الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والعشرون:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرحل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة. رواه البخاري ومسلم (1).
السلامى بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم هو المفاضل والأعضاء، وجمعه سُلَامَيَاتٌ بفتح الميم.
ومعنى قوله: "على كل سلامي صدقة" أي: على كل عضو ومفصل صدقة، وفي المراد به احتمالان:
أحدهما: أن الصدقة كما قيل: تدفع البلاء (أ)، فإذا تصدق عن أعضائه كما ذكر كان جديرًا أن يدفع عنها البلاء.
الثاني: أن لله عز وجل على الإنسان في كل عضو ومفصل نعمة، والنعمة تستدعي الشكر، ثم إنَّ الله عز وجل وهب (ب) ذلك الشكر لعباده صدقة عليهم، كأنه قال: أجعل شكر نعمتي في أعضائك أن تعين بها عبادي وتتصدق عليهم بإعانتهم.
(أ) في ب البلايا.
(ب) في ب جعل.
(1)
رواه البخاري 2/ 964 ومسلم 2/ 699.
وقوله: "كل يوم تطلع فيه الشمس" لأن دوام نعمة الأعضاء نعمة أخرى، ولما كان الله عز وجل قادرًا على سلب نعمة الأعضاء عن عبده كل يوم، وهو في ذلك عادل في حكمه كان عفوه عن ذلك وإدامة العافية عليه صدقة توجب الشكر والرعاية، ثم النعمة دائمة فالشكر يجب أن يكون دائمًا.
واعلم أن الصدقة على ضربين: صدقة الأموال: كالزكاة وصدقة التطوع، وصدقة الأفعال: كالذي ذكره في هذا الحديث، ويجمعها عبادة الله عز وجل كالمشي إلى الصلاة ونفع الناس، فمنه العدل بين اثنين تحاكما أو تخاصما سواء كان حاكما أو مصلحا إذا نوى بذلك دفع المنافرة بينهما امتثالا لقوله عز وجل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] ونحوه من الأمر بذلك، ومنه إعانة الرجل بحمله أو حمل متاعه على الدابة لأنه نفع له، ومنه الكلمة الطيبة نحو سلام عليك، وحياك الله، وإنك لمحسن، وأنت إن شاء الله عز وجل رجل صالح، ولقد أحسنت جِوَارَنَا أو ضيافتنا ونحو ذلك؛ لأنه مما يَسُرُّ السامع ويجمع القلوب ويؤلفها، ومنه إماطة الأذى عن طريق الناس، أي: إزالته كالشوك المؤذي، والحجر الذي يعثر به، والحيوان المخوف منه، ودعم الجدار المائل ونحوه؛ لأنه نفع عام، وفي الحديث "الإيمان بضع وستون (أ) شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"(1).
ويروى أن رجلًا ممن كان قبلكم رأى غصن شوك في الطريق فقطعه
(أ) في أ، م وسبعون.
(1)
سبق تخريجه.
فشكر الله له ذلك فغفر له (1).
واعلم أنه ليس مراد الحديث حصر أفعال الصدقة فيما ذكر فيه، وإنما هي مثال لذلك، ويجمعها ما قلنا من أفعال العبادة أو نفع خلق الله عز وجل، حتى إن رجلًا رأى فرخا قد وقع من عُشه فردَّه إليه فغفر الله له، وآخر رأى كلبا يأكل الثرى من العطمش فسقاه فغفر له (2)، وكذلك امرأة بغي رأت كلبا عطشانًا فنزعت له بخفها ماء فسقته فغفر لها (3)، وعكس ذلك امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض (4).
وقد ورد "في كل كبد حَرَّى أجر"(5) وقد سبق "أن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء"(6) وورد "أن الخلق عيال الله فأحب الناس إلى الله أشفقهم على عياله"(7) وإذا تصدق كل واحد من الناس عن أعضائه
(1) رواه مسلم 4/ 2021 من حديث أبي هريرة.
(2)
رواه البخاري 1/ 75 من حديث أبي هريرة.
(3)
رواه مسلم 4/ 1761 من حديث أبي هريرة.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
سبق تخريجه.
(6)
الحديث السابع عشر من هذا الأربعين.
(7)
للحديث روايات كثيرة، وأقرب ألفاظه إلى لفظ المؤلف ما رواه أبو يعلى 6/ 64 والبزار (كشف الأستار 2/ 398) من حديث أنس. قال الهيثمي: وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك. مجمع الزوائد 8/ 191.
بنفع خلق الله حصل من ذلك مقصود قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(1)"ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم جاره، وليكرم ضيفه"(2) من جمع القلوب وائتلافها وإقامة كلمة الحق بواسطة ذلك، فإذًا يكون نفع ذلك خاصًّا بالمسلم المتصدق وعامًّا للإسلام والمسلمين، وهذا هو مقصود الشرع.
وهذا الحديث يرجع إلى قوله عز وجل {اعْبُدُوا اللَّهَ} {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وإلى قوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"(3)"المؤمن كثير بأخيه"(4)"المؤمن مرآة المؤمن"(5).
أي: يبصره (أ) من نفسه بما لا يراه كالمرآة، وهو ضرب من الإعانة "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"(6) يعني إعانة المظلوم بنصرته،
(أ) في م ينظر من نفسه ما لا يراه.
(1)
الحديث الثالث عشر من هذا الأربعين.
(2)
الحديث الخامس عشر من هذا الأربعين.
(3)
رواه البخاري 1/ 182 ومسلم 4/ 1999 من حديث أبي موسى.
(4)
ورد بلفظ "المرء كثير بأخيه"، أخرجه أبو الشيخ في الأمثال ص 30 والقضاعي في مسند الشهاب 1/ 141 وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 80 من حديث أنس. وفي إسناده سليمان بن عمرو النخعي، وهو كذاب. وانظر: المقاصد الحسنة ص: 378.
(5)
رواه أبو داود 5/ 217 والبخاري في الأدب المفرد 93 من حديث أبي هريرة. حسَّنه الألباني في صحيح الأدب المفرد 107.
(6)
رواه البخاري 2/ 863 من حديث أنس.
وإعانة (أ) الظالم بِكَفِّهِ عن ظلمه "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد"(1) الحديث ونحوه. والله أعلم بالصواب.
(أ) في س ونصرة.
(1)
رواه البخاري 5/ 2238 ومسلم 4/ 1999 من حديث النعمان بن بشير.