المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5)(رسالة في مواعظ عامة في مهمات الدين) - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - ط المنار - جـ ١

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌القسم الأول‌‌رسائل وفتاوى للشيخ محمد بن عبد الوهابوأبنائه رحمهم الله

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌رسائل وفتاوى لأبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌(2)(رسالة عامة في الزجر عن الغلول ووجوب التذكير والموعظة)

- ‌(3)(رسالة في نصاب الزكاة بالريالات)

- ‌(4)(رسالة في المعاملات الربوية وأحكام الطلاق والعدة)

- ‌(5)(رسالة في مواعظ عامة في مهمات الدين)

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌{مسائل في الصلاة وما يتعلق بها}

- ‌{مسائل في دفن الميت والصلاة عليه وصفتها}

- ‌مسائل في نصاب الزكاة وزكاة العروض

- ‌{مسائل في صدقة الفطر وما يتعلق بها}

- ‌{مسائل في الرهن وما يتعلق به}

- ‌{مسائل في المساقاة والمزارعة وما في معناهما}

- ‌{مسائل في المعاملات وأنواعها}

- ‌{مسائل في الخيار وما في معناه}

- ‌{مسائل في السلم وما في معناه مما يتعلق به}

- ‌{مسائل في القرض وما في معناه وما يتعلق به}

- ‌{مسائل في الوقف}

- ‌{مسائل في النكاح وما يتعلق به مما في معناه}

- ‌{مسائل في العدد وما في معناها}

- ‌{مسائل في الإحداد وما يتعلق به}

- ‌من جواب) لعبد الله بن الشيخ رحمه الله:

- ‌(8){مسائل مختلفة أجاب عنها الشيخ عبد الله بن الشيخ

- ‌القسم الثانيرسائل وفتاوى أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد الرحمن بن حسن

- ‌ 4 -(رسالة ضافية في الرّبا وحكم نقود الجدد الزّيوف فيه)

- ‌قال شيخنا ووالدنا الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن في أثناء كلامٍ له*:

- ‌{فائدة}:

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌[فوائد]

- ‌مسألة: إذا غارس رجل رجلًا في أرضٍ، على أن يغرس فيها قدرًا معلومًا من النّخل والنّخل من العامل وينفق عليه العامل حتّى يثمر، ثم يقتسمان النّخل والأرض، هل يصحّ ذلك؟ أم لا يصحّ إلّا على أنّ الأرض لربّها والنّخل بينهما؟ أو تصحّ في الصّورتين كما أفتى به أبو العبّاس

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ علي بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فائدة:

- ‌فائدة أصوليّة نافعة:

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌ جواب عبد الله بن الشّيخ إلى بعض الإخوان

- ‌من عليّ بن الشّيخ حسين إلى الأخ جمعان بن ناصر

- ‌فتويان من فتاوى الشيخ سليمان بن علي، جد شيخ الإسلام

- ‌فصل:

- ‌رسالة للشيخ عبد الوهاب بن الشيخ سليمان، والد شيخ الإسلام

- ‌القسم الثالثرسائل وفتاوى لغير سلالة الشيخ من علماء نجد

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ حمد بن ناصر بن معمر

- ‌[نقل من كتاب "حادي الأرواح" لابن القيم]

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين

- ‌{فائدة لأبي بطين}:

- ‌{مسألة} ما حكم ما يغرس أو ينبت من النّخل ونحوه على ماء الشّريك في المشاع إذا أراد الشّركاء القسمة

- ‌ سُئِل الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبو بطين رحمه الله، وعفا عنه عن الذي يروى: "مَن كفّر مسلمًا فقد كفر

- ‌ اعلم أنّ ضدّ التّوحيد الشّرك، وهو ثلاثة أنواع:

- ‌(مسألة): ومن أعطى أرضه لرجل يغرسها بجزء معلوم وشرط عليه عمارتها فغرس بعض الأرض وتعطل باقي الأرض من الغراس

- ‌ حكم ما إذا وجد البدوي ماله عند حضري ونحوه ولم يعلم أنّه غصب، هل يفرق بين كون البدوي حربًا للآخر وقد أخذ ماله أم لا؟وكذا إذا عرف الحضري ماله عند حضري أو بدوي وادعى أنّه قد اشتراه من حربي للمدّعي وربّما أنّه قد أخذ مالًا للبائع، فما الحكم في ذلك

- ‌[فوائد]

- ‌رسائل وفتاوى للشيخ سعيد بن حجي

- ‌رسالة للإمام عبد العزيز آل سعود

- ‌رسالة للشيخ أحمد بن محمد بن حسن القصير الأشيقري

- ‌رسالة للشيخ محمد بن عبد الله بن إسماعيل

- ‌رسالة للشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل

- ‌{رسالة للشّيخ عبد العزيز بن عبد الجبّار}

- ‌رسالة للشيخ حمد بن عتيق

- ‌رسالة لبعض علماء الرياض

- ‌رسالة لبعض علماء نجد

- ‌رسالة للشيخ محمد بن أحمد بن محمد القصير

- ‌{رسالة لبعض علماء الدّرعية}

- ‌{رسالة للشّيخ محمّد بن عمر بن سليم}

الفصل: ‌(5)(رسالة في مواعظ عامة في مهمات الدين)

(5)

(رسالة في مواعظ عامة في مهمات الدين)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

من إبراهيم، وعبد الله، وعلي أبناء الشيخ محمد إلى من يراه من المسلمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد): الموجِب لهذا التذكير النصيحة والشفقة عليكم، وعلينا من عقوبة الله، وأنتم تعرفون ما مَنّ الله به علينا، وعليكم من دين الإسلام، وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على جميع المسلمين.

وأكثر الناس اليوم على الشرك، وعبادة غير الله. وأعطاكم الله في ضمن الإسلام من النعم، والنصر على الأعداء ما تعرفون. ولا يجيء أهل الإسلام شيء إلا بسبب ذنوبهم؛ فإذا عرفوا الذنب، وتابوا منه نصرهم الله، وأعزهم، وكسر عدوهم، وجعل العاقبة لهم في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرّعد من الآية: 11].

وقال -تعالى- لخيار الخلق: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} الآية [آل عمران من الآية 165].

وهذه الأمور يجريها الله -سبحانه- ابتلاء، وامتحانا ليميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق؛ فيجازي المؤمن بالنصر والظفر على عدوه، ويجازي المنافق والمرتاب بالعذاب، والنكال، والخزي في الدنيا والآخرة. وأنتم ترون أن أغلب البلدان

ص: 27

ما صفت، وركد الإسلام فيها إلا بعد الردة، وتمييز الخبيث من الطيب.

والواجب علينا وعليكم الإقبال على الله، والتوبة والاستغفار؛ وكل يعرف ذنبه، ويتوب إلى الله منه، ولا يحط المقالة في غيره؛ قال الله -تعالى-:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النّور من الآية: 31].

وقال-تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التّحريم من الآية: 8].

والتوبة لها شروط

(منها): الإقلاع عن الذنب، والندم، والعزيمة أن لا يعود. ونحن نخشى علينا وعليكم مما وقع من التغير والذنوب.

(ومنها): ترك المحافظة على الصلوات الخمس، وهي عمود الإسلام مَنْ حفظها، وحافظ عليها- حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

(ومنها): الغفلة عن التفقه في دين الإسلام، حتى إن من الناس مَنْ ينشأ وهو ما يعرف دين الإسلام، ومنهم من يدخل فيه وهو ما يعرفه، ولا يتعلمه ظنا منه أن الإسلام هو العهد. ومعرفة الإسلام، والعمل به واجب على كل أحد، ولا ينفع فيه التقليد.

(ومنها): أن من الناس من يمنع الزكاة، والذي ما يقدر على المنع يبخسها. والزكاة ركن من أركان الإسلام، واجب أداؤها إلى الإمام، أو نائبه على الأمر المشروع.

(ومنها): إنكار المنكر ممن يراه، ويسكت عن إنكاره خوفا، أو هيبة من أحد من الناس؛ والمنكر إذا خفي لم يضر إلا صاحبه، وإذا فشا فلم ُينْكَرْ ضَرّ العامة؛ قال الله -تعالى-:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة الآيتان: 78 - 79].

(ومنها): ظهور عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم من كثير من الناس؛ وذلك من أكبر الكبائر، كما في الحديث: "ألا أخبركم بأكبر الكبائر: الإشراك

ص: 28

بالله، وعقوق الوالدين"1، وفي الحديث الآخر "لا يدخل الجنة قاطع رحم"2.

(ومنها): ما يجري من بعض الأمراء والعامة من الغلول: منهم من يتحيل على الغلول بالشراء ولا ينقد الثمن، وذلك حرام، قال الله -تعالى-:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران من الآية: 161]. وفي الحديث: "إن الغلول عار، ونار، وشنار"3.

(ومنها): ظلم بعض الأمراء يأخذ من أموال الناس بصورة الجهاد، ولا يصرفه في الجهاد؛ بل يأكله. وبعض الأمراء يأخذ جميع الزكاة، ولا يعطي المساكين منها، والإمام يأمره بإعطاء كل ذي حق حقه؛ ويعصي ويعمل على رأيه.

والزكاة تَوَلَّى الله قسمتها في كتابه، وجَزَّأَهَا ثمانية أجزاء، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب. ومن الأمراء والنظراء من يصرف الجهاد عن الأغنياء، ويجعله على الفقراء الذين لم يجعل الله عليهم شيئا.

والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، فمن كان له مال، وهو يقدر على الجهاد بنفسه، وجب عليه الجميع؛ فإن كان ما يقدر بنفسه، وجب عليه بالمال؛ فإن كان ما يقدر بالمال ولا بالنفس، فالحرج مرفوع عنه، قال الله -تعالى-:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التّوبة: 91]. والإمام ينهى الأمراء عن تحميل الناس ما لا يستطيعون، ويعصونه في ذلك، وتحميل الفقير ما لم يحمله الله ذنب، ومعصية الإمام إذا نهى عن ذلك ذنب آخر.

(ومنها): اختلاط الجيد بالرديء، وراعي الدين بالمنافق، ولا يميز هذا من هذا؛ ووقع بسببه ظهور الكلام الباطل الذي لو يظهر من أحد في أول الإسلام أُدّبَ أدبا بليغا، وعرف أن قائله منافق؛ وفي وقتنا هذا يظهر ولا ينكر إلا ما شاء الله.

(ومنها): الظلم، والوقوع فيما حرم الله من الدماء، والأموال،

1 البخاري: الاستئذان (6273)، ومسلم: الإيمان (87)، والترمذي: البر والصلة (1901) والشهادات (2301) وتفسير القرآن (3019) ، وأحمد (5/ 36 ،5/ 38).

2 البخاري: الأدب (5984)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2556)، والترمذي: البر والصلة (1909)، وأبو داود: الزكاة (1696) ، وأحمد (4/ 80 ،4/ 83 ،4/ 84).

3 مالك: الجهاد (994).

ص: 29

والأعراض، والغيبة والنميمة، وقول الزور، وبهت المسلم بما ليس فيه؛ وصار هذا ما يُسْتَنْكَرُ، فإذا بان كذبه، وتزويره، ما طاح من العيون؛ والله -سبحانه- حرم هذا في كتابه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه:"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" 1، وقال -تعالى-:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

(ومنها): الجَسْرَةُ على ذمة المسلم، فإذا صح إعطاء أحد من المسلمين- أمير أو غيره- أحدا من الكفار ذمته، ما جاز لأحد من المسلمين أن يخفره لا في ذمته، ولا ماله، كما في الحديث:"ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم. فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا"2.

ومن العجب أن بعض الجهال يفعل هذا ديانة، ويظن أن معاداة الكفار، واستحلال المحرم أعظم من ارتكابه مع معرفته بتحريمه.

(ومنها): أن بعض الناس يغضب إذا أُنكر على رجاله أو طارقته إذا فعل المنكر، وأُنكر عليه؛ وهذا أمر ما يحل،

بل الواجب عليه أن يغضب لله أعظم مما يغضب لنفسه، والله أحق أن يُغْضَبَ له.

(ومنها): فعل الربا، والتحيّل عليه بالبيع، والتصحيح الباطل؛ مثل: رد الدّيْنِ على المعسر، وجعل الدّيْن رأس مال في السلم.

(ومنها): كونه يبيعه ويسلفه.

(ومنها): كونه يبيعه تمرا، أو عيشا إلى أجل؛ فإذا حل الأجل أخذ منه بتلك الدراهم تمرا، أو عيشا؛ وهذا حرام عند أكثر العلماء، لا سيما إذا قصد ذلك في ابتداء العقد، وعرف

1 البخاري: الحج (1741)، ومسلم: القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679) ، وأحمد (5/ 37 ،5/ 39 ،5/ 49)، والدارمي: المناسك (1916).

2 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7300)، ومسلم: الحج (1370)، والترمذي: الولاء والهبة (2127)، والنسائي: القسامة (4745)، وأبو داود: المناسك (2034) والديات (4530) ، وأحمد (1/ 81 ،1/ 119 ،1/ 122 ،1/ 126 ،1/ 151).

ص: 30

أنه لا يستوفي منه إلا تمرا، أو عيشا.

(ومنها): أنه يبيعه سلعة بنسيئة، ثم يشتريها منه بأقل مما باعها به نقدا.

(ومنها): أن يشتري طعاما، ثم يبيعه قبل قبضه؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وغيره.

وقد توعد الله من تثاقل عن الجهاد، ورضي بالإخلاد في الأرض بالوعيد الشديد، قال -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلّا تَنْفِرُوا} الآية [التّوبة من الآيتين: 38 - 39].

وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الآية [الأنفال من الآية 24]، قال العلماء في تفسير الآية:{لِمَا يُحْيِيكُمْ} : ِلمَا يصلحكم.

وهذا هو الحرب الذي أعزكم الله به بعد الذلة، وقواكم به على عدوكم بعد القهر منهم لكم، وقد فرضه الله على الناس كما فرض الصلاة والزكاة، قال الله -تعالى-:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

فإذا قام المسلمون بما أمرهم الله به من جهاد عدوهم بحسب استطاعتهم، فليتوكلوا على الله، ولا ينظروا إلى قوتهم وأسبابهم، ولا يركنوا إليها؛ فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب إدالة العدو على المسلمين، ووهنهم من لقاء العدو، لأن الله-تبارك وتعالى أمر بفعل السبب، وأن لا يُتَوَكّلَ إلا على الله وحده، قال-تعالى-:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة من الآية: 23].

وقال -تعالى-: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} الآية [آل عمران، من الآية: 160]، وقال-تعالى- لمحمد صلى الله عليه وسلم:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى} الآية [الأنفال من الآيتين: 9 - 10].

فإذا فعل المسلمون ما أمرهم الله به، وتوكلوا على الله، وحققوا توكله نصرهم الله، وأمدهم بالملائكة، كما هي عادته مع عباده المؤمنين في كل زمان ومكان، قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ

ص: 31

جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصّافات الآيات: 171 - 173]،

وقال تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح الآيتان: 22 - 23].

ونسأل الله لنا ولكم العافية، والهدى، والثبات في الدنيا والآخرة، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"1.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

[مسائل وردت على وَلَدَيْ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب "حسين" و"عبد الله" رحمهما الله]

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مسائل وردت على وَلَدَيْ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب "حسين"، و"عبد الله" -رحمهما الله- فأجابا بما هو الصواب.

[عقيدة الشيخ محمد في العمل والعبادات والفروع]

(الأولى): ما عقيدة الشيخ رحمه الله في العمل في العبادات، والفروع؟ الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

(الجواب) عن الأولى -وبالله التوفيق-: إن عقيدة الشيخ رحمه الله التي يَدِين الله بها هي عقيدتنا وديننا الذي نَدين الله به، وهي عقيدة سلف الأمة وأئمتها من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان؛ وهو اتباع ما دل عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، وعرض أقوال العلماء على ذلك؛ فما وافق كتاب الله وسنة رسوله- قبلناه وأفتينا به، وما خالف ذلك رددناه على قائله. وهذا هو الأصل الذي أوصانا الله به، حيث قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النّساء من الآية: 59].

أجمع المفسرون على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، وأن الرد إلى

1 البخاري: بدء الوحي (1)، ومسلم: الإمارة (1907)، والترمذي: فضائل الجهاد (1647)، والنسائي: الطهارة (75) والطلاق (3437) والأيمان والنذور (3794)، وأبو داود: الطلاق (2201)، وابن ماجه: الزهد (4227) ، وأحمد (1/ 25 ،1/ 43).

ص: 32

الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته؛ والأدلة على هذا الأصل كثيرة في الكتاب والسنة، ليس هذا موضع بسطها.

وإذا تفقه الرجل في مذهب من المذاهب الأربعة، ثم رأى حديثا يخالف مذهبه فاتبع الدليل، وترك مذهبه، كان هذا مستحبا، بل واجبا عليه إذا تبين له الدليل، ولا يكون مخالفا لإمامه الذي اتبعه، فإن الأئمة كلهم متفقون على هذا الأصل كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم أجمعين-.

قال الإمام مالك: كل أحد يُؤْخَذُ من قوله ويُتْرَكُ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعي-رحمه الله تعالى- لأصحابه: إذا صح الحديث عندكم فاضربوا بقولي الحائط. وفي لفظ: إذا صح الحديث عندكم فهومذهبي. قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النّور من الآية: 63]. أتدري ما الفتنة الفتنة الشرك؛ لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

وقال لبعض أصحابه: لا تقلدني، ولا تقلد مالكا، ولا الشافعي، وتعلم كما تعلمنا.

وكلام الأئمة في هذا كثير جدا مبسوط في غير هذا الموضع.

وأما إذا لم يكن عند الرجل دليل في المسألة يخالف القول الذي نص عليه العلماء أصحاب المذاهب، فنرجو أنه يجوز له العمل به؛ لأن رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا، وهم إنما أخذوا الأدلة من أقوال الصحابة فمن بعدهم؛ ولكن لا ينبغي الجزم بأن هذا شرع الله، وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يتبين الدليل الذي لا مُعارض له في المسألة، وهذا عمل سلف الأمة وأئمتها قديما وحديثا.

والذي ننكره هو التعصب للمذاهب وترك اتباع الدليل

ص: 33

إذا تبين هذا؛ فهذا الذي أنكرناه، وأنكره العلماء في القديم، والحديث.

والله أعلم.

[قال لزوجته: أنت طالق قبل موتي بشهر أو بثلاثة]

(المسألة الثانية): إذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق قبل موتي بشهر، أو بثلاثة، أو قال: قبل موتي بثلاثة أيام أنت طالق، ويطلب هذا الرجل أن يحرم زوجته من الميراث الشرعي، فهل يقع على زوجته طلاق في الحال أم يجوز له أن يطأها إلى أن يموت

(الجواب): الذي نص عليه علماؤنا -رحمة الله عليهم- أنه يجب على الزوج اعتزالها من حين ذلك، لأن كل شهر أو يوم يحتمل أن يموت فيه، فتكون قد طلقت قبله في الوقت الذي وقته، فإذا وطئها والحالة هذه احتمل أن يموت؛ فيكون قد وطئها في حال بينونتها. وأما إذا عرف أن قصده بكلامه ذلك حرمانها من الميراث، فإنها ترثه ولو خرجت من العدة كما هو مذهب الإمام أحمد، وغيره من العلماء؛ وهو الذي تدل عليه قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع غيلان بن سلمة الثقفي لمّا طلق زوجاته، وقسم الميراث بين أولاده.

وهذه المرأة في حال حياة زوجها لها حكم الزوجات من النفقة، والكسوة والسكنى لا في الوطء والنظر؛ فإن ذلك لا يجوز، هذا الذي دل عليه كلام الحنابلة.

والله أعلم.

[قال لغلامه: أنت حر لوجه الله قبل موتي بشهر، وأعطاه جميع ماله]

(المسألة الثالثة): إذا قال لغلامه: أنت حر لوجه الله قبل موتي بشهر، وأعطاه جميع ماله، ومراد هذا الرجل حرمان ورثته؛ فهل يكون الغلام في تلك الساعة حرا، أم يبقى في الرق إلى موت سيده؟ إلى آخره.

(الجواب): إن العتق صحيح، فإذا مات السيد تبين أن العتق وقع قبل موته بما قدر به، وأما المال فلا يصح تمليكه إياه ولا هبته له، لأنه حين تمليكه المال هو رقيق، والعبد لا يملك بالتمليك في أصح أقوال العلماء.

ص: 34

[قال لزوجته: أنت طالق بالثلاث، والمهر زكوي ومؤجل في ذمته]

(وأما المسألة الرابعة): وهي الصداق الزكوي: إذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق بالثلاث، والمهر زكوي، والزوجة معه سنين متعددة، والمهر مؤجل في ذمته، ولم تقبض منه شيئا، والزوج يخرج الزكاة كل سنة. إلى آخره.

(الجواب): إن الطلاق يقع، والزكاة تتعلق بذمة المرأة؛ فإذا أخذت الزكاة من الزوج، رجع عليها.

والله أعلم.

[النذر على رجل حي]

(المسألة الخامسة): هل يجوز النذر على رجل حي مثل أن قال: مالي نذر عليّ لوجه الله على ابني، أو على فلان الأجنبي، هل ينعقد هذا النذر، أو يكون شِرْكًَا إلى آخره.

(الجواب): إن النذر الذي يُقصد به وجه الله في عمل طاعة لله ورسوله كالنذر على فقير معين، أو غيره، فإنه يجب الوفاء به، كما قال -تعالى -:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة من الآية: 270].

وقال-تعالى-: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]. وعن عائشة-رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع الله فَلْيُطِعْهُ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِهِ" 1، ولا يكون هذا النذر شركا، لأن النذر الذي يكون شركا النذر لغير الله، كالنذر لولي يُعْبَدُ من دون الله، أو لِقُبّةٍ، أو لمن يخدمها، أو سدنتها؛ فهذا هو الذي يكون شركا، وهو نذر معصية، لا يجوز نذره، ولا الوفاء به كما تقدم في الحديث.

[التفضيل بين الأولاد في العطية]

(المسألة السادسة): رجل تصدق، أو وهب لأحد من أولاده من ماله زائدا عن الباقين، أو أعطى المال واحدا منهم، هل تصح عطيته، ويحرم الباقين من المال وهل يكون عاصيا لمخالفته الشرع؟

(الجواب): لا يجوز للوالد التفضيل بين أولاده في العطية، بل يحرم

1 البخاري: الأيمان والنذور (6696 ،6700)، والترمذي: النذور والأيمان (1526)، والنسائي: الأيمان والنذور (3806 ،3807 ،3808)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3289)، وابن ماجه: الكفارات (2126) ، وأحمد (6/ 36 ،6/ 41 ،6/ 224)، ومالك: النذور والأيمان (1031)، والدارمي: النذور والأيمان (2338).

ص: 35

عليه ذلك، ويجب عليه ردها، والتسوية بينهم كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "في قصة النعمان بن بشير لمّا نحله أبوه نِحْلَةً، فقالت أمه: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فأتاه فأخبره، فقال: كل أولادك أعطيت مثل هذا؟ فقال: لا. فقال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، وفي لفظ آخر:"لا تشهدني على جور"1، قال النعمان: فرد أبي تلك العطية. وهذا مذهب الإمام أحمد، وغيره، وهو الصواب.

[القيام للأمراء والعلماء وأهل الفضل]

(المسألة السابعة): ما تقولون في القيام في وجوه الأمراء، والعلماء، وأهل الفضل كما يفعله أهل فارس، والروم، وبعض المطاوعة يفتون أن القيام جائز في حق العلماء، وأهل الفضل؟

(الجواب): إنه لا يجوز القيام للعلماء، ولا الأمراء بحيث يتخذ ذلك عادة وسنة، بل ذلك من فعل أهل الجاهلية، والجبابرة كملوك فارس، والروم وغيرهم؛ فإنهم كانوا يفعلون ذلك مع عظمائهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحب أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار"2، وفي حديث آخر عن أنس بن مالك قال:"لم يكن أحد أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: الصحابة، وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك"3.

وثبت في صحيح مسلم، وسنن أبي داود عن جابر قال:"اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه قياما وهو قاعد، وأبو بكر يسمعنا تكبيره، فالتفت إلينا فإذا نحن قيام، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا. فلما سلم قال: إن كنتم لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم، وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم: إن صلوا قياما فصلوا قياما، فإن صلوا قعودا فصلوا قعودا"4.

1 البخاري: الشهادات (2650)، ومسلم: الهبات (1623)، والنسائي: النحل (3681 ،3682 ،3683) ، وأحمد (4/ 273).

2 الترمذي: الأدب (2755)، وأبو داود: الأدب (5229).

3 الترمذي: الأدب (2754).

4 مسلم: الصلاة (413)، والنسائي: السهو (1200)، وأبو داود: الصلاة (602 ،605)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، وأحمد (3/ 334 ،3/ 395).

ص: 36

[الحلف بغير الله تعالى]

(المسألة الثامنة): الحلف بغير الله مثل: الحلف بالنبي، أو الولي، أو رأس فلان، أو تربة فلان، هل يكون هذا شركا أو مكروها؟

(الجواب): الحلف بغير الله من أنواع الشرك الأصغر؛ وقد يكون شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده.

والكفر والشرك أنواع: منها ما يخرج عن الملة، ومنها ما لا يخرج عن الملة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله-تعالى-:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة من الآية: 44]. قال: كفر دون كفر، وشرك دون شرك، وظلم دون ظلم.

فإذا حلف بغير الله جاهلا أو ناسيا فليستغفر الله، وليقل لا إله إلا الله، كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله"1.

[خالف في بعض المسائل مثل القنوت في الفجر]

(المسألة التاسعة): إذا خالف في بعض المسائل مثل: القنوت في الفجر، والجهر بالبسملة في موضع الجهر؛ هل يصح له ذلك، أم يوافق الجمهور وأيهما الأصلح

(الجواب): اعلم أن مسائل الخلاف بين الأئمة لا إنكار فيها إذا لم يُتَبَيّنْ الدليل القاطع، والصحابة قد اختلفوا في أشياء من مسائل الفروع، ولم ينكر بعضهم على بعض، وكذلك العلماء بعدهم، وأن كلا منهم قد قال بما عنده من العلم؛ والصواب عندنا ترك الجهر بالبسملة، وترك القنوت دائما في الفجر إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة؛ فإن السنة قد وردت، وصحت بالقنوت في الفجر في هذه الحالة. وهذا هو الثابت عندنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه الراشدين كما هو مذكور في الكتب الصحيحة كالصحيحين، وغيرهما. والله أعلم.

1 البخاري: تفسير القرآن (4860)، ومسلم: الأيمان (1647)، والترمذي: النذور والأيمان (1545)، والنسائي: الأيمان والنذور (3775)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3247)، وابن ماجه: الكفارات (2096) ، وأحمد (2/ 309).

ص: 37

[تقبيل أيدي الأمراء والعلماء والسادة والخضوع عند تحيتهم]

(المسألة العاشرة): تقبيل أيدي الأمراء والعلماء والسادة وغيرهم، وكذا الخضوع عند تحيتهم بأن يحرك رأسه ويحط يده على صدره أو على رأسه عند التحية، هل يكون شركًا أو مكروهًا؟

(الجواب): لا يجوز تقبيل أيدي العلماء والسادة والانحناء في التحية ويتخذ ذلك عادة وسنة؛ بل ذلك من البدع المحدثة، فينبغي للمسلمين إزالتها والنهي عنها. وأما تقبيل اليد في بعض الأحيان، كتقبيل يد العالم لعلمه، أو من كان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرف نسبه، فلا بأس بذلك إذا لم يُجْعَلْ عادة مستمرة، كما صح في الحديث أن أبا عبيدة قبل يد عمر؛ والفرق أن ما يُفْعَلُ بعض الأحيان فيجوز، وأما ما يُجعل عادة وسنة فلا يجوز؛ وهذا ظاهر عند أهل العلم.

والله أعلم.

[رجل دخل هذا الدين وأحبه، ولكن لا يعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم]

(المسألة الحادية عشرة): رجل دخل هذا الدين وأحبه ولكن لا يعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم، أو قال: أنا مسلم ولكن لا أقدر أن أُكَفّرَ أهل لا إله إلا الله ولو لم يعرفوا معناها 1.

ورجل دخل هذا الدين وأحبه، ولكن يقول: لا أتعرض للقباب، وأعلم أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن ما أتعرضها.

(الجواب): إن الرجل لا يكون مسلما إلا إذا عرف التوحيد، ودان به، وعمل بموجبه، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، وأطاعه فيما نهى عنه وأمر به، وآمن به وبما جاء به. فمن قال: لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم، أو قال: لا أتعرض أهل لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله، أو قال: لا أتعرض للقباب؛ فهذا لا يكون مسلما، بل هو مِمّنْ قال الله فيهم: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا

1 من لا يعرف معناها لا يكون من أهلها (فاعلم أنه لا إله إلا الله).

ص: 38

بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النّساء من الآيتين: 150 - 151]

والله سبحانه وتعالى أوجب معاداة المشركين، ومنابذتهم، وتكفيرهم؛ فقال:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المجادلة من الآية: 22].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} الآيات، [الممتحنة من الآية: 1].

والله أعلم.

[هجرة المسلم من بلده إذا كانت على الكفر أو الشرك]

(المسألة الثانية عشرة): رجل دخل هذا الدين وأحبه، ويحب من دخل فيه، ويبغض الشرك وأهله، ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل الإسلام، ويقاتلون أهله، ويعتذر أن ترك الوطن يشق عليه، ولم يهاجر عنهم؛ فهل يكون مسلما، أو كافرا وهل يعذر بعدم الهجرة؟

(الجواب): أما الرجل الذي عرف التوحيد، وآمن به، وأحبه، وأحب أهله، وعرف الشرك، وأبغضه، وأبغض أهله، ولكن أهل بلده على الكفر والشرك، ولم يهاجر؛ فهذا فيه تفصيل:

فإن كان يقدر على إظهار دينه عندهم، ويتبرأ مما هم عليه من الكفر، والشرك، ويظهر لهم كفرهم، وعداوته لهم، ولا يفتنونه عن دينه لأجل عشيرته، أو ماله، أو غير ذلك فهذا لا يحكم بكفره، ولكنه إذا قدر على الهجرة ولم يهاجر، ومات بين أظهر المشركين، فيخاف عليه أن يكون قد دخل في أهل هذه الآية:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النّساء: 97]، فلم يعذر الله إلا من لم يستطع حيلة، ولا يهتدي سبيلا؛ ولكن قل أن يوجد اليوم مَنْ هو كذلك إلا أن يشاء الله، بل الغالب أن المشركين

ص: 39

لا يدعونه بين أظهرهم، بل إما قتلوه، وإما أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبيلا 1.

وأما إن لم يكن له عذر، وجلس بين أظهرهم، وأظهر لهم أنه منهم، وأن دينهم حق، ودين الإسلام باطل، فهذا كافر مرتد، ولو عرف الدين بقلبه، لأنه يمنعه عن الهجرة محبة الدنيا عن الآخرة، ويتكلم بكلام الكفر من غير إكراه؛ فدخل في قوله-تعالى-:{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النّحل الآيتان: 106 - 107].

[من مات من أهل الشرك قبل بلوغ الدعوة]

(المسألة الثالثة عشرة): فيمن مات قبل هذه الدعوة، ولم يدرك الإسلام، وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم يفعلها، ولم تقم عليه الحجة، ما الحكم فيه وهل يلعن، أو يسب، أو يكف عنه وهل يجوز لابنه الدعاء له وما الفرق بين من لم يدرك هذه الدعوة، وبين من أدركها ومات معاديا لهذا الدين وأهله؟

(الجواب): إن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك، ويدين به، ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، فلا يُدْعَى له، ولا يُضَحّى له، ولا

1 قد كان هذا هو الغالب فيمن حولهم من المشركين في زمنهم، وهو لا يصح على الأمم والممالك في عصرنا؛ فإن أكثر البلاد غير الإسلامية لا تقتل أحدا، ولا تخرجه لأجل دينه، وإن أظهره، وإن صرح بأنه هو المحق وكل من خالفه مبطل وعدو لله -تعالى-، وكذلك البلاد الإسلامية التي فشت فيها البدع المُكَفِّرة وغير المُكَفِّرَةِ، كمصر والآستانة مثلا؛ فإن حرية الدين فيها تامة. ومن كان مقيما لدينه في بلد كهذا لا يصدق عليه أنه ظالم لنفسه، فلا يدخل بمجرد الإقامة في عموم الآية، بل ربما كانت إقامته في أمثال هذه البلاد مفيدة من حيث تكون سببا لاهتداء بعض الناس به كما جربنا بنفسنا.

ص: 40

يُتَصَدّقُ عليه، وأما حقيقة أمره فإلى الله -تعالى-: فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته، وعاند، فهذا كافر في الظاهر والباطن. وإن كان لم تقم عليه الحجة، فأمره إلى الله تعالى.

وأما سبه، ولعنه فلا يجوز، بل لا يجوز سب الأموات مطلقا كما في صحيح البخاري عن عائشة-رضي الله-عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَسبّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا "1، إلا إن كان أحد من أئمة الكفر، وقد اغتر الناس به فلا بأس بِسَبِّهِ إذا كان فيه مصلحة دينية. والله أعلم.

[إنكار الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه أو تأويلها]

(المسألة الرابعة عشرة): في إنكار الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه مثل: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح من الآية: 10]، ثم يقول: يد الله قدرته، أو يؤول الاستواء بالاستيلاء، أو يقول: الله في كل مكان، لا يخلو منه مكان، فهل هذا كافر، أم لا؟

(الجواب): إن من اعتقد هذا الاعتقاد فهو مبتدع، ضال، جاهل، قد خالف العقيدة السلفية التي درج عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، كالأئمة الأربعة، ومن اتبعهم من العلماء، وأما التكفير بذلك، فلا يُحْكَمْ بكفره إلا إذا عرف أن عقيدته هذه مخالفة لما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان. والله أعلم.

[لم يحقق الموالاة والمعاداة ولم يتبرأ من دينه الأول]

(المسألة الخامسة عشرة): فيمن عاهد على الإسلام، والسمع، والطاعة، والمعاداة والموالاة، ولم يف بما عاهد عليه من الموالاة والمعاداة، ولا يتبرأ من دينه الأول، ويدعي أن آباءه ماتوا على الإسلام، فهل يكون مرتدا،، وهل يجوز أخذ ماله وسبيه إن لم يرجع؟

(الجواب): إن هذا الرجل إن اعتقد أن آباءه ماتوا على الإسلام

1 البخاري: الجنائز (1393)، والنسائي: الجنائز (1936) ، وأحمد (6/ 180)، والدارمي: السير (2511).

ص: 41

ولم يفعلوا الشرك الذي نهينا الناس عنه، فإنه لا يحكم بكفره. وإن كان مراده أن هذا الشرك الذي نهينا الناس عنه هو دين الإسلام، فهذا كافر. فإن كان قد أسلم، فهو مرتد يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قُتِلَ، وصار ماله فَيْئًا للمسلمين؛ وإن تاب قبل موته أحرز ماله.

والله أعلم.

[اشترى نخلا ونذر المشتري متى ما دفع البائع أرجع نخله إليه]

(المسألة السادسة عشرة): رجل اشترى نخلا من رجل بثمن معين، وبعد هذا نذر المشتري نذرا: لله عليّ متى ما دفع البائع - أو مَنْ يقوم مقامه- دراهمي أن أرجع عليه نخله. وعلى هذه الصورة يدفع البائع بعد أكل ثمرة النخل سنة واحدة، فهل يصح البيع ويبطل النذر وهذه المسألة علماء فارس يجوزونها. وإذا اشترى الرجل هذا النخل، ونذر أن يرجعه على صاحبه بعد سنة، أو زائد، وبعدما عرف أن النذر لا يجوز، وتاب، ورجع عن هذا النذر، وادعى البائع في النخل، هل له أخذه من المشتري، أم لا؟

(الجواب): إن هذا العقد المذكور في السؤال عقد باطل، وهو حيلة على الربا، وهو من باب "كل قرض جر نفعا فهو ربا"؛ وتحيله بهذا العقد، والنذر لا يحل له الربا، وهي حيلة باطلة، والحيل لا تجوز في الدين.

ويجب على المشتري رد الثمن، ويعود النخل إلى بائعه، وأما ما أكل في حال كفره، وجهله من غَلّة النخل؛ فإنه لا يطالب بذلك. والله أعلم

وأما نذر المشتري أن يرد عليه نخله إذا أتاه بدراهمه؛ فليس هذا شركا كما تقدم في الجواب عن المسألة الخامسة.

[حكم إنفاذ وصية من أعطى بعض أولاده وترك البعض]

(المسألة السابعة عشرة): رجل أعطى بعض أولاده من ماله زائدا على الآخرين، أو أعطى المال ولدا واحدا، وحرم الباقين، ومات الرجل؛ أفيجوز للأمير أن ينفذ وصيته، ويعطي المال، واحدا من الأولاد، ويحرم الباقين؟

ص: 42

أم تبطل الوصية، ويقسم بالحكم الشرعي، وهل يكون الموصي عاصيا لمخالفته لحكم رب العالمين؟ وأكثر العلماء المبطلين جوّزوا عطيته، وحكموا بالمال لواحد، وقالوا: ما دام الإنسان حيًّا له الاختيار في ماله، ولا عليه. بينوا لنا تؤجروا.

(الجواب): الحمد لله. إذا أوصى الرجل لبعض أولاده، أو بعض ورثته، لم تصح الوصية، ولا يجوز إنفاذها بعد موته، وقد اتفق العلماء على أن لا وصية لوارث؛ فإذا أوصى بذلك، فالوصية باطلة إلا إذا أجاز ذلك الورثة، بشرط أن يكونوا راشدين ليس فيهم سفيه، ولا صغير. وأما إذا أعطى بعض أولاده عطية في حال الصحة، وفضّلهم على الآخرين، وقبض المُعْطِي العطية، ومات الوالد ولم يرجع في عطيته، فإن هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: فالأكثرون قالوا: تمضي العطية لمن أُعْطِيَهَا، والإثم على الوالد المُفَضّل بينهم، ولا تحسب من الميراث.

ومن العلماء من قال: إما أن ترد، وإما أن تُحسب عليه من الميراث، ولا يأخذ زيادة على إخوانه، وهذا القول هو أقرب إلى الدليل، وأحوط.

والله أعلم.

[ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم سب المسلمين]

(المسألة الثامنة عشرة): في بلد بلغتهم هذه الدعوة، وبعضهم يقول: هذا الأمر حق، ولا غَيّرَ منكرا، ولا أمر بالمعروف، ولا عادى، ولا وَالَى، ولا أقر أنه قبل هذه الدعوة على ضلال، وينكر على الموحدين إذا قالوا: تبرأنا من دين الآباء والأجداد، وبعضهم يكفر المسلمين جهارا، ويسب هذا الدين، ويقول: دين مسيلمة، والذي يقول: هذا أمر زَيْن، لا يمكنه يقوله جهارا؛ فما تقولون في هذه البلدة على هذه الحال مسلمون، أم كفار وما معنى قول الشيخ، وغيره: إنا لا نُكَفّرُ بالعموم، وما معنى العموم والخصوص؟ إلى آخره.

ص: 43

(الجواب): إن أهل هذه البلدة المذكورين إذا كانوا قد قامت عليهم الحجة التي يكفر من خالفها، حكمهم حكم الكفار؛ والمسلم الذي بين أظهرهم ولا يمكنه إظهار دينه، تجب عليه الهجرة إذا لم يكن ممن عذَره الله. فإن لم يهاجر فحكمه حكمهم في القتل، وأخذ المال. والسامعون كلام الشيخ في قوله: إنا لا نكفر بالعموم، فالفرق بين العموم والخصوص ظاهر، فالتكفير بالعموم أن يُكَفّرُ الناس كلهم، عالمهم وجاهلهم، ومن قامت عليه الحجة، ومن لم تقم عليه؛ وأما التكفير بالخصوص فهو أن لا يُكَفّرَ إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة التي يُكَفّرُ مَنْ خالفها. وقد يُحْكَم بأن أهل هذه القرية كفار حكمهم حكم الكفار؛ ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه؛ لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه، ولا يعلمه المسلمون، كما قال -تعالى- في أهل مكة في حال كفرهم:{وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية [الفتح من الآية: 25].

وقال-تعالى-: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} الآية [النّساء من الآية: 75]، وفي الصحيح عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: كنت أنا، وأمي من المستضعفين.

وأما أهل القرية الذين عاهدوا على الإسلام، ولم يهدموا القباب، ولم يعادوا ولم يوالوا، وفيهم رجلان، أو ثلاثة يدّعون التوحيد، فاعلم-رحمك الله-أن مجرد العهد على الإسلام لا يكون الرجل به مسلما حتى يعمل بما عاهد عليه من توحيد الله، والتبري من الشرك وأهله، وإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها بشروطها وأركانها، وأداء الزكاة المفروضة، والإيمان بجميع ما جاء به

ص: 44

الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا عاهد على الإسلام ولم يعمل به، واستمر على الشرك بالله، فإنه يكون مرتدا عن الإسلام، وذنبه أعظم من ذنب الكافر الأصلي الذي لم يعاهد قط، ولم يظهر الإسلام.

ولهذا ثبت في الصحيحين، وغيرهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:"من بدل دينه فاقتلوه "1، وفي الصحيح:"أن معاذا لمّا قَدِمَ من اليمن، وجد رجلا عند أبي موسى موثقا في الحديد فقال: ما هذا قال: رجل ارتد بعد إسلامه. فقال: لا أجلس حتى يُقتل: قضاء الله ورسوله. فأمر به فقتل. "2

[قول سيدي فلان ومخدومنا فلان]

(المسألة التاسعة عشر): ما قولكم في قول: سيدي فلان، ومخدومنا فلان، وكما في الدلائل سيدنا، ومولانا محمد، هل يكون شركا؟ وبعض المطاوعة جوزوا هذه الألفاظ، وتركوا كتاب رب العالمين، وجعلوا درسهم دلائل الخيرات إلخ.

(الجواب): إن قول "سيدي"، ونحوه إن قُصِد به أن ذلك الرجل معبوده الذي يدعوه عند الشدة لتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، فإن ذلك شرك أكبر؛ وأما إن كان مراده غير ذلك، كما يقول التلميذ لشيخه: سيدي، أو يقال للأمير والشريف، أو لمن كان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا سيد، فهذا لا بأس به، ولكن لا يجعل عادة وسُنّة بحيث لا يتكلم إلا به. وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أنا سيد ولد آدم"3، وقال في الحسن:"إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"4.

وأما قول صاحب دلائل الخيرات: اللهم صل على سيدنا، ومولانا محمد، فلا ينبغي جعل ذلك عادة وسُنّة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أمته كيف يصلون عليه، ولم يذكر ذلك الكلام فيه.

[تسمية مالك ونافع ومحسن]

(المسألة العشرون): تسمية مالك، ونافع، ومحسن، أو محمد رفيع الدين، أو محمد صادق؛ هل تكون هذه الأسماء شركا، أم لا؟

(الجواب): لا بأس بالتسمي بمالك، ونافع، ومحسن، ومحمد رفيع الدين،

1 البخاري: الجهاد والسير (3017)، والترمذي: الحدود (1458)، والنسائي: تحريم الدم (4059 ،4060 ،4061 ،4062 ،4064 ،4065)، وأبو داود: الحدود (4351)، وابن ماجه: الحدود (2535) ، وأحمد (1/ 217 ،1/ 282 ،1/ 322).

2 البخاري: استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6923)، وأبو داود: الحدود (4354) ، وأحمد (4/ 409).

3 مسلم: الفضائل (2278) ، وأحمد (2/ 540).

4 البخاري: الصلح (2704)، والترمذي: المناقب (3773)، والنسائي: الجمعة (1410)، وأبو داود: السنة (4662) ، وأحمد (5/ 37 ،5/ 44 ،5/ 47 ،5/ 49 ،5/ 51).

ص: 45

ومحمد صادق؛ لأنه لم يرد في الحديث النهي عن ذلك، وقد كان في الصحابة من اسمه: مالك، ونافع، ومحسن، وفي التابعين جعفر الصادق، وغيره. والله أعلم.

[القراءة على القبور وحمل المصاحف إلى القبور]

(المسألة الحادية والعشرون): في القراءة على القبور، وحمل المصاحف إلى القبور، وكما يفعل بعض الناس يجلسون سبعة أيام بالمصاحف على القبور، ويسمونها الشدة، وكذلك اجتماع الناس عند أولياء الميت، ويجلسون سبعة أيام، ويقرؤون فاتحة الكتاب على ساعة، ويرفعون أيديهم بالدعاء، وكذلك يجمعون الناس عند بيت ولي الميت، ويقرءون القرآن، ويطعمون الطعام؛ فهل هذه الأفعال من أفعال الجاهلية المبتدعة؟

(الجواب): إن القراءة على القبور، وحمل المصاحف إلى القبور كما يفعله بعض الناس، يجلسون سبعة أيام، ويسمونها الشدة، وكذلك اجتماع الناس عند أهل الميت سبعة أيام، ويقرؤون فاتحة الكتاب، ويرفعون أيديهم بالدعاء للميت؛ فكل هذا من البدع والمنكرات المُحْدَثة التي يجب إزالتها؛ ولم يكن يُفعل على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ولا في عهد خلفائه الراشدين من ذلك شيء.

ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، قال الله-تعالى-:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب من الآية: 21].

وقال-تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا} [المائدة من الآية: 3]. ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمل الله به دين الإسلام. وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 1، وفي حديث العرباض بن سارية الذي أخرجه أبو داود في سُننه وأحمد في مسنده

"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي، عضوا عليها

1 البخاري: الصلح (2697)، ومسلم: الأقضية (1718)، وأبو داود: السنة (4606)، وابن ماجه: المقدمة (14) ، وأحمد (6/ 73 ،6/ 146 ،6/ 180 ،6/ 240 ،6/ 256 ،6/ 270).

ص: 46

بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" 1 2.

[رجل أظهر الإسلام ووالَى وعادى في بلده وأمير البلد ما خالف عليه]

(المسألة الثانية والعشرون): في رجل أظهر الإسلام في بلده، ووالَى، وعادى في بلده، وأمير البلد ما خالف عليه، وأيده، وصدقه؛ فهل يكون هذا مسلم، أم لا؟ ولا بقي في بلده وثن أبدا، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر حد الاستطاعة.

(الجواب): هذا الرجل إذا أظهر إسلامه في بلده، ووالى وعادى في بلده، وأمير بلده لم يخالف عليه، بل أيده، وصدقه، فهذا مسلم؛ لأنه قد عمل بدين الإسلام، وفعل ما يقدر عليه.

[هل يكفر صاحب البردة وغيره مِمّنْ يوجد الشرك في كلامه؟]

(المسألة الثالثة والعشرون): إن صاحب البردة، وغيره مِمّنْ يوجد الشرك في كلامه، والغلو في الدين، وماتوا، لا يحكم بكفرهم، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام، وبيان أن من اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر. وأما القائل: فيرد أمره إلى الله -سبحانه -، ولا ينبغي التعرض للأموات، لأنه لا يُعلم هل تاب، أم لا. وأما شعر ابن الفارض فإنه كفر صريح، لأنه شاعر الاتحادية الذين لا يفرقون بين العابد والمعبود، والرب والمربوب، بل يقول بوحدة الوجود، وهو من طائفة ابن عربي الذين قال فيهم ابن المقري الشافعي: مَنْ شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر.

والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

1 الترمذي: العلم (2676)، وأبو داود: السنة (4607)، وابن ماجه: المقدمة (42) ، وأحمد (4/ 126)، والدارمي: المقدمة (95).

2 عبارة وكل ضلالة في النار مقحمة هنا وهي ليست من الحديث.

ص: 47