المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس عشر: - التعيين في شرح الأربعين - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثَّاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الحديث الثالث عشر:

- ‌الحديث الرابع عشر:

- ‌الحديث الخامس عشر:

- ‌الحديث السادس عشر:

- ‌الحديث السابع عشر:

- ‌الحديث الثامن عشر:

- ‌الحديث التاسع عشر:

- ‌الحديث العشرون:

- ‌الحديث الحادي والعشرون:

- ‌الحديث الثاني والعشرون:

- ‌الحديث الثالث والعشرون:

- ‌الحديث الرابع والعشرون:

- ‌الحديث الخامس والعشرون:

- ‌الحديث السادس والعشرون:

- ‌الحديث السابع والعشرون:

- ‌الحديث الثامن والعشرون:

- ‌الحديث التاسع والعشرون:

- ‌الحديث الثلاثون:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون:

- ‌الحديث السادس والثلاثون:

- ‌الحديث السابع والثلاثون:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون:

- ‌الحديث الأربعون:

- ‌الحديث الحادي والأربعون:

- ‌الحديث الثاني والأربعون:

الفصل: ‌الحديث السادس عشر:

‌الحديث السادس عشر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردَّد مرارا، قال: لا تغضب. رواه البخاري (1).

الغضب في حق الآدمي قيل: فوران دم القلب وغليانه، وقيل: عرض يتبعه غليان دم القلب لإرادة الانتقام.

وفي الحديث "الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم أما ترون إلى انتفاخ أوداجه وحمرة (أ) عينيه"(2) أو كما قال، وأما غضب الله عز وجل -أعاذنا الله سبحانه وتعالى منه- فقيل: هو إرادة الانتقام (3)، وقيل غير ذلك.

واعلم أن هذا الحديث تضمن دفع أكثر الشرور عن الإنسان لأن الإنسان في مدة حياته بين (ب) لذة وألم، فاللذة سببها ثوران الشهوة للأكل أو الشرب أو النكاح أو غيره، ودفع الألم والمكروه سببه ثوران الغضب، ثم كل واحد من اللذة والألم قد يكون تناوله أو دفعه مباحا كنكاح الزوجة ودفع قاطع الطريق، وقد يكون حرامًا كالزنا وقتال المسلمين عدوانا، وهذا

(أ) في م احمرار.

(ب) في ب في.

(1)

رواه البخاري 5/ 2267.

(2)

رواه أحمد 3/ 19 والترمذي 4/ 484 قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

(3)

الغضب من الصفات الخبرية التي وردت في الكتاب والسنة، والحق فيها إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وإرادة الانتقام ليست هي هو، ولكنها لازمة له.

ص: 138

القسم أعني دفع المكروه عدوانا هو شَرٌّ سببه الغضب، فإذا اجتنب الغضب اندفع عنه نصف الشر بهذا الاعتبار، وأكثره في الحقيقة، فإن الإنسان يغضب فيقتل أو يقذف أو يطلق امرأته أو يهاجر صاحبه أو يحلف يمينًا فيحنث فيها أو يندم عليها كما جاء في الحديث "اليمين حنث أو ندم"(1) وقد يغضب فيكفر كما كفر جبلة بن الأيهم (2) حين غضب من لطمة أخذت منه قصاصا.

وبالجملة فالشر إنما يصدر عن الإنسان بشهوة كالزنا أو غضب كالقتل فهما أعني الشهوة والغضب أصل الشرور ومبدؤها، ولهذا لما تجرد الملائكة

(1) رواه البخاري في تاريخه 2/ 129 وابن ماجه 1/ 680 والحاكم 4/ 303 والبيهقي 10/ 30 من طرق عن أبي معاوية عن بشار بن كدام عن محمد بن زيد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الحلف حنث أو ندم.

ورواه البخاري 2/ 129 ومن طريقه البيهقي 10/ 31 قال البخاري: وقال لنا أحمد بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد، قال: سمعت أبي يقول: قال عمر بن الخطاب: اليمين إثمة أو مندمة. قال البخاري: وحديث عمر أولى بإرساله.

(2)

هو جبلة بن الأيهم الغساني ملك آل جفنة، أسلم في عهد عمر بن الخطاب، وحج فوطئ على إزاره رجل فحلَّه فغضب ولطمه فهشم أنفه، وطلب منه عمر القود فرفض ولحق بهرقل وتنصَّرَ ومات على النصرانية. وهو القائل:

تَنَصَّرَتِ الأشرافُ من أجْلِ لَطمَةٍ

وما كانَ فيها لو صَبَرتُ لها ضَرَرْ

تَكَنَّفنِي منها لَحَاجٌ ونَخْوَةٌ

وبعتُ لَهَا العينَ الصَّحِيحَةَ بالعَوَرْ

فيا لَيتَ أُمِّي لم تَلِدْني وَلَيتَنِي

رَجَعْتُ إلى القولِ الذي قاله عُمَرْ

وَيَا لَيتَنِي أرعَى المَخَاضَ بِقَفْرَةٍ

وكُنتُ أسيرًا في رَبِيعَةَ أو مُضَرْ

وانظر تمام القصة في الوافي بالوفيات 11/ 53 - 57.

ص: 139

عن الشهوة والغضب تجردوا عن جميع الشرور البشرية (أ).

وللغضب دواء مانع ورافع، فالمانع تذكر فضيلة العلم، وخوف الله عز وجل، كما حكي (ب) عن بعض الملوك: أنه كتب ورقة فيها "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء، ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، ويل لحاكم الأرض من حاكم السماء، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب" ثم دفعها إلى وزيره وقال له: إذا غضبت فادفعها إليَّ (جـ)، فجعل الوزير كلما غضب الملك دفعها إليه فينظر فيها فيسكن غضبه.

والرافع للغضب نحو ما ذكرناه (د) عن الملك، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا غضب أحدكم وهو قائم فليقعد، وإذا (هـ) كان قاعدا فليضطجع"(1) والغرض أن يبعد عن هيئة الوثوب والتسرع إلى الانتقام ما أمكن حسما لمادة المبادرة (و).

وكان معاوية يقول: ما غضبي على من أقدر عليه، وما غضبي على من لم أقدر عليه. يعني أن الغضب لا فائدة فيه، بل هو تعب محض ومفسدة

(أ) في أالإنسانية.

(ب) في م يحكى.

(جـ) في س لي.

(د) في أحكيناه.

(هـ) في م وان.

(و) في م البادرة.

(1)

رواه أحمد 5/ 152 وأبو داود 5/ 141 وابن حبان (الإحسان 12/ 501) من حديث أبي ذر.

ص: 140

محضة، لأن المؤذي لي إن كنت قادرا عليه عاقبته إن شئت ولا حاجة إلى الغضب، وإن لم أكن قادرا عليه فالغضب المجرد لا يشفيني منه، فلا حاجة إليه.

واعلم أن هذا الكلام مقبول بادئ الرأي، وعند النظر يظهر فيه شيء، وهو أن الغضب من الأعراض الطبيعية التي لا تندفع (أ) بالاختيار كالخجل والوجل لأنه فوران دم القلب باطنا فهو كالرعاف ظاهرا، وإنما جعله الله عز وجل سببًا للانتقام ودفع المكاره وحينئذ لا يندفع الغضب عند قيام سببه، كما لا يندفع الخوف عند قيام سببه.

وحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم أنه لما قيل له: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ} [طه: 21] لَفَّ كمَّه على يده وتناولها بها، فقيل له: أرأيت لو أذن الله عز وجل فيما تحذر هل كان ينفعك كُمُّكَ؟ قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت (ب).

والتحقيق أن الناس في الغضب على ضربين:

أحدهما: مغلوب للطبع الحيواني فلا يمكنه دفعه وهو الغالب نمط الناس.

والثاني: غالب للطبع بالرياضة فيمكنه منعه، ولولا هذا وإلا لكان قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تغضب" تكليفا أو أمرا بما لا يطاق. وأقوى الأشياء في منع الغضب ورفعه التوحيد الحقيقي العام وهو اعتقاد الإنسان أن لا فاعل في

(أ) في أ، م لا تمتنع.

(ب) في أومن ضعف خاف.

ص: 141

الوجود إلا الله عز وجل، وأن الخلق آلات لفعله (1)، فإذا تَوَجَّهَ إليه مكروه من جهة غيره يرى فاعله الله عز وجل لا غيره، وأن ذلك الغير آلة للفعل الإلهي كالسيف للضارب والقوس للرامي والرمح للطاعن والقدوم للنجار والسكين للجزار، وحينئذ يندفع عنه الغضب، لأنه لو غضب والحالة هذه لكان غضبه إما على الخالق وهي جُرأةٌ تنافي العبودية، أو على المخلوق وهو إشراك ينافي التوحيد، ولهذا جاء في حديث أنس (أ) قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعله؟ ولكن يقول:"قدر الله وما شاء فعل، أو لو قدر لكان"(2).

قلت: وما ذاك إلا لكمال معرفته صلى الله عليه وسلم بأن لا فاعل (3) ولا معطي ولا

(أ) في أولهذا قال أنس.

(1)

هذا قول الجبرية.

وقول أهل السنة في هذه المسألة أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة حقيقة، قال تعالى {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} .

وأوجد الله للعبد إرادة وقدرة يفعل بهما فعله، فيوصف الفعل بكونه فعلا للعبد وكسبًا له، ويوصف بأنه مخلوق لله لأن الله خالق العبد وقدرته وإرادته، والله قادر مستقل، والعبد قادر يجعل الله له قادرًا. وبذلك الفعل يصير العبد عاصيا أو مطيعًا، وبه يعاقب أو يثاب، والفرق بين العقاب على الفعل الاختياري وغير الاختياري مستقر في الفطر والعقول.

انظر درء تعارض العقل والنقل 7/ 276 والاستغاثة في الرد على البكري 1/ 175 وشرح العقيدة الطحاوية 650.

(2)

رواه البخاري 3/ 1018 ومسلم 4/ 1804 بنحوه.

(3)

كلا، بل ذاك لحسن حلقه ولين جانبه وطيب عشرته.

ص: 142

مانع إلا الله عز وجل، بخلاف غيره من الناس فإن غلامه إذا لم يقف شغله غضب عليه وقام فضربه، فعلى هذا لا فاعل في الوجود إلا الله وحده (أ)، وله آلات كبرى وصغرى ووسطى، فالكبرى من له قصد واختيار كالإنسان الضارب بالعصا، والصغرى ما لا قصد له ولا اختيار كالعصا المضروب بها، والوسطى من له قصد ولا عقل له كالدابة ترفس ونحوها (1).

فإن قلت: قد صح في الحديث أن موسى صلى الله عليه وسلم اغتسل عريانا، ووضع ثوبه على حجر، فنفر (ب) الحجر، فجمح موسى في أثره يقول: ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر، ثم طفق يضربه بعصاه، وإن أثر عصاه بالحجر (جـ) لندب ستة أو سبعة (2).

وإنما ذلك غضب على الحجر مع أن موسى كان من أعرف الناس (د) بالله عز وجل وتوحيده وأن لا فاعل غيره.

فالجواب أن الحجر إنما فرَّ بثوب موسى لحياة خلقها الله عز وجل فيه

(أ) في ب، س، م فعلى هذا الفاعل في الوجود هو الله عز وجل وحده.

(ب) في ب، م ففر.

(جـ) في م في الحجر.

(د) في أ، م الخلق.

(1)

هذا تقسيم فاسد يجعل الإنسان، وعصاه التي يضرب بها باختياره وإرادته، ودابته التي يركبها في مرتبة واحدة من حيث إن كلَّها آلات لفعل الله فحسب.

(2)

رواه البخاري 1/ 107 ومسلم 1/ 267 من حديث أبي هريرة.

ص: 143

فصار كالدابة تجمح براكبها، أو تفر بصاحبها (أ)، فله أن يضربها تأديبًا لها أو زجرا، ويحتمل أن يجعل غضبه على الحجر من باب غلبة الطباع، كما غلب عليه الطبع البشري حتى لَفَّ كُمَّه على يده عند أخذ العصا، وقد ثبت أن موسى كان حديدًا حتى كان إذا غضب خرج شعر جسده من مدرعته كَسَل (1) النخل، ولهذا لما علم بما أحدث قومه من بعده أخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه.

وكذلك يحكى أنه لما خرق الخضر السفينة غضب موسى وأخذ برجل الخضر يجره ليلقيه في البحر حتى ذكره يوشع عهده مع الخضر فخلّاه. والله عز وجل أعلم بالصواب.

وقوله: "فردَّد مرارا" يعني السائل كرَّر السؤال مرارا يقول: أوصني يا رسول الله لأنه لم يقنع بقوله: "لا تغضب" فطلب وصيَّةً أنفع وأبلغ منها فلم يزده النبي صلى الله عليه وسلم عليها لعلمه بعموم نفعها، ونبه السائل على ذلك بتكرارها وصار هذا (ب) كما قال له العباس علمني دعاء أدعو به يا رسول الله فقال:"سل الله العافية" فعاوده العباس مرارا، فقال له: "يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أعطيت العافية أعطيت كل

(أ) في ب، س، م تفر من صاحبها.

(ب) في م ذلك.

(1)

كذا في النسخ، ولعلَّها محرفة عن (كَسُلَّاءة النخل) كَرُمَّانة شوكة النخل الجمع سُلَّاء.

انظر تاج العروس مادة سلل.

ص: 144

خير" (1) أو كما قال.

وكذلك لما قال لأصحابه: "اجتمعوا فإني أتلو عليكم ثلث القرآن، فاجتمعوا فَتَلَا عليهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها ثم دخل منزله، فأقاموا ينتظرونه ليكمل لهم ثلث القرآن فخرج عليهم، فقال: "ما تنتظرون أما إنها تعدل ثلث القرآن" (2) يعني سورة الإخلاص. والله عز وجل أعلم بالصواب.

(1) رواه أحمد 1/ 209 والترمذي 5/ 534 من حديث عباس قال الترمذي هذا حديث صحيح.

(2)

رواه مسلم 1/ 557 من حديث أبي هريرة.

ص: 145