المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع عشر: - التعيين في شرح الأربعين - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثَّاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الحديث الثالث عشر:

- ‌الحديث الرابع عشر:

- ‌الحديث الخامس عشر:

- ‌الحديث السادس عشر:

- ‌الحديث السابع عشر:

- ‌الحديث الثامن عشر:

- ‌الحديث التاسع عشر:

- ‌الحديث العشرون:

- ‌الحديث الحادي والعشرون:

- ‌الحديث الثاني والعشرون:

- ‌الحديث الثالث والعشرون:

- ‌الحديث الرابع والعشرون:

- ‌الحديث الخامس والعشرون:

- ‌الحديث السادس والعشرون:

- ‌الحديث السابع والعشرون:

- ‌الحديث الثامن والعشرون:

- ‌الحديث التاسع والعشرون:

- ‌الحديث الثلاثون:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون:

- ‌الحديث السادس والثلاثون:

- ‌الحديث السابع والثلاثون:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون:

- ‌الحديث الأربعون:

- ‌الحديث الحادي والأربعون:

- ‌الحديث الثاني والأربعون:

الفصل: ‌الحديث الرابع عشر:

‌الحديث الرابع عشر:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم (1).

المقصود بهذا الحديت يبين عصمة الدماء، وما يباح منها وما لا يباح.

والأصل في الدماء العصمة عقلا وشرعا، أما عقلا فلأن في القتل إفساد الصورة الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم، والعقل ينكر ذلك، وأما شرعا فلقوله عز وجل {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الآية.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليحذر أحدكم أن يحول (أ) بينه وبين الجنة ملء كفٍّ من دم يهريقه بغير حق"(2).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله"(3) ثم استثنى من ذلك ثلاثة يجوز قتلهم لتعلق

(أ) في م أن يكون.

(1)

رواه البخاري 6/ 2665 ومسلم 3/ 1302.

(2)

رواه عبد الرزاق في المصنف 10/ 26 ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير 2/ 159 من حديث جندب بن عبد الله بنحوه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 298 رجاله رجال الصحيح.

(3)

رواه البيهقي في شعب الإيمان 4/ 346 من حديث ابن عمر، وابن ماجه 2/ 874 وابن عدي في الكامل 7/ 2715 من حديث أبي هريرة، وقال: ليس بمحفوظ.

ص: 126

المصلحة به، بل يجب على الإمام ذلك.

أحدهم: الثيب الزاني يقتل رجما، وهل يجلد قبل الرحم؟ فيه خلاف، أوجبه أحمد (1)، ونفاه الشافعي (2) أعني الجلد.

ودليل قتله ما ثبت من القرآن المنسوخ لفظا الثابت حكما {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة} (3) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا (4) والغامدية (5)، والجهنية (6) والتي اعترفت بالزنا فرجمها أنيس (7)، ولأن في الزنا مفسدة عظيمة فكانت الحكمة في درءها بهذا الحد.

والثيب احتراز من البكر فإنه يجلد ويغرب ولا يرحم. وتفاصيل ذلك في الفقه.

والثاني: القاتل يقتل قصاصا لقوله عز وجل {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ورضَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأس يهودي بين حجرين قصاصا بجارية فعل بها ذلك (8)، واقتص الخلفاء بعده، وأجمع عليه الناس،

(1) انظر المغني لابن قدامة 12/ 308.

(2)

انظر المهذب 5/ 372.

(3)

رواه مالك في الموطأ 2/ 824.

(4)

رواه البخاري 6/ 2502 من حديث أبي هريرة.

(5)

روى مسلم قصتها 3/ 1322 من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.

(6)

روى مسلم قصتها 3/ 1324 من حديث عمران بن حصين.

(7)

روى البخاري 6/ 2503 ومسلم 3/ 1324 قصتها من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.

(8)

رواه البخاري 6/ 2524 ومسلم 3/ 1299 من حديث أنس بن مالك.

ص: 127

ولأن في القتل العدوان مفسدة عظيمة، وفي القصاص مصلحة جسيمة دافعة لها فوجب لذلك.

والثالث: التارك لدينه المفارق للجماعة يعني المرتد يقتل لأن في إقراره على الردة حلًّا لنظام عقد الإسلام فوجب قتله دفعا لذلك.

واختلف (أ) في المرأة المرتدة هل تقتل أم لا؟ فقال الشافعي (1) وأحمد (2): تقتل لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"(3) وهو عام في الرجل والمرأة، ولأن إشارة الحديث المذكور إلى أن العلة تبديل الدين، وهي موجودة في المرأة فوجب قتلها كالرجل، وقال أبو حنيفة: لا تقتل (4) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء (5)، وهو خاص فيهن فيقدم على عموم "من بدل دينه فاقتلوه" ولأن العلة في قتل الرجال بالردة أنه لو أُقِرَّ لَلَحِقَ بالكفار فكثَّر سوادهم، وحارب المسلمين فَكُفَّت عاديته بالقتل، وهذا مفقود في المرأة فإنها ليست من أهل الحرب والنكاية فلا يخاف منها.

والأول أجود لسلامة علته من التخصيص بمن لا نكاية له كالأعمى والزمن (ب)

(أ) في س واختلفوا.

(ب) في س والمريض.

(1)

انظر المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي 5/ 249.

(2)

انظر المغني لابن قدامة 13/ 44.

(3)

رواه البخاري 6/ 1098 من حديث ابن عباس.

(4)

انظر رؤوس المسائل للزمخشري 361.

(5)

رواه البخاري 3/ 1098 ومسلم 3/ 1364 من حديث ابن عمر.

ص: 128

والأعرج ونحوهم.

وقوله: "المفارق للجماعة" أي: بقلبه واعتقاده بخلاف قوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"(1) فإن المراد التفرق بأبدانهما.

فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم استثنى الزاني والقاتل والمرتد من المسلم، واستثناء الزاني والقاتل منه ظاهر لأن الزنا والقتل لا يخرجهما عن الإسلام، أما المرتد فاستثناؤه من المسلم مشكل لأنه بالردة يصير كافرا واستثناء الكافر من المسلم لا يجوز.

فالجواب أنه استثنى (أ) من المسلم باعتبار ما كان قبل ردته مسلمًا خصوصًا وعلاقة الإسلام مرتبطة به بدليل أنه لا يقتل حتى يستتاب ثلاثًا، ولهذا قال بعضهم: لا يجوز أن يشتري الكافر مرتدا لبقاء عُلقة الإسلام.

وأكثر ما في هذا الجواب الجمع بين حقيقة المسلم وبين مجازه في جملة واحدة، وهي مسألة خلاف، والظاهر جوازه خصوصًا إذا اقتضاه دليل.

ثم هنا مسائل:

الأولى: أن الله عز وجل قال {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: 33] فأوجب قتلهم وليسوا زناة ولا قاتلين ولا مرتدين، فبطل حصر من يجوز قتله في الثلاثة المستثنين في الحديث.

(أ) في س مستثنى.

(1)

رواه البخاري 2/ 732 ومسلم 3/ 1164 من حديث حكيم بن حزام.

ص: 129

والجواب أن العلماء اختلفوا في قطاع الطريق، فقال بعضهم: إن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن قتلوا فقط قتلوا، وإن أخذوا المال فقط قطعوا (1)، وهؤلاء لا يرد السؤال عليهم لأنهم لم يقتلوا منهم إلا قاتلا كما في الحديث، وذهب بعضهم إلى تخيير الإمام فيهم بين القتل والصلب والقطع والنفي (2)، وهو ظاهر الآية، لكن يلزمهم الجواب عن السؤال المذكور.

وجوابهم عنه بأن قتل قطاع الطريق وإن لم يقتلوا ثبت (أ) بدليل وارد (ب) على الحديث المذكور وهو هذه الآية، ويحمل الحديث على أنه صدر من النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الآية، فلا تنافيه زيادتها عليه، بخلاف ما لو كان صدوره بعدها فإنه يصير مُصادمًا لها.

المسألة الثانية: قوله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" مفهومه حل دم الكافر بدونها حربيًّا كان أو ذميًّا لعموم المفهوم فيهما، لكن خرج منه الذمي بدليل منفصل عن الحديث (3)، فلا يجوز قتله في الذمة

(أ) في س يثبت.

(ب) في م زائد.

(1)

ذهب إلى هذا القول ابن عباس وقتادة وأبو مجلز وحماد والليث والشافعي وإسحاق.

انظر المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي 5/ 449 والمغني لابن قدامة 12/ 475.

(2)

ذهب إلى هذا القول سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن والضحاك والنخعي وأبي الزناد وأبي ثور وداود. انظر المغني لابن قدامة 12/ 476.

(3)

مثل حديث من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما رواه أحمد 4/ 237 والنسائي 8/ 25 عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 130

فيبقى (أ) الحربي على مقتضى المفهوم يقتل.

المسألة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: "النفس بالنفس" يقتضي بعمومه قتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، وهو قول أبي حنيفة (1)، وروى في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلمًا بذمي وقال:"أنا أحق من وفى بذمته"(2) وخالفه الشافعي (3) وأحمد (4) لقوله عز وجل {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} ومفهومه أن الحر لا يقتل بالعبد، ولأن العبد ناقص فلا يؤخذ به كامل، وإن ذلك خلاف ما يقتضيه لفظ القصاص ومعناه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم

(أ) في أفبقي.

(1)

انظر رؤوس المسائل للزمخشري 454، 455.

(2)

رواه أبو حنيفة (مسند الإمام أبي حنيفة لأبي نعيم الأصبهاني 104) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

ورواه عبد الرزاق 10/ 101 ومن طريقه الدارقطني 3/ 135 والبيهقي 8/ 31 عن الثوري عن ربيعة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني يرفعه.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 9/ 290 ومن طريقه الدارقطني 3/ 135 عن حجاج عن ربيعة عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: قتل.

ورواه البيهقي 8/ 30 عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني أن رجلا.

ورواه الدارقطني 3/ 135 والبيهقي 8/ 30 عن إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عبد الرحمن عن ابن البيلماني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى وهو متروك الحديث. والصواب عن ربيعة عن ابن البيلماني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله.

(3)

انظر المهذب للشيرازي 5/ 11.

(4)

انظر المغني لابن قدامة 11/ 466، 473.

ص: 131

بكافر، ولا ذو عهد في عهده" (1) وفي المسألة تأويل وبحث طويل (2).

المسألة الرابعة: عموم قوله {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} يقتضي وجوب القصاص في القتل بالمُثَقَّل كالخشبة والحجر، وهو قول الشافعي (3) وأحمد (4) ولأنه أخذ نفس بنفس، فأوجب القصاص كالقتل بالمُحَدَّدِ، وقال أبو حنيفة: لا قصاص فيه (5) ولو رماه بأبا قبيس، هكذا (أ) لفظه: بأبا قبيس بالألف، وهو لغة في أبا (6) مثل عصا، لأن القتل بالمثقل ليس بكامل، فلا يؤخذ به قتل كامل، وذلك يلزمهم في قتل الحر بالعبد.

المسألة الخامسة: عموم قوله "التارك لدينه" يقتضي أنه إذا تهَوَّد نصراني، أو تنصَّر يهودي أنه يقتل لأنه تارك لدينه.

ولقائل أن يقول: التارك لدينه مستثنى من المسلم كالزاني والقاتل، وحينئذ لا يدل على ما ذكرتم وهو سؤال صحيح.

المسألة السادسة قوله: "الثيب والقاتل والمرتد" هي بيان لقوله: "إلا

(أ) في س هذا.

(1)

رواه أبو داود 4/ 669 والنسائي 8/ 24 من حديث علي بن أبي طالب وأصله في البخاري 1/ 53.

(2)

انظر المغني 11/ 466.

(3)

المهذب للشيرازي 5/ 21.

(4)

المغني لابن قدامة 11/ 447 - 448.

(5)

انظر رؤوس المسائل للزمخشري 456.

(6)

انظر كلام أبي عمرو بن العلاء في كلام أبي حنيفة في (مجالس العلماء لأبي القاسم عبد الرحمن الزجاجي 237).

ص: 132

بإحدى ثلاث" يعني خصال، وبدل منه، والثلاثة المذكورون لا يصح إبدالهم من الخصال لأن المذكر لا يبدل من المؤنث.

والجواب أن هذا بدل على المعنى، والتقدير إلا بإحدى ثلاث خصال، خصلة الزاني، والقاتل، والمرتد، أو خصلة الزاني، وخصلة ذي النفس، أي: قاتل النفس ونحو هذا من التقدير. والله أعلم بالصواب.

ص: 133