الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث قالوا على سبيل تحدي النبي وتعجيزه إن الله وصّانا بألا نصدق رسولا يدعي أنه مرسل من الله إلّا إذا أكلت القربان الذي يقرّبه نار تنزل من السماء.
3-
وأمرا للنبي بالردّ عليهم ردا ينطوي على التنديد: فلقد جاءهم رسل من قبله بالبينات وبالذي طلبوه فلماذا قتلوهم إن كانوا صادقين في حفظ وصية الله.
4-
وتطمينا وتسلية للنبي، فإذا أصرّ اليهود على تكذيبه فلا موجب لغمّه وحزنه فإن له أسوة بالرسل السابقين الذين جاءوا بالحقّ والصدق والكتب الإلهية المنيرة فكذبوا أيضا.
تعليق على الآية لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ
…
إلخ والآيات الثلاث التالية لها
واسم اليهود ليس صريحا في الآيات. غير أن جمهور المفسرين قرروا أنها في حق اليهود. ومضمونها قوي الدلالة على ذلك. كما أن آيات عديدة في هذه السورة وفي سورة البقرة نعتت اليهود بالصفات التي جاءت عنهم في هذه الآيات التي جرت على الأسلوب الذي تكرر وخاصة في القرآن المدني بالنسبة لليهود وهو وصل مواقف الحاضرين من النبي صلى الله عليه وسلم بمواقف السابقين من أنبيائهم من قبل حتى كأنها صادرة من الحاضرين وذلك على سبيل التشديد في التنديد وبيان عدم غرابة ما يفعله الحاضرون لأنهم سائرون على قدم آبائهم السابقين وجبلّتهم.
وقد روى المفسرون»
في صدد الآية الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر رضي الله عنه إلى جماعة من اليهود يدعوهم إلى الإسلام ويبيّن لهم أركانه ومن جملتها الزكاة وأورد لهم آية فيها حثّ على إقراض الله قرضا حسنا فجادلوه وصدر
(1) هذه الرواية والروايتان الأخريان وردت في سياق تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والخازن وابن كثير.
من بعضهم القول البذيء في حقّ الله الذي حكته الآية على سبيل الهزؤ والجحود حتى أن أبا بكر لم يملك نفسه من أن يغضب ويلطم القائل. وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر ليطلب منهم مالا يستعين به على بعض حروبه لأنهم حلفاء المسلمين وقد أوجب ذلك عليهم في كتاب الموادعة الذي كتبه حينما حلّ في المدينة على ما ذكرناه في مناسبة سابقة فجرى ما ذكرته الرواية الأولى. وهناك رواية ثالثة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا جماعة من اليهود إلى الإسلام والإيمان برسالته فقالوا له ما حكته الآية [183] .
والروايات لم ترد في الصحاح. وتقتضي أن تكون الآيات نزلت مجزّأة في حين أنها تبدو منسجمة بحيث يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة. ويتبادر لنا أن فيها تسجيلا لمشهد جدلي قام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض اليهود أو في البدء بين أبي بكر وبعض اليهود في صدد الرسالة الإسلامية وما تدعو إليه من الإنفاق في سبيل الله ووصفها ذلك بإقراض الله قرضا حسنا فحكت ما كان منهم إزاء ذلك ثم ربطت بينه وبين ما كان من آبائهم من مواقف جريا على الأسلوب القرآني الذي مرّت أمثلة منه في هذه السورة وفي سورة البقرة.
ومن الجدير بالذكر أن في الإصحاحات (17 و 18 و 19) من سفر الملوك الثالث في الطبعة الكاثوليكية أخبار مما أشير إليه في الآية [183] إشارة خاطفة حيث ذكر فيها خبر قتل كثيرين من أنبياء الله وخبر استشراء عبادة البعل بين بني إسرائيل برعاية ملوكهم وبخاصة برعاية آحاب ملك إسرائيل وزوجته إيزابيل وخبر مناظرة بين النبي إيليا وبين أبناء البعل وتحديه إياهم بتقريب كل منهم قربانا. فمن هبطت من السماء نار فأكلت قربانه كان هو الذي على الحق.
وخبر نزول نار من السماء وأكلها قربان النبي إيليا دون قرابين أبناء البعل، وعدم ارعواء آحاب وزوجته وجمهور بني إسرائيل عن انحرافهم الديني رغم ذلك ومطاردتهم للنبي بحيث يستحكم ردّ القرآن في اليهود ويبهتهم بما في أسفارهم من وقائع.