الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو ثلاث عشر. قال: وكلّه حسن، كما نصّ عليه أحمد رحمه الله. قال الشّيخ: فيكون تكثير الرّكعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، وقد استحبّ أحمد أنّه لا ينقص في التّراويح عن ختمة، يعنِي في جميع الشّهر. وأمّا قوله سبحانه:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ، [الذّاريات: 17]، فالهجوع اسم للنّوم باللّيل.
والمشهور في معنى الآية: أنّهم كانوا يهجعون قليلًا من اللّيل ويصلّون أكثره، وقيل: المعنى أنّهم لا ينامون كلّ اللّيل بل يصلّون فيه، إمّا في أوّله أو آخر. أمّا الاستغفار فيراد به الاستغفار المعروف وأفضله سيّد الاستغفار. وقال بعض المفسِّرين:{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ، [الذّاريات: 18]. أي: يصلّون؛ لأنّ صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة، وإذا صار الإنسان يجلس في المسجد فلا بأس من كونه يجعل عصاه في مكانٍ فاضلٍ بحيث إنّه لا يخرج إلّا لما بدّ منه من نحو وضوء وفطور وسحور ونحوه، وأمّا إن كان يخرج لنحو بيع وشراء وكد فلا يجوز. والله أعلم.
فائدة:
سُئِل الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبو بطين رحمه الله، وعفا عنه عن الذي يروى: "مَن كفّر مسلمًا فقد كفر
".
فأجاب -عفا الله عنه-: لا أصل لهذا اللّفظ فيما نعلم عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وإنّما الحديث المعروف:"مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". ومَن كفّر إنسانًا أو فسّقه أو نفّقه متأوّلًا غضبًا لله تعالى فيرجى العفو عنه كما قال عمر رضي الله عنه في شأن حاطب بن أبي بلتعة أنّه منافق، وكذا جرى من غيره من الصّحابة وغيرهم.
وأمّا مَن كفّر شخصًا أو نفّقه غضبًا لنفسه أو بغير تأويلٍ فهذا يخاف عليه، وأمّا مَن جعل سبيل الكفار أهدى من سبيل المؤمنين، فإن كان
مراده حال أهل الزّمان اليوم كأن يقول: إنّ فعل مشركي الزّمان عند القبور وغيرها أحسن مِمَّن لا يدعو إلّا الله ولا يدعو غيره، فهذا كافر بلا شكّ، وكذا قولنا: إن فعل مشركي الزّمان عند القبور من دعاء أهل القبور وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والذّبح والنّذر لهم، وقولنا: إنّ هذا شرك أكبر وأنّ مَن فعله فهو كافر، والذين يفعلون هذه العبادات عند القبور كفار بلا شكّ، وقول الجهال إنّكم تكفّرون المسلمين، فهذا ما عرف الإسلام ولا التّوحيد. والظّاهر عدم صحّة إسلام هذا القائل، فإن لم ينكر هذه الأمور اليت يفعلها المشركون اليوم، ولا يراها شيئًا فليس بمسلمٍ. اهـ.
فائدة: قال الأصحاب: الدّار داران: دار إسلامٍ ودار كفرٍ، فدار الإسلام هي التي تجري أحكام الإسلام فيها وإن لم يكن أهلها مسلمين، وغيرها دار كفرٍ، وكرهوا التّجارة والسّفر إلى أرض العدوّ، وبلاد الكفر مطلقًا. قوله: مطلقًا، سواء أظهر دِينه أم لا؟ وإن عزج عن إظهار دِينه حرم السّفر إليها. قال في الفروع: وجزم غيره، يعنِي غير شيخه بكراهة التّجارة السّفر إلى أرض كفرٍ ونحوه كأرض بدع.
وقال شيخنا أيضًا: لا يمنع منه إذا لم يلزموه بفعل محرمٍ أو ترك واجبٍ، وينكر ما يشاهد من المنكر. انتهى. وذكر قبل ذلك تحريم شهود عيد اليهود والنّصارى إلى أن قال: لا بيع لهم فيها، نقله مهنا. وحرمه شيخنا، وخرّجه على ما ذكره من روايتين منصوصتين في حمل التّجارة إليهم.
قال حرب: قال عبد الله بن أحمد: سألت أبِي عن رجلٍ اكتسب مالًا من شبهة هل صلاته وتسبيحه تحط عنه من مأثم ذلك؟ فقال: إن صلّى وسبّح يريده بذلك فأرجو. قال الله تعالى: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئا} الآية، [التّوبة، من الآية: 102].
- 17 -
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن عبد الرّحمن أبي بطين، إلى الولد عليّ بن عبد العزيز بن سليم، زاده الله علمًا ووهب لنا وله حكمًا.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد؛
موجب الخط السّلام والخط وصل، وصلك إلى الخير، وسرّنا ما ذكرت أتم الله نعمته على الجميع، وغير ذلك سألت عن معنى الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطّعام حتّى يجري فيه الصّاعان: صاع البائع، وصاع المشتري، فهذا مثل الحديث الآخر:"إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل"، يستدلّ بذلك إذا اشترى شيئًا بكيلٍ أو وزنٍ فإنّما يحصل قبضه بالكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، ولا يتصرّف فيه قبل كيله، فإذا اشترى شيئًا بالكيل قبضه بصاعه، وإذا باعه قبضه المشتري منه بصاعه.
وأمّا حديث عهدة الرّقيق فاستدلّ بهذا المكالية في قولهم: عهدة الرّقيق ثلاثة أيّام، يعنون إذا اشترى فأصابه عيب أو غيره فهو من ضمان البائع، واحتجّوا بحديث عقبة لكن الذي رأينا فيه ثلاثة أيّام، وأكثر العلماء لا يرون ذلك. قال الإمام أحمد: ليس فيه حديث. وقال ابن المنذر: لا تثبت العهدة في حديث. وأمّا حديث اعطوا كلّ سورة حظّها من الرّكوع والسّجود فالظّاهر أنّ المراد لا يزيد في الرّكعة على سورة وفي هذه المسألة خلاف، فالأكثرون من العلماء على أنّه لا يكره الجمع بين سورتين فأكثر في الرّكعة الواحدة لقراءة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
- 18 -
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن عبد الرّحمن أبي بطين، إلى الأخ المكرّم عبد الله بن شومر سلّمه الله تعالى وعافاه ووفّقه لما يحبّ ويرضاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد؛
وموجب الخط إبلاغك السّلام، والسّؤال عن الأحوال نسأل الله أن يصلح لنا ولكمن الدّنيا والآخرة.
والخط وصل وصلك الله إلى رضوانه، وسرّنا ما ذكرت من صلاح الأمور، وما سألت عنه من أنّه هل يجوز تعيين إنسانٍ بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئًا من المكفِّرات فالأمر الذي دلّ عليه الكتاب والسّنة وإجماع العلماء على أنّ مثل الشّرك بعبادة غير الله سبحانه كفر.
فَمَن اركتب شيئًا من هذا النّوع أو حسّنه، فهذا لا شكّ في كفره ولا بأس بِمَن تحقّقت منه أشياء من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل، يبيّن هذا أنّ الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتدّ أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدًّا كافرًا، ويستفتحون هذا الباب بقولهم: مَن أشرك بالله فقد كفر، وحكمه أنّه يستتاب، فإن تاب وإلّا قُتِل، والاستتابة إنّما تكون مع معيّن.
ولما قال بعض أهل البدع عند الشّافعي رحمه الله إنّ القرآن مخلوق، قال: كفرت بالله العظيم. وكلام العلماء في تكفير المعيَّن كثير. وأعظم أنواع هذا الشّرك عبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير مَن اتّصف بذلك؛ لأنّ مَن زنا قيل: فلان زانٍ، ومَن رابا قيل: فلان ربا.
- 19 -
بسم الله الرحمن الرحيم
سُئِلَ شيخنا أبو بطين -أيّده الله تعالى- عن بيان حكم الرّافضة، وعن قول مَن يقول: إنّ مَن تكلّم بالشّهادتين ما يجوز تكفيره.
فأجاب رحمه الله عنه ورضي عنه:
سألت عن بيان حكم الرّافضة فهم في الأصل طوائف:
منهم: طائفة يسمّون المفضلة لتفضليهم عليّ بن أبي طالب على سائر الأصحاب، لا يلعنون.
ومنهم: طائفة يزعمون غلط جبريل في الرّسالة، ولا شكّ في تكفير هذه الطّائفة. وأكثرهم في الأصل يعترفون برسالة محمّد صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنّ الخلافة لعليّ، ويلعنون الصّحابة ويفسّقونهم، ونذكر ما ذكره شيخ الإسلام تقيّ الدِّين -رحمه الله تعالى- في حكمهم:
قال -رحمه الله تعالى- في الصّارم المسلول: ومَن سبَّ أصحاب الرّسول، أو واحدًا منهم، واقترن بسبّه دعوى أنّ عليًّا إله، أو نبِيّ، أو أنّ جبريل غلط فلا شكّ في كفر هذا بل لا شكّ في كفر مَن توقّف في تكفيره. ومَن قذف عائشة وقبّح - يعنِي لعن الصّحابة ففيه خلاف، هل يكفر في أو يفسق، توقّف أحمد في كفره. وقال: يعاقب ويجلّد ويحبس حتّى يموت أو يتوب.
قال الشّيخ: وأمّا مَن جاوز ذلك كَمَن زعم أنّ الصّحابة ارتدّوا بعد موت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلّا نفرًا قليلًا، يبلغون بضعة عشرة، أو أنّهم فسقوا فلا ريب أيضًا في كفر قائل ذلك، بل مَن شكّ في كفره، فهو كافر. انتهى.
فهذا حكم الرّافضة في الأصل، فأمّا حكم متأخّريهم الآن، فجمعوا يبن الرّفض والشّرك بالله العظيم بالذي يفعلونه عند المشاهد وهم الذين ما بلغهم
شرك العرب الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمّا مَن يقول إنّ مَن تكلّم بالشّهادتين ما يجوز تكفيره، فقائل هذا القول لا بدّ أن يتناقض، ولا يمكنه طرد قوله في مثل مَن أنكر البعث أو شكّ فيه مع إتيانه بالشّهادتين، أو أنكر نبوّة أحد من الأنبياء الذين سَمّاهم الله تعالى في كتابه. أو قال: الزّنا حلال، أو اللّواط، أو الرّبا، ونحو ذل، أو أنكر مشروعية الأذان أو الإقامة أو أنكر الوتر أو السّواك، ونحو ذلك، فلا أظنّه يتوقّف في كفر هؤلاء ومثالهم إلّا أن يكابر أو يعاند، فإن كابر أو عاند فقال لا يضرّ شيء من ذلك ولا يكفر به مَن أتى بالشّهادتين فلا شكّ في كفره ولا في كفر مَن شكّ في كفره؛ لأنّه بقوله هذا مكذِّب لله ولرسوله ولجميع المسلمين. والأدلّة على كفره ظاهره من الكتاب والسّنة والإجماع.
ويقال لِمَن قال: إنّ مَن أتى بالشّهادتين لا يتصوّر كفره، ما معنى الباب الذي يذكره الفقهاء في كتب الفقه وهو:(باب حكم المتردّ)؟ والمرتدّ هو الذي يكفر بعد إسلامه بكلامٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شكٍّ، وهو قبل ذلك يتلفّظ بالشّهادتين ويصلّي ويصوم، فإذا أتى بشيء مما ذكروه صار مرتدًّا، مع كونه يتكلّم بالشّهادتين، ويصلّي ويصوم، ولا يمنعه تكلّمه بالشّهادتين وصلاته وصومه عن الحكم عليه بالرّدّة. وهذا ظاهر بالأدلّة من الكتاب والسّنة والإجماع.
وأوّل ما يذكرون في هذا الباب الشّرك بالله، فَمَن أشرك بالله فهو مرتدّ، والشّرك عبادة غير الله، فَمَن جعل شيئًا من العبادة لغير الله فهو مشرك، وإن كان يصوم النّهار ويقوم اللّيل فعمله حاط. قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، [الزّمر: 65]. والشّرك عبادة غير الله. والعبادة هي ما أمر
الله به رسوله من إيجابٍ أو استحبابٍ. قال القاضي عياض في كتابه: (الشّفاء):
(فصل: في بيان ما هو من المقالات كفر) إلى أن قال:
والفصل البيّن في هذا أنّ كلّ مقالةٍ صرحت بنفي الرّبوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر إلى أن قال:
والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو أحد الملائكة أو الشّياطين أو الشّمس أو النّجوم أو النّار أو أحد غير الله من مشركي العرب أو أهل الهند أو السّودان أو غيرهم إلى أن قال: أو أن ثَمَّ للعالم صانعًا سوى الله أو مدبِّرًا فذلك كلّه كفر بإجماع المسلمين".
فانظر حكاية إجماع المسلمين على كفر مَن عبد غير الله من الملائكة وغيرهم، وهذا ظاهر ولله الحمد.
ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، فمَن قال إنّ مَن أتى بالشّهادتين وصلّى وصام لا يجوز تكفيره أو عبد غير الله، فهذا كافر، ومَن شكّ في كفره فهو كافر. إلى أن قال: على هذا القول: فهو مكذِّب لله ولرسوله وللإجماع القطعي الذي لا يستريب فيه مَن له أدنى نظر في كلام العلماء، لكن الهوى والتّقليد يعمي ويصمّ:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ، [النّور، من الآية: 40].
وليعلم مَن أنعم الله عليه بمعرفة الشّرك الذي خفي على كثير من النّاس اليوم أنّه قد منح أعظم النّعم: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، [يونس: 58].
{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} ، [الْحجرات، من الآيتين: 7 - 8]. ثم لا يؤمن عليه من ربّه الافتتان بذلك.
اللهم إذا هديتنا للإسلام فلا تنْزعه منّا، ولا تنْزعنّا منه حتّى توفّانا عليه: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ