الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالحكمة جائز، فلقد وقع التعليل بالحكمة في الشرع، سواء من حيث ربط الحكم بالحكمة، أو من حيث تعليل الشارع أحكامه بالحكمة، أو من حيث قدرة المجتهدين على تعليل أحكام الشرع بالحكمة ابتغاء بناء الأحكام عليها، ومن قبيل الأول أن الله سبحانه وتعالى أمر بالعدل والإحسان، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم قال «لا ضرر ولا ضرار (1)» ، ومن الثاني أنه سبحانه قد علل النهي عن شرب الخمر ولعب الميسر بقوله جل شأنه:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2)(المائدة: 91).
(1) سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327).
(2)
سورة المائدة الآية 91
2 -
الحكمة قد لا يدركها العقل:
والحكمة قد تكون جلية في الكتاب والسنة، وعندئذ يتعين رعايتها وإعمالها، وقد تكون خفية لا يعلمها إلا علام الغيوب ومطبب القلوب، وعندئذ يلزم الانصياع للشرع فيما أتى به، دون مكابرة أو مجادلة، أو الزعم بأن ما لا يدركه العقل لا يمكن الإيمان به والبقاء عليه فذلك كفر بواح، وهدفه الآن عند القرآنيين بوجه خاص هو صد الناس عن السنة المطهرة.
وبيانا لما تقدم فلا شك أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى هو البداية الصحيحة لوقوف الإنسان على حكم حقائق الكون، ودقائق الحياة (1) التي أتى التشريع لكمال سيرها؛ ذلك أن نواميس الكون قد تفزع الإنسان فيتخبط في ظلمات الضلال، ولذا كان لا بد له أن يؤمن، حتى يتبين حقائق الوجود، من غير اصطدام أو تخبط، ولقد تعوز إلى ذلك أيضا ضرورة فطرية، وضرورة حسية، وضرورة عقلية (2)، فبالعقل يمكن إدراك حقائق هذه الحياة، وهذا العقل ذاته هو مناط التكليف.
وإذا صح أن العقل يمكن أن يفضي إلى إدراك حقائق الوجود، عند ما يكون عقلا محايدا ومتجردا، لا عقلا ميكانيكيا أو آليا متعصبا، لذا فإنه من المعقول قبول الوحي سبيلا أول قبله لإدراك الحقائق الإيمانية، وبالتالي الوقوف على مفهوم الإسلام، وشريعة الإسلام والحكم التشريعية أو الحكم التي وردت في البنيان التشريعي في الإسلام مع الإيمان بأن قصور العقل وارد، لأن الإنسان لا يمكن أن يدرك كل الحكم التي بنى عليها الحكيم العليم أحكامه وجعلها بواعث للاطمئنان، ودوافع للتيقن، إن حكم الشارع محايدة، وتشريعه سام سموا مطلقا، ولذلك يجب الإيمان بحكم التشريع ظهرت أو لم تظهر.
من الواضح، إذن، أن إعمال العقل في ظل الشرع لإدراك حقائق الكون، ومنه الحقيقة التشريعية وحكمها الجلية أو الخفية ما أمكن، يفضي إلى إحساس المسلم بالرضا، فإن غلب عليه هذا الإحساس اطمأن، وإذا اطمأن رضي، وإذا رضي أنتج ما يبقى بعد أن يفني كل ما لا يبقى، أي يبقي حضارة وعمرانا أساسهما العلم الإيماني الذي يقود الناس إلى مزيد من الإيمان، ومن هنا أمكن القول أنه إذا كان العقل في الإسلام أساس بناء الحضارة في ظل شرع الله، فإن هذه الحضارة تكون حضارة عقلية إيمانية، تسطر للتاريخ ما لا تستطيع أن
(1) انظر يوسف كمال، وسائل المعرفة، المسلم المعاصر، ص 2، ع 6، ص 49 وما بعدها.
(2)
يوسف كمال، مصدر المعرفة، المسلم المعاصر، ص 2، ع 5، ص 29 وما بعدها.