الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطائف عن بناء البيت. (والله أعلم).
المطلب السادس: كون الطواف بالبيت:
اتفق العلماء على اشتراط أن يكون الطواف بالبيت- أي حوله- لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1) فلا يجوز الطواف داخله؛ لأنه حينئذ يكون طائفا فيه، لا طائفا به.
واختلفوا فيما إذا طاف فيه، بأن دخل من إحدى فتحتي الحجر وخرج من الجهة الأخرى، فلم يدخل الحجر في طوافه، أو طاف على الشاذروان. هل يصح طوافه أم لا؟
هذا ما سأتناوله في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: الطواف من داخل الحجر.
الفرع الثاني: الطواف على الشاذروان.
(1) سورة الحج الآية 29
الفرع الأول: الطواف من داخل الحجر:
لا خلاف بين العلماء أن الحجر أو جزء من الحجر من البيت، وإنما أخرج من البيت؛ لأن قريشا قصرت بهم النفقة فلم يستطيعوا إدخاله في البيت، ففي الصحيحين عن عائشة رضي
الله عنها قالت: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر، أمن البيت هو؟ قال: "نعم " قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: " إن قومك قصرت بهم النفقة (2)» . . . الحديث.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي فأدخلني في الحجر فقال لي:«صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت (3)» .
ولا خلاف بينهم أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لتأخذوا عني مناسككم (4)» . وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر. . . (5)»
قال النووي: " إن النبي صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر، وهكذا الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة فمن بعدهم، وهذا يقتضي
(1) أخرجه البخاري في الحج، باب فضل مكة وبنيانها (42) 2/ 156، ومسلم في الحج، باب جدر الكعبة وبابها 9/ 96.
(2)
الجدر: المراد به الحجر. (1)
(3)
أخرجه أحمد 6/ 92، وأبو داود في المناسك، باب في الحجر 2/ 214 (2028)، والترمذي في الحج، باب ما جاء في الصلاة في الحجر 2/ 181 (877). وقال: حسن صحيح، والنسائي في المناسك، باب الصلاة في الحجر 5/ 219 (2912).
(4)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).
(5)
في مناقب الأنصار، باب القسامة في الجاهلية 4/ 238.
وجوب الطواف خارج الحجر، سواء كان كله من البيت أم بعضه، لأنه وإن كان بعضه من البيت فالمعتمد في باب الحج الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب الطواف بجميعه " (1).
فمن طاف من داخل الحجر بأن دخل من إحدى الفتحتين وخرج من الأخرى، فلا خلاف بين العلماء أنه قد أخل بالطواف الواجب؛ لأنه بفعله هذا طاف في البيت، ولم يطف به، وإنما اختلفوا فيما يترتب على من فعل ذلك على قولين:
القول الأول: أن طوافه غير صحيح، ولا يعتد به، فليزمه إعادته.
وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وابن المنذر، وبه قال عطاء.
القول الثاني: أنه يجب عليه إعادة الطواف ما دام بمكة، فإن رجع إلى بلده أجزأه وعليه دم. وتجزئ الإعادة على
(1) المجموع 8/ 25.
الحجر خاصة، والأفضل الإعادة على كل البيت.
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، وبنحوه قال الحسن البصري.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بالأدلة الدالة على أن الحجر من البيت (1).
وجه الاستدلال منها:
أن الحجر من البيت، فمن ترك الطواف بالحجر، لم يطف بجميع البيت، فلم يصح، كما لو ترك الطواف ببعض البناء.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر، وقد قال عليه الصلاة والسلام «لتأخذوا عني مناسككم (2)» .
وجه الاستدلال منه:
أن الله أمر بالطواف بالبيت، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله كيفية هذا الطواف، إذ طاف من وراء الحجر، وأمر بالاقتداء بفعله، فدل ذلك على أن من طاف من داخل الحجر، لم يصح طوافه؛ لأنه خلاف الطواف المأمور به (3).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بالأدلة الدالة على أن إكمال الأشواط السبعة ليس شرطا لصحة الطواف، فلو طاف أكثر الأشواط ولم يتمكن من إتمامه أو إعادته صح طوافه وأجزأه، وجبر المتروك منه (4).
(1) تقدمت الإشارة إلى شيء من هذه الأدلة في أول المطلب.
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).
(3)
انظر: المغني 5/ 230.
(4)
تقدمت هذه الأدلة في المطلب الأول.
الثاني: وقالوا: كون الحطيم من الكعبة ثبت بالآحاد، فكان الطواف به واجبا يجبر تركه بالدم (1).
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو: أن من طاف من داخل الحجر، فطوافه غير صحيح، وعليه إعادته، ولا يجزئه الإعادة على الحجر وحده. وذلك لما يلي:
1 -
أن الله أمر بالطواف بالبيت، فالطائف من داخل الحجر، لم يطف بالبيت، وإنما طاف فيه، فلم يصح طوافه.
2 -
أن من طاف من داخل الحجر، لا شك أنه أتى بطواف على غير الصفة التي طاف عليها النبي عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«لتأخذوا عني مناسككم (2)» فلم يصح طوافه.
3 -
أن الآية وإن لم تحدد عدد الأشواط، فالإجماع على أن المرة الواحدة لا تجزئ فيه، فكان بيان المراد بالعدد بفعله صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في أنه طاف سبعة أشواط من وراء الحجر، فدل ذلك على أن المراد بالطواف في الآية، الطواف بالبيت سبعة أشواط من وراء الحجر.
4 -
أن الطواف وإن كان من أسباب التحلل إلا أنه عبادة مقصودة، بل وركن من أركان الحج والعمرة، فإقامة البعض أو الأكثر في بعض الأجزاء لا يلزم منه إقامتها في كل جزء، فمن أتى بسائر أركان الحج بما فيها الوقوف بعرفة، ولم يطف للزيارة
(1) انظر: حاشية ابن عابدين 2/ 496.
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).
لم يتم حجه، ولا يقال: إن الإتيان بالأكثر يقوم مقام الكل.
(والله أعلم).
الفرع الثاني: الطواف على الشاذروان:
سبقت الإشارة في الفرع الأول إلى اتفاق العلماء: على اشتراط أن يكون الطواف بالبيت. أي: حوله من خارجه لا في داخله. ولا خلاف بينهم أن من طاف داخل البيت حول جدرانه لا يصح طوافه.
فهل الشاذروان من البيت؟ وما حكم الطواف عليه؟
سأتناول بحث ذلك في مسألتين: المسألة الأولى: هل الشاذروان من البيت؟ المسألة الثانية: حكم الطواف على الشاذروان.
مسألة هل الشاذروان من البيت؟: اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ليس الشاذروان من البيت، فلو طاف عليه صح طوافه، إلا أن الأولى أن يطوف خارجه خروجا من الخلاف.
وإلى هذا ذهب الحنفية، وهو اختيار بعض المالكية، والشافعية، وابن تيمية من الحنابلة.
القول الثاني: أنه من البيت، فلو طاف عليه لم يصح طوافه؛ لأنه حينئذ يكون طائفا في البيت لا به.
وإلى هذا ذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو: أن
الشاذروان ليس من البيت. وهو اختيار ابن جماعة وغيره من المحققين.
وقد أوضح سبب اختياره بقوله:
" ثبت أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابا شرقيا، وبابا غربيا، فإنهم عجزوا عن بنائه (1)» . وفي لفظ لمسلم: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت (2)» . وفي رواية له: «اقتصروا عن قواعد إبراهيم (3)» .
وفي أخرى: «استقصروا من بنيان الكعبة (4)» .
وصح أن ابن الزبير لما بلغه حديث عائشة قال: " أنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس "(5). فهدم الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم، وأدخل فيها الحجر، وجعل لها بابين.
(1) أخرجه البخاري في الحج، باب فضل مكة وبنيانها (42) 2/ 156، واللفظ له، ما عدا قوله:" فإنهم عجزوا عن بنائه ". ومسلم في الحج، باب نقض الكعبة وبنائها 9/ 88 - 91.
(2)
صحيح البخاري الحج (1586)، صحيح مسلم الحج (1333)، سنن الترمذي كتاب الحج (876)، سنن النسائي مناسك الحج (2903)، سنن أبو داود المناسك (2028)، سنن ابن ماجه المناسك (2955)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 113)، موطأ مالك الحج (813)، سنن الدارمي المناسك (1869).
(3)
صحيح البخاري كتاب الحج (1583)، صحيح مسلم كتاب الحج (1333)، سنن النسائي مناسك الحج (2900)، سنن أبو داود المناسك (2028)، سنن ابن ماجه المناسك (2955)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 113)، موطأ مالك الحج (813)، سنن الدارمي المناسك (1869).
(4)
صحيح البخاري الحج (1586)، صحيح مسلم الحج (1333)، سنن الترمذي كتاب الحج (876)، سنن النسائي مناسك الحج (2903)، سنن أبو داود المناسك (2028)، سنن ابن ماجه المناسك (2955)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 247)، موطأ مالك الحج (813)، سنن الدارمي المناسك (1869).
(5)
أخرجه مسلم 9/ 93.
ثم هدم الحجاج الشق الذي من ناحية حجر إسماعيل فقط كما قال الأزرقي وغيره، وأعاده على ما كان عليه في زمن قريش. والشق الآخر بناء ابن الزبير رضي الله عنه وهو يظهر للرائي عند رفع الأستار ". فهذا دليل على أن البيت مبني على قواعد إبراهيم، وأن الشاذروان ليس من البيت. (والله أعلم).
مسألة حكم الطواف على الشاذروان:
اختلف العلماء في ذلك بناء على اختلافهم، هل الشاذروان من البيت أم لا؟ وذلك على قولين:
القول الأول: أن من طاف على الشاذروان، فطوافه صحيح، لكن ينبغي أن يكون طوافه من ورائه؛ خروجا من الخلاف.
وإلى هذا ذهب الحنفية وبعض المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أن من طاف على الشاذروان، فطوافه غير صحيح، ولا يعتد به.
وإلى هذا القول ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، في المشهور عنهم. إلا أن المالكية قالوا: يعيد ما دام في مكة،
فإن تعذرت عليه الإعادة لرجوعه إلى بلده أو بعده، لم يلزمه الرجوع، وعليه دم.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)
وجه الاستدلال منها: أن الله أمر بالطواف بالبيت، والشاذروان ليس من البيت، بل خارج عنه، فمن طاف على
(1) سورة الحج الآية 29
جداره فقد أدى المأمور به وهو الطواف بالبيت.
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)
وجه الاستدلال منها: أن الله أمر بالطواف بالبيت، والشاذروان منه، فمن طاف على جداره، لم يطف بكل البيت، فلم يصح طوافه.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الشاذروان، وقال.
فدل ذلك على وجوب الطواف من وراء الشاذروان، وأن من طاف عليه لم يصح طوافه، لإخلاله بالطواف المأمور به.
الرأي المختار:
الذي أختاره هو: أن الأولى بالطائف وخاصة إذا كان في حج أو عمرة- أن يأخذ بالأحوط في ذلك- وأن يطوف من وراء الشاذروان، وأنه إن طاف عليه وأمكنه إعادة الطواف دون مشقة فالأولى أن يعيده، خروجا من الخلاف في ذلك.
أما إن سافر إلى بلده، أو كان يشق عليه إعادته، فطوافه صحيح، ولا يلزمه شيء.
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).