الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجاهلية وعقودهم وعهودهم وأما قوله عليه السلام: "كل حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"1 فهذا فيما وافق الشرع ولم يخالفه، كالتحالف على فعل البر والتقوى، وكالتحالف على دفع الظلم، ونحو ذلك؛ وأما إحداث التحالف بعد الإسلام فلا يجوز؛ لقوله عليه السلام:"لا حلف في الإسلام"2؛ وذلك لأن الإسلام يوجب على المسلمين التعاون والتناصر بلا حلف، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، وقال صلى الله عليه وسلم:"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يشتمه ولا يخذله"3، وقال "المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا"4.
هذا إذا كان الناس مجتمعين على إمام واحد، وأما إذا حصل التفرق والاختلاف -والعياذ بالله-، ولا يمكن التعاون والتناصر إلا بالتحالف، فهذا لا بأس به إذا لم يخالف أحكام الشرع، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم-.
انتهى المنقول من المنقول منه وذلك في 10 شوال سنة 1345، بقلم عبد الله بن إبراهيم الربيعي. هذه المباحث للشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى وعفا عنهم.
{مسائل في الصلاة وما يتعلق بها}
بسم الله الرحمن الرحيم
[المرأة المصابة بالجدري هل يجب عليها الغسل من الجنابة أو الحيض]
(مسألة) في المرأة إذا أتاها الجدري، وحاضت، وانقطع الدم، ولم تغتسل، هل تصلي وتصوم ولا يلزمها إعادة؟ وكذلك هل يجب عليها الغسل من الجنابة أو الحيض إذا أصابها؟
(الجواب): المرأة إذا حاضت وهي مجدورة، فإذا انقطع عنها الدم اغتسلت، فإن عجزت عن ذلك، أو خافت الضرر تيممت ثم صلت وصامت؛
1 مسلم: فضائل الصحابة (2530)، وأبو داود: الفرائض (2925) ، وأحمد (4/ 83).
2 البخاري: الحوالات (2294)، ومسلم: فضائل الصحابة (2529).
3 مسلم: البر والصلة والآداب (2564) ، وأحمد (2/ 277).
4 البخاري: الصلاة (481)، ومسلم: البر والصلة والآداب (2585)، والترمذي: البر والصلة (1928)، والنسائي: الزكاة (2560).
ولا يلزمها إعادة إذا برئت من مرضها، بل عليها أن تغتسل متى قدرت على الغسل بلا ضرر يلحقها.
[المجدور والمريض هل له الصلاة في أسلابه ولا إعادة أو لا]
(مسألة) في المجدور والمريض هل له الصلاة في أسلابه ولا إعادة، أو لا؟
(الجواب): المجدور إذا كان في أسلابه نجاسة لزمه أن يصلي في غيرها، فإن عجز عن غيرها بحيث إنه لم يكن له إلا سلب واحد، ولا يقدر على غيره، والذي عليه لا يقدر أن يحفظه عن النجاسة، فإنه يصلي فيه، ولا يصلي عريانا.
ولكن كثيرا من الناس يتساهل في هذا، فتجد من يقدر أن يفسخ سلبه ويصلي في غيره، لا يفعل ذلك؛ وهذا أمر كبير. بل تجد من الناس من يقدر على الوضوء والغسل من الجنابة ولا يغتسل ولا يتوضأ، ويعدل إلى التيمم بلا مشقة. ومنهم من يصلي قاعدا مع قدرته على القيام.
وكل هذه أمور خطرة على العوام، فينبغي لطالب العلم أن يفطنهم لما يجب عليهم من هذا، ويبين لهم حالة العذر التي تباح فيها الرخصة.
[الذي يصلي مكشوف الرأس]
(مسألة) في الذي يصلي مكشوف الرأس ليس على رأسه شيء بالكلية، هل يجوز ذلك أم لا والذي يصلى وليس عليه إلا القلنسوة التي يسميها (العوام) الطاقية، هل ذلك جائز أم لا؟
(الجواب): الذي يصلي وهو مكشوف الرأس فلا أرى عليه بأسا؛ وستر الرأس في الصلاة ليس بواجب، لأن الرأس ما هو بعورة في حق الرجل، وإنما هو عورة في حق المرأة.
فإذا عرفت أن الذي يصلي ورأسه مكشوف أن صلاته جائزة، فالذي يصلي وعلى رأسه طاقية أولى وأحرى.
[وطء المرأة المجدورة هل هو جائز، وهل يورث ضررا على المجدورة أم لا]
(مسألة) في وطء المرأة المجدورة على هذا الحال هل هو جائز؟
وهل هو يورث ضررا على المجدورة أم لا؟
(الجواب): أما وطء المرأة المجدورة فلا بأس به؛ وأما الضرر، فإن كان على المرأة ضرر في ذلك لم يكن للزوج أن يضرّ بها.
[كيفية قضاء الفوائت]
(مسألة): إذا كان على المريض أو المجدور صلوات فائتة هل يجب قضاؤها على الفور مرتبات، أو يكون كل وقت مع وقت وما صفة الترتيب، وكذلك هل يجب عليه القضاء بالتيمم متى يقدر.
(الجواب): أما المجدور الذي عليه صلوات فائتة هل يقضيها إذا قدر بالتيمم فالأمر كذلك يلزمه القضاء بالتيمم، والقضاء واجب على الفور. ويتيمم ويقضي الفوائت ولا يؤخرها حتى يقدر على الماء؛ لأن الواجب لا يؤخر عن وقته. وأما قولك: هل يصلي كل وقت مع وقته؟ فليس الأمر كذلك؛ بل ذكروا أنه يجب عليه القضاء متتابعا إلا أن يضر به ذلك بحيث لا يقدر، فيقضيها بحسب الاستطاعة في وقتين، أو ثلاثة، أو يومين.
وعبارتهم: ومن فاتته صلوات لزمه قضاؤها على الفور مرتبا ما لم يتضرر بذلك في بدنه، أو يشتغل به عن معيشة هو محتاج إليها.
[قراءة الورد قبل الصلاة]
(مسألة) في الذي يقرأ ورده بعد الصبح وقبل الصلاة إذا تأخر الإمام، هل يجزئه ذلك أم لا وأيما قراءة القرآن، أو الورد في هذه الساعة أحسن وهل جميع ما فعل الإنسان من ذلك فهو جائز، وقول من قال: لا يكفيه قراءة الورد قبل الصلاة هل له أصل؟ وكذلك قراءة القرآن.
(الجواب): قراءة الورد بعد الصبح وقبل الصلاة إذا تأخر الإمام فهو حسن -إن شاء الله- وكاف؛ فإن قرأ القرآن في تلك الساعة، وقرأ ورده بعد الصلاة فحسن أيضا. والقول بأن قراءة الورد قبل صلاة الفجر ما تكفي، فلا أعلم له أصلا.
[هل التراب بدل لكل ما يفعل بالماء]
(مسألة): هل التراب بدل لكل ما يفعل بالماء؟
(الجواب): أما التراب فهو بدل لكل ما يفعل بالماء؛ فمن عجز عن استعمال الماء، أو عدم الماء فالصعيد الطيب طهور.
[حكم جلوس الحائض في المسجد للتعلم أو استماع الذكر]
(مسألة) في الحائض هل لها الجلوس في المسجد لأجل استماع الذكر وتعلم أمر الدين، إذا كان يسأل عنه في المسجد، إذا كانت تأمن التلويث في المسجد، ولم ينفصل منها شيء في المسجد، وكان دمها لا ينفصل من الفرج كذلك النفساء هل حكمها حكم الحائض فيما ذكرنا، أم لا؟
(الجواب): أما الحائض فلا يحل لها الجلوس في المسجد ولو أمنت التلويث، بل تمنع من الجلوس فيه بالكلية؛ وقد نص الفقهاء على أن الحائض لا تجلس في المسجد، ولو بعد انقطاع الدم حتى تغتسل -والله أعلم-. وأما النفساء فحكمها حكم الحائض -والله أعلم-.
[إلقاء السلام على الذي يتوضأ أو يستنجي أو يستجمر]
(مسألة) في السلام هل يسلم على الذي يتوضأ، أو يستنجي، أو يستجمر، أم لا؟ وهل لذلك المسلم عليه رد السلام على هذه الأحوال ويكون واجبا أم لا؟ وما الحال التي يكره السلام عليها؟
(الجواب): أما السلام على الذي يتوضأ فلا أعلم فيه كراهة، فإذا سلم عليه رد عليه السلام؛ وأما السلام على الذي في الخلاء فمكروه، ولا يرد على المسلم. وأما السلام على الذي يستنجي بالماء في المطهرة، فلا أعلم.
[التحدث أثناء الوضوء أو الاستنجاء]
(مسألة) في الحكي والإنسان يتوضأ أو يستنجي، هل هو جائز أم ينهى عنه؟ وهل يفرق بين هذه الأمور أم هي على سبيل الجواز؟
(الجواب): أما الحكي الذي يفعله المستنجون إذا جلسوا كاشفين عوراتهم يتحاكون وهم على هذه الحال، وكذلك المسألة قبلها أعني الذي
في المطهرة فلم أقف على هاتين المسألتين في كلام أهل العلم.
[الجلوس مستدبر القبلة وقت الدرس]
(مسألة) في تلقية الإنسان ظهره القبلة في مثل الدرس وغيره إذا كان مستندًا على جدار؛ وصورة ذلك عندنا إذا سلم الإمام من الصلاة وفرغت المائدة والسنة 1 ثبت الإمام على هيئة الصلاة ووجهه إلى المأمومين وظهره إلى القبلة إلى أن يفرغ الدرس، لأجل أن الدرس عندنا بعد الصلاة في المسجد. هل هذا جائز ولا ينكر على الإمام الذي يفعل ذلك، وهل يفرق بين الإمام والمأموم، وكذلك الفضاء والبنيان؟
(الجواب): أما الجلوس مستدبر القبلة وقت الدرس فما علمت فيه بأسا، وسواء في ذلك الذي يذاكر الناس، أو غيره؛ واستدل العلماء على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى إبراهيم عليه السلام ليلة أسري به وهو مسند ظهره إلى البيت المعمور؛ ولكن الأفضل جلوس الإنسان مستقبلا القبلة إذا كان في عمل صالح، ومن استدبرها لم ينكر عليه.
[التحلق للدروس]
(مسألة): إذا كان الدرس بعد فراغ الصلاة في موضعها، هل يجب على المأمومين التحلق على الدرس إذا كان الإمام يدرس في موضعه الذي صلى فيه، ويجب ذلك أم يكون على هيئتهم، ويثبت كل في موضعه الذي صلى فيه ولم يجب التحلق
(الجواب): أما مسألة التحلق للدرس فهو أفضل، اقتداء بالسلف الصالح؛ وأما إذا وقعت المذاكرة في مثل رمضان وقت قيام الليل، وجلسوا في الصف على هيئتهم إذا جلسوا للصلاة وهم يسمعون القارئ
1 كذا في الأصل.
والمذاكر، فهذا حسن وإن لم يتحلقوا.
[الكتابة في المجلس الذي فيه جماعة جالسون]
(مسألة) في الخط، مثل الرسالة أو شيء من العلم في موضع يجلس فيه ويمشى معه، ويقول الكاتب: أنا أكتب بيني وبين نفسي، ولم أشغل أحدا ولم يشغلني؛ وقد يكون للكاتب في ذلك مقاصد، إما بذل علم وكف أذى وإيصال للمسجد؛ وينكر بعض الجهال على من فعل ذلك هل يكون مع المنكر دليل؟ وهل يكون مع الخط في المجلس بأس؟
(الجواب): أما الكتابة في المجلس الذي فيه جماعة جالسون فلا فيه بأس، خصوصا إذا صار ما يرفع صوته بالحديث الذي هو يكتب فيه، ولا يشغله الكلام عما هو فيه؛ فأما إن كان يتكلم بالحديث فلا يناسب أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، بل المناسب التأدب مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنْزيهه عن اللغط؛ وأما إذا لم يكن هناك محذور فلا بأس، ومن نهى عن ذلك فلا أعلم معه دليلا.
[ما يأخذه الجزار من الذبيحة إذا ذبحها]
(مسألة) فيما يأخذ الجزار من الذبيحة إذا ذبحها إذا كان له عادة بأخذها معروفة، هل هي جائرة أم لا؟ وهذه جارية عندنا، إذا كان الإنسان قصابا أخذ من الذبيحة من رأسها قبل القسم والبيع، مثل القلب، وما يتعلق به، ومثل الأطراف والنجتية، وغير ذلك؛ ثم يقسم باقي اللحم على ما أرادوا، والذي هو يأخذه معروف ومشتهر عند أهل البلد. وأما الأجنبي فقد يكون بجهله شيء من ذلك، ولكن ينكر بعض العوام على فاعل ذلك، ويقول القصاب: أنا آخذ شيئا جارية به العادة ومعروف، هل جائز أم لا؟
(الجواب): ما يأخذه الجزار من الذبيحة أجرة له، فهذا إذا كان
عرفا جاريا في البلد ولا فيه جهالة، بل شيء معروف، فهذا لا بأس به، وإن لم يشترطه وقت الذبح؛ لأن من استأجر على شيء ولم يبين الأجرة انصرف إلى أجرة المثل، والله أعلم.
[سجود الإمام للسهو بعد السلام]
(مسألة): إذا سها الإمام في الصلاة، ووجب عليه السجود للسهو، ولكن أراد الإمام أن يجعل سجود السهو بعد السلام، وسلم الإمام، وتابعه بعض المأمومين بالسلام جهلا، وبعضهم لم يسلم ظانا أن الإمام ساه أيضا، والإمام مقصده جعل السجود بعد السلام، ماذا يكون فيمن لم يسلم هل تفسد صلاتهم أم لا وهل يفرق بين الجاهل وغيره؟
(الجواب): إذا سلم الإمام قبل أن يسجد للسهو، وتابعه بعض المأمومين في السلام دون بعض، فالذي ينبغي في هذا متابعة الإمام في السلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"1.
وترك المتابعة من الاختلاف عليه، لكن إذا ترك الإنسان المتابعة جهلا منه، فأرجو أن لا يكون عليه إعادة، لأن الجاهل يغتفر له ما لا يغتفر للعالم المتعمد.
[محل التشهد الأول في حق من أدرك ركعة من المغرب مع الإمام]
(مسألة): إذا لم يدرك الإنسان إلا ركعة من المغرب هل يجلس للتشهد إذا صلى ركعتين، ثم ينهض ويأتي بالأخرى، أم يسرد الركعتين بلا تشهد، أم غير ذلك؟ وهل يجب على الذي لم يجلس للتشهد في هذه الحال سجود سهو أم لا؟
(الجواب): محل التشهد الأول في حق من أدرك ركعة من المغرب مع الإمام، فهذا فيه اختلاف بين العلماء؛ والمشهور أنه يتشهد عقيب الركعة الأولى من القضاء، ولا يسردهما. فلو سردهما إنسان، لم يضيق عليه لأجل اختلاف العلماء، وليس مع المخالف دليل واضح على المنع فيما يظهر لي.
1 البخاري: الأذان (722)، ومسلم: الصلاة (414)، والنسائي: الافتتاح (921 ،922)، وأبو داود: الصلاة (603)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (846 ،1239) ، وأحمد (2/ 230 ،2/ 314 ،2/ 341 ،2/ 376 ،2/ 411 ،2/ 420 ،2/ 475)، والدارمي: الصلاة (1311).
[صلاة النساء فوق سطح المسجد أعلى من الرجال]
(مسألة) في صلاة النساء فوق سطح المسجد أعلى من الرجال، إذا كان الرجال في المصابيح والنساء فوقهم في أعلى المسجد، يصلين بالانفراد غير متابعات للإمام، هل هذا جائز أم لا؟
وهل يفرق بين كونهن في مقدم السطح متقدمات على الإمام والجماعة إذا لم يتابعن الإمام في الصلاة لأجل الانفراد، وكذلك تأخرهن في آخر السطح بقدر صفوف الرجال.
(الجواب): أما مسألة صلاة النساء فوق سطح المسجد فوق الرجال، فلا أعلم فيه بأسا، سواء كن يصلين مع الإمام، أو منفردات. وقولك: هل يفرق بين مقدم السطح، أو مؤخره؟ فإن كن يصلين مع الإمام وجب عليهن أن لا يتقدمن على الإمام، فإن كن منفردات فما علمت في تقدمهن في مقدم السطح بأسا إذا لم يكن في السطح رجال.
[الصلاة في مشب الضوء]
(مسألة) في الصلاة في مشب الضوء ومثل موقد، أو دكة وغير ذلك إذا لم يستقبل المصلي الضوء، وكذلك الصلاة في أسطحة ما ذكرنا
(الجواب): أما الصلاة في الموقد والدكة فما علمت فيه بأسا لكن لا يستقبل الضوء، وكذلك في سطح الموقد لا بأس بذلك.
[صلاة الجماعة للمسافر]
(مسألة) في المسافر إذا كان في البلد وهو يقصر الصلاة، هل يلزمه الدخول مع الجماعة لأجل تمام الصلاة، أم يصلي وحده ويقصر، ولو كان في البلد، وأمر ذلك إليه أم ما فعل فهو جائز. وهل يفرق بين الواحد والجماعة من المسافرين أم لا؟
(الجواب): الجماعة واجبة حضرًا وسفرًا، مثل ما تفهم، فإذا كان المسافر في البلد جاز له القصر؛ لكن إن لم يكن عنده جماعة يقصرون لزمه الصلاة مع المقيمين، ويتم معهم الصلاة؛ لأن الجماعة لا تسقط بالسفر.
[مرور المسافر بمسجد بعد الأذان]
(مسألة): إذا كان الإنسان مسافرا، ومر بمسجد وقت الصلاة فيه جماعة، والوقت قد دخل، وقد أذن المؤذن هل يلزمه أن يصلي مع الجماعة ويتم الصلاة أم يصلي في موضعه وهل ينكر على الإنسان إذا مر بالمسجد على هذه الحال ولم يصل فيه، أم أمر ذلك عند صاحب السفر، أم غير ذلك؟
(الجواب): الذي يمر بالمسجد بعد الأذان فلا يتعداه حتى يصلي إلا أن يكون في طريقه مسجد آخر يصلي فيه، فهذا لا بأس به، إلا أن يكون قد دخل المسجد بعد الأذان فلا يخرج منه حتى يصلي.
[صلاة المريض المتنجس البدن والثوب]
(مسألة) في المريض الذي يصيبه نجاسة في بدنه، أو في سلبه، ويشق عليه التحرز من ذلك لأجل المرض، ويصلي بالتيمم على هذه الحال على قدر حسبه هل صلاته تامة ولا يقضي، أم يجب عليه القضاء؟ وهل يفرق بين نجاسة البدن وبين مواضع الوضوء وغيرها وبين السلب
(الجواب): المريض الذي في بدنه نجاسة لا يقدر على إزالتها، فهذا يصلي بحسب استطاعته، ولا يعيد. فإن كانت النجاسة في ثيابه، وقدر على خلعها ويلبس ثيابا طاهرة، وجب عليه ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"1، فإن لم يقدر على خلعها صلى فيها، ولا إعادة عليه في أصح القولين.
[صلاة التراويح وأقل ما تصح به الصلاة]
(مسألة) في العجلة في صلاة التراويح التي صار الناس يؤدونها بالسرعة، وأيضا إذا حصلت العجلة في الأفعال والأقوال صلى أكثر الناس، فإذا تريض الإمام في القراءة، أو في التسبيح، أو غيره من أفعال الصلاة ما صلى إلا قليل من الناس، وتبين أن المصلحة في العجلة، ويستحبون الجماعة السريعة، ولكن ما العجلة التي تخل من التي لا تخل وهل يقتصر الإمام على تسبيحة
1 البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، ومسلم: الحج (1337)، والنسائي: مناسك الحج (2619)، وابن ماجه: المقدمة (2) ، وأحمد (2/ 247 ،2/ 258 ،2/ 313 ،2/ 355 ،2/ 428 ،2/ 447 ،2/ 467 ،2/ 482 ،2/ 495 ،2/ 508).
واحدة وهي التي لا بد منها، أم لا بد من أدنى الكمال الثلاث ويصير التطوع مثل الفرض، أم يفرق بينهما على حسب الحاجة والمصلحة، أم غير ذلك وما المستحب في صفة صلاة التراويح، هل هي عشرون ركعة ولا يزاد عنها ولا ينقص، أم غير ذلك وما يقرأ في ذلك
(الجواب): قولك: إن الإمام إذا استعجل صلى معه أكثر الناس، وإذا طوّل لم يصل معه إلا القليل؛ فالشيطان له غرض، ويحرص على ترك العمل؛ فإن عجز عن ذلك سعى فيما يبطل العمل. وكثير من الأئمة في البلدان يثقل في صلاة التراويح فعل أهل الجاهلية، ويصلون صلاة ما يعقلونها ولا يطمئنون في السجود ولا في الركوع والطمأنينة (وهي) ركن ما تصح الصلاة إلا بها؛ والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى، واتعاظه لكلام الله إذا يتلى عليه، والخشوع، والطمأنينة، وهذه في الغالب ما تحصل للإنسان الذي يود العجلة. إذا أردت أن تصلي مع الإمام عشرين مع العجلة فصل معه عشرا بخشوع وطمأنينة فهي أنفع لك من كثرة الركعات بلا خشوع ولا طمأنينة.
وهذا الذي ذكرناه هو الذي ينبغي فعله، وأما إذا حدث فرقة بين الجماعة وبين الإمام، وصار هواهم في التخفيف، ولا وافقوه على فعل السنة، فالذي ينبغي له الحرص على الطمأنينة، ولا يستعجل عجلة تخل بالطمأنينة، وعلى هذا الحال تقصير القراءة مع الخشوع في الركوع والسجود أولى من طول القراءة مع العجلة المكروهة؛ وكذلك صلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة في الركوع والسجود أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله فيها؛ ورب قليل خير من كثير.
وأما قدر التسبيح في الركوع والسجود فأدنى الكمال ثلاث، فإن اقتصر على تسبيحة واحدة أجزأه، وسواء في ذلك الفريضة والنافلة.
وأما صفة صلاة التراويح وعددها، فالذي ذكره العلماء أن التراويح عشرون ركعة، وأن لا ينقص عن هذا العدد إلا إن أراد أن يزيد في القراءة بقدر ما ينقص من الركعات؛ ولهذا اختلف عمل السلف في الزيادة والنقصان، وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب كانت صلاتهم عشرين ركعة. وأما القراءة فاستحب أهل العلم للإمام أن لا ينقص عن قراءة جزء ليحصل للناس سماع جميع القرآن في التراويح.
[ترك الاستفتاح والتعوذ بعد الركعتين الأوليين لصلاة التراويح]
(مسألة): إذا أراد الإمام أن يترك الاستفتاح والتعوذ في مثل هذه التراويح بعد الركعتين الأوليين لأجل ما ذكرنا، هل له ذلك أم لا بد من الإتيان بهما جميعا في كل ركعتين أم غير ذلك؟
(الجواب): أما الاستفتاح فلا بأس بتركه إذا استفتح في أول الصلاة، ثم بعد ذلك يقتصر على التعوذ والبسملة بعد تكبيرة الإحرام، فلا بأس بذلك، لأن الاستفتاح سنة؛ ولو تركه الإنسان في الفرض صحت صلاته.
[الاقتصار على التشهد الأول في كل ركعتين]
(مسألة): إذا أراد الإنسان أن يقتصر على التشهد الأول في كل ركعتين هل له ذلك، أم لا بد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(الجواب): أما التشهد فالذي لا بد منه هو التشهد الأول، ثم يقول:"اللهم صل على محمد"، فإن اقتصر على ذلك أجزأه، وإن زاد فهو أفضل وأكمل.
[حد السرعة في القراءة في التراويح]
(مسألة): ما حد السرعة في القراءة في التراويح التي يمنع منها الإمام، هو لا بد من القراءة المعتادة من الترتيل والتدبر، أم الأمر واسع بعض الأحيان لأجل صلاة أكثر الناس، ومثل ما قال أحمد رحمه الله: إنما
الأمر على ما يحتمل الناس، ومثل العجلة من الراضة نرى إذا استعجل الإمام صلى غالب الناس جميع التراويح، ولا ينصرفون إلا إذا انصرف الإمام، ويحصلون الفضيلة أعني قيام الليل مع الإمام حتى ينصرف إلى آخره، وإذا تريض الإمام وصار ثقيلا ما صلوا إلا بعض الصلاة.
(الجواب): أما السرعة في القراءة، فالترتيل أفضل من السرعة؛ والسرعة المباحة هي التي لا يحصل معها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه. وأما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه، ولا يسقط شيئا من الحروف فهذا حسن، ولا يضره مع ذلك سرعته في القراءة.
[وقت الانصراف من القيام في العشر الأواخر]
(مسألة) في القيام في العشر الأواخر، متى يكون وقت الانصراف آخر الليل إلى ما دونه؟ هل له وقت واحد في البكر والصيف أم الأمر واسع، ومثل ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم "قام ليلة إلى ثلث الليل، وليلة إلى نصف الليل، وليلة سبع وعشرين إلى الفجر"مثل ما ذكر عن بعضهم أنه خشي أن يفوتهم الفلاح 1 والي أيحن نعامل ينصرفون من القيام مبكرين يقرأ القارئ خمسة أجزئة أو أكثر وحد دون هذا قبل الصبح، وإذا عفا الله عنك كني ما أتحاسن هذا لأجل إذا جاء وقت السحر الفضيل، وإلى أن أكثر الناس خصوصا المقيمين رقودًا إلى الصبح، وإلا لو هم جلوس على قراءة أو ذكر كان أفهم أنهم في صلاة أم الأمر على ما جاز للجماعة.
(الجواب): أما وقت الانصراف من القيام في العشر الأواخر، فما علمت فيه تحديدا، وقيام آخر الليل أفضل من أوله، والأحسن في هذا
1 من هنا إلى آخر المسألة طبق الأصل وهو غير مفهوم.
أن الإمام يفعل الأمر الذي لا يشق على المأمومين مع الحرص على الصلاة آخر الليل، فإذا تحرى الوقت الذي يتسع لحاجات الناس آخر الليل بحيث لا يشق، ولا يضيق الوقت عن حاجاتهم فما زاد عنه لا حاجة إليه، واشتغالهم بالصلاة آخر الليل أولى من النوم.
[النهي عن صلاة ركعة بعد الوتر]
(مسألة) في قوم إذا سلم بهم إمامهم من التراويح قام بعد السلام يلحق ركعة يشفع بها وتره الذي أوتر في وقت الإمامة لأجل أن يريد أن يوتر آخر الليل، مثل هذا يشكل علينا هل للإمام فعل ذلك أم لا؟
(الجواب): في الإمام إذا سلم من الوتر قام فصلى ركعة ينقض بها وتره، فمثل هذا ينهى عنه، ولا علمت أحدا من السلف فعله، فإذا أحب الإمام أن يجعل وتره آخر الليل، فلينصرف إذا فرغ من التراويح، ويستخلف من يوتر بالمأمومين.
فإن أحب أن لا ينصرف إلا بعد الفراغ من الوتر فإذا بقي ركعة من الوتر، استخلف غيره يصلي بهم تلك الركعة، ويصلي معهم تلك الركعة، فإذا سلم الإمام قام قبل السلام وشفعها بركعة. والمسألة التي فيها الاختلاف في نقض الوتر غير هذه، وصورتها أن يوتر أول الليل، ثم يبدو له بعد ذلك أن يتنفل آخر الليل هل ينقض وتره بركعة إذا قام آخر الليل ثم يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر؟ أم لا ينقضه بل يصلي مثنى مثنى ولا يعيد الوتر
فهذه المسألة الخلاف فيها مشهور، وأما المسألة المسؤول عنها فلا ينبغي فعلها وفي الحديث:"لا وتران في ليلة"1.
[صلاة النساء مع الرجال في صف واحد]
(مسألة) في صلاة النساء مع الرجال في صف واحد ماذا يكون فيها، وصورتها إذا كان في رمضان، وصف الرجال في الصف الأول، وفضل فيه
1 الترمذي: الصلاة (470)، والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1679)، وأبو داود: الصلاة (1439).
بعضه، هل يصح للنساء أن يصففن فيه ويخلين بينهن وبين الرجال فرجة، ولكنهن في طرف صف الرجال، هل يجوز ذلك للحاجة مثل برد، أو استماع قراءة أم لا؟
(الجواب): وقوف النساء مع الرجال في صف واحد مكروه، والسنة وقوفهن خلف الرجال؛ هذا هو الذي وردت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقوف النساء مع الرجال في صف واحد ما يناسب، وقد ورد في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أخروهن من حيث أخرهن الله"، والله أعلم.
[المسافر إذا مر بالماء ولم يستعمله وصلى بالتيمم]
(مسألة) في المسافر إذا مر بالماء في الوقت ولم يستعمله وصلى بالتيمم، هل يعيد أم لا؟
(الجواب): المسافر إذا مر بالماء في الوقت فلم يستعمله وصلى بالتيمم هل يعيد فالمسألة فيها خلاف بين الفقهاء والعلماء، وفيها وجهان للأصحاب، والمذهب أنه لا إعادة عليه؛ لأنه في تلك الحال عادم للماء.
[صلاة الجمعة للمسافر]
(مسألة) في المسافر إذا أتى بلدا، وأدركته الجمعة فيها، وأمره أهل البلد أن يصلي بهم الجمعة، هل له أن يفعل على قول أبي حنيفة والشافعي ومالك أم لا وكذلك في المسافر إذا كان نيته الإقامة في البلد فوق أربعة أيام، وكان إمام المسجد ليس بحاضر، فأمره أمير البلد والجماعة أن يصلي بهم الجمعة والجماعة، فأجاب إلى ذلك، هل هذا جائز أم لا وكذلك هل يكون الذي يعيب على ذلك الفاعل مصيبا وله دليل أم هذا من الجهل وهل يعاب هذا على فاعله أم لا؟ وأيما أفضل إجابة الإنسان لهذه المسألة ونحوها، أو امتناعه
(الجواب): المسافر إذا قدم البلد ولم ينو إقامة تمنع من القصر والفطر في
رمضان، فهذا لا جمعة عليه بحال؛ فإن صلى الجمعة مع أهل البلد أجزأته، والأفضل في حقه حضورها إذا لم يمنع مانع.
فإن كان المسافر قد نوى إقامة مدة تمنع القصر والفطر، فهذا تلزمه كغيره؛ فإذا كان في بلد تقام فيها الجمعة وجب عليه حضورها. وأما إمامته في الجمعة، فالمذهب أنه لا يجوز أن يؤم فيها بحال، ولا يكمل به العدد المعتبر؛ لأن من شروط الجمعة الاستيطان، وهذا ليس بمستوطن. وذهب مالك، وأبو حنيفة والشافعي إلى أن له أن يؤم فيها، وهذه المسألة من مسائل الخلاف؛ ولا أعلم فيها دليلا من الجانبين.
فإذا كانت من المسائل الاجتهادية فلا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولا يجوز الإنكار على الفاعل، خصوصا إذا كان قد علم الخلاف بين العلماء في الجواز وعدمه، وعمل على قول المجيزين؛ ولا يجوز نسبته إلى الجهل والحالة هذه.
وأما قولك أيما أفضل إجابة الإنسان لمثل هذه المسألة ونحوها، أو امتناعه؟ (فالأفضل) في حقه العمل بالأحوط، ولا يؤم في الجمعة وهو مسافر إلا إن كان قد بان له، وترجح عنده الجواز، وأن القول بالمنع لا وجه له، فتلك حالة أخرى. وأما إذا ترجح عنده الجواز، وعمل بقول الجمهور، فلا يجوز الإنكار عليه إذا رضي أهل البلد بإمامته لغيبة الإمام، أو قدمه الإمام بنفسه -والله أعلم-.
[وقوف المأمومين في الصف الثاني قبل إتمام الأول]
(مسألة) في الذين يصفون في الصف الثاني والأول لم يتم لأجل إدراك الركعة ونحو ذلك، ماذا يكون فيهم إذا كان مأمورا بإتمام الصف الأول فالأول هل الصلاة تتم على هذه الحال أم لا؟
(الجواب): إذا صف بعض المأمومين في الصف الثاني ولم يتم الأول، هل تصح صلاتهم أم تلزمهم الإعادة؟ فنقول، بل تصح صلاتهم، ولا إعادة عليهم؛ لكن يؤمرون بإتمام الصف الأول فالأول للأحاديث الواردة في ذلك.