الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين يحبونهم ويودون لهم الخير ويؤمنون بكل ما أنزل الله، ومن ذلك ما أنزله من الكتب السابقة فإنهم لا يقابلون حبهم بحبّ ولا رغبة الخير لهم بمثلها ولا يؤمنون بما أنزل الله جميعه. وإذا لقوهم تظاهروا بالإيمان كذبا ورياء. وإذا خلوا إلى بعضهم عضوا أناملهم من شدّة غيظهم وحقدهم عليهم، وإذا نالهم خير استاءوا وإذا أصابتهم مصيبة فرحوا.
3-
تطمين للمسلمين فإنهم إذا صبروا وثبتوا في مواقفهم وراقبوا الله واتقوه لن يضرهم كيدهم وأذاهم وبأن الله محيط بكل ما يعملون ومحبطه.
وقد تخللت الآيات فقرات تعقيبية جريا على الأسلوب القرآني: فالله يبين للمسلمين الآيات ويوضح لهم الحقائق حتى يعقلوها ويسترشدوا بها. وليميت هؤلاء الأغيار بغيظهم الذي يأكل قلوبهم. والله عليم بخفايا صدورهم.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ
…
إلخ والآيتين التاليتين لها
وقد روى المفسرون «1» أن الآيات نزلت في جماعة من المسلمين كانوا يواصلون اليهود ويصادقونهم ويخالطونهم بحجة الحلف الذي كان بينهم في الجاهلية، كما رووا «2» أنها نزلت في جماعة من المسلمين كانوا يفعلون ذلك مع المنافقين بحجة القربى والوشائج الرحمية والقبلية. والروايات لم ترد في الصحاح، ولكن فحوى الآيات يتحمل أيا من الروايتين كما أن الواقع في المدينة في ظرف نزولها يتحمل أيا منهما أيضا. غير أن جملة وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وجملة وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ المماثلة بعض المماثلة للآية [76] من سلسلة آيات البقرة الواردة في حق اليهود قرائن تسوغ
(1) انظر تفسيرها في الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن. [.....]
(2)
المصدر نفسه.
ترجيح كونها في حق اليهود أكثر. والمتبادر أن جملة مِنْ دُونِكُمْ تنطبق كذلك على اليهود أكثر لأن المنافقين عرب من جنس المخاطبين أولا وكانوا يتظاهرون بالإسلام ويؤدون فرائضه حتى إنهم كانوا يشتركون في الحركات الحربية بقطع النظر عن مواقفهم المربية. وقد رجح الطبري ذلك. وإذا صحّ الترجيح تكون الآيات قد احتوت صورة قوية لشدة ما كان يضمره اليهود من العداء والحقد والغيظ للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين والحركة الإسلامية. ونهيا قويا متناسبا مع ذلك ومستندا إلى الواقع المشاهد الملموس عن الاستمرار في موادتهم وموالاتهم من قبل المسلمين واختلاطهم بهم. وهذه الصورة مؤيدة بآية سورة المائدة هذه: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [82] .
والآية تدل على أن الآيات الكثيرة الواردة قبلها في سورة آل عمران وسورتي الأنفال والبقرة والتي فيها بيان مواقف اليهود الكيدية والعدائية والتشكيكية نحو المسلمين لم تؤثر في فريق من المسلمين الذين يرجح أنهم المنافقون الظاهرون والمستترون حيث ظلوا يواصلونهم بالمودة ويختلطون بهم.
بل لقد ظلّ هذا مستمرا طيلة وجود اليهود في المدينة أي إلى السنة الهجرية السادسة على ما تدل عليه آيات عديدة وردت في سور أخرى بعد هذه السورة على ما سوف يأتي.
ومع الخصوصية الزمنية للنهي والتحذير اللذين احتوتهما الآيات فإن إطلاق الأمر وإطلاق الخطاب يجعل تلقينها شاملا لكل زمان ومكان. وظاهر من التعليلات والأوصاف الواردة أن النهي والتحذير هما بالنسبة إلى الجماعات غير الإسلامية التي تقف من المسلمين مواقف الكيد والعداء والحقد والكراهية ومظاهرة الأعداء وأنهما لا يشملان من يكون موادّا مسالما كافّا يده ولسانه عن المسلمين من غير المسلمين على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة.
ولقد روى ابن كثير في سياق الآية الأولى حديثا أخرجه ابن أبي حاتم جاء فيه: «قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة حافظ
كاتب فلو اتخذته كاتبا فقال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المسلمين» . وعقب ابن كثير على هذا بقوله إن الآية مع هذا الأثر دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين واطلاع على دواخل أمورهم. وفي كتاب تاريخ عمر بن الخطاب للجوزي بعض أخبار مماثلة أو مقاربة لما رواه ابن أبي حاتم.
ونقول تعليقا على ذلك: إن التعليلات التي احتوتها الآيات قوية الدلالة على أن النهي هو عن الذين عرفوا بعدائهم ومكرهم وكيدهم وقصدهم السوء بكل موقف ووسيلة للمسلمين. أو على الأقل الذين يغلب الظن على أنهم كذلك. أما من كانوا أو من غلب الظن على أنهم كانوا غير ذلك فلا نرى في الآية دليلا على عدم جواز انتفاع المسلمين بخبراتهم المتنوعة بالإضافة إلى حسن التعايش معهم.
وإذا صح ما روي عن عمر للظرف الذي كان الذميون فيه مظنة ريب وخيانة وغدر فليس من شأنه أن يكون قاعدة عامة مستمرة إلّا في نطاق ذلك. ولقد تصدى رشيد رضا لهذه المسألة بكلام طويل انتهى فيه إلى النتيجة التي قررناها آنفا. والله تعالى أعلم.
ويأتي بعد هذه الآيات فصل جديد طويل في صدد وقعة أحد. وبذلك ينتهي الشطر الأول من السورة الذي كان في صدد أهل الكتاب من نصارى ويهود. والذي نستلهمه من فحوى الآيات أن ما يتصل بمناظرة وفد نجران منه ينتهي بالآية [68] وليس فيه عنف وقسوة لأن الوفد قد جاء مستطلعا مناظرا ثم توادع مع النبي ورجع إلى بلاده على ما شرحناه قبل. وأن الآية [69] وما بعدها إلى آخر الآية [120] هي في صدد اليهود ومواقفهم الكيدية والتشكيكية والعدائية ولذلك تميزت عن الآيات السابقة لها بالعنف في التنديد والاستنكار والتحذير. وهكذا تكون سورة آل عمران كسورة البقرة قد احتوت سلسلة طويلة في حقّ اليهود اقتصرت على ذكر هذه المواقف دون استطراد إلى ربط حاضرهم بغابرهم إلّا لماما. والسلسلتان تدلان على ما كان لليهود من أثر في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان من نشاطهم الشديد في مناوأة النبي والمسلمين والإسلام، فاقتضت حكمة التنزيل أن تأتيا بالأسلوب