "فاقتضت حكمة الشارع أن يفرض له (أي لذي الحاجة أو المسكين) في هذا اليوم ما يغنيه عن الحاجة. ويشعره بأن المجتمع لم يهمل أمره، ولم ينسه في أيام سروره وبهجته "(3)، ولذا فإنه إذا كان مخرجها يقول "عند دفعها اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" فإن آخذها يدعو له دعوة تجلي حكمة أخرى من حكمها قائلا "آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورا"(4)؛ لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (5).
(1) سورة الإسراء الآية 36
(2)
سورة البقرة الآية 7
(3)
د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، ج 2، التسهيل لعلوم التنزيل، ص 922، 933.
(4)
منار السبيل، المرجع السابق، ص 205.
(5)
سورة التوبة الآية 103
وفيما يتعلق بزكاة المال، فإن تعميق حكمتها المشار إليها بما يتسع له المقام، إنما هو أمر يقتضيه تثبيت عقيدة المؤمن على نحو يحول دون تزلزلها أو اهتزازها أمام دعوات الهدم ومحاولات الافتراء على شرع الله، وبالجملة فإنه إذا "كان بيان الحكمة من التشريع أمرا محمودا على كل حال فهو في عصرنا أمر لازم؛ لغلبة الأفكار المفسدة، والتيارات المضللة والوافدة من الشرق والغرب "(1).
وكل ذلك في ضوء الحقيقة الإيمانية القائلة إن المؤمن إذا كان في مسائل معاملاته يحتاج إلى الالتفات إلى الحكم والمعاني (2)، فإن أمور العبادات ومنها الزكاة، تحتاج إلى تصديق كامل دون بحث عن معنى أو علة أو حكمة فهذا هو مقتضى عقيدة التوحيد.
ومع ذلك فإن أعداء الإسلام يقولون إن الزكاة تنقص مال المسلم وهذا خطأ لأسباب أهمها: أولا: أن تكاليف الله تعالى تزيد المؤمن ولا تنقصه وفي الزكاة ربط على قلوب المسلمين، ومنع لهم من أن تلهيهم أموال الله التي آتاهم، فإن الذي أعطى ابتداء قد أعطى عن غنى ولذا فإن عدله ورحمته لا تقبل الانتقاص مما أعطى، فالزكاة تثمر وتنمي (3). وبها يطهر المال ويزداد (4).
وثانيا: إن الله تعالى لم يفرض الزكاة بقوله تعالى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} (5) وقد فرضها على مالك (ملكا إضافيا فالمال مال الله) ملكا تاما لمال نام أو قابل للنماء، وأن يبلغ المال نصابا محددا، فلا زكاة عن الأنعام أو الذهب والفضة أو مال التجارة أو الزروع والثمار أو العسل ومثله أو كسب العمل أو الأسهم والسندات أو غير ذلك إلا إذا بلغ المال نصابا معينا، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «ما
(1) د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، ط 4 (1400هـ)، ج 1، ص 21.
(2)
الموافقات للشاطبي، مرجع سابق، ص 30.
(3)
ابن قدامة المغني، مكتبة الرياض الحديثة، ج 2 (صححه الشيخان محيسن وإسماعيل)، ص 572.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج 25، ص 8.
(5)
سورة البقرة الآية 110
نقص مال من صدقة (1)»، ولم يكتف الإسلام بذلك بل اشترط أن يفضل المال عن الحاجة الأصلية للمتصدق ومن يعول وأن يكون المال سالما من الدين المستغرق له أو المنقص للنصاب، وأن يحول عليه الحول وذلك على تفصيل ومع توافر شروط أخرى لبعض الأموال، فليست كل هذه القيود مما تنقص من المال الذي لن يبلغ مقدار الزكاة فيه إلا حدا محددا يذهب بكل أقاويل أعداء الإسلام، فإن المزكي "يعطي من فضل ماله قليلا من كثير"، أي أن الإنسان لا يزكي إلا بجزء منها فاض عن حاجته الأصلية، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما كلمة العفو في قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (2) بقوله "العفو ما يفضل عن أهلك "(3) قد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنما الصدقة عن فضل غنى (4)» وفي رواية «لا صدقة إلا عن ظهر غنى (5)» ومعنى ذلك أن الله تعالى "جلت حكمته جعل وعاء الإنفاق ما زاد عن الكفاف وما فضل عن الحاجة. . . . فلم يطالبه الشرع بالإنفاق مما يحتاج إليه، لتعلق قلبه به، لمسيس حاجته إليه، لتطيب نفسه بإنفاقه "(6).
وهكذا فإن حكمة الزكاة في الإسلام تتمثل في كل ما تقدم، وفي أنها تطهير
(1) رواه الترمذي من حديث أبي البشر الأنماري. وقال: حسن صحيح.
(2)
سورة البقرة الآية 219
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، مرجع سابق، ط عبس، البابي الحلبي، ج 1، ص 256.
(4)
صحيح البخاري الزكاة (1426)، سنن النسائي الزكاة (2534)، سنن أبو داود الزكاة (1676)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 527)، سنن الدارمي الزكاة (1651).
(5)
صحيح البخاري النفقات (5356)، سنن النسائي الزكاة (2534)، سنن أبو داود الزكاة (1676)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 527)، سنن الدارمي الزكاة (1651).
(6)
د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، ص 154، 155.
لنفس المسلم من أدران الشح، وتدريب له على حب الإنفاق في سبيل الله والبذل؛ طلبا لمرضاته، بما يعنيه ذلك من صفاء نفس المالك صفاء يجعله يتخلق بأخلاق الإسلام، ويشكر نعمة الملك العلام، فيعالج قلبه من حب الدنيا، فيجلب محبة الآخرين، ويطهر ماله بعد أن طهر نفسه بالزكاة وزكاها، نائيا عن الحرام: فالزكاة لا تطهر مالا حراما، وإنما تنمي المال الحلال وحده. كذلك فإن الزكاة تحرر نفس المحتاج من ذل الحاجة، وتنأى به عن مجرد حسد النعمة التي فضل الله بها غيره أو حتى مجرد الإحساس ببغضه، وكيف يبغض محتاج من أعطاه مفاتيح التضامن الاجتماعي والتكافل الإنساني انطلاقا من شرع رباني جعل الزكاة شرعا ملزما منظما لا يعتمد على مجرد التطوع، بل ترتكز على دعم الأسس الروحية للمجتمع وهي أسس تهدف إلى الارتفاع بالفقراء ليقتربوا من مكان الأغنياء، فتحارب تسولهم، وتربيهم على العمل المنتج حتى يكونوا معطين لا متلقين، وبذا تتحقق الأخوة الإسلامية الحقة من خلال شرع إلهي حكيم جعل شكر نعمة المال أحد المظاهر الأساسية لركن من أركان الإسلام ألا وهو الزكاة.