الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مسائل في الإحداد وما يتعلق به}
[ما تجتنبه المتوفى عنها زوجها]
(مسألة): ماذا تجتنب المتوفى عنها من جنس الكلام والحديث مع الناس مثل قريب أو كالف أو صديق، إذا كان عادتها ذلك قبل موت الزوج، هل يجب عليها ترك جميع ذلك؟ أم هذا ليس من المنهي عنه إذا كان ذلك عادتها.
(الجواب): فيما تجتنبه المتوفى عنها من جنس الكلام والتحدث مع قريب أو صديق إذا كان ذلك من عادتها قبل وفاة زوجها، فهذه المسألة لم أقف عليها في كلام أهل العلم، والذي يظهر لي من كلامهم أن المتوفى عنها وغيرها في هذا النوع سواء فما كانت ممنوعة منه قبل الإحداد، فهو أشد منعا، وما كان مباحا لها من هذا النوع خاصة قبله فهو مباح؛ فيه ولم أقف على نص في المسألة بالتفرقة.
[خروج المرأة المتوفى عنها زوجها]
(مسألة): هل للمرأة الخروج من البيت إذا مات زوجها إذا كانت عادتها الظهور قبل موته، وتقوم في مؤنة الزواج داخل البيت وخارجه، هل لها ذلك بعد موته في الإحداد أم لا؟
(الجواب): في المتوفى عنها هل لها الخروج فذكر أهل العلم أن لها الخروج لحوائجها نهارا، ولو وجدت من يقضيها؛ وأما في الليل فلا تخرج ولو لحاجة، وكذلك لا تخرج نهارا لغير حاجة.
[للمتوفى عنها زوجها الخروج في حوائجها نهارا]
(مسألة): إذا كان للمتوفى عنها نخل والمنْزل خارج النخل، هل لها الخروج إلى النخل والجلوس فيه، وقضاء شيء من الحاجات إذا كان غيرها يكفيها، أم لا وما يفاد من قصة المرأة التي أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى جذاذ نخلها
(الجواب): هذه المسألة تقدم جوابها، وهو أن لها الخروج نهارًا
لحوائجها ولو وجدت من يقضيها؛ وحديث المرأة التي أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جذاذ نخلها يدل على ذلك. قال في المغني: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها.
ثم ساق حديث جابر في المرأة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخرجي فجذي نخلك"1.
ثم قال: وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله نستوحش بالليل، فنبيت عند إحدانا، فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتأو كل واحدة إلى بيتها"، وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا إلا لضرورة، لأن الليل مظنة الفساد بخلاف النهار، فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما تحتاج إليه. انتهى كلامه في المغني.
[أهم ما تجتنبه المتوفى عنها زوجها]
(مسألة): ما أهم وألزم ما يكون اجتنابه على المتوفى عنها، غير الطيب والزينة والمبيت في غير منْزلها وهل يفرق بين الغنية والفقيرة في هذه الأمور
(الجواب): ذكر أهل العلم أن المتوفى عنها تجتنب ثلاثة أشياء وهي الطيب، والثاني اجتناب الزينة: فلا تختضب، ولا تحمر وجهها، ولا تكتحل بالإثمد إلا لضرورة، فإن اضطرت إليه اكتحلت في الليل ومسحته في النهار، ولا تلبس ثياب الزينة، ولا تلبس الحلي كله حتى الخاتم.
والثالث المبيت في غير منْزلها، فيجب عليها أن تبيت فيه دون غيره. وهذه الأمور هي التي نص عليها الفقهاء، وهي التي يجب عليها اجتنابها، والله أعلم.
[خروج المتوفى عنها زوجها إلى المسجد]
(مسألة): هل للمتوفى عنها الخروج إلى المسجد، لأجل الصلاة والدرس وتعلم أمر دينها، وكذلك مثل التراويح، أو قيام الليل في العشر، إذا كان ذلك عادة لها قبل موت الزوج
1 مسلم: الطلاق (1483)، والنسائي: الطلاق (3550)، وأبو داود: الطلاق (2297)، وابن ماجه: الطلاق (2034) ، وأحمد (3/ 321)، والدارمي: الطلاق (2288).
(الجواب): هل لها الخروج إلى المسجد للتراويح وقيام رمضان في العشر، فتقدم أن المتوفى عنها لا تخرج من بيتها في الليل ولو لحاجة؛ وأما خروجها في النهار للصلاة والدرس، فلم أقف على نص في المسألة إلا ما تقدم من الرخصة في الخروج نهارا لحوائجها والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين آمين.
ومن أجوبة لعبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله وعفا عنهما
(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن الشيخ إلى الأخ جمعان بن ناصر
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(وبعد) الخط وصل، وصلك الله إلى رضوانه؛ وما ذكرت من جهة كثرة السؤال، فالحرص على العلم ينفع الله به، ولا ينقد على الإنسان إلا الغفلة وما أشكل عليه.
[قال: إن زرعت أرضي حبا فهي بكذا كيلا مسمى]
(وأما المسألة الأولى) وهي قوله: إن زرعت أرضي حبا فهي بكذا كيلا مسمى أو شعيرًا بكذا أو قطنًا بكذا، ووزنا معلوما، فهذه المسألة فيها خلاف مشهور في القديم والحديث، والذي نعمل عليه من أقوال العلماء أن هذا لا بأس به، إذا كان كيلا معلوما أو وزنا معلوما أو جزءًا مشاعا معلوما كالثلث أو الربع ونحو ذلك، والله أعلم.
وأما قوله: إلا أن يكره بحق، كمن يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه، فهذا لا بأس بالشراء منه سواء رضي بذلك أو لم يرض.
[الرجوع في العمرى والرقبى]
وأما العمرى والرقبى ففيها خلاف مشهور، والأحاديث فيها متعارضة، والذي نختاره أنه إذا شرط الرجوع فيها رجعت إلى مالكها، والله أعلم.
[الفرق بين العطية والوصية]
وأما الفرق بين العطية والوصية، فالفرق بينهما ظاهر كما ذكر في الشرح أنها تفارقها في أربعة أشياء. وأما كون أهل بلدك لا يفرقون بينهما فالألفاظ لا يعتبر بها. فإذا كان عندهم أن الوصية بمعنى العطية والهبة فهي كذلك، وكذلك لفظ الوصية. فكل هذا ينظر إلى مقصود المتكلم بذلك وعرفه في بلده، فإن كان مراده بذلك أنه يمضيها له في حياته، وبعد موته صارت بمعنى العطية والهبة. وإن كان العرف عندهم، أن مرادهم بذلك: إن مات فهي بمعنى الوصية يثبت لها أحكامها، والله أعلم.
[ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه]
وأما التي ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه، واعتدت بسنة ثم عاودها الدم قبل مضي السنة، فإنها ترجع وتعتد بالحيض ولا تحتسب بما تقدم كالبكر إذا اعتدت بالأشهر ثم جاءتها الحيضة، فإنها تعتد بالأقراء. والله أعلم.
[الإجارة بشيء مجهول]
وأما إذا آجر إنسان أرضه لمن يزرعها قطنا، وشرط عليه أن الأجرة له في السنة الأولى، فإذا خرج عنها فالشجر والثمرة لربها عن أجرة أرضه، فالظاهر أن مثل هذه لا يجوزه الفقهاء، لما فيه من الغرر؛ وإنما جوزوا الإجارة بشيء معلوم. والله أعلم.
[احتاج أهل بلد إلى أرض إنسان يجعلونها مسجدا]
وأما إذا احتاج أهل بلد إلى أرض إنسان يجعلونها مسجدًا، فطلبوا من صاحب المال أن يبيعها أو يوقفها، فالظاهر أنه لا يجبر. والله أعلم.
(4)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن الشيخ إلى الأخ جمعان
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وبعد) ما ذكرت من جهة المسائل فهذا جوابها:
[قذف إنسان جماعة بالزنى أمواتا أو أحياء]
(المسألة الأولى): إذا قذف إنسان جماعة بالزنى أمواتا أو أحياء، فالذي وقفنا عليه من كلام أهل العلم أنه إذا قذفهم بلفظة واحدة، فإنه يحد حدًا واحدًا إذا طلبوا إقامة الحد عليه. وأما قذف الأموات، فلا أدري عنه، وأقل ما فيه إذا كانوا مسلمين يعزره الإمام على قدر ما يراه. وأما ما ذكرت عن بعض المالكية من شروط القذف، فهو كلام متوجه.
(وأما الثانية): فلا يجوز التعزير بأقل الحدود.
(وأما الثالثة): إذا شهد شاهد واحد أن فلانا أصاب حدا، فلا يقام عليه بشهادة واحد، ولا بد من شهادة رجلين عدلين إلا في الزنى فأربعة شهود كما هو معلوم.
[وجد منه رائحة المسكر]
(الرابعة): إذا وجد منه رائحة المسكر فإنه يحد، وأما إذا خرج من بيته، فليس فيه إلا التعزير إذا كان مظنة ذلك.
[الرجوع في الهبة]
(الخامسة): الهبة إذا كان مراده الثواب، فإنه يرجع فيها إذا لم يثب. وأما الصدقة فليس حكمها حكم الهبة، لأن الصدقة أن يتصدق على إنسان لفقره، والهبة أن يهب لآخر شيئا، ولو مع غناه تارة يريد بها المكافآت وتارة على وجه الكرم والتفضل.
[العمرى والرقبى]
(السادسة): في العمرى والرقبى ففيها اختلاف بين الفقهاء، ولا يتبين لي الآن وجه كونها لمن أعمرها، وأما الذي يشبه العمرى عندنا فهي أن يقول:
لك حياة عينك، أو ما عشت، أو حياة عيني، وأشباه ذلك.
[زواج الحر بالأمة]
(السابعة): الحر فلا يجوز له تزوج الأمة ولو شرط سيدها أن أولاده أحرار، إلا بالشرطين المذكورين في كتاب الله.
(أحدهما): أن لا يجد طولا يتزوج به الحرة.
(الثاني): أن يخاف العنت على نفسه؛ وصبره مع ذلك خير له من تزوج الأمة.
[الأولاد يتبعون الأم في الحرية والرقية]
(الثامنة): إذا كان لرجل أمة ولآخر عبد، وأرادا تزويج أحدهما للآخر وشرطا أن الأولاد بينهما، فهذا شرط فاسد لا يصح، بل الأولاد يتبعون الأم في الحرية والرقية.
[التفريق بين الوالدة وولدها]
(التاسعة): التفريق بين الوالدة وولدها، وكذلك الإخوة، فالحد في ذلك البلوغ؛ فإذا بلغ واحد منهما جاز أن يفرق بينهما.
[حصة المضارب قبل القسمة]
(العاشرة): حصة المضارب قبل القسمة، ففيها خلاف؛ والأحوط تزكيتها مع المال بلغت نصابا أو لم تبلغ.
[الدين الذي يمنع الزكاة]
(الحادية عشرة): ما الدين الذي يمنع الزكاة؟ فالدين عندنا لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة ولا الباطنة.
[دفع رجل مضاربة مالا إلى آخر، وحال الحول والمال بيد المضارب بغير بلده]
(الثانية عشرة): إذا دفع رجل مضاربة مالا إلى آخر، وحال الحول والمال بيد المضارب ببلد غير بلده، فالذي وقفنا عليه من كلام أهل العلم أنه متى أخرجها أجزأته، إلا إن كان هو بنفسه ببلده أو المضارب؛ ونرجو أن ذلك يجزئه إن شاء الله تعالى.
[ما يجب على الزوج للزوجة من المؤنة]
(الثالثة عشرة): ما يجب على الزوج للزوجة من المؤنة، فكلام الشيخ رحمه الله في هذه المسألة من أحسن الكلام، فإنه قال: يجب عليها ما يعتاد من مثلها لمثله. فإن كان المعروف من مثلها أنها تطبخ وتعجن لزوجها ولنفسها، وجب
عليها ذلك. فإن كان المعروف عند أهلها ببلدها أن مثلها لا تخدم نفسها وجب على الزوج إخدامها، وإن كان بها ما يليق من مثلها لمثله، واستدل الشيخ رحمه الله وغيره على ذلك بقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء من الآية: 19]، والمعروف يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والبلدان والأزمان، وهو المفتى به عندنا.
[التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة]
(الرابعة عشرة): هل يجب على الزوج التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النّساء من الآية: 3]، فلا بأس أن يزيد إحداهما على الأخرى إذا كانت أوفق وأصلح لحاله، إذا كان لم يرد بذلك مضارة، ولا يلحق به ضرر الزوجة الأخرى. والله أعلم.
- 5 -
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن الشيخ إلى الأخ جمعان
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وبعد) وصل الخط أوصلك الله إلى رضوانه، وما ذكرت من المسائل:
[ما يجب على اليتيم من الحقوق غير الزكاة]
(فالأولى): ما يجب على اليتيم من الحقوق غير الزكاة، فلا نعلم شيئا يجب عليه إلا الزكاة في أصح قولي العلماء، مع أن بعض أهل العلم ذكر أنها لا تجب عليه وهو قول مرجوح. وأما إذا كان له بعيران مثلا ليس له غيرهما ورعيا أكثر من نصف السنة، ثم خلطا مع غيرهما، ففيهما خلاف بين العلماء؛ والأحوط أنه يزكيهما زكاة خلطة. وأما الحوض والمراح والمرعى والحول، فبعض العلماء يشترط ذلك، وبعضهم لا يشترطه، ولا أستحضر دليل ذلك. وأما كون أهل المسجد يخلون مكان الأمير إكراما له، فالمسجد لمن
سبق إليه، وأحق الناس بالمكان الذين وراء الإمام الذي يعرفون بالفقه والدين، ولو خلي لهم مكان فلا بأس؛ وإن خلوا للأمير مكانا فلا ينكر عليهم.
[جلوس الإمام ينتظر الأمير]
وأما جلوس الإمام ينتظر الأمير، فلا أعلم في ذلك بأسا إذا لم يشق على المأمومين.
[المصافحة في المسجد وغيره]
وأما المصافحة في المسجد وغيره، فلا بأس بها؛ وما بلغكم من النهي عنها فله سبب، وذلك أن بعض الناس يظن أن هذا أمر مستحب دائمًا يداوم عليه، ولو سلم قبل الصلاة؛ وأما إذا فعله بعض الأحيان وتركه في بعض فلا بأس بذلك.
[تبديل ولي الوقف تمرا بعيش]
وأما تبديل ولي الوقف تمرًا بعيش أو عيشا بتمر، فإن كان فعله للمصلحة فلا أعلم فيه بأسا إذا كان أصلح للموقوف عليهم، وأما كونه يكتب في الوقف ولا حصل بعد، فلا يجوز ويخليه إلى السنة المقبلة.
[رفع الحصى في المسجد]
وأما رفع الحصى في المسجد، فينهى عنه تأدبا في المسجد، ولا أعلم فيه دليلا بينا، لكن التأدب في المسجد والخشوع أحسن.
[انتقل أهل بلد عن بلادهم وفيها مسجد عامر]
وأما إذا انتقل أهل بلد عن بلادهم وفيها مسجد عامر، وفيه خشب فإن كان يصلى فيه فلا يجوز نقضه، وإن كان متعطلا فلا بأس أن يؤخذ خشبه ويحط في مسجد آخر.
[أرض المسجد المتعطلة]
وأما أرض المسجد المتعطلة، فلا بأس بحرثها وزرعها بأجرة، وتصرف أجرتها في عمارة مسجد آخر.
[نخل الوقف إذا تعطل]
وأما نخل الوقف إذا تعطل، فلا بأس أن يباع ويصرف ثمنه في نخل عامر، ويجعل على وقفه الأول.
[علق الطلاق ولم يأت بشيء من حروف الشرط]
وأما إذا طلق وعلق الطلاق، ولم يأت بشيء من حروف الشرط كإذا ومتى وإن، كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق.
فمثل هذا ينوي به
الشرط والجزاء على لغة أهل بلده، ولا يشترط أن يتلفظ بلفظة العربية. هذا الذي نفهم من كلام أهل العلم. وأما دلائل هذه المسألة فقد يخفى على مثلنا لعجزنا، لكن هذا الذي نفهم من كلام أهل العلم. وأما الدليل فقد يخفى علينا؛ لكن هذا هو المفتى به عندنا والعمل عليه. والله أعلم.
(6)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله وحمد إلى الأخ سعيد، جعله الله من صالحي العبيد، وبلغه في الآخرة ما يريد، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(وبعد) وصل الخط أوصلك الله إلى رضوانه، وجعلك من أنصار دينه وأعوانه، وما ذكرت من حالك، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتضمن الخط السؤال عن أربع مسائل:
[شقص في أرض مشاع لا تمكن قسمتها، هل فيه شفعة؟]
(الأولى): ما قول العلماء رضي الله عنهم إذا كان لرجل شقص في أرض مشاع لا تمكن قسمتها قسمة إجبار، هل له شفعة؟ فإن قلتم له، فما معنى قولهم في شروط الشفعة: أن يكون الشقص من عقار ينقسم قسمة إجبار، ثم قالوا: ولا فيما لا تجب كحمام صغير ونحوه.
(فنقول): هذه المسألة اختلف الفقهاء فيها، وفيها قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد:(الأولى): أن الشفعة لا تثبت إلا في المبيع الذي تمكن قسمته، فإما ما لا تمكن قسمته من العقار كالحمام الصغير والعضادة والطريق الضيق والعراص الضيقة، فلا شفعة فيه؛ وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي، وهذا هو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة. قال الموفق في المغني: وهذا ظاهر المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة" والمنقب الطريق الضيق رواه أبو الخطاب
في رؤوس المسائل.
(والراوية الثانية) تثبت الشفعة فيه، وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن سريج ورواية عن مالك، واختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي وشيخ الإسلام.
قال الحارثي: وهو الحق لعموم قوله عليه السلام: "الشفعة فيما لا ينقسم" وسائر الألفاظ. ولأن الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالمشاركة والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره، وهذا هو المفتى به عندنا، وهو الراجح والله أعلم.
[حكم كسب الزوجة]
(وأما المسألة الثانية): إذا كانت زوجة الرجل ذات صنعة وقال زوجها: ما حصل من الحرفة، فهو لي ومؤنتك علي، وقالت الزوجة: ما حصل من صنعتي فهو لي، وأقوم في بيتك مع صنعتي، فهل تمكن من هذا أم لا؟
فهذه المسألة أنت تفهم اختلاف الفقهاء فيها، وهل يلزمها أن تخدمه في مسألة الخدمة في طبخ وعجن وخبز ونحوه أم لا فمذهب الحنابلة أنه لا يلزمها وهو الذي نصره في الشرح، ومذهب مالك والشيخ تقي الدين أنه يرجع في ذلك إلى العرف، وأنه يلزمها عادة أمثالها لمثله.
وكذلك اختلفوا هل يجب عليها أن ترضع ولدها منه، فمذهب الحنابلة أنه لا يلزمها، ومذهب مالك أنه يرجع في ذلك إلى العرف، وأنه إن كان مثلها ترضع ولدها وجب عليها أن ترضعه.
وأما مسألة التكسب المسؤول عنها، فظاهر كلامهم أنه لا يلزمها وليس له أن يجبرها عليه، ولكن ليس لها أن تكتسب إلا بإذنه، فإن أذن لها فظاهر كلامهم أنها تختص بالأجرة.
ولهذا صرح الموفق في المقنع في باب الإجارة أنه يصح أن يستأجرها على رضاع ولده منها، وصرح في كتاب النفقات أنها أحق برضاع ولدها بأجرة مثلها سواء كانت في حبال الزوج
أو مطلقة. وصرح أيضا في كتاب النفقات أنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به.
[أخرج المرتهن الرهن إلى الراهن]
(وأما المسألة الثالثة): إذا أخرج المرتهن الرهن إلى الراهن، فهل يزول لزومه كما هو مذهب الحنابلة أم للمرتهن انتزاعه كما هو مذهب الشافعي أو هل يفرق بين ما تعلق به حق الغير كالرهن له أو بيعه وبين ما هو باق في يد الراهن وما المفتى به الآن؟
فقد اختلف العلماء هل من شرط صحة الرهن القبض، أم يصح ويكون رهنا بمجرد العقد؟ فمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه لا يلزم إلا بالقبض، وقبل القبض يكون جائزا لا لازما، ومذهب مالك رحمه الله يلزم بمجرد العقد قبل القبض كالبيع. فإذا علمت الخلاف في أصل المسألة، فالقائلون باشتراط القبض اختلفوا فيما إذا أخرجه المرتهن باختياره، هل يزول لزومه ويبقى العقد كأنه لم يوجد فيه قبض؟ فمذهب الحنابلة كما ذكرته عنهم أنه يزول لزومه، فإن عاد إلى المرتهن عاد لزومه بحاله بحكم العقد السابق، وهذا مذهب أبي حنيفة. وقال الشافعي: استدامته القبض ليست شرطا كما ذكرته عنه، وذلك لأنه عقد يعتبر القبض في ابتدائه فلم تشترط استدامته، وهذا هو المفتى به عندنا.
[إحياء الأرض بإجراء الماء عليها]
(وأما المسألة الرابعة): وهي: هل إجراء الماء على الأرض للحرث يكون إحياء أم لا؟
فقال في الإنصاف: وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط، أو يجري لها ماء، أو يحفر فيها بئرا، هذا هو الصحيح من المذهب، نص عليه وقطع به الخرقي وابن عبدوس والقاضي والشريف وصاحب الهداية والخلاصة والوجيز وغيرهم، وقيل: إحياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ