المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة: إذا غارس رجل رجلا في أرض، على أن يغرس فيها قدرا معلوما من النخل والنخل من العامل وينفق عليه العامل حتى يثمر، ثم يقتسمان النخل والأرض، هل يصح ذلك؟ أم لا يصح إلا على أن الأرض لربها والنخل بينهما؟ أو تصح في الصورتين كما أفتى به أبو العباس - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - ط المنار - جـ ١

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌القسم الأول‌‌رسائل وفتاوى للشيخ محمد بن عبد الوهابوأبنائه رحمهم الله

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌رسائل وفتاوى لأبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌(2)(رسالة عامة في الزجر عن الغلول ووجوب التذكير والموعظة)

- ‌(3)(رسالة في نصاب الزكاة بالريالات)

- ‌(4)(رسالة في المعاملات الربوية وأحكام الطلاق والعدة)

- ‌(5)(رسالة في مواعظ عامة في مهمات الدين)

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌{مسائل في الصلاة وما يتعلق بها}

- ‌{مسائل في دفن الميت والصلاة عليه وصفتها}

- ‌مسائل في نصاب الزكاة وزكاة العروض

- ‌{مسائل في صدقة الفطر وما يتعلق بها}

- ‌{مسائل في الرهن وما يتعلق به}

- ‌{مسائل في المساقاة والمزارعة وما في معناهما}

- ‌{مسائل في المعاملات وأنواعها}

- ‌{مسائل في الخيار وما في معناه}

- ‌{مسائل في السلم وما في معناه مما يتعلق به}

- ‌{مسائل في القرض وما في معناه وما يتعلق به}

- ‌{مسائل في الوقف}

- ‌{مسائل في النكاح وما يتعلق به مما في معناه}

- ‌{مسائل في العدد وما في معناها}

- ‌{مسائل في الإحداد وما يتعلق به}

- ‌من جواب) لعبد الله بن الشيخ رحمه الله:

- ‌(8){مسائل مختلفة أجاب عنها الشيخ عبد الله بن الشيخ

- ‌القسم الثانيرسائل وفتاوى أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد الرحمن بن حسن

- ‌ 4 -(رسالة ضافية في الرّبا وحكم نقود الجدد الزّيوف فيه)

- ‌قال شيخنا ووالدنا الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن في أثناء كلامٍ له*:

- ‌{فائدة}:

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌[فوائد]

- ‌مسألة: إذا غارس رجل رجلًا في أرضٍ، على أن يغرس فيها قدرًا معلومًا من النّخل والنّخل من العامل وينفق عليه العامل حتّى يثمر، ثم يقتسمان النّخل والأرض، هل يصحّ ذلك؟ أم لا يصحّ إلّا على أنّ الأرض لربّها والنّخل بينهما؟ أو تصحّ في الصّورتين كما أفتى به أبو العبّاس

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ علي بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فائدة:

- ‌فائدة أصوليّة نافعة:

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌ جواب عبد الله بن الشّيخ إلى بعض الإخوان

- ‌من عليّ بن الشّيخ حسين إلى الأخ جمعان بن ناصر

- ‌فتويان من فتاوى الشيخ سليمان بن علي، جد شيخ الإسلام

- ‌فصل:

- ‌رسالة للشيخ عبد الوهاب بن الشيخ سليمان، والد شيخ الإسلام

- ‌القسم الثالثرسائل وفتاوى لغير سلالة الشيخ من علماء نجد

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ حمد بن ناصر بن معمر

- ‌[نقل من كتاب "حادي الأرواح" لابن القيم]

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

- ‌{فائدة لأبي بطين}:

- ‌{مسألة} ما حكم ما يغرس أو ينبت من النّخل ونحوه على ماء الشّريك في المشاع إذا أراد الشّركاء القسمة

- ‌ سُئِل الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبو بطين رحمه الله، وعفا عنه عن الذي يروى: "مَن كفّر مسلمًا فقد كفر

- ‌ اعلم أنّ ضدّ التّوحيد الشّرك، وهو ثلاثة أنواع:

- ‌(مسألة): ومن أعطى أرضه لرجل يغرسها بجزء معلوم وشرط عليه عمارتها فغرس بعض الأرض وتعطل باقي الأرض من الغراس

- ‌ حكم ما إذا وجد البدوي ماله عند حضري ونحوه ولم يعلم أنّه غصب، هل يفرق بين كون البدوي حربًا للآخر وقد أخذ ماله أم لا؟وكذا إذا عرف الحضري ماله عند حضري أو بدوي وادعى أنّه قد اشتراه من حربي للمدّعي وربّما أنّه قد أخذ مالًا للبائع، فما الحكم في ذلك

- ‌[فوائد]

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ سعيد بن حجي

- ‌رسالة للإمام عبد العزيز آل سعود

- ‌رسالة للشيخ أحمد بن محمد بن حسن القصير الأشيقري

- ‌رسالة للشيخ محمد بن عبد الله بن إسماعيل

- ‌رسالة للشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل

- ‌{رسالة للشّيخ عبد العزيز بن عبد الجبّار}

- ‌رسالة للشيخ حمد بن عتيق

- ‌رسالة لبعض علماء الرياض

- ‌رسالة لبعض علماء نجد

- ‌رسالة للشيخ محمد بن أحمد بن محمد القصير

- ‌{رسالة لبعض علماء الدّرعية}

- ‌{رسالة للشّيخ محمّد بن عمر بن سليم}

الفصل: ‌مسألة: إذا غارس رجل رجلا في أرض، على أن يغرس فيها قدرا معلوما من النخل والنخل من العامل وينفق عليه العامل حتى يثمر، ثم يقتسمان النخل والأرض، هل يصح ذلك؟ أم لا يصح إلا على أن الأرض لربها والنخل بينهما؟ أو تصح في الصورتين كما أفتى به أبو العباس

مال أخذه. أنّ محلّ الخلاف إذا لم يكن الدَّين الذي في ذمّته قد أخذه فهرًا، فأمّا إن كان قد غصب ماله فيجوز له الأخذ بقدر حقّه. ذكره الشيخ تقيّ الدّين وغيره، وقال: ليس هذا من هذا الباب. انتهى. وجزم باختيار الشّيخ في الإقناع.

‌مسألة: إذا غارس رجل رجلًا في أرضٍ، على أن يغرس فيها قدرًا معلومًا من النّخل والنّخل من العامل وينفق عليه العامل حتّى يثمر، ثم يقتسمان النّخل والأرض، هل يصحّ ذلك؟ أم لا يصحّ إلّا على أنّ الأرض لربّها والنّخل بينهما؟ أو تصحّ في الصّورتين كما أفتى به أبو العبّاس

رحمه الله تعالى؟

فالجواب: قال في الشّرح: لو دفع أرضه إلى رجلٍ يغرسها على أنّ الشّجر بينهما لم يجز، ويحتمل الجواز بناء على المزارعة، فإنّ الزّارع يبذر في الأرض فيكون بينه وبين صاحب الأرض. وهذا نظيره.

فأمّا إن دفعها على الأرض والشّجر بينهما، فذلك فاسد وجهًا واحدًا. وقال الشّيخ -قدّس الله روحه-: المذهب صحّته. وبه قال مالك والشّافعي وأبو يوسف ومحمّد ولا نعلم فيه مخالفًا. انتهى. وكذا قال أبو محمّد في المغني، وعلّله بأنّه شرط اشتراكهما في الأصل ففسد كما لو دفع إليه الشّجر والنّخل ليكون الأصل والثّمر بينهما أو شرط في المزارعة كون الأرض والزّرع بينهما. انتهى. وقال في الإنصاف: واختار الشّيخ جواز المساقاة على شجر يغرسه ويعمل عليه بجزءٍ معلومٍ من الشّجر أو الثّمر كالمزارعة. وذكر أنه هو المذهب. قال: ولو كان مغروسًا، ولو كان ناظر وقفٍ وأنّه لا يجوز لناظر بعده بيع نصيب الوقف بلا حاجة. وأنّ للحاكم الحكم بلزومها ومحلّ النِّزاع فقط والحكم به من جهة عوض المثل، ولو لم يقم به بيّنة؛ لأنّه الأصل. ويتوجّه

ص: 453

اعتبار بيّنة. وقال في التّوضيح: وإن ساقاه على شجرٍ يغرسه ويعمل عليه حتّى يثمر بجزءٍ معلومٍ من الثّمر أو من الشّجر أو منهما، وهي المغارسة والمناضبة صحّ إن كان الغرس من ربّ الأرض، وقيل: يصحّ حكونه مساقًا ومناضبًا وعليه العمل. انتهى.

وقال في الرّوض المربع: ولا يشترط في المزارعة والمغارسة كون البذر والغراس من ربّ الأض، فيجوز أن يخرج العامل في قول عمر وابن مسعود وغيرهما، ونصّ عليه في روايةٍ منها، وصحّحه في المغني والشّرح. واختاره أبو محمّد الجوزي والشيخ تقيّ الدين، وعليه عمل النّاس؛ لأنّ الأصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر، ولم يذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنّ البذر على المسلمين، وظاهر المذهب اشتراطه. نصّ عليه في رواية الجماعة، واختاره عامّة الأصحاب. وقدّمه في التّنقيح وتبعه المصنّف في الإقناع وقطع به في المنتهى. انتهى.

فقد علمت أنّه فاسد في الثّانية بلا خلاف، وإنّما الخلاف في الأولى، وأنّ العمل على جوازه، وقوله: وهي عقد جائز، أي: من الطّرفين فلا تفتقر إلى ضرب مدّة؛ لأنّه عليه السلام قال لأهل خيبر: "نقرّكم على ذلك ما شئنا". ولو كان لازمًا لم يجز بغير تقدير مدّة، وقياسًا على المضاربة؛ لأنّها عقد على جزء من النّماء في المال فعليها يبطل بما تبطل به الوكالة من موتٍ وجنونٍ وحجرٍ لسفهٍ وعزلٍ، وقيل: إنّها عقد لازم من جهة المالك فعلى المذهب أيضًا لكلّ منهما فسخها متى شاء، فإن فسخ بعد ظهور الثّمرة فهي بينهما، وعليه تمام العمل. وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له؛ لأنّه رضي بإسقاط حقّه للعامل أجرة عمله.

ص: 454

فائدة: إذا ظهر الشّجر مستحقًا؛ فله أجرة مثله على غاصبه ولا شيء على ربّه.

فائدة: قال ابن رجب في الشّامخ: العقود الجائزة متى تضمن ضررًا على أحد المتعاقدين لم يجز ولا ينفذ، إلّا أن يمكن استدراك الضّرر بضمانٍ أو نحوه. فيجوز على ذلك. انتهى.

- 5 -

بسم الله الرحمن الرحيم

(من حسن بن حسين إلى الشّيخ جمعان جمع الله شمله)

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والأسئلة وصلت وصلك الله تعالى تحقيق المعاني بتوحيد المباني، وسدّدنا وإيّاك في أفهامنا بلطفه وعطفه، وهذا الجواب واصلك إن شاء الله تعالى:

المسألة الأولى: أشرتم في جوابكم عن السّؤال المتقدم عام اثنين وأربعين إلى الفرق بين النّكاح الفاسد والباطل، فأشكل علينا فأفيدونا بإيضاحه.

الجواب: نعم. أسلفنا لكم في الجواب المتقدم بالتّاريخ المذكور أنّ النّكاح الباطل لا يحتاج إلى طلاق ولا فسخ ولا يوجب مهرًا بدون الوطء بخلاف الفاسد، ونحن نذكر لكم هنا من عبارات الفقهاء ما تبدو معه وجوه الفرق في مسفرة ضاحكة. قال في الإقناع: ويقع الطّلاق في النّكاح المختلف في صحّته؛ كالنّكاح بولاية فاسقٍ، أو بشهادة فاسقين، أو نكاح الأخت في عدّة أختها، أو نكاح الشّغار، أو المحلّل، أو بلا شهود، أو بلا ولي وما أشبه ذلك، كفقد حكم بصحّته. ويثبت به النّسب والعدّة والمهر، ولا يقع في نكاح باطلٍ إجماعًا. ولا في نكاح فضولي قبل إجازته

ص: 455

وإن نفذناه بها. انتهى ملخّصًا.

وقال في المنتهى وشرحه لتقيّ الدِّين الفتوحي: ولا فرق في عدّة وجبت بدون وطء بين نكاح فاسدٍ وصحيحٍ نصّ عليه. والمراد بالفاسد المختلف فيه؛ كالحنفي يتزوّج بلا ولي ونحو ذلك، ولا عدّة في نكاح باطلٍ أي مجمع على بطلانه إلّا بوطء؛ لأنّ وجود صورته كعدمه. انتهى ملخّصًا.

وقال في الرّوض المربع: تلزم العدّة كلّ امرأة فارقت زوجها بطلاقٍ أو فسخٍ أو خلعٍ حتى في نكاح فاسدٍ في خلاف كنكاح بلا ولي إلحاقًا له بالصّحيح. ولذلك وقع فيه الطّلاق. وإن كان النّكاح باطلًا وفاقًا أي: إجماعًا كنكاح خامسة أو معتدّة لم تعتدّ للوفاة إذا مات عنها، ولا إذا فارقها في الحياة قبل الوطء؛ لأنّ وجود هذا العقد كعدمه. انتهى. وبنحو ما ذكره مَن نقلنا كلامهم قاله غيرهم. فلا نطول بنقله. وقد أسلفنا لك في الجواب السّابق قول المغني والشّرح؛ لأنّه أي: النّكاح الفاسد يسوغ فيه الاجتهاد فاحتاج إلى التّفريق. ولأنّ تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسلّط زوجين عليها كلّ منهما يعتقد صحّة نكاحه وفساد نكاح الآخر. ويفارق النّكاح الباطل من هذين الوجهين. انتهى كلامه في المغني والشّرح.

فظهر مما نقلناه الفرق بين الفاسد والباطل، فالباطل لا يحتاج إلى طلاقٍ أو فسخٍ ولا يجب به عدّة ولا مهر بون الوطء. ومن صور الباطل أيضًا: نكاح الخامسة ونكاح المعتمد كما مثل به صاحب الرّوض. ومنها أيضًا: نكاح الموطوءة بشبهةٍ ونكاح زوجة الغير وذات المحرم من نسب ورضاع. والله أملم.

المسألة الثّانية: ما معنى قوله في شرح الزّاد: ويقبل قول قابضٍ

ص: 456

في ثابت في ذمّة من ثمنٍ وقرضٍ وسلمٍ ونحوه إن لم يخرج عن يده انتهى. فما صورة ذلك؟

الجواب: معنى هذه العبارة: أنّه إذا ثبت على عمرو لزيدٍ عشرة آصع مثلًا، سواء كانت ثمن بيع باعه زيد إلى عمرو أو قرض أقرض زيد عمرًا أو دَين سلم في ذمّة عمرو لزيد أو أجرة دار في ذمّة عمرو لزيدٍ أو قيمة سلعة أتلفها عمرو لزيد فثبت غرمها في ذمّته فبعد ما قبضه زيد من عمرو بعيبٍ وجده فيها وأنكر عمرو كون الآصع المردودة هي الآصع التي دفعها، فإنّ القول في هذه الصّورة التي صوّرنا قول القابض للثّابت، وهو قول زيد بيمينه؛ لأنّ الأصل بثاء شغل الذّمّة بهذا الحقّ الثّابت، والقاعدة: أنّ القول قول مدّعي الأصل وإنّما عبّرنا بالقابض ليشمل البائع والمقرض والمسلم والمؤجّر ونحوهم.

المسألة الثّالثة: هل تجوز الإقالة في غير المسلم بأكثر من رأس المال سواء تقابضا أم لا؟ وهذا كثير في النّاس إذا اشترى الإنسان سلعة بنقد أو غائب ثم طلب المشتري من البائع الإقالة ويدفع إليه شيئًا من المال يتراضيان عليه.

الجواب: لا تصحّ مع زيادة على ثمن معقود به أو مع نقصه أو بغير جنسه؛ لأنّ مقتضى الإقالة ردّ الأمر على ما كان عليه ورجوع كلّ منهما إلى ماله، فلو قال: أقلنِي ولك كذا، ففعل فكرهه أحمد لشبهه بمسائل العينة؛ لأنّ السّلعة ترجع إلى صاحبها ويبقى له على المشتري فضل دراهم.

قال ابن رجب: لكن محذور الرّبا هنا بعيد. انتهى من المنتهى وشرحه.

ولا فرق فيما قبل القبض أو بعده حتى في مكيلٍ وموزونٍ لكونها فسخًا

ص: 457

على المشهور المختار للأصحاب؛ لإجماع العلماء كما حكاه ابن المنذر على جوازها في السّلم مع النّهي عن بيع الطّعام قبل قبضه.

المسألة الرّابعة: إذا قلنا إنّه ليس إلّا الرّدّ والإمساك في المعيب كما هو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة، وكان ظهور العيب بموضع ضرورةٍ كالمسافر على الدّابّة وراكب السّفينة فهل يتعيّن الأرش في هذه الحال على هذا القول حضر البائع أو غاب؟

الجواب: لا ريب أنّ القائلين بهذا القول كأبي حنيفة والشّافعي وأبي العبّاس يقيّدونه بما إذا لم يتعذر ردّه، لكن الذي يظهر من كلامهم أنّ ما ذكرته في السّؤال ليس من صور التّعذّر الذي عنوه، وإنّما الذي أرادوه كعتق العبد وإعتاقه وقتله وموته ونحو ذلك مما ييأس معه من الرّدّ غير عالمٍ بعينه. أمّا ما ذكرته فلا يظهر أنّه تعذر ولا يوصف بموضع الضّرورة؛ لاندفاعه بالإمساك مجانًا لاسيما واللّزوم والجواز عارض، ثم رأيت بعض القائلين بهذا القول صرّح في كتابه باعتبار اليأس من الرّدّ وانحصار أسبابه يستحقّ معها الأرش في ثلاثة أمور. فقال: ولغير مقصر أيس من ردّ بتلف ونكاح وتعيب لا بيع أرش. انتهى. قال الشّارح: قوله: أرش مبتدأ خبره: ولغيره مقصر أيس، ويجوز أن يجعل قوله: أرش فاعلًا لفعلٍ مقدّرٍ دلّ عليه قوّة الكلام، وأيس صفة لغير، والمعنى: ويثبت لغير مقصر في أداء المعيب أرش، وأفاد انحصار الأسباب في الأمور الثّلاثة. انتهى من بعض كتب الشّافعية. وقوله: لا بيع، جرى على أحد القولين عندهم من أنّ البيع لا يحصل به اليأس من ردّ المعيب؛ لأنّه ربّما عاد، والقول الثّاني لهم أنّ البيع أثر رابع يحصل به اليأس كالتّلف والنّكاح والتّعيب.

ص: 458

إذا تقرّر لك ما ذكرناه فاعلم أنّه إن كان من التزام ما لا يلزم أن يقوى عندنا من المذهبين في هذه المسألة ما عليه جماهير أصحاب الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- من القول بالأرش مع الإمساك مطلقًا، أو الرّدّ سواء أمكن الرّدّ أو تعذّر؛ لأنّه أمكن تقرير العقد من غير ضررٍ. قال في الشّرح الكبير: ولأنّه ظهر على عيبٍ لم يعلم به فكان له الأرش كما لو تعيب عنده. اهـ. ولرضاء المتعاقدين على أنّ العوض في مقابلة المعوض فكلّ جزء من العوض في مقابلة جزء من المعوض ومع العيب فإنّه جزء فيرجع ببدله، وهو الأرش. انتهى من شرح المنتهى لمنصور.

وأجابوا عن حديث المصراة الذي استدلّ به المانعون من الإمساك مع الأرش سوى ما ذكروه بأنّ المبيع في المصراة ليس فيه عيب، وإنّما ثبت له الخيار بالتّدليس لا لفوات جزء كما في المعيب فلم يستحقّ شيئًا. اهـ. وحيث اختير الرّدّ على كلّ من المذهبين فإنّه لا يفتقر إلى حضور البائع كما لا يفتقر إلى رضاه، والمبيع بعد فسخ؛ لأنّه ذكره في المنتهى وغيره.

المسألة الخامسة: إذا طلقت المرأة وهي حامل فلمّا انقضت عدّتها بوضع الحمل تزوّجت ثم طلّقها الثّاني ولم تحض بعد طلاقته هل تعتدّ بثلاثة أشهر أم يصير حكمها حكم مَن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه؟

الجواب: صرح الفقهاء من الحنابلة والشّافعية بأنّ المعتدّة إذا علمت ما رفع حيضها من رضاعٍ، أو نفاسٍ، أو مرضٍ، أو خوفٍ، أو قحطٍ أو ضيق عيش وجوعٍ ونحو ذلك، فإنّها لا تزال في عدّة حتّى يعود الحيض فتعتدّ به، وإن طال الزّمن أو تباعدت الأقراء أو حتّى تصير إلى سنّ الإياس فتعتدّ عدّة الآيسة. نصّ عليه الإمام أحمد في رواية صالح وأبي طالب وابن

ص: 459

منصور، وهو المجزوم به عند المتأخّرين من الأصحاب والمحقّقين من الشّافعية؛ لقصة حبان بن منقذ وزوجته، وهي مشهورة. وهذه المرأة المسؤول عنها تذكر أنّها عالمة لما رفع حيضها وهو الرّضاع فلا تزال في عدّة حتّى يعود إليها أو تبلغ سن الإياس على هذا القول المعتمد من الأقوال.

المسألة السّادسة: إذا ارتفع حيض المرأة مدّة طويلة لا تدري ما رفعه، وهي تلك المدّة مع زوجٍ ثم طلّقها هل تعتدّ بسنة أو بثلاثة أشهر؟

الجواب: أنّها تعتدّ بسنة من الطّلاق. قال في شرح الإقناع: مَن ارتفع حيضها ولو بعد حيضةٍ أو حيضتين لا تدري ما رفعه اعتدّت بسنة منذ انقطاع بعد الطّلاق، فإن كان انقطاعه قبل الطّلاق فمن تسعة أشهر للحمل وثلاثة أشهر للعدّة. انتهى. والقاعدة: عود الضّمير إلى أقرب مذكورٍ. فقد عرفت أنّ العدّة المسؤول عنها سنة من الطّلاق.

المسألة السّابعة: ما الرّاجح عندكم من الأقوال فيمَن اتّجر بمال الغير بغير إذنه إلى آخر السّؤال؟

الجواب: الأشبه بالقواعد الشّرعية ما اقتضته المعاقد المذهبية من تحريم التّصرّف في مال الغير بغير إذنه. إذا علم بالحال وأنّ حكمه حكم الغاصب لتعدّيه بتناوله المحظور عليه شرعًا بغير إذن مالكه، فنصحّح تصرّفه، يعنِي: أنّ الرّابح الحاصل بتصرّفه لمالك المال كأصله؛ لأنّه ملكه ونتيجته وليس للمتصرّف من الرّبح شيء، ونصّ عليه الإمام أحمد في المتجر بالوديعة في رواية الجماعة. قال ابن نصر: نصوص أحمد متّفقة على أنّ الرّبح للمالك.

المسألة الثّامنة: إذا أوقف إنسان آصعًا في نخله أو أرضه عمومًا ثم

ص: 460

اقتسم الورثة وجعلوا للوقف قطعة تفي بالآصع ثم تعطّل نفعها أو نقص فهل يرجع الوقف على أهل القسمة ويوزع على قدر السّهام النّقص أو الكلّ إذا تعطلّ؟

الجواب: الذي تقتضيه قواعد الفقهاء أنّ الإفراز المذكور للوقف لا يصحّ لوجوب العمل بنصّ الواقف وتعيينه. وهذا تحيل على إبطال الوقف أو تقليله بتحويله عن جميع الملك إلى جزءٍ يسيرٍ منه يتلف بتلفه ويضعف بضعفه، ومن المعلوم ضرورةً أنّ غرض الواقف أن يجعله في غلّة جميع الملك وبقاؤه على الدّوام، وعبارة الفقهاء طافحة بمنع التّصرّف في الوقف مِمَّن له الولاية عليه بالأحظّ أو مصلحة الوقف فيه، أو بما يقلّل الرّغبات فيه ولو مآلًا. فأقول: الآصع المذكورة باقية في غلّة جميع الملك ما بقي الملك، لا تزول ولا تغير والحال ما حال. الله سبحانه وتعالى أعلم. وصلّى الله على محمّدٍ وآله وصحبه وسلّم.

- 6 -

بسم الله الرحمن الرحيم

سُئِلَ الشّيخ حسن بن حسين عن رجلٍ أوصى لآخر بوصيّة فماتا بحادثٍ عمّهما ولم يعلم أيّهما السّابق، هل تنفذ الوصّية والحال ما ذكر فيستحقّها ورثة الموصى له أم لا تصح؟

فالجواب: الذي يظهر أنّها لا تنفّذ، ولا تصحّ من وجهين:

الأوّل: أنّ الوصيّة هي

1 بالتّصرّف بعد الموت، فهي جارية

1 هنا بياض بالأصل.

ص: 461

مجرى الميراث من حيث كونها انتقال مالٍ من إنسانٍ بغير عوضٍ فلا تستحقّ إلا بتحقّق حياة الموصى له بعد الموت الوصيّ.

الوجه الثّاني: أنّ الذي عليه جمهور الفقهاء أنّ الملك لا يثبت للموصى له إلّا بالقبول بعد الموت إذا كان الموصى له واحدًا أو جمعًا محصورًا، قال أحمد: الهبة والوصيّة واحد. وقد عرفت أنّ الوصيّة المذكورة لا تنفّذ ولا تصحّ. والله أعلم.

- 7 -

وله أيضًا قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه.

بسم الله الرحمن الرحيم

والصّلاة والسّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصبحه أجمعين.

أمّا بعد؛

فهذا جواب ما سأل عنه الأخ عبد الله الفائز كثّر الله تعالى فوائده على الوجه الأخصّ. قال السّائل:

المسألة الأولى: إذا دخلت باء البدلية على المسلم فيه وكان بلفظ البيع هل يكون بيعًا أم سلمًا؟ لأنّهم ذكروا أنّ ما دخلت عليه الباء فهو الثّمن ولو أنّ أحدهما نقد هنا دخلت على المثمن.

الجواب: اعلم أنّ أصل تأسيس القاعدة المذكورة اختلاف وقع في الثّمن، هل هو النّقد أو ما التصقت به الباء؟ وإن كان أحد العوضين نقدًا فهو الثمن. وإلا يكن فما دخلت عليه الباء فيه أقوال ثلاثة. إذا عرفت ذلك، فالمذكور على الوجه المزبور سلم؛ لأنّا إن قصرنا القاعدة على بيوع الأعيان دون غيرها بقرينة ذكرهم لها في قبض المبيع أو في الصّرف للاحتياج فيها أي: في بيوع الأعيان إلى تمييز الثّمن من المثمن المعينين

ص: 462

الحاضرين، فهي لا تتناول عقد السّلم ويرشحه ما نبّه عليه بعضهم من أنّ قواعد الأصحاب توكيلية وأكثرية، وإن لم تقصر القاعدة على بيوع الأعيان لكوننا لم نجده صريحًا في كلامهم، وإن صرّح به غيرهم في قوله لما تساوى الثّمن المعيّن والمبيع احتيج إلى معرفة الثّمن من المثمن بالباء. انتهى. فالذي أظهره أمام التّصحيح في التّنقيح أولى بالتّرجيح حيث قال: وقيل: إن كان أحدهما نقدًا فهو الثّمن وإلّا تميّز بالباء، وهو أظهر. انتهى.

المسألة الثّانية: إذا أجّر إنسان أرضًا ونحوها من غير تقدير مدّة معلومة بل قال: كلّ سنة بكذا، هل يكون لهما أو أحدهما الفسخ عند مضي السنة أم لا؟

الجواب: إن أكرى الدّار ونحوها كلّ شهر بدرهم أو أكراه للسّقي كلّ دلو بثمنٍ صحّ العقد فعلى هذا تلزم الإجارة في الشّهر الأوّل بإطلاق العقد. قاله في المغني والشّرح، وما بعده يكون مراعى، ونبّه عليه بقوله: وكلّما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة إن لم يفسخا الإجارة أو له ولكلّ واحدٍ منهما، أي: من المؤجِّر والمستأجر عقب انقضاء كلّ شهر الفسخ على الفور في أوّل الشّهر، وليس بفسخ على الحقيقة؛ لأنّ العقد الثّاني لم يثبت. قاله في المغني والشّرح والرّعاية. قال في المغني والشّرح: إذا ترك التلبس به فهو كالفسخ لا تلزمه أجرة. انتهى من الإقناع وشرحه.

المسألة الثّالثة: هل يجوز خلط البرّ بالشّعير؟

الجواب: أمّا للبيت فيجوز. وأمّا للبيع ونحوه فمكروه لما فيه من الغشّ والتّدليس. وضابط الغشّ المحرم اشتمال البيع ونحوه على وصف نقصٍ لو علم به المشتري امتنع من شرائعه، وأكثر النّاس لا يعلمون قدر المشوب وإن شاهدوه. وروى ابن ماجه وابن عساكر عن صهيب مرفوعًا:

ص: 463

"ثلاثة فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمعاوضة، وخلط البرّ بالشّعير للبيت، لا للبيع". لكن قال الحافظ الذّهبي: إنّه واهٍ جدًّا. وقال البخاري فيما نقله عنه ابن حجر: إنّه موضوع.

المسألة الرّابعة: الأرض المحتكرة ما هي هل المسمّاة في زماننا المصبرة أم لا؟

الجواب 1: لا تصحّ لكونها من أنواع البيع لكنها اختصت بهذه الأسماء كاختصاص الصّرف والسّلم باسمائهما والجميع بيع. فالتولية البيع برأس المال، والشّركة بيع بعضه بقسطه من الثّمن، ولا يصحّ بيع المسلم فيه قبل قبضه. قال في المغني والشّرح: بغير خلاف نعلمه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الطّعام قبل قبضه. انتهى.

المسألة الخامسة: الرّهن المنقول كالسّيف ونحوه إذا رهنه شخص عند آخر ثم رهنه المرتهن عند غيره بغير إذن راهنه الأوّل، هل يزول لزومه بإخراجه عن يده؟ فإن قلتم: يزول، فهل عنهما أو عن أحدهما؟

الجواب: يزول لزومه عنهما معًا أمّا المرتهن فلإخراجه له باختياره واستدامة قبضه شرط للزومه فانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. قال في شرح الإقناع: فإذا لم يكن المرهون في يده زال. انتهى. وأمّا الثّاني وهو راهنه؛ لأنّه ممنوع التّصرّف مطلقًا بغير إذن الرّاهن. صرّح به في شرح الإقناع وغيره.

المسألة السّادسة: إذا استدان زيد من عمرو دينًا ورهنه به رهنًا ثم استدان عمرو من بكرٍ دَينًا فرهنه به مرهون زيد برضا زيدٍ، هل يصحّ أم لا بدّ من فسخ عمرو للرّهن ويقع عقد الرّهن بين زيد وبكر أم لا يصحّ في الصّورتين؟

1 هذا ليس جوابًا عن المسألة الرّابعة كما ترى، وهو هكذا في الأصل.

ص: 464

الجواب: ظاهر كلامهم صحّة رهن المرتهن للمرهون بإذن راهنه عند أجنبِي، ويكون فسخًا للرهن الأوّل كالبيع بالإذن. وأمّا قولهم: المشغول لا يشغل، والمرهون لا يرهن، فمرادهم به جعله مرهونًا بالدَّينين معًا فاعمله.

المسألة السّابعة: إذا اشتريت مكيلًا فهوة أو نحوها كيلًا كلّ عشرة آصع بكذا فكانت من الصّبرة عشرة ووزنته بالميزان وعرفت مبلغ العشرة وزنًا ثم أخذت الباقي وزنًا على هذا التّقدير فهل يصحّ هذا القبض أم لا؟

الجواب: إذا انتفى الغرر وحصل العلم بالمبيع المكيل وزنًا فلا مانع من صحّة القبض لنصّ الفقهاء على جواز قبض المكيل وزنًا وبالعكس في غير بيع الجنس الواحد بعضه ببعض وفي غير اقتضاء دَين السّلم في رواية المروذي واختارها جمع منهم: ابن أبي عمر وجزم به في الوجيز، وسيأتي في جواب العاشرة قول المنتهى وشرحه كسمن مائع أو جامد مع وعائه موازنة مع أنّ كلّ مائع مكيل.

المسألة الثّامنة: إذا اشترط المشتري على البائع قوّة الكيل وزاد بها زيادة بيّنة بمشاهدة البائع له ورضاه به، هل تحلّ هذه الزّيادة للمشتري؟

الجواب: إذا اتّفق البائع والمشتري على ما ذكر ولا غرر في ذلك فلا مانع، وقد نصّ الإمام أحمد رحمه الله على كراهة الزلزلة عند القبض لاحتمال زيادة على الواجب. قال الفتوحي في شرح المنتهى: ولأنّ الرّجوع في كيفية الاكتيال إلى عرف النّاس في أسواقهم ولم تعهد فيها. انتهى. قال الشّيخ منصور: وفيه نظر. بل عهد ذلك في بعض الأشياء، فعليه لا يكره فيها. انتهى. قلت: وعليه أيضًا لا يكره في القهوة ونحوها لكون العرف

ص: 465

فيها زلزلة المكيال، وذكر الشّيخ محمّد الخلوتي أنّ الآية محمولة على ما يتضمّن أخذ زيادة لا تسمح بها النّفوس عادةً.

المسألة التّاسعة: إذا باع إنسان آخر موزونًا كتمر متحيل مثلًا مشاهدًا بظروفه على أنّ كلّ رطلٍ بدرهمٍ والظّروف تحسب تمرًا ولم يعلما قدرها لا مع العقد ولا بعده هل يصحّ العقد أم لا؟

الجواب: يصحّ بيع بوعاء كسمن مائع أو جامد مع وعائه موازنة كلّ رطلٍ بكذا مطلقًا، أي: سواء علما مبلغ الوعاء أو ما به أو لا لرضاه بشراء الظّروف كلّ رطلٍ بكذا كالذي فيه. ويصحّ ما بوعاء دونه، أي الوعاء مع الاحتساب بزنته، أي: الوعاء على مشتريه إن علما حال العقد مبلغ كلّ منهما وزنًا؛ لأنّه إذا علم أنّ ما بالوعاء عشرة أرطال وأنّ الوعاء رطلان، واشتري كذلك كلّ رطلٍ بدرهمٍ صار كأنّه اشترى العشرة التي بالوعاء باثني عشر درهمًا، فإن لم يعلما مبلغ كلّ منهما لم يصحّ البيع لأدائه إلىجهالة الثّمن. انتهى من المنتهى وشرحه. فتأمّله، فإنّه صريح في المسألة وافهم الفرق بين الصّورتين.

المسألة العاشرة: الأرض المغصوبة والنّخل إذا استأجرها إنسان وسوقي على النّخل بجزءٍ معلومٍ من الثّمرة وأجرة معلومة للأرض هل يحرم على العامل نصيبه لتولّده من الأرض المغصوبة أم يكره أم لا كراهة ولا تحريم في حقّه؟

الجواب: يد هذا العامل إحدى الأيدي المترتبة على يد الغاصب، وكلّها أيدي ضمان، وقد مثلوا الثّالثة بيد المستأجر والسّابعة بيد المساقي والمضارب والشّريك فأرجى هذه اليد العاشرة مما عدا التّحريم والتّغريم.

المسألة الحادية عشرة: إذا آجر إنسان أرضًا ونحوها مدّة معلومةً

ص: 466

كلّ سنة بجديدة أو ربع مثلًا وبطل التّعامل بها ولم نعلم وقت العقد قيمتها ما الحكم فيها؟

الجواب: يبعد تعذر معرفة القيمة في الجديدة أو الرّبع لقرب العهد بالتّعامل بل بقاء التّعامل، وإذا فرضناه فقياس كلامهم فيما إذا كان رأس مال السّلم جوهرة ونحوها، وفيما إذا باعه الشّقص المشفوع بجوهرة ونحوها وجهلت القيمة أنّ القول قول المستأجر هنا؛ لأنّه غارم، وإن جهلها المؤجّر والمستأجر معًا فمقتضى القواعد الرّد إلى أجرة المثل، وهي ما انتهت إليه رغبات النّاس بعد الاشتهار لا ما قوّمه المقوّمون قياس ما ذكروه فيما إذا وقع ثمن الشقص المشفوع عوضًا وكان موجودًا أنّه يعرض على المقوّمين ليشهدوا بقيمته.

المسألة الثّانية عشرة: إذا اشترط الغريم على المدين أنّ دَينِي قادم في زرعك أو نخلك هل يكون هذا رهنًا إذا كان عرف البلد كذلك؟

الجواب: إذا توفّرت شروط الصّحّة واللّزوم واطّرد العرف بهذه الصّيغة أو بالمعاطاة فيما يتناول أو بالتّخلية المعتبرة في نحو ما ذكر بدون صيغةٍ لفظيةٍ فلا مانع. قال في الغاية: وينعقد بلفظ ومعاطاة. انتهى. فأمّا التزام لفظ مخصوص فليس فيه أثر ولا نظر. قاله أبو العبّاس.

المسألة الثّالثة عشرة: ما ضابط الإعسار الذي يحرم قلب الدَّين على مَن قام به؟

الجواب: اختلف في ضابطه ولعلّه أقرب الأقوال فيه أنّه عدم القدرة على الوفاء بإعدام أو كساد متاع ونحوه أو كون موجوده أقلّ من دَينه. قال الشّيخ تقيّ الدِّين بعد كلام سبق: وإن كان معسرًا وله مغلاة يوفى

ص: 467

منها أو في دَينه بحسب الإمكان. انتهى. فسمّاه معسرًا وله مغلاة.

المسألة الرّابعة عشرة: هل يقوم أمير البلد مقام الحاكم عند عدمه فيما يتعلّق بالحاكم أم لا؟

الجواب: أمّا مطلقًا فلا. وأمّا في الجملة أو في بعض المسائل فربّما. قال في الإقناع: فإن عدم الوليّ مطلقًا أو عضل زوجها ذو سلطانٍ في ذلك المكان كوالي البلد وكبيره وأمير القافلة ونحوه. فإن تعذر زوجها عدل بإذنها، قال أحمد في دهقان القرية، أي: رئيسها يزوّج من لا ولي لها إذا احتاط في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرّستاق قاضٍ. انتهى. قال الزّركشي: لأنّ دهقان القرية هو كبيرها فهو بمنْزلة حاكمها والقائم بأمرها. انتهى. وقال ابن عقيل في الفصول في الصّلاة على الميّت: إذا اجتمع السّلطان وغيره قدّم السّلطان، فإن لم يحضر أمير البلد فالحاكم. انتهى. وصرح ابن عطوة -رحمه الله تعالى- بالإلزام بما يصدر من واحدٍ ككبار نجد الحاكمين على قراهم هو ووجوه أهل قريته من بيع تركة أو قضاء دَين على الوجه الشّرعي.

المسألة الخامسة عشرة: هل يحرم إنشاء الحجّ على الحيوان المغصوب من بلد مريد الحجّ أم يختصّ التّحريم وعدم الصّحة بما بعد الإحرام.

الجواب: أمّا التّحريم فمطلقًا، وأمّا عدم الصّحّة فظاهر كلامهم ما صرح به في الغاية حيث قال: أو حجّ بغصب عالمًا به ذاكرًا له وقت على عبادة لم تصحّ وإلّا صحّت. ويتجّه لو تاب في حجّ قبل دفع من عرفة أو بعده إن عاد فوقف مع تجديد إحرام الصّحة لتلبسه بالمباح حال فعل الأركان. انتهى. ولا يبعد قبول خبر الأعرابي إن حفته قرائن ونحوها.

المسألة السّادسة عشرة: تقدير وقت النّهي عن الصّلاة بعد طلوع

ص: 468

الشّمس بالرّمح هل هو الطّويل أم الزّانة في عرف أهل الوقت الخ؟

الجواب: في حديث عمرو بن عنبسة ثم أقصر عن الصّلاة حتّى ترتفع الشّمس قيس رمح أو رمْحين. قال في المبدع: والظّاهر أنّه الرّمح المعروف. وقال في المستوعب: حتّى تبيض. انتهى. ولأنّه المنصرف إليه عند الإطلاق، وذكر الفقهاء أنّه تقريب لا تحديد. والمراد قدره في رأي العين وإلّا فالمسافة بعيدة جدًّا. كذا قال بعضهم.

وأمّا الزّانة فهي أقرب شبهًا بالعنَزة لقول أبي السّعادات في النّهاية: العنَزة: مثل نصف الرّمح أو أكثر شيئًا.

المسألة السّابعة عشرة: ما ضابط معاطن الإبل الخ؟

الجواب: هي التي تقيم فيها وتأوي إليها، قال أحمد: وقيل: مكان اجتماعها إذا صدرت عن المنهل. زاد بعضهم: وما تقف فيه لورود الماء. قال في المغني والشّرح: والأوّل أجود؛ لأنّه جعله في مقابلة مراح الغنم لا نزولها في سيرها. قاله في المبدع.

المسألة السّابعة عشرة: إذا صلّى بعد التّراويح، وقبل الوتر، هل يُسَمّى تعقيبًا أم لا؟ وهل يكون مسنونًا أو مباحًا أم كيف الحكم؟

الجواب: التّعقيب صلاته بعد التّراويح والوتر جماعة. نصّ عليه أحمد وجزم به جمهور الأصحاب. قال في المبدع: وظاهره أنّه إذا تطوّع بعدها وحده لا يكره، وصرّح به ابن القيم رحمه الله وذكره منصوصًا وهو ظاهر المغني وغيره. انتهى.

قال ابن القيم في البدائع: قال حنبل كان أبو عبد الله يصلّي معنا إذا فرغنا من التّرويحة جلس وجلسنا وربّما تحدّث ويُسْأَل عن الشَّيء فيجيب

ص: 469

ثم يقوم فيصلّي ثم يدعو بعد الصّلاة بدعوات، ثم ينصرف. انتهى. فقد عرفت أنّه لا يُسَمَّى تعقيبًا، وأنّ الإمام أحمد كان يفعله فيكون مباحًا.

المسألة التّاسعة عشرة: ما الفرق بين حدّثنا، وأخبرنا، وأنبأنا؟

الجواب: بينها فرق اصطلاحي عند المحدِّثين، فإذا قال المحدِّث: حدَّثنا، حمل على السّماع من الشّيخ، وإذا قال: أخبرنا، حمل على سماع الشّيخ فلفظ الأخبار أعم من التّحديث فكلّ تحديثٍ إخبارٌ ولا ينعكس. قاله ابن دقيق العيد. وأنبأنا من حيث اللّغة واصطلاح المتقدِّمين بمعنى: أخبرنا إلّا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كعنه، فلما كثر واشتهر استغنى المتأخّرون عن ذكره. قاله خاتمة المحدِّثين ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى. والله أعلم.

- 8 -

بسم الله الرحمن الرحيم

من حسن بن حسين إلى الأخ عبد الرّحمن

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والخط وصل، وتسأل فيه عن مسائل:

الأولى: هل قيء الغلام طاهر أم نجس كبوله؟

الجواب: حكم قيئه حكم بوله إلّا أنّه أخفّ منه صرح به في الإقناع وغيره. وهو ظاهر الرّوض وغيره.

الثّانية: إذا أسلم عجلًا في بقرة موصوفة فلمّا حلّ الأجل وجدت الصّفة في عين رأس المال هل يجزئ دفعه ويلزم قبوله أم لا؟

الجواب: إذا اتّحدا صفةً ولم يفعل ذلك لينتفع بالعين أجزأ ولزم قبوله وقطع به في الإقناع.

ص: 470

الثّالثة: هل تصحّ المساقاة إلى أجلٍ مجهولٍ؟

الجواب: إن تكون عند الجمهور على أنّها عقدٌ لازمٌ فتفتقر إلى ضرب مدّةٍ معلومةٍ كالإجارة، والقول بأنّها عقد جائز من المفردات، واختار صاحب التّبصرة قولًا ثالثًا وهو أنّها لازمة من جهة المالك فقط. وقيد بعض المحقِّقين القول بجواز عقدها بقيدٍ حسنٍ.

الرّابعة: إذا قلنا إنّها عقد لازم هل يثبت فيها خيار الشّرط؟

الجواب: نعم. على الأوّل قياسًا على الإجارة. وقد اختار أبو العبّاس ثبوت خيار الشّرط في كلّ عقدٍ.

الخامسة: هل يورث خيار الشّرط أم يسقط كسائر الحقوق؟

الجواب: إن طالب به قبل موته ورث عنه كالشّفعة وحد القذف وإلّا فلا.

السّادسة: هل يصحّ الخيار المجهول أم لا؟

فالجواب: لا يصحّ. سواء كان أبدًا أو مدّة مجهولة أو أجلًا مجهولًا أو تعليقًا على مشيئةٍ أو على نزول مطرٍ ونحوه، كما صرّح بذلك الفقهاء رحمهم الله تعالى. والله أعلم.

السّابعة: رجلان اشتركا في جمع زرعيهما بعد الصّلاح أو قبل الحصاد ويداسان معًا ويكونان نصفين ولأحدهما زيادة دراهم هل يصحّ أم لا؟

الجواب: الحمد لله، شرط زيادة الدّراهم يبطل الشّركة. والله أعلم.

الثّامنة: ما قول العلماء -رحمهم الله تعالى- في امرأة ماتت عن زوجٍ وبنين وبنات وخلفت شيئًا من الصّوغ وصار تحت يد الزّوج جمعيه فمات ولم يوص به لعياله ولم يشهد، هل يملكه أبوهم بمجرّد ذلك أم لا يملكه إلّا بشهادة أو القول قوله؟

ص: 471

الجواب: قال في المقنع: وإن تصرّف فيه يعنِي: الأب في مال ولده قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دَين لم يصحّ تصرّفه. انتهى. وهذا المذهب، وله ملكه بالقبض نصّ عليه مع القول أو النّيّة. قاله الفقهاء -رحمهم الله تعالى- من أصحاب أحمد. فقد عرفت أنّه لا يصحّ التّصرّف قبل التّملك؛ لأنّ مجرّد قبض الوالد لمال ولده لا يكتفى به في ثبوت الملك، بل لا بدّ معه من القول المصرّح بالتّملّك مع القبض والإشهاد عليه، مع أنّ مذهب مالك والشّافعي وأصحاب الرأي أنّ الأب لا يتملّك من مال ولده إلّا ما احتاج إليه فقط. ذكره عنهم في المغني وغيره خلافًا لأحمد. والله أعلم.

- 9 -

بسم الله الرحمن الرحيم

من حسن بن حسين إلى الأخ جمعان بن ناصر سلّمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والخط وصل وصلك الله إلى رضوانه وتضمّن السّؤال عن ستّ مسائل:

الأولى: ما قول العلماء عفا الله عنهم في بيع الفضولي إذا حكم الحاكم بفساده والمبيع إبل أو غيرها من الدّواب ومضى مدّة لها قدر أجرة لكونه سقى عليها زرعه أو نخله فهل التّقويم في عينها بما ينقص إذا كانت موجودة أو تقدر المدّة بأجرة مثلها؟

فالجواب -وبالله التّوفيق- كلّ موضع فسد العقد لم يحصل به ملك وإن قبض؛ لأنّه مقبوض بعقدٍ فاسدٍ أشبه ما لو كان الثّمن ميتة، ولا ينفذ تصرّف المشتري فيه وعليه ردّه بنمائه المتّصل والمنفصل وأجرة مثله مدّة مقامه في يده ويضمنه إن تلف أو نقص بما يضمن المغصوب؛ لأنّه

ص: 472

ملك غيره حصل في يده بغير إذن الشّرع أشبه المغصوب. قاله في الكافي. وقال في الإنصاف: منافع المقبوض بعقدٍ فاسدٍ كمنافع المغصوب تضمن بالفوات والتّفويت. انتهى. وقال في الإقناع: والمقبوض بعقدٍ فاسدٍ لا مالك به ولا ينفذ تصرّفه فيه ويضمنه كالغصب ويلزمه ردّ النّماء المتّصل والمنفصل وأجرة مثله مدّة بقائه في يده، وإن نقص ضمن نقصه، وإن تلف فعليه ضمانه بقيمته. انتهى. وقال أيضًا في (باب الغصب): وإن كان المغصوب منفعة تصحّ إجارتها، فعلى الغاصب أجرة مثله مدّة بقائه في يده استوفى المنافع أو تركها تذهب. وإن ذهب بعض أجزائه في المدّة كمخمل المنشفة لزمه الأجرة وأرش نقصه، وما لا تصحّ إجارته مما لا منفعة له لم يلزمه أجرة. انتهى ملخّصًا.

فقد عرفت -رحمك الله- أنّه يلزم المشتري بالعقد الفاسد الأجرة وأرش النّقص معًا.

المسألة الثّانية: أرض موات تبايعها أناس على الجاهلية أو في الإسلام كما إذا كان بإزاء بلاد عامرة ولو مسيرة ثلث فرسخ أو نصف فرسخ صار محتجرًا لأهل العامرة على عادة مشوا عليها ولو عدمت شروط التّحجّر هل إذا أحياها إنسان يملكها ولو ادّعى مدّعٍ أنّها بشراء لكنها موات كما ذكرنا.

الجواب عن هذا السّؤال: يظهر مما نورده من كلام الفقهاء. قال: في الشّرح الكبير: الموات قسمان:

أحدهما: ما لم يجر عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة، فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف.

القسم الثّاني:

ص: 473

ما جرى عليه ملك وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: ما له مالك معيّن وهو ضربان: (أحدهما): ما ملك بشراء أو عطية فهذا؛ لا يملك بالإحياء بغير خلاف. قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أنّ ما عرف بملك مالك غير منقطع أنّه لا يجوز إحياؤه لأحدٍ غير أربابه. (الثّاني): ما ملك بالإحياء ثُمّ ترك حتّى دثر وعاد مواتًا فهو كالذي قبله سواء.

النّوع الثّاني: ما يوجد عليه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الرّوم ومساكن ثمود ونحوهم، فهذا يملك بالأحياء في أظهر الرّوايتين. (والثّانية) لا يملك لأنّها آثار لمسلم أو ذمي أو بيت المال أشبه ما لو تعيّن مالكه، قال شيخنا ويحتمل أنّ كلّ ما فيه أثر الملك ولم يعلم زواله قبل الإسلام أنّه لا يملك.

النّوع الثّالث: ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معيّن فظاهر كلام الخرقي، أنّه لا يملك بالإحياء وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد لما روى كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جدّه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"مَن أحيا أرضًا موانًا في غير حقّ مسلم فهي له". فقيده في غير حقّ مسلم؛ ولأنّ هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها كما لو كان معينًا، فإنّ مالكها إن كان له ورثة فهي لهم، وإن لم يكن له ورثة ورثها المسلمون. (والثّانية) أنّها تملك بالإحياء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لعموم الأخبار، وكلّما قرب من عامر وتعلّق بمصالحه من طرق ومسيل مائه ومطرح قمامته وملقى ترابه لا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب. وكذلك ما تعلّق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها ومسيل مائها لا يملك بالإحياء لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم، وكلّ مملوك لا يجوز إحياؤه ما تعلّق بمصلحة لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحيا أرضًا ميتة في غير

ص: 474

حقّ مسلمٍ فهي له". مفهومه: أنّ ما تعلّق به حقّ مسلمٍ لا يملك بالإحياء. انتهى من الشّرح الكبير ملخّصًا.

وقال في الإقناع: وهي - أي: الموات - الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم، فإن كان الموات لم يجر عليه ملك لأحدٍ ولم يوجد فيه أثر عمارة ملك بالإحياء، وإن ملكها مَن له حرمة أو شكّ فيه فإن وجد واحد من ورثته لم يملك بالإحياء، وإن علم ولم يعقب لم يملك واقطعه الإمام مَن شاء، وإن كان قد ملك بالإحياء ثم ترك حتّى دثر وعاد مواتًا لم يملك بإحياء إذا كان لمعصومٍ، وإن علم ملكه لمعيّن غير معصومٍ فإن كان بدار حرب واندرس كان كموات أصلي يملكه مسلم بإحياء، وإن كان فيه أثر ملك غير جاهلي كالخرب التي ذهبت أنهارها واندرست آثارها ملك بالإحياء، وكذا إن كان جاهليًا قديمًا كديار عادٍ. انتهى.

فقد عرفت أنّ هذا المحي الثّاني للأرض المذكورة لا يملكها بإحيائه لها إذا ثبت الإحياء الأوّل بشروطه وثبت التّبايع المذكور ودعوى الشّراء. والله أعلم.

المسألة الثّالثة: إذا تزوّج إنسان امرأة بعقدٍ فاسدٍ هل المفتَى به عندكم أنّه يطلق فإن أبى فسخه الحاكم أم لا يحتاج؟ إلى آخر السّؤال.

الجواب: المعتمد المفتَى به عندنا أنّه لا يحل تزويج من نكاحها فاسد لغير مَن تزوّجها حتّى يطلقها أو يفسخ نكاحها فإن أبى فسخه الحاكم. وهذا المنصوص عن الإمام أحمد، وهو المذهب المقرّر عند أصحابه خلافًا للشّافعي. قال في المغني والشّرح: لأنّه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتاج إلى التّفريق، ولأنّ تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسلّط زوجين عليها

ص: 475

كلّ منهما يعتقد صحّة نكاحه وفساد نكاح الآخر، ويفارق النّكاح الباطل من هذين الوجهين. انتهى. فافهم الفرق بين الفاسد والباطل؛ فالباطل لا يحتاج إلى طلاقٍ ولا فسخٍ ولا يجب به مهر فهو بخلاف الفاسد.

المسألة الرّابعة: أصول دية النّفس من الإبل والذّهب والفضّة والبقر والغنم والحلل غير خافٍ عليكم. وقدر عبد العزيز مائة من الإبل بثمانمة ريال، فهل هذا التّقدير برخصة من الشّيخ رحمه الله أم لا؟ والآن صارت قيمة الإبل ناقصة عما هو معلوم فما المعمول به؟ إلى آخر السّؤال.

الجواب: لا نزاع أنّ دية الحرّ المسلم مائة من الإبل وإنّ الإبل أصل في الدّية. واختلف عن أحمد هل هي الأصل لا غير أو معها غيرها؟ وهل ذلك الغير أربعة أو خمسة فعنه؛ لأنّها الأصل لا غير أو معها غيرها؟ وهل ذلك الغير أربعة أو خمسة فعنه أنّها الأصل؛ لأنّ في حديث عمرو بن حزم: "في النّفس مائة من الإبل"، رواه النّسائي ومالك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه. قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ مَن قتل خطأ فديته من الإبل مائة ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقّة وعشرة ابن لبون ذكر. رواه أبو داود والنّسائي، وذكر حديث عقبة ابن عامر بن أويس وحديث عبد الله بن عمرو، ثم قال: وظاهر هذه الأحاديث أنّ الدّيّة هي الإبل خاصّة، ويؤيّد ذلك أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ دية العمد وخفّف الخطأ ولم يرد ذلك عنه إلّا في الإبل، وعنه أنّها خمسة أشياء كلّ منها أصل برأسه: الإبل، والبقر، والغنم، والذّهب، والفضّة. أمّا في الإبل فلّما تقدّم، وأمّا في البقر والغنم فلأنّ في حديث لعمرو بن شعيب مرفوعًا. قضى على أهل البقرة بمائتي بقرة، ومَن كان دية عقله في شاء فألفا شاة. وأمّا في الذّهب والفضّة فلِمَا روى

ص: 476

ابن عبّاس أنّ رجلًا من بنِي عدي قتل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته اثنَي عشر ألفا. رواه التّرمذي والنّسائي وأبو داود، وهذا لفظه. ولمالك في الموطأ بلغه أنّ عمر بن الخطاب قوّم الدّية على أهل القرى فجعل على أهل الذّهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. قال مالك: فأهل الذّهب أهل الشّام ومصر وأهل الورق أهل العراق. وعنه أنّها ستة أشياء فيضاف إلى الخمسة السّابقة مائتا حلّة. وهذا اختيار القاضي وكثير من أصحابه لما روى عطاء بن أبي رباح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدّية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشّاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئًا لم يحفظه محمّد بن إسحاق والرّواية الأولى أظهر دليلًا على أنّ أحاديث تلك الرّواية لا تقاوم تلك الأحاديث وعلى تقدير مقاومتها فيحمل على أنّه جعل ذلك بدلًا عن الإبل، وظاهر في حديث عمرو بن شعيب إذًا، وله أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوّم على أثمان الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقوّمها على أثمان الإبل إذا غلت رفع في قيمتها. وإذا "هاجت رخصت". نقصت من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة إلى ثمانمائة، وعدلها ثمانية آلاف درهم، قال: وقضى على أهل البقر بمائتي بقرة، ومَن كان دية عقله في شاء فألفا شاة، وهذا ظاهر في أنّه إنّما كان يعتبر الإبل لا غير، بل هو نصّ في الذّهب والورق، أنّه كان يعتبرهما بالإبل، وحديث ابن عبّاس واقعة عينٍ لا عموم له، وفعل عمر ظاهر في أنّ تلك على سبيل التّقويم فهو مؤيّد لما قلناه. وأبو محمّد يختار في العمد قولًا رابعًا هو بعض الرّواية الثّانية، وهو أنّ الدّية مائة من الإبل أو ألف مثقال أو اثنا عشر ألف

ص: 477

درهم، وهذا ظاهر في الورق لحديث ابن عبّاس إن صحّ، وعلى الرّواية الأولى مَن وجب عليه الدّيّة متى قدر على الإبل لا يجزؤه غيرها، وإن عجز عنها انتقل إلى ما شاء من الأربعة أو الخمسة على اختلاف الرّوايتين، وكذلك إذا لم توجد إلإّ بأكثر من ثمن المثل. قال أبو محمّد: وهذا ينبغي فيما إذا كانت الإبل موجودة بثمن مثلها إلّا أنّ هذا لا يجدها لكونها في غير بلده ونحو ذلك، فإذن ينتقل إلى غيرها. أمّا إذا غلت الإبل كلّها فلا ينتقل إلى غيرها، وظاهر كلام الخرقي أنّ الواجب الإبل من غير نظر إلى قيمة. وهذا إحدى الرّوايتين، واختيار الشّيخين لظاهر حديث عمرو بن حزم وحديث عمرو بن شعيب وغيرهما، فإنّه صلى الله عليه وسلم أطلق الإبل ولم يقيّدها بقيمة فتقييدها بها يحتاج إلى دليلٍ، وكذلك الأحاديث التي فيها ذكر البقر والغنم والحلل ليس فيها اعتبار قيمة، وأيضًا فإنّه صلى الله عليه وسلم فرّق بين دية العمد والخطأ فغلّظ دية العمد وشبّهه، وخفّف دية الخطأ، واعتبار القيمة يفضي إلى التّسوية بينهما وهو خلاف ما تضمنته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (والرّواية الثّانية) يعتبر أن لا تقص بغير المائة عن دية الأثمان نظرًا لأن عمر قوّمها كذلك فجعل على أهل الذّهب ألف مثقال، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وظاهره أنّ قيمتها كذلك، وأجيب بأنّه اتّفق أنّ قيمتها في ذلك الوقت كان كذلك فصرنا إليه عند ذلك حذرًا من التّنازع، وحكى أبو محمّد الكافي في الرّواية أنّه يعتبر أن يكون قيمة كلّ بعيرٍ مائة وعشرين درهمًا، وقال في المغني: إنّ الأصحاب ذكروا أنّ ذلك مذهب أحمد والتّحقيق هو الأوّل. انتتهى ملخّصًا من شرح الزّركشي على الخرقي.

ص: 478

إذا تقرّر هذا، فالمتعيّن المعمول به هو ما نصّ عليه الشّارع -صلوات الله وسلامه عليه- مهما أمكن، ولا يقال بالقيمة إلّا عند التّعذر، فحينئذٍ يرجع إلى القيمة في الجميع كلّ أصلٍ بقيمته. وقيمة الرّيال بالدّراهم الإسلامية بالتّحرير تقريب تسعة دراهم كذا قيل. وما علمنا فيما بلغنا عن شيخ الإسلام رخصة بتقدير قيمة الإبل خاصّة بما ذكر. وإنّما ذلك من ولي الأمر في دية أعوز السّن فيها ذلك الوقت، فقومت المائة بثمانمائة ريال؛ لأنّها بدل وقيمة مطلقًا بل في وقت تكون قيمتها الثّمان، وفي وقتٍ آخر أربعًا، وفي غيره ثلاثًا وغير ذلك بحسب الغلاء والرّخص، وقد عرفت المتعيّن المعمول به. وهذا ما ظهر لي. والله أعلم.

المسألة الخامسة: هل ورد حديث في تسنين الإبل في دية الشّجاج والحكومات وما دون دية النّفس، وهل ذكر ذلك الفقهاء؟

فالجواب: إنِي لم أقف على حديث في ذلك. وما رأيته في كلام الفقهاء رحمهم الله، ولعلّه فيما فاتنا، ثم رأيت صاحب الإقناع أفاد ذلك بقوله: وتغلّظ دية طرف كتقل -إلى أن قال-: فإن لم يكن قسم دية الطّرف مثل أن يوضحه عمدًا أو شبه عمدٍ فإنّه يجب أربعة أرباع، والخامس من أحد الأنواع الأربعة قيمته قيمة ربع الأربع، وإن كان خطأ وجبت الخمس من الأنواع الخمسة من كلّ نوعٍ بعير، وإن كان الواجب دية أنملة وجبت ثلاثة أبعرة وثلث قيمتها نصف قيمة الأربعة وثلثها، وإن كان خطأ ففيها ثلثها ثلثا قيمة الخمس. انتهى. ووجهه -والله أعلم- اتّفاقهما في السّبب الموجب.

المسألة السّادسة: إذا ضمن ضامن لصاحب حقّ على غيره، وقال: الضّمين للمضمون عنه: لا أضمن عليك إلّا أن ترهنَنِي كذا وكذا، وأرهنه،

ص: 479

فهل يصحّ أم لا؟ فإن قلتم يصحّ فما وجه الصّحّة والدَّين لغيره؟

فالجواب: الذي يظهر الصّحّة، فيما ذكر؛ لكونه تبرّع بالتزام حقّ إنّما يلزم ويثبت ويجب بالتزامه، فإذا أراد التزامه وطلب الوثيقة عليه فلا مانع كسائر الدّيون، وكون الدَّين لغيره ليس مانعًا، فإنّ للإنسان أن يرهن مال نفسه على دَين غيره ويأذن لعبده أن يضمن على غيره كما هو مقرّر في موضعه. هذا حسب ما ظهر لي. والله سبحانه أعلم بالصّواب.

وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ وآله وصحبه. وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين.

ذكر النّاقل أنّه نقله بتاريخ رجب سنة: 1242 هـ مائتين واثنين وأربعين وألفا.

- 10 -

بسم الله الرحمن الرحيم

من حسن بن حسين إلى الأخ عبد الله سلّمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد؛

هذا جواب سؤالك الذي صورته: ما قولكم -دام فضلكم- فيما إذا انقضت مدّة إجارة أرض طلق أو موقوفة استؤجرت للغراس أو البناء وقد أوقف المستأجر بعض الغرس فما الحكم في الطّلق من هذا الغراس أو البناء والوقف؟

الجواب: حاصل ما ذكره فقهاؤنا رحمهم الله في حكم هذه المسألة أنّه إن كان شرط قلع الغراس أو البناء عند انقضاء مدّة الإجارة أو في وقت معيّن وليست مشاعًا للشّريك، فإنّ المستأجر يقلعه مجانًا ولا يسوي الحفر، ولا يغرم مالك الأرض نقصه بالقلع، وإن لم يشترط قلعه أو شرط بقاءه ولم يقلعه مالكه خيّر مالك الأرض بين ثلاثة أمور: أخذه بقيمته،

ص: 480

فتقوّم الأرض مغروسة أو مبنية ثم تقوّم خالية منهما فما بينهما فهو القيمة، ومحلّ تملكه بقيمته إذا كان مالك الأرض تام الملك فخرج الموقوف عليه والمستأجر والمرتهن ونحوهم؛ لأنّ ملكهم غير تامٍّ.

الأمر الثّاني: تركه بالأجرة.

الأمر الثّالث: قلعه وضمان نقصه. هذا إذا لم يختر مالكه قلعه كما تقدم. أمّا إن اختاره فله ذلك، قال في الغاية: ويتّجه لو أبى الثّلاثة ومالك القلع بيع أرض بما فيها كعارية. انتهى. وكون المستأجر وقف الغراس أو البناء في الأرض المستأجرة لا يمنع الخيرة بين الثّلاثة الأمور، وإذا لم يترك لم يبطل وقفه بالكلّيّة، فيكون كما يؤخذ بسبب قلعه وضمان نقصه أو تملكه بقيمته ويشتري بها ما يقوم بها ما يقوم مقامه كقيمته إذا أتلف يشتري بها ما يقوم مقامه ذكر معناه في الفروع وغيره، قال في الإقناع وهو ظاهر: وظاهر كلامهم لا يقلع الغراس إذا كانت الأرض وقفًا. قال في الشّرح: وتقدم أنّه لا يتملكه إلّا تام الملك وحينئذٍ فيبقى بأجرة المثل. انتهى. قال في منته: بل قال الشّيخ: ليس لأحدٍ أن يقلع غرس المستأجر وزرعه صحيحة كانت الإجارة أو فاسدة. بل إذا بقي فعليه أجرة المثل، وفي الفائق قلت فلو كانت الأرض وقفًا لم يتملّك إلّا بشرط واقف أو رضاء مستحقّ. انتهى. قال: المنقح إذا حصل به نفع كان له ذلك. انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

- 10 -

بسم الله الرحمن الرحيم

حضر عندي عثمان الغرشي وكيلًا لأبيه وعبد العزيز بن زامل وكيلًا لابن مسعد من طرف مشتري سهم الغرشي الكائن في النّخل الْمُسَمَّى بالطّرفية في الحوطة، فادّعى عبد العزيز أنّ الرّوم أجبروا الغرشي على بيع

ص: 481