الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
الذين تبوّؤوا الدار والإيمان من قبلهم: الجمهور على أن الجملة كناية عن الأنصار والدار هي دار الهجرة أي المدينة حيث كانوا مقيمين فيها وقد آمنوا قبل قدوم المهاجرين إليها.
(2)
لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا: الجمهور على أن الضمير في الكلمتين الأوليين عائد إلى الأنصار وفي كلمة أُوتُوا عائد إلى المهاجرين.
ومعنى الجملة لا يشعر الأنصار بحسد أو غيرة مما أوتي المهاجرون.
(3)
يؤثرون على أنفسهم: من الإيثار أي يؤثرون الغير على أنفسهم.
(4)
خصاصة: فاقة وحاجة.
تعليق على الآية لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) والآيتين التاليتين لها
عبارة الآيات واضحة. وتبدو أنها بيان توضيحي للمستحقين للفيء من الفقراء حيث شمل أولا الفقراء المهاجرين الذين اضطروا إلى الخروج من ديارهم والتخلي عن أموالهم فيها ابتغاء فضل الله ورضوانه ونصرة دينه ورسوله. وثانيا فقراء الأنصار الذين آمنوا برسالة النبي في دار الهجرة قبل أن يأتي إليها المهاجرون ورحبوا بالذين هاجروا إليهم وأحبوهم والذين يؤثرون غيرهم على أنفسهم ولو كان
بهم فاقة وحاجة ولا يحسدون المهاجرين على ما أوتوا ولا يغارون منهم حيث أثبتوا أن الله قد وقاهم من الشحّ وهيأ لهم بذلك سبيل الفلاح. وثالثا فقراء المسلمين الذين آمنوا بعد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار واندمجوا فيهم وكانوا يدعون الله بأن يغفر لهم ولإخوانهم السابقين عليهم بالإيمان وبأن لا يجعل في قلوبهم غلا ولا حسدا نحوهم وهو الرؤوف بعباده الذي يشملهم بسابغ رحمته.
ولقد روى المفسرون «1» ما يفيد أن المهاجرين كانوا فقراء لا أرض ولا مورد لهم وكانوا عالة على الأنصار فلما فتح الله على النبي ويسّر له أموال بني النضير شاور الأنصار واسترضاهم في النزول عن حقهم فيها حتى يقسمها على المهاجرين فيكفوهم مؤونتهم وأن الأنصار رضوا بذلك عن طيب خاطر ولم يشعروا بحسد ولا غيرة مما اعتزمه النبيّ من توزيع الفيء على المهاجرين عدا الذين في قلوبهم مرض ونفاق. وأن النبي قسّم هذه الأموال على المهاجرين فقط ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة رجال فقراء منهم. وأن الآيات بسبيل تأييد ما فعله النبي إلهاما، والثناء على الأنصار الذين تنازلوا عن حقهم.
ونحن في حيرة من هذه الروايات التي رواها معظم المفسرين عزوا إلى ابن عباس لأننا نراها متناقضة مع تقرير الآيات السابقة التي شرّعت جميع الفيء للمصالح العامة والمحتاجين لأنه تيسر بدون إيجاف خيل وركاب فلم يستحق فيه المسلمون استحقاقا ملزما كاستحقاقهم في الغنائم التي يحوزون عليها بعد قتال وإيجاف خيل وركاب ومنعت قسمته على المسلمين الميسورين. بل وتتناقض مع روح الآيات نفسها التي جاءت مطلقة وبعضها معطوف على بعض بحيث تبدو بأسلوب قوي أنها أرادت فقراء الفئات الثلاث معا أي السابقين من المهاجرين والأنصار والذين آمنوا بعدهم واندمجوا فيهم.
وكل ما يمكن احتماله فيما نرى وفيه توفيق بين روح الآيات وخطوط الرواية أن تكون ما آلت إليه حالة المهاجرين الاقتصادية من ضيق وحرج قد ألهمت
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.
النبي صلى الله عليه وسلم بقصر الفيء الذي تيسّر بدون إيجاف وحرب على المصالح العامة والفقراء المساكين واليتامى وأبناء السبيل وذي القربى دون الأغنياء ولم يكن من المهاجرين أغنياء وإنما كان من الأنصار وأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد خاطب هؤلاء فأظهر المخلصون وهم الأكثرية العظمى منهم الرضاء دون اعتراض وحساسية مما كان جعلهم يستحقون التنويه العظيم الذي احتوته الآية. وظلّ الذين في قلوبهم مرض منهم يشغبون وينتقدون فاقتضت حكمة التنزيل تأييد النبي بهذه الآيات والتي قبلها لتكون حاسمة للأمر وتشريعية مطلقة لأمثال الفيء فيما بعد. ولعل ما ذكرته الروايات من إعطاء النبي فقراء من الأنصار نصيبا من هذا الفيء قرينة أو دليل على ذلك.
ولقد روى الإمام أبو يوسف والإمام أبو عبيد أن المسلمين الذين فتحوا العراق طلبوا من عمر بن الخطاب أن يقسم أرض السواد العراقي عليهم فأبى وقال لهم إنه لجميع فقراء المسلمين في جميع أجيالهم حقا في ذلك استنادا إلى هذه الآيات. وأبقاها كذلك. يؤخذ ريعها من مستأجريها ويوزع على فقراء المسلمين حيث يمكن القول على ضوء هذه الرواية الواردة في أقدم كتابين وصلا إلينا لإمامين مشهورين أن عمر رضي الله عنه اعتبر الآيات توضيحا للمستحقين للفيء من فقراء المسلمين على اختلافهم سواء أكانوا من المهاجرين أم من الأنصار الأولين أم من الذين آمنوا بعد الرعيل الأول من هؤلاء وأولئك. ثم اعتبرها مستمرة الحكم بالنسبة لجميع أجيال المسلمين في مستقبل الأيام. وصيغة الآيات وعطف بعضها على بعض ومجيئها بعد ذكر مصارف الفيء وخاصة الفئات المحتاجة من المسلمين مما يدعم هذا الاعتبار.
ونقف إزاء تصرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنقول إنه صورة من ما كان يفهم كبار أصحاب رسول الله من التوجهات القرآنية. وإنه عمل فريد رائع في بابه فيه تدشين لما يمكن أن يسمى أملاك الدولة التي ترصد على فقراء المسلمين تطبيقا عمليا لتشريع مساعدة هؤلاء الفقراء التي جعلت من نظام الدولة الإسلامية على ما تلهمه الآيات. وعلى ما شرحناه في سياق شرحنا آيات خمس
الغنائم والزكاة في سورتي الأنفال والمزمل.
ويتبادر لنا أن عمر رضي الله عنه اعتبر فقراء المسلمين من الفئات الثلاث بمثابة (مساكين) في معنى الكلمة الذي جاء شرحها في حديث نبوي رواه الشيخان عن أبي هريرة «ليس المسكين الذي يطوف على الناس تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكنه الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدّق عليه ولا يقوم فيسأل الناس» . ويتبادر لنا كذلك أن عمر رضي الله عنه لا بدّ من أنه لحظ جمع مصارف الفيء وكان ينفق من إيراد السواد العراقي عليها حسب ما تقتضيه المصلحة وأن ما روي إنما كان لتطبيق مدى الآية وعدم توزيع الأرض على الفاتحين وإبقائها بمثابة الفيء والمصارفة والله تعالى أعلم. والمستفاد مما ذكره أبو عبيد أيضا أن عمر رضي الله عنه سلك في أرض الشام المفتوحة ما سلكه في أرض العراق.
هذا، ووصف الفئات الثلاث المخلصة في حدّ ذاته وصف قوي محبب وجدير بالتأمل والإجلال ويدل على ما كان من قوة إخلاص السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لدين الله ورسوله وتحمّلهم معظم التضحيات في سبيلهما فاستحقوا ثناء الله العظيم في هذه الآيات وفي آية التوبة هذه وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) كما استحقوا ثناء رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة وردت في الكتب الخمسة منها حديث رواه مسلم عن أبي موسى جاء فيه:«أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون» «1» . وحديث آخر رواه مسلم عن أبي موسى جاء فيه: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» «2» . وحديث رواه
(1) انظر التاج، ج 3 ص 270- 272. [.....]
(2)
المصدر نفسه.
الأربعة عن أبي سعيد جاء فيه «لا تسبّوا أحدا من أصحابي فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» «1» وحديث رواه الترمذي عن بريدة جاء فيه: «ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلّا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة» «2» وحديث رواه الشيخان عن البراء جاء فيه: «الأنصار لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق فمن أحبّهم أحبّه الله ومن أبغضهم أبغضه الله» «3» . وحديث رواه الشيخان عن أنس جاء فيه: «آية الإيمان حبّ الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» «4» . وحديث رواه الشيخان عن أنس أيضا جاء فيه يخاطب امرأة من الأنصار: «والذي نفسي بيده إنّكم لأحبّ الناس إليّ، ثلاث مرات» «5» . وحديث رواه البخاري والترمذي عن أبي هريرة جاء فيه: «لو أنّ الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» «6» وحديث رواه مسلم والترمذي عن زيد بن أرقم جاء فيه: «اللهمّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ولنساء الأنصار» «7» .
وهذه الأحاديث خلاف أحاديث كثيرة في عدد كبير بأعيانهم من المهاجرين والأنصار.
ونقول استطرادا: أولا: إن كلمة (صحابي) مع أنها تطلق من قبل المسلمين على كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين فإن كلمة (أصحابي) في هذه الأحاديث تدلّ في مقامها على أن المقصود منهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في حياته رضي الله عنهم. وثانيا: إن
(1) انظر التاج، ج 3 ص 270- 272.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
انظر التاج ج 3 ص 341- 344.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
المصدر نفسه.
اسم (المهاجر) يطلق على من هاجر من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة فقط. لأن هناك حديثا نبويا جاء فيه: «لا هجرة بعد الفتح» وإن المهاجرين أنواع، نوع هاجر إلى الحبشة قبل هجرة النبي إلى المدينة ثم جاؤوا منها إلى المدينة. ونوع هاجر إلى المدينة من مكة في ظروف هجرة النبي إلى المدينة. ونوع هاجر إلى المدينة من مكة بعد مدة ما وقبل فتح مكة وظلّ أثناء هذه المدة مشركا. وإن كلمة (السابقين الأولين) بالنسبة للمهاجرين تطلق على النوعين الأولين فقط. وثالثا: إن الأنصار أيضا أنواع، نوع آمن قبل هجرة النبي إلى المدينة وهم الذين ذكروا في الآية الثانية التي نحن في صددها. ونوع آمنوا بعد هجرته. وإن كلمة (السابقين الأولين) بالنسبة للأنصار تطلق على النوع الأول فقط.
هذا، ولقد روى الشيخان والترمذي كسبب لنزول جملة وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ عن أبي هريرة قال:«جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال ألا رجل يضيّفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله لا تدّخريه شيئا. قالت والله ما عندي إلّا قوت الصبية. قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوّميهم وتعالي فاطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله فقال لقد عجب الله أو ضحك الله عز وجل من فلان وفلانة فأنزل الله الجملة» «1» . والجملة جزء من آية والآية جزء من سياق. وكل ما يمكن أن يكون أن النبي تلا الآية حينما فعل الأنصاري وامرأته ما فعلاه فالتبس الأمر على الرواة.
ولقد أورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن أنس قال: «قال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا في كثير. فقد كفونا المئونة وأشركونا في المهنأ. حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كلّه» . وروى البخاري عن أنس قال: «دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يقطع لهم البحرين
(1) انظر التاج، ج 3 ص 341- 344.