الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الآيات:
1-
تنديد لاذع باليهود. فقد أتاهم الله التوراة وأمرهم بالسير عليها وتدبر ما فيها وتنفيذه، وهذا معنى حمّلوا التوراة، فلم يفهموها ولم يقوموا بحقها وانحرفوا عنها، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل كتبا لأنه لا ينتفع بما فيها. وبئست حالة قوم مثل حالتهم بتكذيبهم آيات الله. ولن ينالوا توفيق الله وتسديده لأن الله لا يوفق الظالمين أمثالهم.
2-
وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتحدّيهم. فإذا كانوا صادقين في زعمهم أنهم أولياء الله وأصحاب الحظوة لديه دون سائر الناس فليتمنوا الموت الذي يقرّبهم إلى الجزاء الأخروي العظيم الذي يمنّون النفس به.
3-
وتقرير بحقيقة واقعهم. فإنهم لا يتمنون الموت أبدا لأنهم يخافون المصير الرهيب بسبب ما اقترفوه وقدموه بين أيديهم من الآثام. وإن الله لهو العليم بالظالمين.
4-
وإنذار لهم. فالموت الذي يخافونه ويتهربون منه ملاقيهم لا محالة.
وإنهم لراجعون إلى الله عالم الحاضر والمستقبل والمغيب ومنبّأون بما عملوا ومحاسبون عليه.
تعليق على الآية مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً
…
إلخ والآيات الثلاث التالية لها
ولم نطلع على رواية في مناسبة نزول هذه الآيات أيضا. والمتبادر أنها والآيات السابقة لها سلسلة واحدة. نزلت دفعة واحدة. وفي سياق موقف جدلي قام بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود. وتفاخر اليهود فيه وتبجحوا بأنهم أولياء الله وأحباؤه وموضع حظوته وأن الدار الآخرة خالصة لهم دون سائر الناس. بل ويستلهم من روح آيات السورة الأربع الأولى أنهم قالوا فيما قالوه إن الله جعل النبوة فيهم خاصة
وأنكروا- بناء على ذلك- نبوة النبي لأنه عربي. فنزلت الآيات تكذبهم وتندد بهم وتتحداهم وتفحمهم بأسلوب قوي نافذ ولاذع.
وننبّه على أن مثل هذه المزاعم والأقوال والمواقف قد حكيت عن اليهود في آيات عديدة في سورتي البقرة وآل عمران اللتين مرّتا وفي سورتي النساء والمائدة اللتين تأتيان بعد مما يدل على أنها كانت تتكرر منهم في المناسبات المختلفة.
وهذا الموقف من اليهود لا يمكن أن يكون منهم إلّا في ظرف كانوا فيه في المدينة على شيء من القوة والاعتداد. وهذا يصدق عليهم في السنين الخمس الأولى من الهجرة. وهو ما جعلنا نقدم السورة على ما شرحناه في مقدمتها.
ولقد جاء في آية سورة الأعراف [157] التي سبق تفسيرها أن أصحاب التوراة والإنجيل يجدون النبي الأمّي مكتوبا في كتابيهما المذكورين وقلنا في سياق تفسيرها إن الآيات كانت تتلى علنا ولا ريب في أنها كانت تعبر عن حق وحقيقة يسلم بهما أصحاب الكتابين. ولقد جاء في آية سورة الأحقاف [10] التي سبق تفسيرها أن من الإسرائيليين من شهد وآمن برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك تقرير لواقع لا شك فيه. ولقد جاء في آية سورة الأنعام [114] وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وهذا تقرير لواقع لا شكّ فيه. ولقد جاء في آيات سورة الإسراء [107 و 108] وآيات سورة القصص [52- 55] أن الذين أوتوا العلم والكتاب اعترفوا وآمنوا بصدق القرآن ورسالة النبيّ. وجاء في آية سورة آل عمران [199] وسورة النساء [162] أن من أهل الكتاب ومن الراسخين في العلم من بني إسرائيل من اعترف وآمن بصدق رسالة النبي. وهذا وذاك تقرير لواقع لا شكّ فيه فيكون تنديد الآية الأولى التي نحن في صددها وتمثيل المنكرين لنبوة النبي من اليهود بالحمار الذي يحمل الأسفار محلّين ملزمين مفحمين لأن الذين أنكروا نبوة النبي الأمي أنكروا ما هو وارد في توراتهم الذي جعل بعضهم يسلّمون به ويؤمنون بالقرآن وبالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم.