الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{هذه رسالة للشّيخ عليّ بن الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب}
بسم الله الرحمن الرحيم
من عليّ بن الشّيخ حسين إلى الأخ جمعان بن ناصر
سلّمه الله تعالى.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد؛
وصل خطك وصلك الله إلى ما يرضيه ونحو، ولله الحمد بخيرٍ وعافيةٍ، كذلك الإخوان وجملة آل الشّيخ وخواص إخوانك، وما ذكرت من جهة مسألة التّثويب في أذان الفجر هل هو في الأوّل أو في الثّاني؟ وما الموجب لكونه عندنا في الثّاني على أنّ في سنن أبي داود ما يدلّ على كونه في الأوّل؟
فالجواب: إنّ الأمر في ذلك عندنا على السّعة، فإذا جعله في الأوّل أو في الثّاني فالكلّ إن شاء الله حسن، ولكن الأحسن لِمَن أراد الاقتصار على التّثويب في أحد الأذانين أن يكون في الأوّل لما ذكرت من الحديث، وأحسن منهما التّثويب في الأذانين جمعًا بين الأحاديث، وعملًا بظاهر إطلاقات الفقهاء. فأمّا ما يدلّ على أنّ التّثويب في الأوّل فالحديث الذي ذكرت في سنن أبي داود دليل على ذلك.
وفي رواية فيه للنّسائي: "الصّلاة خيرمن النّوم، الصّلاة خير من النّوم، في أذان الأوّل من الصّبح". قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: وهاتان الرّويتان صريحتان في أنّ التّثويب بالصّلاة مخصوص بالأذان الأوّل دون الثّاني؛ لأنّ الأذان الأوّل إنّما شرع لإيقاظ النّائم كما في الحديث: "ليوقظ نائمكم".
وأمّا الثّاني فإنّما هو للإعلام بدخول الوقت لِمَن أراد أن يصلّي في أوّل الوقت ولكون المصلّين فيه غالبًا قد استيقظوا بالأذان الأوّل واستعدّوا للصّلاة بالوضوء وغيره. انتهى. ولكن قوله: إنّ الرّوايتين صريحتان
في التّخصيص بالأوّل ليس كذلك بل ظاهرتان.
وأمّا ما يدلّ على أنّه في الثّاني فقال ابن ماجه في سننه: حدّثنا عمر بن رافع حدّثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزّهري عن سعيد بن المسيب عن بلال أنّه أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يؤذن بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال: "الصّلاة خير من النّوم". فأقرّت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك. صحيح الإسناد. وفيه انقطاع، ووجه الاستدلال به على أنّه في الثّاني أن بلالًا إنّما كان يؤذّن للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالصّلاة بعد طلوع الفجر، فإنّه إذا طلع الفجر جاءه بلال فأذنه بالصّلاة، لا يقال إنّ هذه في أذان بلال، وبلال إنّما كان يؤذّن قبل الفجر كما في الصّحيح:"إنّ بلالًا يؤذّن بليلٍ"، لأنّ ذلك في بعض الأوقات لا في كلّ السّنة، يدلّ على ذلك ما روى سعيد بن منصور في سننه، قال: حدّثنا أبو عوانة عن عمران بن مسلم، قال: قال سويد بن غفلة اذهب إلى مؤذننا رباح فمره أن لا يثوب إلّا في صلاة الفجر بعد الفجر، إذا فرغ من أذان الفجر فليقل: الصّلاة خير من النّوم، الصّلاة خير من النّوم، وليقل في آخر أذانه وإقامته: لا إله إلّا الله، والله أكبر. هذا أذان بلال. فهذا مرسل يدلّ على أنّ بلالًا يؤذّن بعد الفجر وأنّه يثوّب في أذانه.
وقال ابن أبي شيبة: حدّثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤذن حتّى يرى الفجر هكذا". ومد يديه: حدّثنا أبو خالد عن حجاج عن طلحة عن سويد عن بلال، قال: كان لا يؤذّن حتّى ينشق الفجر، فهذا يدلّ على أنّ بلالًا كان يؤذّن بعض الأوقات بعد طلوع الفجر بلا ريب، وأيضًا فإنّه كان يسافر ويغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لا يوجد ابن أمّ مكتوم، وكان هو المؤذّن فلا بدّ
من أذانه بعد طلوع الفجر.
وقد ثبت أنه كان يقولها في أذانه فتعين عدم الإنكار على من جعلها في الأول أو الثاني. أما الأول فلأن ظاهر حديث أبي محذورة يدل عليه وأما الثاني فلما ذكرنا من الآثار وغيرها أيضًا فلا يجوز الإنكار لأنها مسألة اجتهاد.
وأما كون جعلها في الأول أحسن لمن أراد الاقتصار فلأن الحديث فيه دلالة أظهر من كونها في الثاني. وأما كون الجمع بينهما أحسن فلأن فيه جمعًا بين هذه الآثار وعملًا بإطلاقات الفقهاء، فإن الفقهاء من الحنابلة قالوا ويقول في أذان الصبح الصلاة خير من النوم، فظاهره أنه يقوله في الأذانين لأن كليهما أذان للصبح. وقال النووي من الشافعية في شرح المهذب ظاهر إطلاق الأصحاب أنه لا فرق بين الأول والثاني، وصرح بتصحيحه في التحقيق. وقال الأسنوي مثله أيضًا ففي هذا العمل بالأحاديث جميعًا والله أعلم.