الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو أب لهم ". وقرأ ابن عباس " من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم " وهذا كله يوهن ما رواه مسروق [أي عن عائشة] إن صح من جهة الترجيح وإن لم يصح فيسقط الاستدلال به في التخصيص، وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم، والله أعلم "(1).
وما ذهب إليه واحتج له هو الأقرب. على أنه يمكن الجمع بين المروي عن عائشة رضي الله عنها والمروي عن أم سلمة رضي الله عنها بأن يقال: إذا كان المقصود بالأمومة تحريم نكاحهن من بعده صلى الله عليه وسلم وتحريم النظر إليهن والخلوة بهن فلا يخفى أن هذا أمر خاص بالرجال دون النساء. وإن كان المقصود بالأمومة التوقير والاحترام والقيام بالحقوق والواجبات ونحو ذلك فهذا شامل للنساء والرجال للمؤمنين والمؤمنات، فلعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لحظت بقولها المعنى الأول، وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها لحظت بقولها المعنى الثاني، والله أعلم.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/ 84).
المسألة الثامنة: هل يقال لإخوان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أخوال للمؤمنين
؟ وهل يقال لبناتهن أخوات للمؤمنين؟
لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين في حكم التحريم دون المحرمية. تنازع العلماء في إخوانهن هل يقال لأحدهم خال المؤمنين، وكذلك في بناتهن هل يقال لهن أخوات المؤمنين؟
ولهم في هذه المسألة قولان
الأول: المنع من الإطلاق:
قال شيخ الإسلام: " ومن علماء السنة من قال: لا يطلق على إخوة الأزواج أنهم أخوال المؤمنين، فإنه لو أطلق ذلك لأطلق على أخواتهن أنهن خالات المؤمنين، ولو كانوا أخوالا وخالات لحرم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته وحرم على المرأة أن تتزوج خالها.
وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يجوز للمؤمنين والمؤمنات أن يتزوجوا أخواتهن وإخوتهن، كما تزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وولد له منها عبد الله والفضل وغيرهما، وكما تزوج عبد الله بن عمر وعبيد الله ومعاوية وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن أبي بكر من تزوجوهن من المؤمنات، ولو كانوا أخوالا لهن لما جاز للمرأة أن تتزوج خالها.
قالوا: وكذلك لا يطلق على أمهاتهن أنهن جدات المؤمنين، ولا على آبائهن أنهم أجداد المؤمنين؛ لأنه لم يثبت في حق الأمهات جميع أحكام النسب، وإنما ثبت الحرمة والتحريم، وأحكام النسب تتبعض، كما يثبت بالرضاع التحريم والمحرمية ولا يثبت سائر أحكام النسب، وهذا كله متفق عليه " (1).
(1) منهاج السنة (6/ 370).
وقال القرطبي: " قال قوم: لا يقال بناته أخوات المؤمنين ولا إخوانهن أخوال المؤمنين وخالاتهم، قال الشافعي رضي الله عنه: تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة ولم يقل: هي خالة المؤمنين. . . "(1).
الثاني: جواز إطلاق ذلك:
وهو كما يقول ابن كثير: " من باب إطلاق العبارة، لا إثبات الحكم "(2).
قال شيخ الإسلام عقب كلامه السابق: " والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا في هذه الأحكام، ولكن قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، واشتهر ذكرهم لذلك عن معاوية رضي الله عنه كما اشتهر أنه كاتب الوحي، وقد كتب الوحي غيره، وأنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أردف غيره. . . "(3).
وقد أفرد القاضي أبو يعلى رحمه الله مصنفا في الدفاع عن معاوية وتبرئته من الظلم والفسق أسماه (تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهما عقد فيه فصلا نافعا بين فيه صحة هذا الإطلاق، وذكر ما يشهد له ويدل عليه.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/ 84).
(2)
تفسير القرآن العظيم (6/ 381).
(3)
منهاج السنة (4/ 370، 371).
قال رحمه الله: " ويسمى إخوة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوال المؤمنين ولسنا نريد بذلك أنهم أخوال في الحقيقة كأخوال الأمهات من النسب، وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام، وهو التعظيم لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الخال والد (1)» تعظيما له.
وقد نص أحمد على إطلاق "هذه التسمية في رواية أبي طالب فقال: " معاوية خال المؤمنين وابن عمر خال المؤمنين " (2).
وقال أبو بكر المروذي: سمعت هارون بن عبد الله يقول لأبي عبد الله: جاءني كتاب من الرقة أن قوما قالوا: لا نقول:
معاوية خال المؤمنين. فغضب وقال: " ما اعتراضهم في هذا الموضع؟ يجفون حتى يتوبوا "(3).
إلى أن قال: والدليل على أن هذه التسمية ليس طريقها اللغة والقياس وإنما طريقها التوقيف والشرع، وقد ورد الشرع بتسمية الإخوة أخوالا.
ثم ساق بسنده إلى ابن عباس في هذه الآية {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} (4).
(1) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (1/ 448) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق وقال: " في سنده سعيد كذبه أحمد " وأورده الديلمي في الفردوس (2/ 207) عن عبد الله بن عمر بلا سند.
(2)
رواه الخلال في السنة برقم (657).
(3)
رواه الخلال في السنة برقم (658).
(4)
سورة الممتحنة الآية 7
قال: " فكانت المودة التي جعلها الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، ومعاوية خال المؤمنين ".
ثم نقل عن ابن بطة ما رواه بإسناده. في جزء له فيه فوائد من تخريجاته عن محمد بن قحطبة الدمشقي قال: " جئت إلى معاوية ابن أبي سفيان فقلت: يا أبا عبد الرحمن، قد جاء الحسن بن علي بن أبي طالب زائرا فدعه يصعد المنبر. فقال: دعني أفتخر على أهل الشام. فقلت: شأنك وإياه. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال له معاوية: سألتك بالله يا أبا محمد، ألست من بطحاء مكة؟ فقال: أي والله الذي لا إله إلا هو. قال: اللهم اشهد. ثم قال: سألتك بالله يا أبا محمد، ألست خال المؤمنين؟ قال: أي والذي لا إله إلا هو. قال: اللهم اشهد. . . " وذكر الخبر بتمامه.
ثم قال: ولأنه إذا جاز إطلاق تسمية الأمهات على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكونوا أمهات في الحقيقة؛ لأنه يجوز التزويج بأخواتهن وبناتهن، وإنما جاز لأنهن في حكم الأمهات في تحريم العقد عليهن، كذلك جاز إطلاق تسمية الأخوال على إخوانهن في