المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث التاسع عشر: - التعيين في شرح الأربعين - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثَّاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الحديث الثالث عشر:

- ‌الحديث الرابع عشر:

- ‌الحديث الخامس عشر:

- ‌الحديث السادس عشر:

- ‌الحديث السابع عشر:

- ‌الحديث الثامن عشر:

- ‌الحديث التاسع عشر:

- ‌الحديث العشرون:

- ‌الحديث الحادي والعشرون:

- ‌الحديث الثاني والعشرون:

- ‌الحديث الثالث والعشرون:

- ‌الحديث الرابع والعشرون:

- ‌الحديث الخامس والعشرون:

- ‌الحديث السادس والعشرون:

- ‌الحديث السابع والعشرون:

- ‌الحديث الثامن والعشرون:

- ‌الحديث التاسع والعشرون:

- ‌الحديث الثلاثون:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون:

- ‌الحديث السادس والثلاثون:

- ‌الحديث السابع والثلاثون:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون:

- ‌الحديث الأربعون:

- ‌الحديث الحادي والأربعون:

- ‌الحديث الثاني والأربعون:

الفصل: ‌الحديث التاسع عشر:

‌الحديث التاسع عشر:

عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسئل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (1)، وفي رواية غير الترمذي "احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا"(2).

الكلام في لفظه ومعناه.

فأما لفظه: فقوله: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم " أي: على دابة فرس أو بعير أو غيره، كذلك جاء في بعض الروايات، وشبيه (1) به قول معاذ: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم (3)، وفيه جواز الإرداف على الدابة.

(أ) في أويشبه.

(1)

4/ 667.

(2)

انظر مسند الإمام أحمد (طبعة شعيب الأرنؤوط 4/ 487، 5/ 19).

(3)

رواه البخاري 1/ 60 ومسلم 1/ 58.

ص: 160

وقوله: "يا غلام" هو بضم الميم لأنه نكرة مقصودة، وكان ابن عباس رضي الله عنهما حينئذ غلامًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وله عشر سنين.

وتجاهك وأمامك بفتح الهمزة: قدامك يلي وجهك، وأصل تُجاه وُجاه بضم الواو وكسرها قلبت واوها تاء كما في تراث وتخمة وتُكَأَة وتهمة.

وجفَّت الصحف، بالجيم: أي: فرغ من الأمر وجفَّت كتابته لأن الصحيفة حال كتابتها لا بد أن تكون رطبة المداد أو بعضه، بخلاف ما إذا فرغ منها.

تعرَّف إلى الله بتشديد الراء، أي: تحبب إليه بالطاعة حتَّى يعرفك في الرخاء مطيعا، فإذا وقعت في الشدة عرفك بالطاعة، فجعلك ناجيا.

وأما معناه فقوله: "إني أعلمك كلمات" هو مقدمة يسترعي (أ) بها سَمْعَهُ ليفهم ما يسمع ويقع منه بموقع.

وقوله: "احفظ الله يحفظك" أي: احفظ الله بالطاعة يحفظك بالرعاية.

"احفظ الله تجده تجاهك": أي: أمامك يراعيك في أحوالك، وهذا في معنى الَّذي قبله وتأكيد له، وهذا يشبه قوله عز وجل {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [سورة البقرة: 152] أي: أذكروني بالطاعة، أذكركم بالمغفرة والرعاية.

وقوله: "إذا سألت فاسئل الله" هو كقوله عز وجل {وَسْئَلُوا اللهَ

(أ) في م يستدعي.

ص: 161

مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النساء: 32] ومعناه وحد الله في السؤال، فإن خزائن الوجود بيده، وأمرها (أ) إليه لا معطي ولا مانع سواه.

قوله: "وإذا استعنت فاستعن بالله" أي: وحده في الاستعانة به إذ لا معين غيره.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قدَّم المفعول ليفيد الاختصاص.

قوله: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء" إلى آخره هو راجع إلى قوله عز وجل {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} الآية.

والمعنى وحد الله في لحوق الضر (ب) والنفع، فهو الضار النافع ليس لأحد معه في ذلك شيء.

وبيانه أن أزمَّة الموجودات بيده منعًا وإطلاقا، فإذا أراد زيد مثلًا ضُرَّ (جـ) عمرو بما لم يكتب عليه صَدَّ الله عز وجل ذلك الضُّرَّ عنه بأن يمنع زيدا من مراده بمرض أو بشغل أو نسيان أو صرف قلب أو نحوه، أو بأن يعارض فعل زيد ما يبطله ويَرُدَّهُ، مثاله: لو أراد زيد أن يرمي عمرًا بسهم وأراد الله دفع كيده (د) فإما أن يمنع زيدًا من الرمي بأن يضعفه عن مَدِّ القوس ونحوه، أو

(أ) في م وازمتها.

(ب) في ب في الضر.

(جـ) في م ضرر.

(د) في س يده.

ص: 162

يعارض سهمه. مما يَرُدَّ ضرره مثل أن يرسل عليه ريحا عاصفة (أ) تشوش حركته وتميل به عن سمته فيخطئه.

وإذا أردت أن تعرف تصاريف الأقدار في الوجود فانظر إلى رقعة الشطرنج كيف بعض أقطاعها (ب) تحمي بعضها، وبعضها يقتل بعضا، كذلك أسباب المقادير في الوجود بعضها يمنع وصول الشر إلى زيد، وبعضها يوصله إلى عمرو، ومصائب قوم عند قوم فوائد.

ولعلك تستغرب هذا فإن (جـ) نظرته وجدته كما ذكرت.

وقوله: "كتب الله لك، وكتبه عليك" سبق في حديث الصادق المصدوق "يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد".

وقوله: "رفعت الأقلام": أي: تركت الكتابة بها لفراغ الأمر وإبرامه كما سبق في "وجفَّت الصحف".

وقوله: "وما أخطأك لم يكن ليصيبك" إلى آخره يرجع إلى قوله عز وجل {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [سورة الحديد: 22] أي: قد فرغ مما أصابك، أو أخطأك من خير أو شر، فما أصابك كانت إصابته لك محتومة فلا يمكن أن يخطئك، وما أخطأك فسلامتك منه لك محتومة فلا يمكن أن يصيبك، لأن ذلك كالسهام

(أ) في س، م عاصفا.

(ب) في م قطعها.

(جـ) في ب فإذا.

ص: 163

الصائبة وُجِّهت من الأزل فلا بد أن تقع مواقعها.

واعلم أن كل أمر بالنسبة إلى كل إنسان فهو لذاته جائز أن يصيبه، وأن يخطئه على جهة الإمكان الخاص، وإنما تعين في بعض الأمور إصابة الشخص، وفي بعضها خطؤه له بتعلق الإرادة والعلم الأزليين بذلك، فقتل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب مثلًا هو لذاته كان جائزا أن يصيبهم، وأن لا يصيبهم، وإنما تعين وتحتم وقوعه بتخصيص الإرادة وتعلق العلم الأزليين بذلك.

وإذا تعلق علم الله عز وجل بوقوع الممكن أو عدم وقوعه فهل يبقى خلاف ما تعلق به العلم مقدورًا؟ فيه قولان للمتكلمين (1) حكاهما الإمام فخر الدين الرازي (2) في نهاية العقول.

قوله: "إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب" اعلم أن هذه المعية تؤخذ تارة بالنظر إلى العلم الأزلي، وتارة بالنظر إلى الوجود الحقيقي الخارج، فإن (أ) أخذت بالنظر إلى العلم الأزلي كانت (مع) على أصلها في

(أ) في أفاذا.

(1)

قال شيخ الإسلام: إن الله قادر أيضًا على خلاف المعلوم والمراد، وإلا لم يكن قادرًا إلا على ما فعله، مجموع الفتاوى 8/ 374.

(2)

هو محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري فخر الذين الرازي، ابن خطيب الريِّ إمام المتكلمين ت 606 انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 18 وكتابه "نهاية العقول في دراية الأصول" في علم الكلام، وله نسخ خطية، وانظر "فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية" لمحمد صالح الزركان ص 76.

ص: 164

اقتضاء المقارنة والمصاحبة لأن النصر والصبر مقترنان في تعلق العلم الأزلي بهما، أي: لم يكن نفس تعلقه بأحدهما بعد الآخر، وإن تعلق بأن أحدهما سيقع بعد الآخر، مثاله: لو أطلقنا سهمين في مدة واحدة ثم وقعا الأرض متعاقبين، وهذا كلام متحقق فلا تظنه متناقضًا، وإن أخذت بالنظر إلى الوجود الحقيقي، أعني وقوع الصبر والنصر، كانت (مع) بمعنى بعد، أي: أن النصر بعد الصبر، والفرج بعد الكرب، لأن بينهما تضادًا أو شبيها به فلا يتصور أحدهما مع الآخر مقارنة، إنما يكون أحدهما بعد الآخر، ويحتمل تخريج (مع) على بابها أيضًا بأن آخر أوقات الصبر أول أوقات النصر، فقد حصلت المعية والاقتران بينهما في آخر أوقات الصبر إذ هو بينهما مشترك.

"وإن مع العسر يسرا" هذا نص القرآن، والكلام في (مع) فيه كما سبق.

وجاء عن ابن عباس أنَّه قال: لن يغلب عسر يسرين (1)، يشير إلى قوله عز وجل {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فَنَكرَ اليُسر، وَعَرَّفَ العسر، والمُنَكر متعدد، والمُعَرَّفُ متحد بناء على أن اللام فيه للمعهود السابق نحو {أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [سورة المزمل: 15، 16].

واعلم أنَّا إذا ذكرنا اسمين لفظهما ومعناهما واحد أحدهما بعد الآخر،

(1) لم أقف عليه عن ابن عباس، ولكن رواه الطبري 30/ 236 عن الحسن، وقتادة مرسلًا بنحوه، ورواه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 380 موقوفًا على ابن مسعود.

ص: 165

فإما أن يكونا معرفتين، أو نكرتين (أ)، أو أحدهما معرفة والآخر نكرة، فهي أربعة أقسام:

أحدهما: أن يكونا معرفتين نحو لقيت الرجل، فقلت للرجل فكلاهما راجع إلى معهود سابق.

الثاني: أن يكونا نكرتين نحو لقيت رجلا، فقلت لرجل، فالثاني غير الأول.

الثالث: أن يكون الأول معرفة فقط نحو لقيت الرجل، فقلت لرجل، فكالذي قبله.

الرابع: عكس الثالث نحو لقيت رجلا فقلت للرجل فالثاني هو الأول، وهذا مع تجرد الكلام عن قرينه، فإن كان هناك قرينة تدل على خلاف ما ذكرناه فهو من خاص دلالتها.

وهذا الحديث أصل في رعاية حقوق الله تعالى والتفويض لأمر (ب) الله سبحانه وتعالى.

ويقال: إن العبد إذا تعرف إلى الله عز وجل بالطاعة في الرخاء، ثم دعا في الشدة، قال الله تعالى هذا صوت أعرفه، وإذا لم يكن متعرفا إليه قال: هذا صوت لا أعرفه، دعوه، أو كما قيل. والله عز وجل أعلم بالصواب.

(أ) في ب أو نكرتين أو تكون الأولى معرفة والأخرى نكرة أو العكس فهي. وفي م أو منكرين.

(ب) في ب إلى أمر الله.

ص: 166