الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث عن عبد الله بن عمر أخرجه الإمام أحمد جاء فيه: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال: «أنا محمّد النبيّ الأميّ ثلاثا ولا نبيّ بعدي. أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي وعوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه» «1» .
ولقد رشح القرآن الدين الإسلامي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في آيات عديدة ليكون دين البشرية جميعا في كلّ زمن ومكان مثل آية الفتح هذه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28)[28]«2» وآية سورة النور هذه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) .
ولقد احتوى القرآن من الأسس والمبادئ والتشريعات والتلقينات والنظم والمعالجات في صدد العقائد والمعاملة والحياة الدنيوية والأخروية ما يكفل حلّ جميع الإشكالات والتمشي مع كل طور وزمن ومكان وصلاح البشرية وسعادتها على أتمّ وجه وأفضله. وجاءت السنن النبوية متممة موضّحة مفسّرة فلم يعد هناك حاجة إلى أنبياء ورسل من بعده وذلك هو مصداق قول الله وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ صلوات الله وسلامه عليه.
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) .
(1) نقلنا نص هذا الحديث والأحاديث السابقة عن ابن كثير.
(2)
هذا المعنى جاء أيضا في آية سورة التوبة [33] وفي آية سورة الصف [9] .
(1)
هو الذي يصلي عليكم وملائكته: الجمهور على أن معنى صلاة الله ورحمته وهدايته ومعنى صلاة الملائكة تأييدهم واستغفارهم.
عبارة الآيات واضحة ولم نطلع على رواية في سبب نزولها. والذي يتبادر لنا أنها متصلة بموضوع الآيات السابقة ومعقبة عليها حيث احتوت تنبيه المؤمنين إلى ما لهم عند الله من كرامة وما أحاطهم به من عناية فأخرجهم برسالة نبيه من الظلمات إلى النور وأيّدهم بملائكته، ثم إلى ما يجب عليهم من كثرة ذكر الله وشكره ومراقبته في كل وقت وحال وحيث احتوت كذلك تثبيتا للنبي وتنويها بمهمته العظمى التي جعله الله بها شاهدا على أمته ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا، وأمرا بعدم الأبوه بالكافرين والمنافقين وأقوالهم ومكائدهم ودسائسهم المؤذية بسبيل ما يدعو إليه ويقوم به من إصلاح وخير، وجعل اعتماده على الله وحده وله فيه نعم الكفاية والوكالة.
والآية الأخيرة بخاصة مما تلهم هذا التوجيه، ومما تلهم الاتصال ومعنى التعقيب في الآيات بالنسبة للآيات السابقة. ومما تلهم كذلك أن نقد حادث زواج النبي بمطلقة زيد ولوك الألسن له وتشويش الأفكار حوله إنما كان من المنافقين والكفار.
وهذه الآية وظروف ورودها تلهم تلقينا جليلا في صدد صورة اجتماعية عامة تتكرر دائما. ففي سبيل كل دعوة إلى الخير والإصلاح يقف المنافقون ومرضى القلوب والأخلاق حجر عثرة يثيرون الأفكار ويبثّون الوساوس والدسائس ويثبطون الهمم. فواجب الدعاة عدم الأبوه لهم والسير قدما في طريق الخير والإصلاح الذي اضطلعوا بالسير فيه.
وأسلوب الآيات في حدّ ذاتها قوي رائع سواء فيما أمرت به المؤمنين من الإكثار من ذكر الله وتسبيحه في كل وقت وفي بشراها بأن الله عز وجل يمنحهم دائما بركاته وهو الرحيم بهم وبأن الملائكة دائمو الدعاء لهم وبأن ذلك وسيلة وكفيل لإخراجهم من الظلمات إلى النور حيث يتضمن كل هذا تلقينا مستمر المدى لجميع المؤمنين في كل وقت. أم في ما احتوته من التنويه العظيم بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي شاءت حكمة الله أن يختاره ليكون داعيا إليه مبشرا ونذيرا وسراجا منيرا للناس في كل ظرف ومكان.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأولى أحاديث عديدة فيها تنويه بفوائد ذكر الله عز وجل منها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي الدرداء رواه أيضا الترمذي بصيغة مقاربة قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله تعالى» «1» . ومنها حديث رواه البخاري عن أبي العالية وأورده مؤلف التاج مرويا من الشيخين والترمذي عن أبي هريرة بهذا النصّ قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه. وإن اقترب إليّ شبرا اقتربت إليه ذراعا وإن اقترب إليّ ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» «2» .
حيث يتساوق التلقين اللغوي مع التلقين القرآني فيما لذكر الله تعالى من فوائد يأتي في مقدمتها أن من شأن ذكر الله منع الذاكر من الارتكاس في ما نهى الله عنه وحفزه على الاندفاع في ما أمره وفي هذا وذاك جماع الخير والنجاة في الدنيا والآخرة.
ومن هنا تبدو الحكمة السامية الربانية والنبوية في تكرار الأمر بالإكثار من ذكر الله عز وجل مما مرت منه أمثلة كثيرة في السور المكية والمدنية وتفسيرها. وقد علقنا
(1) التاج، ج 5 ص 83.
(2)
المصدر نفسه ص 78 و 79 وهناك أحاديث أخرى في ذكر الله في تفسير ابن كثير وفي التاج الجزء الخامس فاكتفينا بما أوردناه.