المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السابع عشر: - التعيين في شرح الأربعين - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثَّاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الحديث الثالث عشر:

- ‌الحديث الرابع عشر:

- ‌الحديث الخامس عشر:

- ‌الحديث السادس عشر:

- ‌الحديث السابع عشر:

- ‌الحديث الثامن عشر:

- ‌الحديث التاسع عشر:

- ‌الحديث العشرون:

- ‌الحديث الحادي والعشرون:

- ‌الحديث الثاني والعشرون:

- ‌الحديث الثالث والعشرون:

- ‌الحديث الرابع والعشرون:

- ‌الحديث الخامس والعشرون:

- ‌الحديث السادس والعشرون:

- ‌الحديث السابع والعشرون:

- ‌الحديث الثامن والعشرون:

- ‌الحديث التاسع والعشرون:

- ‌الحديث الثلاثون:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون:

- ‌الحديث السادس والثلاثون:

- ‌الحديث السابع والثلاثون:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون:

- ‌الحديث الأربعون:

- ‌الحديث الحادي والأربعون:

- ‌الحديث الثاني والأربعون:

الفصل: ‌الحديث السابع عشر:

‌الحديث السابع عشر:

عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة، وليُحِدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم (1).

أبو يعلى كنية هذا الصحابي، وكنية حمزة رضي الله عنه (2) عَمُّ النبي صلى الله عليه وسلم، وكنية: أبي يعلى الموصلي صاحب المسند (3)، وكنية القاضي أبي يعلى ابن الفراء (أ) الحنبلي (4)، ويكنى حمزة أبا عمارة أيضًا. ويعلى مضارع عَلِيَ يعلى مثل رَضِيَ يَرضَى، وعلى هذا الوزن يرفأ (5) مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

قال الشيخ: القِتْلَة والذِبْحَة بكسر أَوَّلهما لأنهما من باب الهيئة كالجلسة والرِّكبة، أي: هيئة الذبح والقتل والجلوس والركوب.

قال: وليحد بضم الياء وكسر الحاء وتشديد الدال، يقال: أحَدَّ السكين

(أ) في ب أبو يعلى الفراء.

(1)

رواه مسلم 1/ 1548.

(2)

ينظر أسد الغابة لابن الأثير 2/ 51.

(3)

هو أبو يعلى الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي صاحب المسند والمعجم ت 307 السير 14/ 174.

(4)

هو القاضي أبو يعلى مُحَمَّدُ بن الحسين بن مُحَمَّدُ بن الفراء ت 390 طبقات الحنابلة 2/ 193.

(5)

انظر ترجمته في تاريخ خليفة بن خياط 156، والطبقات لمسلم بن الحجاج 1/ 232 وتاج العروس مادة رفأ.

ص: 146

وحدَّدها واستحدَّها بمعنى.

قلت: قوله: "على كل شيء" يحتمل أن على بمعنى إلى، أو في، تقديره كتب الإحسان إلى كل شيء، أو في كل شيء، ويحتمل أن على على بابها، والتقدير كتب الإحسان في الولاية على كل شيء. وكتب بمعنى أوجب نحو {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] {يَكُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] ونحوه كثير. ويشهد لذلك قوله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] وقوله عز وجل {وَأَحْسِنُوا} [البقرة: 195] ونحوه (أ).

ثم قوله: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" هو قاعدة الحديث الكلية، ثم ذكر من جزئياته التخفيف في الذبح، والقتل عن الحيوان، إما لأنَّ سبب الحديث اقتضاه لأنهم كانوا في الجاهلية يذبحون بالمدى الكالَّة ونحوها مما يعذب الحيوان، ويمثلون في القتل كَجَدْع الأنوف وصَلْمِ الآذان (ب) وقطع الأيدي والأرجل فنهى عن ذلك بقوله:"أحسنوا الذبحة والقتلة".

وإما أنه ضرب ذلك مثالًا للإحسان اتفاقا لا عن مقتضى خصَّه بالذكر، وقد تبيَّن فائدة قوله:"ليحد أحدكم شفرته" بقوله: "وليرح ذبيحته" لأن الذبح بآلة كالة يعذب الذبيحة فراحتها في الذبح بآلة ماضية موجبة،

(أ) في أونحوها.

(ب) في أالأذن.

ص: 147

وكذلك يجب أن يقتص بآلة حادة فلو اقتص بآلة كالَّة لم يُعدَّ مريحا، فلو سرى القصاص ضمن لتفريطه، ومن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين"(1) أي: فقد عرض نفسه لعذاب يجد فيه ألما كألم الذبح بغير سكين أو نحو هذا.

واعلم أن هذا الحديث هو قاعدة الدين العامة، فهو متضمن لجميعه لأن الإحسان في الفعل هو إيقاعه على مقتضى الشرع أو العقل، ثم الأفعال التي تصدر عن الشخص إما أن تتعلق بمعاشه أو بمعاده، والمتعلق بمعاشه إما سياسة نفسه وبدنه، أو سياسة أهله وإخوانه وملكه، أو سياسة باقي الناس، والمتعلق بمعاده إما الإيمان وهو عمل القلب، أو الإسلام وهو عمل البدن كما مَرَّ في حديث جبريل فإذا أحسن الإنسان في هذا كله وأتى به على مقتضى الشرع فقد حصل على (أ) كل خير وسلم من كل شرٍّ ووفى بجميع عهد الشرع، ولكن دُونَ ذَلِكَ خَرْطُ القَتَاد (2)، وأبْعَدُ مِمَّا دُونَ سُعَاد.

يقال: أحَدُّ يُحِدُّ إحدادًا، وكذلك أحدَّت المرأة في عدتها إحدادًا، ويقال: حدَّت أيضًا ثلاثيًّا.

والشفرة المدية، وهي السكين ونحوه مما يذبح به، سميت باسم شفرتها وهي حَدُّها، تسمية للشيء باسم جزئه.

(أ) في ب له.

(1)

رواه أبو داود 4/ 4 والترمذي 3 وابن ماجه 2/ 774 من حديث أبي هريرة قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(2)

"دون ذلك خرط القتاد" مثل يضرب للأمر دونه مانع. انظر مجمع الأمثال للميداني 1/ 467.

ص: 148

ويقال: أراح يريح إراحة إذا حلب الراحة للشيء (أ)، أو تسبب إلى حصولها له بوجه.

والذبيحة أي: المذبوحة فعيلة بمعنى مفعولة كأنه قال: الدابة الذبيحة، أو يكون من باب غلبة الاسمية على الوصفية.

قال الخطابي كلامًا، معناه: أن العلماء لما كانوا ورثة الأنبياء، ومما ورثوا عن الأنبياء تعليم الناس كيفية الإحسان إلى كل شيء ألهم الله عز وجل الأشياء الاستغفار (ب) للعلماء مكافأة لهم على ذلك (1)، فمن ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتَّى الحيتان في جوف البحر"(2) وتفاصيل الإحسان إلى كل شيء كثير لا ينحصر، لكن نذكر منه شيئًا على طريق (جـ) ضرب المثل.

وذلك كما قالوا: لا تجاع الدابة، ولا يحمل عليها ما تعجز عنه، ولا تركب واقفة إلا لحاجة، وإذا ذبحت فلا يسلخ جلدها حتَّى تزهق نفسها، ولا تُحدُّ المُدْيَةُ وهي تراها، ولا تُوَلَّهُ على ولدها، ولا يحلب منها ما يضرُّ به، ولا يشوي السمك والجراد حتَّى يموت، ولا يُضَّارُّ (5) شيء عبثًا

(أ) في م إلى الشيء.

(ب) في م للاستغفار.

(جـ) في ب طريقة.

(د) في س ولا يصاد شيء عبثا.

(1)

معالم السنن للخطابي 4/ 183.

(2)

رواه أبو داود 4/ 58 والترمذي 5/ 49 وابن ماجه 1/ 81 من حديث أبي الدرداء.

ص: 149

ونحو ذلك كثير.

واعلم أن الموجود إما قديم أو حادث، والقديم لا حاجة به إلى الإحسان إليه لاستغنائه بذاته عما سواه، والحادث إما عرض ولا يتأتى الإحسان إليه، أو جوهر وهو إما جماد أو نبات أو حيوان، والجماد -فيما أحسب- كالعرض لا يتأتى الإحسان إليه لعدم إحساسه، والنبات والحيوان إنسان أو غيره يتأتى الإحسان إليه لاشتماله على قوة النماء والحِسِّ.

ويَعُمُّ الحديث الإِحسان إلى الملائكة والجن، أما الملائكة فبإِحسان عشرتهم بأن لا يفعل بحضرة الحفظة ما يكرهون، ولا يأكل ما يتأذون بريحه كالثوم والبصل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"(1) وقال: "إني أناجي من لا تناجي"(2). يعني الملك.

واعلم أن الملائكة يستغفرون لبني آدم كما ورد في التنزيل {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [سورة غافر: 7].

والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض.

وقد كان بعض أهل العلم يقرأ القرآن، ويسبح ويذكر الأذكار المأثورة (أ)،

(أ) في أالشرعية وفي س، م الشريفة.

(1)

رواه مسلم 1/ 395 من حديث جابر.

(2)

رواه البخاري 6/ 2679 ومسلم 1/ 395 من حديث جابر وهو جزء من الحديث السابق، والجزء السابق منه ليس في البخاري.

ص: 150

ويهدي ثواب ذلك ونوره لكل عبد لله عز وجل صالح في السموات والأرض من ذكر أو أنثى من ملك أو جني نبي أو صديق أو شهيد، فينبغي لمن وُفِّقَ فِعلُ ذلك.

وقد صح لي عن بعض من كان يفعل ذلك صحة قاطعة لا ريب فيها أنَّه نام يومًا بعد هذا الذكر وأهدى ثوابه إلى من ذكر فرأى في منامه كأنه عُرج به إلى السماء وأنه خرج للقائه كل من فيها من الأنبياء والملائكة وغيرهم، فكان يرى أن ذلك دليل على أنَّه يصل إليهم ما أهداه لهم وأنهم خرجوا للقائه مكافأة له على ذلك.

واعلم أن ذكر الله عز وجل عظيم وإن قلَّ لفظه، وثوابه جزيل، فلا تكسل أن تقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات تعدل ختمة، أو تقول: سبحان الله وبحمده، أو سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإن هذا أحب الكلام إلى الله عز وجل كما ثبت في الصحيح (1)، ثم تقول: اللهم أثبني على هذا الذكر واجعل ثوابي عليه هدية مني إلى كل عبد لك صالح في السموات والأرض.

ولا يمنعك من هذا قول من لا يرى (2) وصول ثواب القرآن إلى الميت

(1) الَّذي في البخاري 6/ 2749 من حديث أبي هريرة: كلمتان حبييتان ....... سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. وروى النسائي في عمل اليوم والليلة (485 طبعة المغرب) من حديث بعض أصحاب مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

(2)

وهو الإمام الشافعي، انظر تفسير ابن كثير 7/ 440 وتفسير آيات أشكلت لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 451 - 568.

ص: 151

احتجاجًا بقوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} [سورة النجم:39] فإنه مذهب مرجوح بيَّنَّا (أ) ضعفه في غير موضع، وباقي الأئمة على خلافه.

ومذهب أحمد أن الحيَّ إذا تطوع بقربة وأهدى ثوابها لميت مسلم نفعه ذلك، وفي الحيِّ وجهان: أصحهما ينفعه أيضًا وهو موجب النظر.

وأما الجن فقد ثبت وجودهم بالنصوص القاطعة، وقد أحسن النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليلة وفدوا عليه فعلَّمهم وقراهم بأن جعل لهم كل عظم طعاما لهم، وكل روثة وبعرة علفا لدوابهم (1)، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فإذا اتفق ظهورهم لأحد من الناس فينبغي أن يحسن إليهم بما يليق بهم.

فأما الشياطين والمردة ونحوهم فينبغي الإحسان إليهم بدعائهم إلى الخير وترك الشرِّ، كما يدعى كفار (ب) الإنس، فإن أبوا فلا حظَّ لهم في الإحسان، بل في الإساءة والهوان.

وأما الحشرات والهوامُّ والسباع المؤذية بالفعل أو القوة فلا حظَّ لها في الإحسان، بل الإساءة، وهي مخصوصة من عموم هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والعقرب والفأرة والحدأة والكلب العقور" وقوله: "اقتلوا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما يسقطان الحبل ويطمسان البصر" والله عز وجل أعلم بالصواب.

(أ) في م بينت.

(ب) في ب، م كافر.

(1)

رواه مسلم 1/ 332 من حديث ابن مسعود.

ص: 152