المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثامن والعشرون: - التعيين في شرح الأربعين - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثَّاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الحديث الثالث عشر:

- ‌الحديث الرابع عشر:

- ‌الحديث الخامس عشر:

- ‌الحديث السادس عشر:

- ‌الحديث السابع عشر:

- ‌الحديث الثامن عشر:

- ‌الحديث التاسع عشر:

- ‌الحديث العشرون:

- ‌الحديث الحادي والعشرون:

- ‌الحديث الثاني والعشرون:

- ‌الحديث الثالث والعشرون:

- ‌الحديث الرابع والعشرون:

- ‌الحديث الخامس والعشرون:

- ‌الحديث السادس والعشرون:

- ‌الحديث السابع والعشرون:

- ‌الحديث الثامن والعشرون:

- ‌الحديث التاسع والعشرون:

- ‌الحديث الثلاثون:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون:

- ‌الحديث السادس والثلاثون:

- ‌الحديث السابع والثلاثون:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون:

- ‌الحديث الأربعون:

- ‌الحديث الحادي والأربعون:

- ‌الحديث الثاني والأربعون:

الفصل: ‌الحديث الثامن والعشرون:

‌الحديث الثامن والعشرون:

عن أبي نجيح العرباص بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة.

رواه أبو داود والترمذي (1) وقال: حديث حسن صحيح.

الكلام (أ) على لفظه ومعناه.

أما لفظه: فالعرباص بعين مهملة وباء موحدة، وسارية بسين مهملة وياء آخر الحروف، ووجلت خافت من الوجل {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} وذرفت بفتح الذال المعجمة والراء المهملة أي: سالت، والنواجذ الأنياب، وقيل: الأضراس، وهي بذال معجمة، والبدعة لغة: ما كان مخترعا على غير مثال سابق، أما في الشرع: فهي ما أحدث على خلاف أمر الشارع ودليله.

وأما معناه: فقوله: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقتضي استحباب موعظة الرجل أصحابه لينفعهم في دينهم ودنياهم.

وقوله: "موعظة" وفي بعض الروايات "موعظة بليغة"(2) إلى آخره

(أ) في س القول.

(1)

رواه أبو داود 5/ 13 والترمذي 5/ 44 وابن ماجه 1/ 16.

(2)

هي رواية أبي داود.

ص: 213

فيه استحباب الإبلاغ في الموعظة لترقق القلوب فتكون (أ) أسرع إلى الإجابة (ب)، وفي التنزيل {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] وكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب احمَرَّت عيناه، وانتفخ وَدَجَاهُ كأنه منذر جيش، يقول: صَبَّحَكُم مَسَّاكم (1).

وقوله: "كأنها موعظة مُوَدعٍ" فيه جواز الحكم بالقرائن لأنهم إنما فهموا توديعه إياهم بقرينة إبلاغه في الموعظة أكثر من العادة.

وقوله: "أوصنا" فيه استحباب استدعاء الوصية والوعظ من أهلهما، واغتنام أوقات أهل الخير والدين قبل فواتهم.

قوله: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل"، جمع في ذلك كلما يحتاج إليه لما سبق أن التقوى (جـ) امتثال المأمورات واجتناب المحظورات وتكاليف الشرع ليست إلا بذلك.

قوله: "والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد" هذا عطف خاص على عام، إذ قد اشتملت الوصية بتقوى الله عز وجل على السمع والطاعة.

وأعلم أن العرب تعطف الخاص على العام نحو {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]{وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وتعطف العام على الخاص نحو {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا

(أ) في م لتكون.

(ب) للإجابة.

(جـ) في س تقوى الله.

(1)

رواه مسلم 2/ 592 من حديث جابر.

ص: 214

الْخَيْرَ} [الحج: 77].

وقوله عز وجل: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200].

قوله: "من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا" الظاهر أن هذا بوحي أوحي إليه، فإنه صلى الله عليه وسلم كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم كما صح ذلك في حديث أبي سعيد (1) وغيره، ويحتمل أنه بنظر واستدلال، فإن اختلاف المقاصد والشهوات لاختلاف الآراء والمقالات (أ)، ويجوز أن يكون بقياس أمته على أمم الأنبياء السابقين (ب) بعَدهم، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:"إنها لم تكن نبوة إلا كان بعدها اختلاف"(2) أو كما قال.

قوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" اختلف الناس في هذه اللام، فقال أهل السنة: هي للعهد، والخلفاء الراشدون هم الأربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله:"اقتدوا باللَّذين من بعدي أبي بكر وعمر"(3)

(أ) في س والمقامات.

(ب) في م السالفين.

(1)

رواه الترمذي 4/ 483 وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

لعله يقصد الحديث الذي رواه الترمذي 5/ 323 ضمن حديث طويل عن عمران بن حصين بلفظ "قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

رواه الترمذي 5/ 609 من حديث حذيفة وقال: هذا حديث حسن.

ص: 215

ونحوه، وقال: الشيعة: اللام لاستغراق الوصف، أي: كل من اتصف بالرشد والهداية من الخلفاء بعدي، فعليكم بسنته، وإنما قالوا ذلك لأن أبا بكر وعمر وعثمان عندهم ليسوا من الخلفاء الراشدين المهديين لتقدمهم على علي بن أبي طالب بغير حق، ووضعهم الخلافة في غير النصاب الذي وضع الله عز وجل فيه النبوة، وهم بنو هاشم بزعمهم.

ونصوص السنة وإجماع أهلها ترد عليهم في ذلك.

والراشد الذي أتى بالرشد واتصف به، والمهدي الذي هداه الله عز وجل لأقوم الطرق.

قوله: "عضوا عليها بالنواجذ" هو كناية عن شدة التمسك بها لأن النواجذ مُحَدَّدَةٌ فإذا عضت على شيء نشبت فيه فلا يتخلص، وكذلك يقال: هذا الشيء يعقد عليه الخناصر ويلوى عليه الأنامل، قال الشاعر:

حَنَانَيكَ يَا ابنَ الأكرَمِينَ فَلم تَدعْ

لَنَا أَمَلًا يُلوىَ عَلَيهِ الأَنَامِلُ

قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور" أي: اتقوها واحذروا الأخذ بها فإنها بدعة، والمراد ما أحدث من الأمور غير راجع إلى أصل، أو دليل شرعي، وإلا فسنة الخلفاء الراشدين من محدثات الأمور، وقد أمرنا باتباعها وسوَّاها بسنته في وجوب الاقتداء بها، وما ذلك (أ) إلا لرجوعها إلى أصل شرعي، واعتمادها على دليل مرعي، فإذًا قوله:"إياكم ومحدثات الأمور" عام أريد به الخاص، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام "عليكم بسنة

(أ) في م وما ذاك.

ص: 216

الخلفاء الراشدين" هو عام أريد به الخاص، إذ لو فرض خليفة راشد في عامة أموره سنَّ سنة لا يعضدها دليل شرعي لما جاز اتباعها.

فإن قلت: هذا لا يتصور؛ لأن رشده ينافي أن يسن مثل هذه السنة.

قلنا (أ): لا نسلم إذ قد يخطيء المصيب ويزيغ المستقيم يومًا ما، وفي الحديث "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة"(1).

واعلم أن كلام العرب يجئ بالإضافة إلى العموم والخصوص على أربعة أقسام:

أحدها: عام يراد به العام نحو {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35].

وثانيها: خاص يراد به الخاص نحو {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]. وثالثها: عام يراد به الخاص (ب) نحو {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا} [النمل: 23] و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] وقول لبيد (2):

...................

وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

ورابعها: خاص يراد به العام (جـ) نحو {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] خص التأفيف بالنهي عنه، والمراد النهي عن جميع أنواع

(أ) في ب قلت.

(ب) في س أو عام أريد به خاص.

(جـ) في ب، م رابعها خاص أريد به العام.

(1)

رواه الترمذي 4/ 379 من حديث أبي سعيد وقال: هذا حديث حسن غريب.

(2)

ديوان لبيد بن ربيعة العامري 256.

ص: 217

أذاهما. فاعرف هذه القاعدة فإنه لا يخرج عنها شيء من الكلام.

قوله: "كل بدعة ضلالة" أي: كل بدعة لا يساعدها دليل الشرع ضلالة؛ لأن الحق فيما جاء به الشرع، فما لا يرجع إليه بوجه يكون ضلالة، إذ ليس بعد الحق إلا الضلال.

واعلم أن كل حكم فإما أن يجيزه الشرع، أو يمنعه وحكمهما واضح، أو مجيزه ويمنعه معًا فآخرهما ناسخ للأول، أو لا يرد عن الشرع إجازته ولا منعه ولا يمكن رَدَّهُ إليه بوجه فهذا يرجع فيه إلى المصلحة السياسية فما وافقها منه أخذ، وما لم يوافقها ترك.

وفي بعض روايات هذا الحديث "فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"(1) وهو قياس مركب متصل من الشكل الأول، ينتج أن كل محدثة في النار، يعني صاحبها من فاعل ومتبع. والله عز وجل أعلم بالصواب.

(1) ليست هذه الرواية في حديث العرباض بن سارية، وإنما هي رواية في حديث جابر بن عبد الله، أخرجها النسائي 3/ 188 والبيهقي في الأسماء والصفات 82 وسندها صحيح.

ص: 218