الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجملة لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) جديرة بالتنويه كذلك. فخيانة الله ورسوله تعني خيانة الإسلام والمسلمين والانحراف عن أوامر الله ورسوله. والأمانة لذلك هي رأس الأمانات والحالة هذه والخيانة لذلك هي رأس الخيانات بطبيعة الحال. ومن تلقينات الجملة أن مصلحة الإسلام والمسلمين هي مصلحة كل مسلم وأن خيانتها هي بمثابة خيانة المرء لنفسه. ولا يفعل هذا إلّا فاقد الإيمان والعقل والبصيرة.
[سورة الأنفال (8) : آية 30]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30)
. (1) ليثبتوك: ليقيدوك أو يحبسوك.
في هذه الآية تذكير موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما كان من موقف الكفار في مكة إزاءه حيث تآمروا على سجنه أو قتله أو إخراجه فأحبط الله مكرهم بمكر أقوى وأنفذ.
تعليق على الآية وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ (1) أَوْ يَقْتُلُوكَ
لقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآية مكية. وروى بعض المفسرين ذلك عن بعض التابعين وذكر ذلك السيوطي أيضا «1» . والصورة التي احتوتها الآية مكية من دون ريب. غير أن أسلوبها تذكيري مشابه لصورة مكية أخرى في الآية [26] التي يدل مضمونها على مدنيتها دلالة قطعية تسوغ نفي مكية الآية التي نحن في صددها وترجيح مدنيتها هي الأخرى والقول إنها جاءت لتعقب على الآيات السابقة التي نوهت بما كان من نصر الله لنبيه والمؤمنين في بدر ولتذكر بما كان من
(1) الإتقان ج 1 ص 15 وانظر كتب تفسير الطبري والخازن وابن كثير وغيرهم.
نصر الله لنبيه في مكة حينما مكر به كفارها وتآمروا عليه وتنجيته إياه. وجمهور المفسرين يديرون الكلام عن الآية في هذا النطاق.
ويروي المفسرون في صدد جملة أَوْ يُخْرِجُوكَ أن المتآمرين قالوا نخرجه من بين أظهرنا ليذهب أنّى شاء لا نبالي بما يصنع. وهذا غريب فالمتآمرون يجتمعون للتشاور في الطريقة المثلى لمنع تفاقم خطر النبي فكيف يقول بعضهم بتركه حرا يذهب أنّى شاء؟ والمعقول أنهم قصدوا بذلك أن يخرجوه بالقوة إلى منفى إجباري يقيم فيه معزولا فتفشل حركته ويؤمن خطره. وليس ثمة معنى يصح أن يتبادر في هذا المقام غير هذا إلّا أن يقال إن مقترح هذا القول من الذين كانوا يميلون إلى بني هاشم أو ينتمون إليهم بنسب أو من الذين كانوا يعترفون في قرارة نفوسهم بأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حقّ ويخشون الدمار والاضطهاد من متابعته على ما شرحناه في سياق الآية [57] من سورة القصص. وعلى كل حال فإن ما حكته الآية لا يمكن أن يكون موضع تنفيذ وتحقيق إلّا من قبل من هم قادرون عليه. وهذا يسوغ القول بالتبعية إن أصحاب السلطة الحكومية في مكة كانوا هم المتآمرون أو على رأسهم وقد ذكرت الروايات أن اجتماع المتآمرين كان في دار الندوة، وهذه الدار كانت مجتمع أصحاب السلطة والشأن من زعماء قريش على ما تذكره الروايات أيضا.
ونرى أن نستدرك أمرا في صدد معنى الإخراج، ففي السور المدنية آيات عديدة تذكر أن كفار قريش أخرجوا النبي والمسلمين أو أن النبي والمسلمون أخرجوا من ديارهم مثل آيات البقرة [191] وآل عمران [195] والتوبة [41] والحج [40] والحشر [8] والممتحنة [1] والطلاق [8] فالمتفق عليه أن هذه العبارات عنت في مقامها الإلجاء أو الاضطرار إلى الخروج بشدّة المضايقة والمناوأة وليست في معنى الإخراج أو الطرد عنوة وبالقوة وهذا غير ما يتبادر لنا من كلمة يُخْرِجُوكَ في الآية التي نحن في صددها والله أعلم.