الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتخذ من خلقه إبراهيم خليلا، وقال آخر وكلّم الله موسى تكليما. وقال آخر وعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر وآدم ونوحا اصطفاهما، فسلّم النبي وقال قد سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى نجيّ الله وهو كذلك وعيسى كلمة الله وروحه وهو كذلك وآدم ونوح اصطفاهما الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفّع يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرّك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر» «1» .
تعليق على ما روي في صدد آية المباهلة
روى المفسرون روايات عديدة في صدد هذه الآية في صيغ مختلفة. معظمها يفيد أنها في صدد مناظرة وفد نجران. وواحدة منها تذكر أنها في صدد موقف حجاجي بين النبي واليهود. وورود الآية في سياق في صدد عيسى عليه السلام يجعل الرجحان للقول الأول. ومما جاء في الروايات التي تذكر أنها في صدد وفد نجران أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزلت الآية غدا محتضنا الحسين وآخذا بيد الحسن وفاطمة أو فاطمة وعلي رضي الله عنهم يمشيان وراءه أو دعا هؤلاء وقال لهم إذا دعوت فأمّنوا ثم جاء إلى وفد نجران فدعاه إلى المباهلة حسب نصّ الآية فاعتذر وقال ما ذكرناه في مناسبة سابقة من أنهم يكتفون منه بقوله إن عيسى كلمة الله وروح منه وطلبوا منه الموادعة. وهناك رواية تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده وعليا وولده رضي الله عنهم ليشتركوا معه في المباهلة والملاعنة وليس من شيء من هذه الروايات واردا في كتب الصحاح إلّا حديث مقتضب لا يذكر المباهلة رواه مسلم والترمذي عن عامر بن سعد عن أبيه قال: «لمّا
(1) التاج، ج 3 ص 206 وانظر أيضا الصفحات 204 و 205 ففيها أحاديث عديدة أخرى في فضل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. [.....]
أنزل الله الآية دعا النبيّ عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهمّ هؤلاء أهلي» «1» .
ولقد شغل هذا الأمر حيزا كبيرا في احتجاجات الشيعة وتأويلاتهم. وكانت رواية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وفاطمة وعليا رضي الله عنهم معه إلى المباهلة عمادهم في ذلك. واعتبروها حقيقة يقينية وقالوا إن جملة وَأَنْفُسَنا عنت عليا لأن النبي هو الداعي فلا يكون مدعوّا وإن عليا والحالة هذه أفضل الخلق بعد النبي وأفضل من سائر الأنبياء لأنه في مقام النبي محمد. وإن عدم اصطحاب النبي أحدا من نسائه واصطحابه فاطمة يدل على أن كلمة وَنِساءَنا في الآية لا تعني زوجاته وإنما عنت بنته. وإن الحسن والحسين هما ابنا النبي ولو لم يكونا من صلبه لأنه اصطحبهما على اعتبار أنهما أبناؤه. وإنه لما كانت المباهلة لا تصلح إلّا بين مكلفين فيكون صغر سنهما وعدم بلوغهما الحلم لا ينافيان كمال العقل والتكليف فضلا عن جواز خرق الله العادة للأئمة واختصاصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم.
والتكلّف والتجوّز والتعسّف بل والمفارقة ظاهرة في كل ذلك مما يقع الشيعة في مثله وأكثر منه على ما مرّ منه أمثلة كثيرة. ولقد تغافلوا في تأويلاتهم عن كون النبي لا يمكن أن يناقض القرآن في تسمية بنته الوحيدة بنسائه حيث عنى القرآن بهذه الكلمة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في آيات سورة الأحزاب [28- 30] كما تغافلوا عن أن الدعوة كانت مشتركة تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ فلم يسألوا أنفسهم ماذا تكون عنت كلمة وَأَنْفُسَكُمْ بالنسبة للوفد حينما أوّلوها بالنسبة للنبي بعلي أي بغير النبي. ولم يرو أحد أن الوفد كان يصطحب نساء وأولادا.
وأسلوب الآية أسلوب تحدّ وإفحام. وابن هشام الذي يروي خبر ما كان بين النبي ووفد نجران بالتفصيل ويورد آيات سورة آل عمران في سياق ذلك لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعد للمباهلة فعلا كما لم يذكر أنه أخذ فاطمة وعليا والحسن والحسين رضي الله عنهم للمباهلة. وكل ما ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى المباهلة فاستمهلوه لينظروا في الأمر ثم غدوا فقالوا له رأينا يا أبا القاسم أن لا نلاعنك. وكل هذا يجعلنا نشك
(1) انظر أسد الغابة والمواهب اللدنية للزرقاني ومشارق الأنوار للحمزاوي.
في الرواية ونرجح أنها من صنع الشيعة لتأييد أهوائهم كما فعلوا مثل ذلك كثيرا.
ولقد تصدّى الشيخ محمد عبده لهذه المسألة على ما جاء في تفسير رشيد رضا فقال إن مصادر هذه الرواية الشيعة. ومقصدهم معروف. وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتى راجت على كثير من أهل السنة. ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية، فإن وَنِساءَنا لا يقولها عربي ويريد بها ابنته إذا كانت له زوجة.
ولقد ذكرنا قبل أن ابن هشام أورد خبر قدوم وفد نجران بعد خبر وقعة بدر وقبل خبر وقعة أحد. وأن الفصل الطويل الذي يتفق المفسرون على أنه نزل في مناظرة وفد نجران والذي نحن في صدده قد وضع في السورة قبل فصل وقعة أحد.
وأن ذلك يمكن أن يجعل وقت قدوم هذا الوفد عقب انتصار النبي والمسلمين على قريش في بدر وقبل وقعة أحد قوي الورود. وهذا الوقت يقارب أواخر السنة الهجرية الثانية ولقد أرّخ الرواة زواج فاطمة وعلي رضي الله عنهما بالسنة الهجرية الثانية وولادة الحسن رضي الله عنه بالسنة الثالثة وولادة الحسين رضي الله عنه بالسنة الرابعة أو الخامسة «1» . وهذا يعني أن الحسن والحسين رضي الله عنهما اللذين تروي روايات الشيعة أن النبي صحبهما للمباهلة لم يكونا قد ولدا حينما نزلت آية المباهلة
…
هذا، ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن رواية دعوة النبي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأولادهم هي أيضا مصنوعة لمقابلة روايات وتأويلات الشيعة المتعسفة مما له أمثال كثيرة روينا بعضها في مناسبات سابقة «2» .
والعلم يقتضينا أن نذكر أن هناك أحاديث أخرى وردت في الصحاح غير الحديث الذي رواه مسلم والترمذي وأوردناه قبل قليل في مناسبة آية المباهلة تروى في مناسبة آية سورة الأحزاب إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) . منها حديث رواه عمر بن أبي سلمة قال: «لمّا نزلت هذه
(1) انظر أسد الغابة والمواهب اللدنية للزرقاني ومشارق الأنوار للحمزاوي.
(2)
انظر فصل المناقب في الجزء التاسع من مجمع الزوائد ففيه أمثلة كثيرة من ذلك.
الجزء السابع من التفسير الحديث 11