الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد زينا فقال لهم كيف تفعلون في من زنى منكم؟ قال: نحممهما ونضربهما فقال لا تجدون في التوراة الرجم فقالوا لا. فقال لهم عبد الله بن سلام كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فلما أتوا بها وضع مدراسها الذي يقرأ لهم كفّه على آية الرجم فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم فنزع يده عن مكانها وقال ما هذه قالوا هي آية الرجم فأمر النبيّ بهما فرجما قريبا من المسجد فرأيت صاحبها يحني عليها يقيها من الحجارة» .
وظاهر من النص أن الجملة القرآنية فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها تليت في هذه المناسبة تلاوة. ولا يذكر الحديث أنها نزلت في الحادثة. وتظل الروايات السابقة هي الواردة على نحو ما شرحناه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
. عبارة الآيتين واضحة. وفيها تنويه بفضل الكعبة وتقرير بأنها أول بيت قام لعبادة الله وهو مبارك وهدى للعالمين وفيه علامات واضحة تدل على مقام إبراهيم. ومن دخله كان آمنا. وقد فرض الله زيارته وحجّه على كل فرد من الناس استطاع إلى ذلك سبيلا تقرّبا لله وعبادة له. ومن يكفر بذلك فليس بضار الله الذي هو غني عن العالمين وعبادتهم.
تعليق على الآية إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ
…
إلخ والآية التالية لها
وقد روى المفسرون أن الآيتين نزلتا في مناسبة محاجّة قامت بين النبي واليهود أو بين المسلمين واليهود، ادّعى اليهود فيها فضل معبدهم في بيت الجزء السابع من التفسير الحديث 13
المقدس وفضل استقباله دون الكعبة. وقالوا إن إبراهيم كان يعظم بيت المقدس ويتجه إليه في عبادته فتابعه أبناؤه وذريته وأن النبي لو كان حقا على ملته كما يقول لتابعه ولم يخالفه. ورووا في سبب نزول جملة وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) أن النبي لما نزلت آية الحج جمع أهل الأديان كلّها وقال يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمن بذلك ملّة وهم المسلمون وكفرت الملل الأخرى والروايات لم ترد في الصحاح. والرواية الأخيرة تقتضي أن تكون الآية الثانية نزلت مجزّأة مع أن سبكها لا يفيد ذلك وهي منسجمة كل الانسجام.
وباستثناء ذلك يتبادر لنا أن الرواية الأولى واردة. وقد احتوت الآيتان تكذيبا لليهود وتقريرا بنقل الكعبة وسبق قيامها لعبادة الله وصلتها بإبراهيم عليه السلام بدليل العلامات الظاهرة المعروفة بمقام إبراهيم عندها. وكون الله قد فرض حجها على من استطاع من الناس بناء على ذلك. أما جملة وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) فالمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضتها كإعلان مسبق لكفر مفروض بذلك من اليهود. ويتبادر لنا بالإضافة إلى ذلك أن الآيتين متصلتان بالمشهد الذي تضمنته الآيات السابقة وأن مسألة المفاضلة بين الكعبة وبيت المقدس قد أثيرت فيه. ولقد انتهت الآيات السابقة بإعلان صدق ما حرّره الله والدعوة إلى اتباع ملة إبراهيم فاحتوت الآيتان ما احتوتاه لتوكيد سير النبي صلى الله عليه وسلم على ملة إبراهيم دون اليهود. ولعل اليهود قالوا فيما قالوه إن الكعبة لم تذكر في التوراة ولو كان لإبراهيم صلة بها وكانت هي الأفضل لذكرت فأريد أن يقال لهم إن التوراة لا تذكر أشياء كثيرة مما كان قبل نزولها، وضرب لهم مثل بمحرمات الأطعمة التي ذكرتها التوراة مع أن كل طعام كان حلا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه قبل نزولها. وإن ذلك لم يذكر في التوراة. فراوغوا فتحدتهم الآيات بتلاوة التوراة وإثبات عكس ذلك. والله تعالى أعلم.
ولقد قال بعضهم إن فرض الحج في الآية الثانية كان في السنة التاسعة «1»
(1) جاء هذا في مقال للشيخ محمد الشرقاوي المدرّس بمعهد الإسكندرية الأزهري في مجلة الوعي الإسلامي عدد ذو القعدة (1385) دون أن يذكر سندا.
وسياق الآيات وما روي في نزولها يؤيد أن ما ذكرناه في سياق تفسير فصل الحج في سورة البقرة من أن الحج قد فرض على المسلمين في وقت مبكر من العهد المدني. فالسياق يدل بصراحة على أن اليهود كانوا ذا وجود قوي في المدينة حينما نزلت الآيات. في حين أنهم لم يعد لهم وجود في السنة التاسعة. هذا فضلا عن الدليل الآخر المنطوي في جملة وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ في الآية [196] من سورة البقرة على ما شرحنا الأمر في سياقها. والله أعلم.
ولقد ذكر مقام إبراهيم في آية البقرة [125] والتي احتوت أمرا باتخاذه مصلى والتي ذكر فيها أن الله قد جعل البيت مثابة وأمنا. وبين هذا وما جاء في الآيتين تشابه. ولقد خمّنا أن سلسلة آيات البقرة [104- 152] قد تضمنت فيما تضمنته مواقف حجاج وجدل في صدد الكعبة وبيت المقدس حينما تحول النبي في صلاته نحو الكعبة بدلا من سمت بيت المقدس. وقد علقنا على ذلك بما يغني عن التكرار إلا أن نقول إن الآيات التي نحن في صددها قد تدل على أن هذا الجدل قد ثار ثانية بين النبي واليهود فاقتضت حكمة التنزيل الوحي بها لوضع الأمر في نصابه الحق للمرة الثانية. ولقد قررت الآية [144] من سلسلة البقرة المذكورة أن اليهود يعرفون حقيقة أفضلية الكعبة والاتجاه إليها فجاءت الآيات لتؤكد ذلك بأسلوب مفحم وحاسم آخر. والله تعالى أعلم.
ولقد تعددت الروايات والتأويلات التي يرويها المفسرون في صدد أولية البيت المذكور في الآية الأولى. وقد أوردنا هذه الروايات وأوردنا معها حديثا رواه الشيخان والنسائي عن أبي ذرّ في سياق تفسير سورة قريش التي ورد فيها كلمةْبَيْتِ
لأول مرة، وعلقنا على ذلك بما يغني عن التكرار فنكتفي بهذا التنبيه فليرجع القارئ إلى ذلك التعليق.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين والمؤولين لكلمة (بكة) منها أنها اسم آخر