الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودعوا فليدخلوا وإذا أكلوا فليتبادروا إلى الخروج دون إطالة مكث بقصد السمر والحديث.
2-
وتنبههم فيه إلى أن ما كان من تصرف مخالف منهم لهذا كان مما يثقل على النبي ويؤذيه ولكنه كان يستحيي منهم فلا يصارحهم. والله لا يستحيي من الحقّ. ولذلك فهو ينهاهم وينبههم إلى ما يقتضي من الأدب في هذا الباب. وإذا ما كان لهم حاجة ما عند نساء النبي فعليهم أن يسألوهن عنها من وراء ستار. فهذا هو أطهر لقلوبهم وقلوبهن. وعليهم أن يلتزموا هذه الآداب ولا يؤذوا رسول الله بمخالفتها. وليس لهم كذلك أن يتزوجوا بزوجاته من بعده أبدا فإن إثم ذلك عند الله عظيم. وعليهم أن يذكروا دائما أن الله عليم بكل شيء سواء أأظهروه أم أخفوه في صدورهم.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ
…
إلخ والآية التالية لها
وقد روى المفسرون ورواة الحديث في صدد القسم الأول من الآية الأولى بعض أحاديث وروايات. ومما رواه الشيخان والترمذي من ذلك «أن النبي صنع طعاما في مناسبة بنائه على زينب وأمر أنسا أن يدعو الناس فصار يدعوهم فيأتون فيأكلون ويخرجون ثم يجيء غيرهم فيأكلون فيخرجون حتى لم يجد أحدا يدعوه، فقال: يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، فقال: ارفعوا طعامكم. وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج رسول الله فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك بارك الله لك، فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي فإذا ثلاثة رهط يتحدثون وكان النبي شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فأخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في
أسكفة الباب داخلة والأخرى خارجة أرخى الستر بينه وبين أنس ونزلت الآية إلى جملة ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» «1» .
وقد روى الشيخان في صدد القسم الثاني من الآية: «أن عمر قال: قلت يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آيات الحجاب وهي: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» «2» .
والحديث الأول أكثر اتساقا مع مضمون الآية. ويفيد الحديث الثاني أن عمر كان يتمنى حجبهن شخصيا بحيث لا يراهن أو يجلس إليهن الناس وفيهم البرّ والفاجر في حين أن مضمون الآية لا ينطوي على هذا القصد تماما.
ولقد روى الطبري حديث عمر ثم روى أن أنس بن مالك قال: أنا أعلم الناس بهذه الآية ثم ساق حديث وليمة النبي صلى الله عليه وسلم في مناسبة زواجه بزينب على النحو الذي جاء في الحديث الأول كأنما يصحح المناسبة. وهذا لا ينفي أن يكون عمر اقترح على النبي قبل نزول الآية حجب نسائه وأن يكون اعتبر الآية حين نزلت استجابة لاقتراحه. وقد روى البخاري عن ابن عمر حديثا عن عمر قال: «وافقت أبي في ثلاث. قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة [125] وقلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلّمهن البرّ والفاجر فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي في الغيرة عليه فقلت لهن عسى ربي إن طلّقكن أن يبدله خيرا منكن فنزلت آية التحريم عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ
…
إلخ الآية» . حيث ينطوي في الحديث دليل آخر على هذا الاعتبار.
(1) انظر التاج فصل التفسير ج 4 ص 187- 188، وانظر أيضا تفسير الآيات في الطبري والطبرسي والخازن والبغوي وابن كثير. ففي كتبهم أحاديث وروايات أخرى بينها بعض التغاير في الصيغ مع الاتفاق في الجوهر فاكتفينا بنقل ما رواه الشيخان والترمذي.
(2)
المصدر نفسه.
وقد روى المفسرون في صدد القسم الأخير من الآية الأولى أن بعض المسلمين قال إنه إن عاش بعد النبي ليتزوجن بعائشة. والرواية ليست بعيدة الاحتمال والأرجح إن صحت أن يكون القائل من الذين لم يرسخ الإيمان في قلوبهم بعد، لأن في قوله شيئا من التحدي لا يمكن أن يصدر من مخلص صادق الإيمان.
وعلى كل حال فالذي نرجحه أن الفقرة الأخيرة لم تنزل لحدتها وأن الآيتين نزلتا معا. ومن المحتمل أن يكون هذا القول المروي قد صدر قبل نزولهما فاقتضت الحكمة التنبيه على ما فيه من إثم عظيم للمناسبة الموضوعية.
وواضح من نصّ الآية الأولى أنها في صدد بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته بخاصة. كما أن من الواضح منها أن الحجاب المذكور فيها لا يعني نقاب الوجه وإنما يعني ستار الباب أو حجابه وأن الأمر بسؤالهن من وراء حجاب إذا أريد سؤالهن متاعا مستتبع للأدب الذي تعلمه الآية بعدم الدخول لبيوت النبي إلّا بإذن ودعوة إلى طعام وعدم إطالة المكث للسمر والحديث، حتى إن حديث عمر لا يفيد ذلك قط. ووجه المرأة ويداها ليسا عورة فهي تصلي وهما مكشوفان. وتؤدي مناسك الحج وهما مكشوفان. بل هناك حديث نهى النبي فيه عن النقاب والقفازين في إحرام المرأة على ما أوردناه في تفسير آيات الحج في سورة البقرة.
وفي سورة النور آيات فيها تعليم عام بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات عامة في صدد دخول بعضهم على بعض وتناول الطعام والدخول على المخادع وما يجوز للمرأة إظهاره من زينتها لمحارمها إلخ مما يقوي الدليل على خصوصية حكم الآية الأولى ببيوت النبي. والمتبادر أن حالة بيوت النبيّ التي لم تكن إلّا حجرات في طرف الساحة المسورة التي اتخذ النبيّ قسما منها للصلاة والاجتماع بالناس هي التي اقتضت هذا النهي. وقد ذكر الطبري في سياق الآيات وسبب نزولها أن زينب كانت موجودة في البيت الذي ظلّ بعض المدعوين سامرين فيه. وتحريم التزوج بنساء النبي بعده في الآية الأولى دليل قطعي على أن حكمها ومداها محصوران