الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
من دون المؤمنين: بمعنى بدلا من المؤمنين. أو مكان المؤمنين أو متجاوزين المؤمنين.
(2)
تقاة: قرئت (تقية) والمعنى واحد وهو الاتقاء.
عبارة الآيات واضحة. وقد احتوت تحذيرا مكررا للمؤمنين من تولّي الكافرين دون المؤمنين إلّا إذا كان بقصد التقية حين الاضطرار. وتنبيها إلى أن الله تعالى يعلم كل ما يبدونه ويسرّونه، وأن كل نفس سوف تجد أمامها يوم القيامة ما عملته من خير وشرّ. فيتمنّون حينئذ أن لو كان ما عملوه من سوء وشرّ بعيدا عنهم، وتوكيدا على المسلمين بوجوب طاعة الله والرسول وبيانا بكون طاعة الله ومحبته منوطتان بطاعة الرسول.
تعليق على الآية لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
…
إلخ والآيات التالية لها إلى الآية [32]
ولقد روى المفسرون «1» في صدد هذه الآيات روايات عديدة. حيث روى بعضهم أن الآيات الثلاث الأولى نزلت في بعض المؤمنين أو المنافقين المتظاهرين بالإسلام الذين كانوا يوالون اليهود أو المشركين وأن الآيتين الأخيرتين نزلتا في
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن والطبرسي وابن كثير.
النصارى الذين كانوا يقولون إننا نعظم عيسى حبا لله، أو نزلتا في حق وفد نجران لقولهم نحن نحب الله، أو في حق المشركين الذين كانوا يقولون إننا نعظم الملائكة حبا لله، أو في حق اليهود والنصارى الذين كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه. وقد حكت هذا عنهم آية سورة المائدة هذه: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) ومما رواه بعضهم «1» أنها نزلت في حادث حاطب بن أبي بلتعة أحد المهاجرين بسبب كتابته لأبي سفيان بخبر عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم على الزحف على مكة.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح. والرواية الأخيرة بعيدة في ظرفها. والروايات تقتضي أن تكون الآيات نزلت مجزأة وفي ظروف مختلفة مع أن المستلهم من روحها أنها سياق واحد وأنها متصلة بمشهد المناظرة والحجاج وقد جاءت استطرادية بعد ما حملت الآيات السابقة على أهل الكتاب ومنهم اليهود ونددت بكفرهم ومراوغتهم وتبجحهم بالحظوة لدى الله وافترائهم عليه وربطت بين موقفهم الحاضر وموقف آبائهم الغابر لتحذر المؤمنين من موالاتهم حيث كان بين قبائل اليهود وقبيلتي الأوس والخزرج حلف وولاء قديمان على ما شرحناه في سياق آيات سورة البقرة [84- 85] وأنها تضمنت دعوة لأهل الكتاب إلى اتباع النبي إذا كانوا حقا يحبون الله لأنه هو الهادي إلى طريق الله القويم الذي ليس فيه عوج ولا تعقيد ولا انحراف. ولما كانت الآيات التالية لهذه الآيات تلهم أنها في صدد مشهد ثان من مشاهد المناظرة حول العقيدة النصرانية فإنه يصحّ أن يقال إن الآيات الخمس جاءت كذلك ختاما لما اقتضت حكمة التنزيل وحيه في صدد المشهد الأول.
وبقطع النظر عن صلة الآيات بمشهد المناظرة ففي الآية الأولى منها تشريع
(1) انظر تفسير الخازن.
إسلامي محكم في ذاته. وفي الآيتين التاليتين تدعيم لهذا التشريع.
ولقد انطوى في الآية الأولى مبدآن في صدد تنظيم مناسبات المؤمنين مع غيرهم:
الأول: عدم جواز اتخاذ المؤمنين من غيرهم نصراء وأولياء بدلا من المؤمنين في أي حال.
الثاني: تسويغ مداراة المؤمنين لغيرهم في الظروف التي توجب هذه المداراة لدفع الأذى والشرّ والضرر.
وفيما يلي شرح لمدى الآية وما يروى في صددها من أقوال وأحكام وتعليق عليه:
1-
لقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل أو يوردونها لأنفسهم في صدد الفقرة الأولى. من ذلك أن النهي يشمل التناصر والتحالف مع الكفار. ويشمل كذلك اتخاذهم بطانة أو اطلاعهم على أسرار المسلمين ولو كان بينهم قربى رحم أو جنس. ومما قالوه في تأويل فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إنها بمعنى براءة الله منه والإيذان بأن فاعل ذلك مرتدّ عن الإسلام. وبعضهم أدار الكلام على اعتبار أن النهي هو عن موالاة الكفار الأعداء من حيث إن هناك كفارا غير أعداء مسالمين أو موادين أو حياديين ومعاهدين. وفي كل هذه الأقوال صواب وسداد.
2-
وتنبيه يهدد المئات ولو كان الأمر بديهيا على أن كلمة الْكافِرِينَ في الآية هي نعت لكل جاحد لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم سواء أكان كتابيا أم مشركا أم وثنيا أو ملحدا. وفي آيات في سورة المائدة نهي صريح عن موالاة اليهود والنصارى وأهل الكتاب [52- 58] حيث يكون في ذلك تدعيم قرآني.
3-
والآية هي أولى آيات ورد فيها النهي عن تولي الكافرين. وقد تكرر ذلك مرارا في سور أخرى حيث يبدو أن من المسلمين سواء منهم المخلصون أو المنافقون المتظاهرون بالإسلام لم يمتنعوا عن تولي الكفار فاقتضت حكمة التنزيل
موالاة النهي وبتشديد أقوى مما جاء في الآية.
4-
والنهي في الآية مطلق أي بدون تعليل حيث توجب عدم تولي الكافرين مطلقا. والآيات التي نزلت بعد ذلك مختلفة الصيغ. منها ما جاء مطلقا ومماثلا لهذه الآية مثل آيات سورة النساء [138 و 139 و 144] والمائدة [51 و 52] والتوبة [23 و 24] ومنها ما جاء معللا بكون النهي هو للأعداء والمعتدين على المسلمين والإسلام مثل آية المائدة [58] والممتحنة [1- 2] .
5-
وفي سورة الممتحنة هذه الآية لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) حيث يمكن أن يكون انطوى فيها استدراك تدعيمي لتعليل النهي المذكور آنفا. وفي الآية التي تلي هذه الآية تدعيم حاسم حيث جاء فيها إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) والمتبادر أنه يصحّ أن تعتبر الآيتان ضابطين محكمين لموقف المسلمين من غيرهم مع القول إن جملة أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ تنسحب على مختلف أنواع التعامل والتعايش والتعاون. والله تعالى أعلم.
6-
وللسيد رشيد رضا كلام سديد وجيه قاله في سياق تفسير آية آل عمران التي نحن في صددها حيث يقول إنه ليس ما يمنع المسلمين من أن يتحالفوا ويتفقوا مع غيرهم من غير أعدائهم إذا كان لهم مصلحة فضلا عن التعامل الذي ينطوي في آية الممتحنة [8] ويسوق كدليل على ذلك حلف خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم على شركهم نتيجة لصلح الحديبية حيث اتفق النبي وقريش على أن يخيروا القبيلتين النازلتين في منطقة مكة وهما بكر وخزاعة بين الدخول في صلح النبي أو صلح قريش فاختارت خزاعة النبي واختارت بكر قريشا لأنه كان بين القبيلتين عداء وحروب. وصار الصلح شاملا لكلتا القبيلتين مع الحليف الذي اختارته، وهناك دليل آخر وهو كتاب الموادعة الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم حينما حلّ في المدينة وجعله شاملا لليهود فيها.
فأقرهم على دينهم وعلى ما كان بينهم وبين الأوس والخزرج من محالفات وأوجب
عليهم النصرة للمؤمنين مع حلفائهم وأوجب لهم النصرة من المؤمنين وحلفائهم وأوجب لهم وعليهم تبادل المساعدات «1» . وواضح من الأمثلة أنها شاملة للكتابيين والمشركين. وكل من هو غير مؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر. سواء أكان كتابيا أم غير كتابي.
وعلى هذا يصحّ أن يقال إن لأولي الأمر من المسلمين أن يلحظوا ما فيه مصلحة المسلمين في صلاتهم مع غيرهم وأن الضابط الذي يجب أن يضبط عملهم هو أولا ما يعرف في الكفار من نوايا المسالمة والموادة أو العداء والغدر والخيانة.
فمن كانت نواياه سلمية ودّية جاءت محالفته والاستعانة به في شتى المجالات إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. وثانيا الحذر الدائم وعدم الاندفاع مع حسن الظن والظواهر. ويمكن أن يقال إجمالا إن آيتي سورة الممتحنة تصحان أن تكونا ضابطا في هذه الحالات والله أعلم.
7-
ولقد جاء في سورة المجادلة التي نزلت بعد هذه السورة حسب روايات ترتيب النزول هذه الآيات: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ
…
والمتبادر أن الموادة هي دون التولّي والتناصر والتحالف الذي نهت عنه الآيات الأخرى. ويمكن أن تكون تبادل محبة وحسن معاشرة ومشايعة وما في نطاق ذلك وأسلوب الآية قوي نافذ. وقد انطوت على تعديل لمدى الآيات الناهية عن اتخاذ الكفار أولياء بحيث صار النهي القرآني شاملا للموالاة والموادة في مداهما المشروع مع التنبيه على مدى جملة مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ التي هي صريحة بأنها في صدد الكفار الأعداء المحاربين لله ورسوله.
(1) انظر ابن هشام ج 3 ص 119- 123. [.....]
8-
وقد يلحظ أن النهي والتحذير متصلان اتصالا شديدا بظروف السيرة النبوية التي كان المؤمنون والمشركون وبخاصة القرشيين من هؤلاء فيها في حالة عداء وحرب. وكان موقف اليهود الكافرين بالرسالة المحمدية فيها موقف تعطيل ومناوأة ودسّ وعداء أيضا. وكان موقف نصارى الشام بخاصة موقف ترقب وتربص وعداء. وكان بين المؤمنين المكيين ومشركي قريش أوشاج رحم وقربى وكان بين مؤمني المدينة ومشركيها ومنافقيها أوشاج قربى ورحم. وكان بين مؤمني المدينة واليهود فيها محالفات قديمة. وكل هذا ملموح في الآيات التي أوردنا أرقامها آنفا وفي سياق بعضها. وهذا يفسّر الشدة التي انطوت في الآيات من جهة ويسوغ القول إن الآية التي نحن في صددها والآيات الأخرى جاءت لمعالجة الموقف الراهن من جهة أخرى. غير أن المبدأ الذي احتوته الآية التي نحن في صددها والآيات الأخرى يظل محكما واجب الرعاية في كل ظرف مماثل وفي نطاق ما نوهنا بسداده وصوابه من الأقوال والتأويلات والضابطين المحكمين في آيتي الممتحنة.
وجملة إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ظاهرة المعنى بأن القصد من هذا الاستثناء هو مداراة الكفار وليس توليهم على كل حال. ومما قاله الطبري وآخرون إن ذلك سائغ إذا كان هناك خطر أو ضرر يخافهما المسلمون من الكفار وفي حدود ما لا يحل حراما ولا يحرم حلالا وما ليس فيه غضّ عن إهراق دم مسلم أو استحلال ماله أو فيه فساد في الدين أو مشايعة ومناصرة على مسلم بفعل ما.
ويدخل في ذلك اتخاذهم بطانة واطلاعهم على أسرار المسلمين ومواضع ضعفهم.
وننبه على أن من العلماء من أجاز التقية من الكفار إجازة رخصة وهناك من أوجبها إيجابا.
ويتبادر لنا على ضوء العبارة القرآنية أنها تضمنت تسويغا عاما يحدد المسلمون الانتفاع به وفق ظروفهم وفي نطاق الضرورة وفي حدود الأقوال السابقة الوجيهة.
ولقد قال بعضهم إن الاستثناء كان بالنسبة لأول الإسلام ثم نسخ بعد أن أعزّ