المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي - التعيين في شرح الأربعين - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثَّاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الحديث الثالث عشر:

- ‌الحديث الرابع عشر:

- ‌الحديث الخامس عشر:

- ‌الحديث السادس عشر:

- ‌الحديث السابع عشر:

- ‌الحديث الثامن عشر:

- ‌الحديث التاسع عشر:

- ‌الحديث العشرون:

- ‌الحديث الحادي والعشرون:

- ‌الحديث الثاني والعشرون:

- ‌الحديث الثالث والعشرون:

- ‌الحديث الرابع والعشرون:

- ‌الحديث الخامس والعشرون:

- ‌الحديث السادس والعشرون:

- ‌الحديث السابع والعشرون:

- ‌الحديث الثامن والعشرون:

- ‌الحديث التاسع والعشرون:

- ‌الحديث الثلاثون:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون:

- ‌الحديث السادس والثلاثون:

- ‌الحديث السابع والثلاثون:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون:

- ‌الحديث الأربعون:

- ‌الحديث الحادي والأربعون:

- ‌الحديث الثاني والأربعون:

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي

‌الحديث الرابع:

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم مجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".

رواه البخاري ومسلم.

الكلام على هذا الحديث في لفظه ومعناه.

أما لفظه فمنه قوله: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أصل فيما يستعمله المحدثون من قولهم حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا. ومعنى حدثنا أنشأ لنا خبرًا حادثا.

ومنه الصادق المصدوق فالصادق الآتي بالصدق، وهو الخبر المطابق، والمصدوق الذي يأتيه غيره بالصدق، وعلى هذا القياس الكاذب والمكذوب، ومنه قول على رضي الله عنه يوم النهروان: والله ما كَذَبْتُ وما كُذِبتُ (1)، أي: ما كذبني من أخبرني.

(1) انظر الكامل للمبرد (3/ 1105 - 1106 طبعة الدالي).

ص: 83

والنبي صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به، مصدوق فيما أخبر لأن جبريل مخبره، وعكسه ابن صياد حين قال: يأتيني صادق وكاذب، وأرى عرشا على الماء فقال:"خُلِّط عليه الأمر"(1) فهو إذًا كاذب مكذوب (2).

ومنه قوله: "يجمع خلقه في بطن أمه" أي: مادة خلقه، وهو الماء الذي يخلق (أ) منه. و "يجمع" أي: يضم ويحفظ.

ومنه العلقة قطعة دم، والمضغة قطعة لحم قدر ما يمضغ.

ومنه الروح وهو المعنى الذي يحيى به الإنسان، وهو من أمر الله عز وجل كما أخبر، وللناس في تحقيقه خلاف كثير، ولفظه مشترك بين عدة معانٍ.

ومنه الرزق وهو ما يتناوله الإنسان في إقامة بدنه من مأكول ومشروب وملبوس وغيره. والأجل مدة الحياة.

وأما معناه ففيه أبحاث:

الأول: قوله: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه" إلى قوله: "ثم يرسل الملك" هو راجع إلى قوله عز وجل {هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة} [سورة غافر: 67] وأيضًا {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} [سورة المؤمنون: 12] الآية ونحوها.

(أ) في م خلق.

(1)

رواه البخاري 1/ 454 ومسلم 4/ 2244 من حديث ابن عمر.

(2)

في هامش "أ" أي كاذب فيما أخبر مكذوب فيما أخبر به.

ص: 84

البحث الثاني: أنه ذكر نفخ الملك الروح في الجنين بعد مائة وعشرين يوما، مضروب ثلاثة في أربعين، فاستفيد من ذلك أنه لا يصلى على السقط حتى يستكمل أربعة أشهر وهي مائة وعشرون يوما، إذ قبل ذلك لا روح فيه وما لا روح فيه فهو موات، والصلاة إنما تكون على الميت، وهو من حلَّه (أ) الروح، ثم فارقه لا على الموات بالأصالة.

فإن قيل: قد تضمن هذا الحديث أن الجنين يُصلَّى عليه بعد ثلاثة أطوار وهي طور النطفة والعلقة والمضغة، وإذا صُلِّي عليه ضمن بالجناية عليه.

ونقل عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: لا يضمن حتى تأتي عليه الأطوار السبعة. يعني المذكورة في أوَّل سورة المؤمنين (1).

فاعلم أنه لا تعارض بين الحديث وقول عليّ لأن الأطوار الثلاثة في الحديث متضمنة الأطوار (ب) السبعة التي في الآية، وهي السلالة، والنطفة، والعلقة، والمضغة، ثم العظام، ثم كسوتها لحما، ثم إنشاؤها خلقا آخر، وهي الصورة الإنسانية الكاملة التي تضمن الحديث أنها تكون بعد مائة وعشرين يوما.

البحث الثالث: يستفاد من الحديث أن الأمة لا تصير أم ولد إلا بوضع ما تجاوز أربعة أشهر من سيدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أم الولد: "أعتقها

(أ) في س دخله.

(ب) في م للأطوار.

(1)

رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار 5/ 174.

ص: 85

ولدها" (1) فعلق العتق بالولد، ومقتضى حديث ابن مسعود أنه لا يسمى ولدا قبل أربعة أشهر لأنه سماه قبلها نطفة وعلقة ومضغة، ولا شيء من ذلك بولد لغة ولا عرفا، وإنما يسمى ولدا إذا نفخ فيه الروح بعد ذلك، ثُمَّ وُلِدَ.

فإن قيل: الشرع علَّق عتقها بالولد، والولد مشتق من الولادة، وهي الخروج من الرحم؟

قلنا: يلزم على هذا أن تصير أم ولد بوضع النطفة إذا خرجت من الرحم وليس كذلك، ولو قال به قائل لكان بعيدا عن دليل الشرع، وإنما ذهب بعض الفقهاء إلى صيرورتها أم ولد بدون ما ذكرناه حرصا على عتقها وتشوُّفا إليه ولو بسبب ضعيف كالعتق بالسراية.

البحث الرابع: أن نفخ الروح في هذا الحديث بعد مائة وعشرين يوما، وصحَّ في حديث آخر أنه بعد أربعين، أو اثنين وأربعين يومًا (أ)(2).

وأشبه ما يجمع به بينهما حمله على أن بعض الأجنّة ينفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين يوما، وبعضهم بعد اثنين وأربعين تخصيصا لكل واحد من الحديثين بالآخر. والله أعلم.

(أ) في س بعد اثنين وأربعين يوما.

(1)

رواه ابن ماجه 2/ 841 والحاكم 2/ 19 من حديث ابن عباس. قال الزيلعي: والحديث معلول بابن أبي سبرة وحسين فإنهما ضعيفان. نصب الراية 3/ 287.

(2)

لكن في حديث حذيفة بن أسيد -ولعله الذي يشير إليه المؤلف- "يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة" صحيح مسلم 4/ 2037.

ص: 86

البحث الخامس: قوله: "يؤمر بأربع كلمات" أي: بكتابة أربعة أشياء من أحوال الجنين، رزقه قليلا أو كثيرا، حراما أو حلالا، من أي جهة هو ونحو ذلك، وأجله طويل أو قصير، وعمله صالح أو فاسد، وشقي في الآخرة أو سعيد.

قوله: "فيسبق عليه الكتاب" أي: حكم الكتاب الذي كتب له في بطن أمِّه مستندا إلى سابق العلم الأزلي فيه "فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" يعني بحكم القدر الجاري عليه المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير والشر، فمن سبقت له السعادة صرف الله قلبه إلى خير يختم له به، ومن سبقت له الشقاوة صرف الله عز وجل قلبه إلى شرٍّ يختم له به.

وفي بعض روايات هذا الحديث "وإنما الأعمال بالخواتيم، والأعمال بخواتيمها"(1) وفي حديث آخر "اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسَّرُ لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فييسَّرُ لعمل أهل الشقاوة"(2) وهذا أيضًا إشارة إلى تصريف الإنسان في أفعاله إلى ما يراد منه بحسب القدر الجاري عليه المستند إلى سابق العلم فيه بحسب خلق الدواعي والصوارف فيه المشار إليه بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "قلوب الخلق بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف

(1) لم يأت في حديث ابن مسعود، وإنما جاء في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه الإمام أحمد 5/ 335.

(2)

رواه البخاري 4/ 1891 ومسلم 4/ 2039 من حديث علي.

ص: 87

يشاء" (1).

البحث السادس: قوله: "يعمل بعمل أهل الجنة" إلى آخره، هو قسمان من أربعة، لأن الإنسان إما أن يعمل بعمل أهل الجنة من أول عمره إلى آخره، أو بعمل أهل النار مثل ذلك، أو يعمل بعمل أهل الجنة أول عمره ويعمل بعمل أهل النار عند انختامه (أ)، أو بالعكس.

واعلم أن أهل التحقيق اختلفوا، فمنهم: من يراعى (ب) حكم السابقة وجعلها نصب عينه، ومنهم: من راعى حكم الخاتمة، والأشبه الأول لأن الله سبحانه وتعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العَالَم وشقيه، ثم الخاتمة عند الموت مرتبة على العلم الأزلي ومبنية عليه بحسب صلاح العمل عندها وفساده ثم حقيقة السعادة والشقاوة في الدار الآخرة مبنية على الخاتمة، والمبنيُّ على المبنيِّ على الشيء مبنيٌّ على ذلك الشيء، فحقيقة السعادة والشقاوة مبنية على سابق العلم بها، فهي إذن أولى بالخوف منها والمراعاة لها.

البحث السابع: قوله: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، ويعمل بعمل أهل النار فيسبق عليه الكتاب فيعمل

" كل هذا إشارة إلى أنه لا بُدَّ من سببيَّة الأعمال للسعادة والشقاوة.

(أ) في م الخاتمة.

(ب) في م راعى.

(1)

رواه ابن ماجه 2/ 1260 وابن أبي عاصم في السنة 1/ 101 من حديث أنس وصححه الألباني في ظلال الجنة.

ص: 88

وتحقيق هذا المقام أن الله عز وجل خلق الخلق وركب (أ) فيهم طباع الخير والشر، فعلم ما يكون منهم بحسب مقتضى طباعهم المركوزة فيهم، فلو أسعدهم وأشقاهم بدون تكليف وعمل اعتمادًا على سابق علمه وحكمته فيهم لكان في ذلك مأمونا غيرَ مُتَّهَمٍ، لكنه سبحانه وتعالى عادل في حكمته (ب) حليم في عدله، والحكمة تقتضي اجتناب مظان التُّهَمِ، فلو عذب بعضهم بموجب علمه فيهم لاتَّهَمُوهُ، فدفع هذه التهمة بأن كلَّفهم حتى ظهرت معصيتهم عن طباعهم المركوزة فيهم من القوة إلى الفعل، وهذا هو سِرُّ قوله عز وجل {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [سورة النساء: 165] وقوله عليه الصلاة والسلام في أطفال المشركين: "الله أعلم بما كانوا عاملين"(1) وفي هذا المقام بسط وتحقيق وفيما ذكرناه تنبيه على المقصود منه.

ومرجع هذا الحديث من الكتاب إلى آيات القدر، نحو {إنا هديناه السبيل إمَّا شاكرا وإمَّا كفورا} [سورة الإنسان: 3] {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدا} [سورة الكهف: 17].

ومن السنة إلى أحاديث القدر، كحديث محاجَّة آدم وموسى، وحديث عليٍّ "كل ميسر لما خلق له"(2) وقوله عليه الصلاة والسلام "اعملوا على

(أ) في م وركز.

(ب) في م حكمه.

(1)

رواه البخاري 1/ 465 ومسلم 4/ 2049 من حديث أبي هريرة.

(2)

سبق تخريجه قريبا.

ص: 89

مواقَع القدر" وقوله: "قدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام" (1) أو كما قال وهي كثيرة.

البحث الثامن: تصرف الله في خلقه إما ظاهر أو باطن، والظاهر إما بخرق العادات كالمعجزات، أو بنصب الأدلَّة والأمارات كأحكام التكليفات، والباطن إما بتقدير الأسباب نحو {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} [سورة الأنفال: 42] وشبهه، أو بخلق الدواعي والصوارف نحو {كذلك زيّنا لكل أمَّة عملهم} [سورة الأنعام: 108] {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} [سورة الأنعام: 110]{ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم} [سورة التوبة: 137] وقوله عليه الصلاة والسلام: "يا مصرف القلوب صَرِّفْ قلبي على طاعتك"(2).

وهذا البحث مناسب لما ذكرنا في قوله: "فيسبق عليه الكتاب".

وهذا الحديث يتعلق (أ) بمبتدأ الخلق ومنتهاه، وأحكام القدر في المبدأ والمعاد. تم الكلام على هذا الحديث إن شاء الله عز وجل.

(أ) في م متعلق.

(1)

رواه مسلم 4/ 2044 من حديث عبد الله بن عمرو بنحوه.

(2)

رواه مسلم 4/ 2045 من حديث عبد الله بن عمرو.

ص: 90