الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والأربعون:
عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتي لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن (1).
الكلام على لفظه ومعناه.
أما لفظه فآدم قيل: هو أعجمي لا اشتقاق له، وقيل: هو عربي مشتق من أديم الأرض لأنه خلق منه، وهو لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل إذ وزنه أفعل مثل أحمد.
قوله: "إنك ما دعوتني" أي: مدة دعائك، فهي زمانية نحو {مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [سورة فاطر: 38] وعنان السماء بفتح العين قيل: هو السحاب، وقيل: ما عَنَّ لك منها، أي: ظهر إذا رفعت رأسك.
وقراب الأرض بضم القاف وكسرها لغتان، والضم أشهر، ومعناه ما يقارب ملأها، وقيل: ملأها، وهو أشبه (أ) لأن الكلام في سياق المبالغة.
وأما معناه فالدعاء سؤال النفع والصلاح.
والرجاء: تأميل الخير، وهو اعتقاد قرب وقوعه.
(أ) في ب الأشبه.
(1)
5/ 548 في الطبعة الهندية مع تحفة الأحوذي: هذا حديث حسن غريب. وفي طبعة إبراهيم عطوة: هذا حديث غريب.
وقوله: "إنك ما دعوتي ورجوتني غفرت لك" لأن الدعاء مخ العبادة، والرجاء يتضمن حسن الظن بالله عز وجل وهو يقول:"أنا عند ظن عبدي بي"(1) وعند ذلك تتوجه رحمة الله تعالى إلى العبد، وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء.
وقوله: "ولا أبالي" كأنَّه من البال، فإذا قال القائل: لا أبالي، كأنه قال: لا يشتغل بالي بهذا الأمر، أو شبيه (أ) بذلك.
قوله: "لو بلغت ذنوبك عنان السماء" إلى آخره أي: ملأت الأرض والفضاء حتى ارتفعت إلى السماء "ثم استغفرتني غفرت لك" وذلك لأن الله عز وجل كريم، والاستغفار استقالة والكريم يقبل العثرة ويغفر الزلة.
وقال حاتم الطائي:
وأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَرِيمِ ادخَارَهُ
…
وأُعْرِضُ عَن شَتْمِ اللَّئِيمِ تكَرُّمَا (2)
وفي التنزيل {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [سورة نوح: 11]{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سورة هود: 3] الآية ونحوها (ب). وفي الحديث "لو أنكم لا تذنبون لذهب الله بكم،
(أ) في م شبه.
(ب) في م ونحو هذا.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ديوان شعر حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره ص 238 ورواية الديوان هكذا.
وأغفِرُ عَورَاءَ الكريمِ اصطِنَاعَهُ
…
وأصفَحُ عن شتم اللئيم تكرمًا
ولجاء بقوم غيركم، فيذنبون، فيستغفرون فيغفر لهم" (1) وفي التنزيل {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [سورة الزمر: 55] وهذا الحديث على عمومه لأن الذنب إما شرك فيغفر بالاستغفار منه وهو الإيمان، أو دونه فيغفر بالاستغفار منه وهو سؤال المغفرة، وحقيقة لفظه اللهم اغفر لي، ويقوم مقامه استغفر الله؛ لأنه خبر في معنى الطلب.
قوله: "لو أتيتني بقراب الأرض خطايا" إلى آخره معناه أن الإيمان شرط في غفران الذنوب التي هي دون الشرك لأن الإيمان أصل يبنى عليه فبقول الطاعات غفران المعاصي.
أما مع الشرك فلا أصل يبنى عليه ذلك {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
والترمذي يجوز فيه ضم التاء والميم، وفتحهما، وكسرهما.
واعلم أن الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى صدر الخطبة أنه يأتي بأربعين حديثًا، وقد أتى باثنين وأربعين فقد زاد خيرا، وكأنه أعجبه الحديثان الزائدان، وهما جديران بذلك، فناسب عنده إلحاقهما لأن أولهما: من باب الوعظ بمخالفة الهوى ومتابعة الشرع، وثانيهما: ترغيب في الدعاء والرجاء والاستغفار من الذنوب والإطماع في رحمة علام الغيوب، فكان ختم الكتاب به مناسبا.
فإن قيل: ما وجه تخصيص الأربعين دون سائر مقادير العدد حتى صنف
(1) رواه مسلم 4/ 2105 من حديث أبي أيوب الأنصاري بنحوه.
العلماء أربعينياتهم؟.
قلنا: أما الحديث في ذلك فقد سبق أنه لم يصح، وإنما (أ) ذهب العلماء في ذلك إلى ما روي عن بعض السلف (1) أنه قال: يا أهل الحديث أدّوا زكاة الحديث ربع العشر (ب)، اعملوا من كل أربعين حديثًا بحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أدوا ربع عشر أموالكم، من (جـ) كل أربعين درهما درهم"(2) وإنما قال ذلك لأنه أقل عدد له ربع عشر صحيح، وإلا فزكاة الفضة إنما تجب في مائتي درهم فصاعدا.
وليكن هذا الحديث آخر الإملاء في شرح الأربعين، وقد كنت التزمت في خطبتها التزاما، ثم لم يتهيأ لي في أثنائها تحقيق مراعاته لأسباب عرضت.
فإن رأيتني أيها الناظر قد وفيت بما التزمت فبها ونعمت، والحمد لله، وإن رأيتني أخللت بشيء منها فقد أوضحت لك العذر.
(أ) في م فان ما ذهب إليه العلماء.
(ب) في م عشره.
(جـ) في ب في.
(1)
يعزى إلى الإمام المحدث الزاهد القدوة الرباني بشر بن الحارث الحافي أنه قال: يا أهل الحديث علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث. تاريخ بغداد 7/ 69 وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني 8/ 337، 347 وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.
قال الذهبي: هذا على المبالغة، وإلا فإن كانت الأحاديث في الواحبات فهي موجبة، وإن كانت في فضائل الأعمال، فهي فاضلة، لكن يتأكد العمل بها على المحدِّث.
(2)
لا يوجد بهذا اللفظ.
ثم اعلم أني إنَّما أشرت إلى تقرير قواعد الأحاديث على وجه كلي في جميعها أو بعضها، وإلا فلو قررت على جهة (أ) التفصيل لاستدعى تطويلا (ب) أقل ما يكون في ثلاث مجلدات تفصل في أحدها أحكام الإيمان، وهو علم أصول الدين، وفي الثاني حكم الإسلام، وهو أحكام العبادات وما يتبعها من أحكام الفروع، وهو علم الفقه أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم:"قل آمنت بالله ثم استقم" مع حديث حبريل ونحوه من الأحاديث الكلية، وفي الثالث حكم الإحسان، وهو علم التصوف والمعاملة والمراقبة، على ما دل عليه حديث جبريل من الإيمان والإسلام والإحسان.
واعلم أنه قد فات الشيخ أن يلحق بالأربعين حديث "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" فإنه من الجوامع في علم الفرائض، وهو نصف العلم على ما عرف ولو ألحقه لتكلمنا عليه وضَمَّنَّا الكلام عليه قواعد علم الفرائض (جـ) التي يحتاج إليها ولا يستغني كثير من الناس عنها، لكن حكم المصنف وحسن نظره لا ينكر، ولعله ترك ذلك لضرب من النظر. والحمد لله رب العالمين.
واعلم أني أملأت هذا الشرح إملاء فلذلك تراني أورد الحديث المستشهد به باللفظ تارة، وتارة بالمعنى، وتارة أحفظ منه صدره، أو عجزه،
(أ) في س وجه.
(ب) في ب طولا.
(جـ) في م الفرائض.
وربما اقتصرت على عنوانه واليسير (أ) منه، وأكثرت (ب) في كلامي التردد كقولي: كذا، أو كذا، أو كما قال، أو نحو ذلك، أو شبيه به، كل ذلك احترازا من أن أجزم فيه بشيء من (جـ) غير يقين، فلا تنكر ذلك فقد عرفت (د) عذري فيه، غير أنك لا تجد فيه حكمًا إلا (هـ) ظاهر الحجة، واضح المحجة إن شاء الله عز وجل.
وكان ابتدائي فيه يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الآخر، وفراغي منه يوم الثلاثاء ثامن عشرينه (كذا) كلاهما من سنة ثلاث عشر (كذا) وسبعمائة بمدينة قوص من أرض الصعيد حامدًا لله عز وجل ومصليا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَجَّد وكرَّم وفخَّم وَعَظَّمَ (1).
(أ) في س والمتيسر.
(ب) في م ويكثر.
(جـ) في ب على غير.
(د) في م عرفتك.
(هـ) في ب إلا حكما ظاهر.
(1)
في نهاية نسخة (ب): ضم كتاب شرح الأربعين النواوية بحمد الله، وهو تأليف .... ومولانا العالم العلامة الأوحد الفاضل .... الحبر الفهامة مفتي المسلمين ..... ثم الطوفي رضي الله عنه ...... عن شيخه وعن والديه وعن .... المسلمين وكتب بالجامعة
…
يد كاتبه الفقير عبد الرحمن
…
الطولوني ..... بتاريخ خامس شهر محرم ......... وفى نهاية نسخة (س).
...... واضح المحجة إن شاء الله تعالى، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. نجز كتاب شرح الأربعين النووية للعلامة البغدادي بالتمام والكمال، وكان الفراغ من نسخ هذا الشرح نهار الأربع (كذا) يوم عشرين خلت من شهر القعدة سنة 1155 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
وفى نهاية نسخة (م).
.... واضح المحجة إن شاء الله عز وجل، وكان ابتدائي فيه يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الآخرة، وفراغي منه يوم الثلاثاء السابع عشر (كذا) من (كذا) كلاهما من سنة ثلاث عشر وسبعمائة.
وكان بمدينة قوص من أرض الصعيد حامدًا لله عز وجل، مصليًّا على رسوله عليه السلام.
وكان الفراغ من نسخة يوم الأحد الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة ست وخمسين وسبعمائة. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال محققه نجز نسخ هذا الشرح وكتابة بعض التعليقات نهار الأربعاء 1/ 1 / 1418 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.